منذ أيام تصاعد الجدل حول خفض رواتب الموظفين والمتقاعدين، وكأنه الحل السحري للازمة المالية في العراق، وتمحور النقاش بشكل أساس حول التكلفة السياسية للقرار، وليس المكاسب المالية والاقتصادية له. وانبرى عدد من النواب والسياسيين للدفاع عن حقوق هاتين الفئتين، واختصرت كل الحلول في هذا التخفيض. سنحاول في هذا المقال مناقشة هذا الموضوع من جوانبه المالية والاقتصادية والسياسية، وتحليل أبعاده المختلفة بشكل موجز.
الازمة المركبة
ليس جديدا قولنا إننا نواجه اليوم أزمة مركبة من ثلاث أزمات كبيرة وهي تتآزر في نتائجها السلبية لتنتج أزمات اقتصادية متنوعة وشديدة الوطأة على الفقراء والفئات الهشة، وهذه الازمات هي:
الازمة السياسية: في 1 تشرين الأول (أكتوبر) 2019 شهدت بعض محافظات جنوب العراق ووسطه احتجاجات شبابية، طالب خلالها المحتجون بالإصلاح السياسي ومواجهة الفساد وتوفير فرص العمل وتحسين الخدمات، وبحياة كريمة تستوعب الحد الأدنى من تطلعاتهم وحقوقهم الأساسية. وكان العنف المفرط الذي تم فيه مواجهة الشباب علامة فارقة في تاريخ العراق، اذ قتل 490 متظاهرا، وجرح 7783 آخرين ما بين تشرين الأول (أكتوبر) 2019 وحتى أيار (مايو) 2020 بحسب بعثة الأمم المتحدة (يونامي)([i]). وكانت إجراءات الحكومة غير كافية لتجاوز الازمة، التي يبدو أنها ازمة حكم تعمقت تدريجيا، مع نشوء ما يمكن أن ندعوه دولة “أشباه”؛ فهناك:
- “شبه دولة” Semi-state تمتلك مؤسساتها الأحزاب المهيمنة، تمتد جذورها بأعمق مما هي جذور مؤسسات الدولة، فغدت الدولة عميقة من غير عمق قانوني أو سياسي أو مجتمعي، بل بعمق حزبي اختطفها بعيدا عن عقلانية المجتمع والسوق. فيما لم يستخدم الريع النفطي في بناء مؤسسات مستقلة عن المجتمع والسياسة، بل أصبح هذا الريع بمثابة العسل الذي يجتذب النمل ليقتات عليه ويخرب الدولة في الوقت نفسه.
- “شبه قطاع خاص” يتمفصل مع شبه الدولة في علاقة تكافلية، والعيش على فتات موائد السلطة بدل ان يصنع مائدته، فهو قطاع لا يريد ان يكون بعيدا عن الدولة الريعية، ويفضل التعايش معها والعمل في مشروعاتها ومقاولاتها وبيع السلع والخدمات لها بسعر مرتفع، أو بعلاقات تعاقدية تشوبها شبهات فساد في بعض الأحيان.
- “شبه مجتمع مدني” الذي نما تابعا مخترقا من شبه الدولة وأحزابها، ولم يمتلك مجاله الخاص، بل ظل اسير الدولة وأحزابها، وغير مستقلا عنها.
[i] بعثة الامم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي)، مكتب حقوق الانسان، التظاهرات في العراق: التحديث الثالث، 23، أيار (مايو) 2020، ص2
لمواصلة القراءة انتقر على الرابط التالي لتحميل البحث كملف بي دي أف
الاراء المطروحة في جميع الدراسات والابحاث والمقالات المنشورة على موقع الشبكة لاتعكس بالضرورة وجهة نظر هيئة تحرير الموقع ولا تتحمل شبكة الاقتصاديين العراقيين المسؤولية العلمية والقانونية عن محتواها وانما المؤلف حصريا. لاينشر اي تعليق يتضمن اساءة شخصية الى المؤلف او عبارات الكراهية الى مكون اجتماعي وطائفة دينية أو الى اي شخصية أو مؤسسة رسمية او دينية