الرئيسيةالعلوم والتكنولوجيا ومراكز الابحاثنظم وسياسات الرعاية الصحية

د. ثائر الفيلي*: هل من علاقة بين زيادة إصابات فايروس كورونا وتعثر مشاريع بناء المستشفيات الحديثة في العراق؟

لابد من دراسة أسباب زيادة الإصابات بعدوى فايروس كورونا (COVID-19) في الفترة الاخيرة، دراسة مهنية وعلمية، ولابد أن تخضع هذه الدراسة للنقاش الموضوعي والعلمي لغرض التوصل الى الأسباب الحقيقية لهذه الزيادة الكبيرة في إعداد الإصابات وخاصة في المستشفيات الحكومية ومن ثم إيجاد الحلول العاجلة لها.

 

اعتقد شخصيا ان هنالك عدة أسباب وليس سبب واحد ولكني أركز هنا على أحد هذه الأسباب الهندسية لربما يكون سببا مهما لزيادة الإصابات في داخل المستشفيات الحكومية وخاصة خساراتنا الكبيرة يوميا في كادرنا الطبي الوطني ابطال الجيش الأبيض والذين لا يمكن تعويضهم وقد تكون خسارة الوطن لهم كبيرة جدا ومؤلمة.

 

تشرفت في عام ٢٠١٠ ان أكون ضمن الفريق الاستشاري الهندسي العراقي الذي وضع المواصفات الهندسية والمتطلبات الفنية (RFP Request for Proposals -) لبناء المستشفيات التعليمية العامة (وعددها ١٥ مستشفى تعليمي ذو ٤٠٠ سرير لكل مستشفى) متوزعة على جميع المحافظات العراقية.

 

عملنا جنبا الى جنب مع خيرة المهندسين العراقيين الاستشاريين (في وزارة الاعمار والاسكان) وبعض الأطباء من وزارة الصحة ولم يكن اختصاصي الهندسي (تصميم صحي Health Planning) ولكن كان فيما بيننا من هو مختص في ذلك وله خبرة جيدة في هذا المجال.

 

وكانت المواصفات القياسية (Specifications Standard) التي اتفقنا عليها مزيجا من المواصفات البريطانية للمستشفيات والمواصفات الامريكية (British & American Standards) حيث بحثت وتعلمت كثيرا من المواصفات الصحية للمستشفيات العالمية حينها.

 

عند دراستنا لواقع المستشفيات العراقية في حينها (والتي بنيت قبل ذلك التاريخ، أي قبل سنة ٢٠١٠) وجدنا أن فيها الكثير من المواصفات غير المقبولة صحيا في العالم ابتداء من الأرضيات، السقوف، الأبواب والشبابيك، الحمامات …… الخ) والأهم من ذلك هو نظام المجاري الصحية والتهوية (والتبريد) المركزي.

 

فمعظم مباني المستشفيات القديمة (وللأسف، وهي الحالية في العراق) تعمل بنظام شبكة تهوية (وتبريد) مركزية لجميع الردهات والأقسام في البناية الواحدة (Non Fresh Air) والتي لا تدفع بالهواء النقي من الخارج لكل قسم أو ردهة بشكل منفصل بل شبكة متصلة مع بعضها البعض، وكذلك نظام المجاري الصحية والمياه بنفس الأسلوب.

 

وهذه الأنظمة المركزية المرتبطة بعضها بالبعض الآخر غير مقبولة صحيا في مواصفات المستشفيات في العالم منذ عشرات السنين.

 

فهي لا تحقق في التهوية مثلا (100% Fresh Air) وارتباط ردهة بردهة ثانية يسبب انتقال العدوى من قسم الى قسم اخر. الفايروسات والبكتريا التي تنتقل عن طريق الهواء سوف تنتقل من قسم الى قسم اخر مسببة العدوى.

 

وكذلك الأمر في نظام المجاري الصحية فقد اكتشف الخبراء في أوربا اخيرا ان فايروس (COVID-19) موجود في مياه المجاري الصحية، وبكل تأكيد سيكون في شبكة المياه النظيفة كذلك.

 

وبناء على ذلك تم وضع المواصفات الهندسية الصحيحة (عالميا) في تصاميم المستشفيات (الـ ١٥ في العراق والتي للأسف لم تكتمل معظمها لغاية الان) وتمت المصادقة عليها من قبل وزارة الصحة البريطانية واعتمدتها هيئة الخدمات الصحية (NHS).

 

وقد يتذكر معي الاخوة والاخوات الاستشاريين من المهندسين والاطباء الذين حضروا معنا مناقشة المواصفات الفنية لهذه المستشفيات (في مستشفى مانسفيلد Mansfield Hospital) في مدينة ليدز البريطانية في ذلك العام قبل المصادقة عليها (علميا) من قبل خبراء التصاميم الصحية لوزارة الصحة البريطانية (NHS) الذين ذكروا بأن عزل شبكات التهوية في البناية الواحدة مهم جدا (وكذلك شبكات المجاري والماء) لتفادي نقل عدوى الفايروسات داخل بناية المستشفى الواحدة. وكذلك عزل أقسام وردهات الأمراض المعدية في أبنية منفصلة تماما لتفادي حالات العدوى.

 

وهنا أحب ان أثمن جهود العتبة العباسية المقدسة في كربلاء وبعض المؤسسات الاخرى (التطوعية في بناء عدة مستشفيات وأقسام ومباني معزولة تماما للحجر الصحي (والتي يمكن استعمالها فيما بعد لمختلف الأمراض المعدية لا سامح الله).

 

وعندما انظر الى الإعداد الهائلة من الإصابات في الكادر الصحي المجاهد والمصابين من العراقيين من خلال المستشفيات نراه كبيرا جدا. ومما لا شك فيه ان عامل التهوية وشبكات المجاري الصحية والماء قد تسببت بانتقال العدوى فيما بين ردهات العزل والأقسام الاخرى.

 

وبناء على ذلك، وانا اسمع الاخبار بإنشاء مباني حجر صحي للمصابين في معرض بغداد الدولي، وقاعات وزارة الشباب والرياضة، وهي جهود عظيمة ومشكورة، ادعوا الى نقل جميع المصابين بالعدوى الى هذه المباني المعزولة عن المستشفيات العامة وتقليل نسب الإصابة والعدوى ثم شفاؤها بإذن الله.

 

ادعوا الى فتح نقاش مهني علمي بهذا الخصوص، علما بان اصحاب الخبرة الهندسية والاختصاص في التصميم الصحي (Health Planning) هم من لهم الكلمة الفصل في هذا المجال.

 

وشكرا.

 

نشر هذا المقال في موقع المسلة بتاريخ 21/6/2020 وتمت مناقشته في المنتدى الحواري “اقتصادنا”

 

وجه لي المنسق العام لشبكة الاقتصاديين العراقيين الدكتور بارق شبر السؤال التالي:

 

وكانت اجابتي كالآتي:

 

اشكرك دكتور بارق على الاهتمام.

 

حسب معلوماتي ان المستشفيات التي اكتملت من هذه المستشفيات الـ ١٥ هي مستشفى بابل التعليمي، ومستشفى كربلاء التعليمي فقط (انا شخصيا لم اسمع باكتمال وتشغيل مستشفيات اخرى) بالرغم من علمي باكتمال عدة مباني مستشفيات (اعتقد خمسة على الاقل) ولكنها لم يتم تشغيلها لغاية الان لأسباب عدة أعتقد تتعلق بعدم وجود الكادر التشغيلي أو عدم اكتمال نصب الاجهزة وتشغيلها ومشاكل فنية وإدارية اخرى.

 

اما أسباب تأخرها لفترة عشرة سنوات فهي عديدة، وباعتباري كنت من ضمن اللجنة الاستشارية التي أسست لهذه المستشفيات ولم استمر حتى النهاية في المشروع، وقد قدمت استقالتي عندما صدرت الإحالات الغير موفقة للأسف.

 

لم يكن موقفي الشخصي الفني وحيدا ابدا، حيث شاركني هذا الموقف المتحفظ والرافض لعدد من الاحالات كل من:

 

– المفتش العام لوزارة الصحة في وقتها

– الدكتورة المهندسة ازهار حسين (حاليا وكيل وزارة التخطيط ونقيب المهندسين)

– الدكتور عمار عزيز محمد (وكيل وزارة التعليم العالي والبحث العلمي)

 

وكلنا كنا على نفس الموقف الرافض لبعض الإحالات، ومع ذلك أحيلت المستشفيات خارج الإرادة المهنية والفنية وأعلنا في وقتها عن ذلك.

 

سأحاول أن أوجز لحضرتك اهم أسباب تأخر التنفيذ وكذلك سوء التنفيذ فيما بعد وهي:

 

– احالة مستشفيات الى شركات غير رصينة ابدا ولا تملك هذه الخبرة ولا الإمكانيات لتنفيذ هكذا مشاريع

– احالة عدد ٢ مستشفيات الى شركة وهمية

– استلام خطابات ضمان مزورة من بعض المصارف العراقية

– استلام رشاوي وعمولات في بعض الإحالات وفتح قضايا نزاهة

– الإدارات المشرفة على التنفيذ في بعض المستشفيات تعرضت للفساد وسوء الادارة

– الادارة السيئة لوزارة الصحة طيلة الفترة الماضية والتي لم تخطط بشكل سليم لإدارة المستشفيات فلم تهيئ الكوادر المهنية الطبية لإدارة المستشفيات ولم تكترث بذلك وألغت من كتيب الـ (RFP وثائق المقاولين) والذي وزع للشركات والذي كان يتضمن:

– التشغيل لفترة سنة كاملة

– الصيانة لفترة خمسة سنوات

– تدريب الكوادر لفترة ١٢ شهرا

 

كما ألغت برنامج تهيئة الوزارة للكوادر الطبية والصحية المهنية والهندسية لإدارة وتشغيل المستشفيات.

 

وزير الصحة (الاول) الذي عملنا معه للدراسات ووضع التصاميم والشروط كان متعاونا مع جميع المهندسين حيث وافق على جميع شروط اللجنة الاستشارية والتي تشرفت بإدارتها في حينها. وعندما جاء الوزير الجديد ألغى جميع هذه الشروط الملزمة مدعيا باني شخصيا عقَّدتُ الامور على الشركات وصعَّبتها لان معظم الشركات (طبعا غير الكفؤة) لم توافق على شروطنا (اعلاه) وأنه من اجل تسهيل مهمة شركات التنفيذ علينا بالتساهل مع شركات التنفيذ.

 

انا شخصيا (ومعي الاخوة والاخوات) المذكورين اعلاه رفضت رفضا قاطعا الغاء الشروط.

 

حينها احتكمنا عند دولة رئيس الوزراء الذي حاول أن يرضي الاطراف وأخيرا اخذ جانب الوزير الجديد للأسف ومضوا في الإحالات الخاطئة.

 

فلم ارَ امامي شخصيا مجال الا الاستقالة من منصب وكيل وزير الاعمار والاسكان وخرجت من الخدمة تماما. لأني بصراحة لاحظت الكثير من عملي الذي قدمته للوطن بكل اخلاص ومهنية يهدم بسبب الفساد والمحاصصة وليس في هذا المشروع فقط وإنما في مشاريع كثيرة قدمتها للوطن وما زلت.

 

وها هي عشرة سنوات من الاحالات اثبت الزمن ان رأينا فيها كان صحيحا جدا وهو ما حصل فعلا. بعد عشرة سنوات والمستشفيات لازالت تعاني من عدم التنفيذ الكامل والعقود كانت لمدة ٣٠ شهرا فقط!

شكرا.

(*) وكيل وزارة الاعمار والاسكان الاسبق واستشاري لمشاريع كبرى في القطاع الخاص.

حقوق النشر محفوظة لشبكة الاقتصاديين العراقيين. يسمح بإعادة النشر بشرط الإشارة إلى المصدر. 26 حزيران 2020

لتحميل المقال كملف بي دي أف انقر على الرابط التالي

ثائر الفيلي-وباء كورونا وتعثر بناء المستشفيات-محررة

 

 

الاراء المطروحة في جميع الدراسات والابحاث والمقالات المنشورة على موقع الشبكة لاتعكس بالضرورة وجهة نظر هيئة تحرير الموقع ولا تتحمل شبكة الاقتصاديين العراقيين المسؤولية العلمية والقانونية عن محتواها وانما المؤلف حصريا. لاينشر اي تعليق يتضمن اساءة شخصية الى المؤلف او عبارات الكراهية الى مكون اجتماعي وطائفة دينية أو الى اي شخصية أو مؤسسة رسمية او دينية

تعليقات (2)

  1. Avatar

    ماهو مصير مشروع جنات الحسين ،لقد عقدت الآمال على هكذا مشاريع لكي تقلل من ازمه السكن في العراق، أين حقوق الزبائن الذين دفعو مبالغ العربون الأقساط

  2. Avatar
    مصطفى محمد إبراهيم:

    الاستاذ ثائر….. تحيه طيبه
    انت تتكلم عن بناء المستشفيات في العراق ولكن وماذا عن مشروع جنات الحسين السكني في كربلاء!! الذي أنت المستثمر مالته!! لم تصل نسبه الإنجاز ١٪ وانا بنفسي مسجل على هذا المشروع دفعنا عده دفعات وتلكئ المشروع بسببك انت ياثائر….
    تحياتي

التعليق هنا

%d مدونون معجبون بهذه: