الرئيسيةالمالية العامة والسياسة المالية

د. الدكتور علاء الدين جعفر*: تأرجح العائدات النفطية والخيارات المتاحة في ظل الازمة المزدوجة – الحالة العراقية

تقديم:

 

أحدثت الأزمة المالية العالمية الأخيرة، والتي تزامنت مع تفشي فيروس كورونا، صدى كبيراً أصاب العالم بالذعر والخوف من تداعياتها التي امتدت سريعا إلى جوانب الاقتصاد الحقيقي الذي شهد تراجعا واضحا في معدلات النمو، وهو ما يعني انخفاض كبير في حجم الطلب الكلي على العديد من المواد الأولية ومصادر الطاقة. وقد كان النفط هو السلعة الرئيسية التي أصابها ذلك الأثر لتتراجع أسعاره العالمية بشكل غير متوقع الى اقل من 20 دولار / برميل مما أوقع الدول المصدرة للنفط وخاصة في منطقة الشرق الأوسط في إرباك حقيقي في إدارة اقتصادياتها وسياساتها المالية التي أرادت لها أن تكون طموحة جدا بما يتناسب والحجم الكبير من العائدات التي حققتها قبل الأزمة والتي توقعت لها أن تستمر طويلا. لكن قوة الحدث أربك الإدارات المالية لهذه الدول وجعل خياراتها محدودة وقدرتها على إدارة الأزمة ضعيفة لاسيما في تلك الدول التي تمثل فيها العائدات النفطية المصدر الأكبر لمواردها من العملة الصعبة.

 

تأتي هذه الورقة الموجزة لتحلل الموقف المالي والاقتصادي من تراجع العائدات النفطية وعلاقته بالمتغيرات الاقتصادية ذات الصلة ضمن منظور خاص للحالة العراقية والخيارات المفتوحة أمامها للتعامل بكفاءة مع الأزمة والحد من السلبيات المترتبة عليها.

 

العائدات النفطية والمتغيرات الاقتصادية الكلية:

 

إن الدول المنتجة والمصدرة للنفط تواجه تحدياً خاصاً في كيفية إدارة اقتصادياتها ليس فقط بسبب التقلب الكبير في أسعار وعوائد النفط ولكن أيضا بسبب أن النفط سلعة ناضبة وسيأتي اليوم الذي ينتهي فيه هذا المورد. إن عدم استقرار العائدات النفطية يولد عدداً من التعقيدات في السياسة المالية على الأمد القصير والطويل، وهي مرتبطة بعدد من القضايا الجوهرية ومنها حجم الأهمية النسبية لقطاع النفط في الاقتصاد الوطني وحجم الاحتياطيات من النفط الخام وتطور الصناعة النفطية ومرحلة تطور القطاعات الأخرى غير النفطية.

 

إن التحدي الأكبر للدولة النفطية هو كيفية إدارة الثروة النفطية بحكمة ومن دون تبذير وتبديد للعائدات المتحققة لاسيما أن النفط سلعة متأرجحة الأسعار وان العائدات متقلبة الاتجاه. لذلك فإن التركيز يجب أن ينصب أولا على الأجل الطويل، وان مفتاح التحدي للسياسة المالية هو القرار بشأن كيفية تخصيص وإدارة الموارد لأجيال متعاقبة. وهذا التحدي يجب أن يتحول إلى اهتمام بعدالة التوزيع للموارد والأعباء لعدد من الأجيال الحالية والقادمة. وهنا علينا أن نستعير مفهوم (الدخل المستمرPermanent income) للاقتصادي المعروف ميلتون فريدمان M. Friedman حيث غالبا ما يحصل الفرد على دخل إضافي أعلى من دخلة المعتاد مما يجعله يتصرف على أساس أنه يتمتع بدخل دائم وعدم ضغط إنفاقه الاستهلاكي إذا ما طرأ انخفاض على مستوى دخله الجاري وذلك في محاولة منه للحفاظ على نمطه الاستهلاكي الذي أعتاد عليه حتى لو أضطر إلى السحب من مدخراته السابقة أو بالاقتراض من الآخرين. ويبدو أن هذه الظاهرة قد انتقلت عدواها من الفرد إلى الحكومة (النفطية) خاصة لتتصرف وكأن لديها فائض نقدي مستمر دون أن تدرك عواقب هذا الاعتقاد أو التصرف. وقد كان هذا الأمر واضحا في إجراءات الحكومات العراقية التي درجت على فتح باب التعيينات بشكل كبير في دوائر الدولة بعد ارتفاع العائدات النفطية وكأن هذه العائدات حالة مستمرة ودائمة ثم تعمل على قفل هذا الباب بعد الانخفاض الكبير الذي يحصل في أسعار النفط العالمية، دون أن تجهد نفسها في إيجاد فرص اقتصادية حقيقية في القطاعات الإنتاجية للأيدي العاملة الجديدة الراغبة في الدخول إلى سوق العمل.

 

إن الحكومة في الدولة النفطية تواجه تحدي عدم اليقين أو عدم التأكد المرتبط بالثروة النفطية، فتقلُّب حجم العائدات النفطية بسبب تأرجح أسعار النفط يمثل مشكلة كبيرة للإدارة المالية خاصة في الأجل القصير الذي ينتقل بسهولة إلى حالة من عدم التأكد في الأجل الطويل مرتبط بالثروة النفطية نفسها وخاصة في قضايا المسار المستقبلي لأسعار النفط وحجم الاحتياطي النفطي ومعدل كلفة استخراج النفط، وهي اعتبارات هامة جدا في الأجل الطويل. إن هذه الحالة من عدم التأكد تجعل الحكومة في الدولة النفطية تتبنى سياسات مالية أكثر تحفظا مما لو كانت جميع المتغيرات تجري في جو من اليقين والتأكد.

 

إن الاعتماد على العائدات النفطية أوقع اقتصاديات الدول النفطية ومنها العراق في أربعة مشاكل أو متغيرات أساسية وهي:

 

  1. فقدان مرونة الإنتاج: أدى الارتفاع الكبير غير المتوقع في أسعار النفط إلى ارتفاع كبير في حجم الموازنات الحكومية وهو ما يعني زيادة الإنفاق العام بشقية الجاري والاستثماري الذي فتح بدوره شهية الأفراد لحجم أكبر من الإنفاق وخاصة الاستهلاكي منه ولاسيما في العراق حيث الميل الحدي للاستهلاك عالي جدا نتيجة الحرمان الذي عانى منه المواطن كثيرا خلال السنوات الماضية وهذا ما شكل عبئا كبيرا على القطاع النفطي المطلوب منه أن يرفع الإنتاج والتصدير لأجل تلبية الحاجات الاقتصادية الجديدة المتزايدة لكل من الحكومة والأفراد علما أن هذا القطاع في العراق يعاني من مشاكل كبيرة في بنيته التحتية.

 

  1. تعميق حالة الاختلال الهيكلي للاقتصاد: مع ارتفاع العوائد النفطية أصبح القطاع النفطي هو القطاع الأوحد الذي يقود الاقتصاد وتراجع حصة القطاعات الأخرى، وخلق حالة من الدورة السريعة في الأسواق المحلية جعل القطاعات الإنتاجية غير قادرة على مجاراة هذه الدورة سواء من حيث الإنتاج أو التشغيل والتي تحتاج إلى فترة زمنية أطول حتى تتكيف مع الواقع الجديد المترتب على ارتفاع الطلب الناتج عن تعاظم العائدات النفطية، وهو ما يؤدي إلى خلق فجوة زمنية بين العرض والطلب تتعرض فيها العديد من المتغيرات الاقتصادية إلى حالة من اللاتوازن تتسم بارتفاع الضغوط التضخمية والتقلب في أسعار الصرف وهو ما يعرف بعدم استقرار متغيرات الاقتصاد الكلي حيث نشهد حالة من النمو الاقتصادي مصحوبا بالتضخم وهي بيئة غير مرغوبة اقتصاديا. كما أن المجيء السريع لهذه العوائد ساعد على غض النظر عن الكلفة الاقتصادية الحقيقية لإقامة المشاريع الاستثمارية وهو ما أدى إلى إقامة عدد كبير من المشاريع لا تتمتع بكفاءة اقتصادية عالية. وكان هذا الأمر واضحا في عدد من المشاريع التي لم تقدم منفعة حقيقية للاقتصاد مقارنة بالمبالغ الضخمة التي صرفت عليها.

 

  1. اتساع درجة الانكشاف الاقتصادي: إن العائدات النفطية الكبيرة تعني من جانب آخر ارتباطاً أقوى بين الاقتصاد المحلي والعالمي مما جعل هذه الاقتصاديات أكثر تأثيرا وانكشافا للتطورات الاقتصادية العالمية ولاسيما المتعلق منها بالمتغيرات المالية والنقدية وهذا ما كان واضحا في الأزمة المالية العالمية التي انعكست بآثارها السلبية سريعا على الدول النفطية.

 

  1. مزاحمة القطاع الخاص: إن الأثر الأولي المترتب على ارتفاع الإيرادات النفطية هو ارتفاع الإنفاق الحكومي الذي يؤدي إلى تغير منحنى الطلب الكلي Aggregate demand نحو الأعلى ومن ثم ارتفاع نقطة توازن الدخل إلى الأعلى أيضا ولكن هذا الارتفاع في الطلب والدخل سيقود إلى زيادة الطلب على النقود ومن ثم ارتفاع سعر الفائدة وهو ما يؤدي إلى تراجع نقطة التوازن والحد من أثر المضاعفMultiplier effect المترتب على ارتفاع الإنفاق الحكومي نتيجة للمزاحمة Crowding out التي يخلقها هذا الأخير مع القطاع الخاص الذي يشهد تراجعا في إنفاقه الاستثماري نتيجة لارتفاع أسعار الفائدة مما يؤدي إلى الحد من أثر التوسع Expansionary effect المترتب على ارتفاع الإنفاق الحكومي. وهذا ما حصل فعلا في الاقتصاد العراقي نتيجة للارتفاع الكبير في العائدات النفطية التي قادت إلى توسع كبير في الإنفاق الحكومي بشقيه الجاري والاستثماري والذي خلق طلبا واسعا على النقود وهو المتغير الذي جعل البنك المركزي العراقي يلجأ إلى رفع سعر الفائدة إلى مديات واسعة للحد من التضخم السائد في الاقتصاد، وهو ما أدى إلى تقلص إنفاق القطاع الخاص وتحجيم دوره في النشاط الاستثماري وهو ما يناقض الهدف المعلن للدولة من تشجيع القطاع الخاص وجعله رديفا للقطاع العام.

 

إن المفتاح الأساسي لتقييم الموقف المالي الخاص بمشكلة تذبذب العائدات النفطية من منظور الأجل الطويل يتحدد بالنقاط التالية:

 

أولا: من المهم جدا التركيز على العائدات غير النفطية في الموازنة، وان أفضل وسيلة هو الفصل بين العائدات النفطية وغير النفطية والتحقق من العجز الحقيقي الذي تعاني منه الموازنة بغض النظر عن حجم العائدات النفطية، وهذا يوفر مؤشراً مهماً لقياس اتجاه واستدامة السياسة المالية أخذة بنظر الاعتبار حالة عدم التأكد المحيطة بالثروة النفطية. وبكلام أكثر دقة، على الإدارة المالية أن لا تزيد الإنفاق العام بنفس معدلات الزيادة التي تتحقق في حجم العائدات النفطية وأن تأخذ في الحسبان أن هناك عجز مستتر في الموازنة يجب عدم أغفاله.

 

ثانيا: العمل على توجيه القدر الأكبر من الإيرادات النفطية نحو تراكم الأصول الإنتاجية المستدامة بحيث يغطي العائد المتحقق من هذه الموجودات جزءاً من العجز الحقيقي الذي تعاني منه الموازنة.

 

ثالثا: إعطاء عناية خاصة للاستثمار في القطاعات الإنتاجية القادرة على زيادة القيمة المضافة الصافية كما هو الحال مع قطاع الصناعة التحويلية. وقد كشفت الأزمة المزدوجة العالمية وما ترتب عليها من تراجع النمو الاقتصادي العالمي وانخفاض الطلب على النفط بشكل غير مسبوق عن عدم حكمة الإدارة المالية في العراق التي أنفقت مليارات الدولارات خلال السنوات الأخيرة على القطاع النفطي، المعروف بانعزاله عن بقية القطاعات، لتمكينه من زيادة قدراته الإنتاجية والتصديرية بعدد محدود من البراميل النفطية والتي تبخرت أقيامها جميعا في ظل التراجع الكبير في الأسعار وهو متغير خارجي لا علاقة للاقتصاد الوطني به. علما أن مستوى أسعار النفط عالميا هو المتغير الأهم في تحديد حجم الإيرادات النفطية وليس حجم الإنتاج الذي يواجه عقبات كبيرة منها تقادم البنية التحتية وعدم القدرة التكنولوجية على زيادة الإنتاج بشكل واسع وكذلك تحديد مستويات الإنتاج من قبل منظمة الدول المصدرة للنفط أوبك وهو ما لا يمكن للعراق أن يبتعد عنه كثيرا.

 

أما من منظور الأجل القصير فإن تقلب الأسعار العالمية للنفط يؤدي إلى تقلب في التدفقات المالية، فاعتماد العائدات المالية للحكومة على الإيرادات النفطية يجعل من النظام المالي غير حصين وسريع التأثر بالتقلبات الحاصلة في المتغيرات الخارجية ومن ثم إضعاف القرار الاقتصادي للسلطات المالية، وهذا يؤدي إلى عدم استقرار متغيرات الاقتصاد الكلي وتقلبات كبيرة في الإنفاق العام والطلب الكلي التي تمتد بآثارها على سعر الصرف الحقيقي وزيادة مخاطر الاستثمار في القطاعات غير النفطية حيث يكون من الصعب على القطاع العام والخاص وضع قرارات وخطط استثمارية طويلة الأجل مما يؤدي إلى تراجع الاستثمار في القطاعات غير النفطية.

 

هذه الاعتبارات تحتم على الإدارة المالية اختيار مسار هادئ للإنفاق العام بما يمكنها من مواجهة التقلب الحاصل في العائدات النفطية، علما إن المرحلة الحالية التي تشهد تراجعا كبيرا في حجم العائدات النفطية رغم صعوبتها إلا أننا نعتقد أنها تحمل بين ثناياها عدداً من الايجابيات التي يمكن تحديدها بالآتي:

 

  • إنها فرصة لمراجعة كافة السياسات والبرامج الإنفاقية التشغيلية والاستثمارية.
  • ضرورة التركيز على قضايا ترشيد القرارات الاستهلاكية والاستثمارية والاهتمام بمبدأ تحسين الأداء الاقتصادي لمختلف الأنشطة الاقتصادية الإنتاجية منها والخدمية والتصرف دائما من إدراك كامل لحقائق الندرة الاقتصادية ومحدودية الموارد والذي يساعد على تثبيت قاعدة صحيحة لمستقبل التنمية الاقتصادية.
  • إن هذه المرحلة توفر فرصة كبيرة للقطاع الخاص للتحرك نحو توسيع أنشطته الاستثمارية وتعويض النقص الذي سيحدث في الإنفاق الاستثماري الحكومي واستعادة مكانته التي فقدها بفعل أثر المزاحمة أثناء فترة الوفرة النفطية واتساع حجم الإنفاق الحكومي.
  • إعادة العلاقات المحلية للقطاع النفطي وضرورة أن يستجيب هذا القطاع للمتغيرات الاقتصادية الداخلية بدلا من خضوعه للمتغيرات الخارجية التي تجعله يستنزف معظم الموارد المالية المتوفرة لصالح تلبية الطلب الخارجي من خلال العمل على زيادة الإنتاج واستنزاف الثروة النفطية.

 

الخيارات المتاحة:

 

إن كافة الأدلة المتوفرة حاليا عن الاقتصاد العراقي، والمرتبطة بارتفاع حجم العجز المتوقع في موازنة عام 2020، وفي ظل التراجع الكبير في أسعار النفط العالمية فإن العجز سيفضي مباشرة إلى حصول زيادات في القاعدة النقدية يولد ضغوطا تضخمية تنعكس في عجز أكبر في الحساب الجاري لميزان المدفوعات العراقي نتيجة الارتفاع الواضح في سعر صرف الدينار في ظل مزادات البنك المركزي العراقي للدولار الأمريكي التي قادت إلى تعزيز قيمة الدينار إزاء الدولار وهذا ما قد يشجع زيادة الطلب على الواردات من الخارج وخاصة من قبل القطاع الأهلي والخاص. إضافة إلى ما تقدم فإن الانخفاض المتحقق في معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي وخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية والمجموعة الأوربية واليابان وما نتج عنه من آثار سلبية على حجم الاستثمار الأجنبي المباشر وسائر أشكال الاستثمار الأخرى المرتبطة به من منح وقروض فمن المتوقع أن يكون العبء كبير لاسيما على معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي في الاقتصاد العراقي والتي نتوقع لها أن تكون ضعيفة خلال هذا العام والعام القادم وذلك بسبب تراجع معدلات الاستثمار المتوقعة. وحسب تقديرات صندوق النقد الدولي فإن معدل النمو الاقتصادي للعام الحالي 2020 قد يتراجع بحدود (4 – 5%) سنويا وهو ما سيكون له انعكاسات سلبية كثيرة على مستوى التشغيل وارتفاع معدل البطالة.

 

إن القدرة على امتصاص الصدمة الناتجة عن التقلبات غير المتوقعة في التدفقات المالية يعتمد على قوة الموقف المالي للحكومة الذي يمكنها من مواجه الأزمة ورفع قدرتها على المناورة أثناء الانخفاض الكبير في العائدات. فالإدارة المالية يمكنها التخفيف من درجة التقلبات من خلال حزمة من الإجراءات التصحيحية التي تهدف إلى إبعاد الاقتصاد المحلي عن التقلب الحاصل في العائدات النفطية وذلك بالعمل قدر الإمكان على فك الارتباط بين الإنفاق الجاري والعائدات النفطية وتوجيه هذا الأخير قدر المستطاع نحو الإنفاق الاستثماري ورفع معدل الادخار المحلي بشقية الأهلي والحكومي وبناء الموجودات من النقد الأجنبي كافية لاجتياز الأزمة عند وقوعها. وقد كانت (التجربة النرويجية) إحدى الأمثلة الناجحة في ذلك حيث تمكنت من توزيع فوائد الثروة النفطية على مدى طويل من السنوات إلى جانب حماية القطاعات الاقتصادية غير النفطية من الآثار السلبية لما يعرف ((بأثر الإنفاق)) Spending effect الناتج عن ظاهرة ((المرض الهولندي)) Dutch disease في حين لم تتمكن الدول النفطية الأخرى من كبح جماح التوسع في الإنفاق العام عند الارتفاع الكبير في أسعار النفط وزيادة العائدات النفطية مع ما يترتب على ذلك من صعوبة التراجع وتقليل الإنفاق أثناء الانخفاض المتحقق في أسعار النفط العالمية وتراجع حجم العائدات النفطية في الوقت الذي يسود فيه اعتقاد لدى الجهات الحكومية بأن هذا الانخفاض في الأسعار هو حالة مؤقتة وسيتم التغلب عليها بسهولة، وهذا ما يثبط من عزم الحكومة على اتخاذ المعالجات الضرورية مما يؤدي إلى اتساع حالة عدم التوازن المالي وزيادة نسبة العجز وتفشي الضغوط التضخمية وهي الأسباب التي تجبر الحكومة على اتخاذ إجراءات قد تبدو مؤلمة ومتأخرة وخاصة في مجال تـأجيل أو إلغاء عدد من المشاريع الاستثمارية مما يؤدي إلى تراجع النشاط الاقتصادي ومن ثم انخفاض معدلات النمو الاقتصادي وتراجع مستوى التشغيل.

 

إن المعالجات والخيارات المطروحة لا يمكن أن تكون فاعلة إذا ما تم اتخاذها بعد وقوع الأزمة بل لابد لهذه الإجراءات أن تأتي قبل وقوع الحدث ex-ante وبعد وقوع الحدث ex-post وهذا يكون متضمنا التخفيف من تحيز السياسة المالية نحو التوسع في الإنفاق أثناء التدفق الكبير للعائدات النفطية والعمل على ضمان تحقيق التوازن المالي ضمن مستوى معتدل وطبيعي من الإيرادات النفطية. وعلى الحكومة أن تعمل بجد على ضمان تراكم موجودات مالية خلال فترة الوفرة النفطية لإدامة السياسة المالية لفترة ما بعد تلك الوفرة.

 

إن حسن استخدام الموارد المالية هو أحد الجوانب المهمة من جوانب إدارة التنمية بشكل كفؤ وحكيم. ومهما كانت الموارد كبيرة ومتوفرة فلابد من إدارتها بشكل أمثل وتوجيهها بشكل صحيح من خلال البرامج والمشاريع الاستثمارية التي تخدم الهدف التنموي، وإن عدم الاهتمام بالاستخدام الأمثل للموارد المالية يعني من جانب آخر عدم الاهتمام بالتنمية الاقتصادية الشاملة المتوازنة.

 

(*) مدير عام الاقتصادية في وزارة التخطيط

المصادر:

1- D. Begg, S. Fischer, R. Dornbusch, ECONOMICS, McGraw-Hill, London, 2nd Ed 1987.

2- P. Wachtel, MACROECONOMICS: From Theory to Practice, McGraw-Hill, USA, 1989.

3- IMF, Finance & Development, March 2003.

4– عبد المجيد فريد وآخرون، عرب بلا نفط، بيروت، 1986.

5- صندوق النقد الولي، آفاق الاقتصاد الإقليمي الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، ابريل 2020.

حقوق النشر محفوظة لشبكة الاقتصاديين العراقيين. يسمح بإعادة النشر بشرط الإشارة إلى المصدر. 4 آيار/مايس 2020

لتحميل البحث كملف بي دي أف انقر على الرابط التالي

علاء الدين جعفر – النفط و الازمه المزدوجة-محررة

الاراء المطروحة في جميع الدراسات والابحاث والمقالات المنشورة على موقع الشبكة لاتعكس بالضرورة وجهة نظر هيئة تحرير الموقع ولا تتحمل شبكة الاقتصاديين العراقيين المسؤولية العلمية والقانونية عن محتواها وانما المؤلف حصريا. لاينشر اي تعليق يتضمن اساءة شخصية الى المؤلف او عبارات الكراهية الى مكون اجتماعي وطائفة دينية أو الى اي شخصية أو مؤسسة رسمية او دينية

التعليق هنا

%d مدونون معجبون بهذه: