مقدمة: جريمة قتل مواطن أمريكي أسود يعيد استحضار التاريخ
بتاريخ 25 أيار/مايس 2020 قتل المواطن الأمريكي الأسود جورج فلويد George Floyd في مينيابوليس، مينيسوتا، من قبل الشرطي الأبيض ديريك شوفين Derek Chauvin بالضغط المستمر بركبته على رقبة جورج فلويد لما يقرب من تسع دقائق.
أججت جريمة القتل هذه والطريقة التي تمت بها غضباً عارماً في الولايات المتحدة الأمريكية والعديد من دول العالم، وأثارت من جديد مسألة العنصرية وتاريخها وممارساتها في الماضي والحاضر بأبعادها المختلفة، ومراجعة نقدية جديدة لتاريخ العنصرية في الولايات المتحدة وخارجها.
لقد كانت تجارة العبيد جزءاً من النظام الاقتصادي الاجتماعي الرأسمالي امتدت آثارها على نشاطات اقتصادية مختلفة كبنك انكلترة (البنك المركزي) من خلال بعض محافظي ومدراء البنك وحتى الكنيسية الانكليكانية التي أثرى بعض قساوستها بفضلها. وبالنسبة للولايات المتحدة فإن عدداً مهماً من الآباء المؤسسين ومن جاء بعدهم حتى الحرب الأهلية كانوا يشكّلون ركيزة لنظام العبودية الذي امتد تأثيره على صياغة الدستور الأمريكي https://www.theatlantic.com/politics/archive/2015/09/how-the-constitution-was-indeed-pro-slavery/406288/
لمواصلة القراءة انقر على الرابط التالي لتحميل ملف بي دي أف
Misbah Kamal-Slavery-Lloyd’s Apology for its Role in the Slave Trade-IEN
باحث وكاتب عراقي متخصص في قطاع التامين مقيم في المهجر
“الاعتذار” عن تأمين تجارة العبيد
عزيزي الدكتور تحسين الشيخلي
[1]
أشكرك على تعقيبك الذي يثير أسئلة جديدة تتجاوز المجال الضيّق الذي يدور فيه مقالي، أي “اعتذار” مؤسسات التأمين عن دورها في الماضي في تأمين تجارة العبيد. كان بودي ن أكتب تعليقاً قصيراً على تعقيبك لكنني وجدت نفسي منجذبًا لقليل من الإطالة للتعريف بخلفية موقفي من كتابة المقال.
[2]
تعرف بأن التاريخ كمادة معرفية يعتمد أدوات معينة للبحث في موضوع الماضي، رغم أن الحاضر يمكن أن يكون أيضاً موضوعاً للتاريخ. هناك كتاب بهذا العنوان لعالم الاقتصاد الأمريكي بول سويزي (1953) The Present as History كما أن مؤرخًا بريطانيا، جيفري باراكلوف Geoffrey Barraclough، نشر كتابًا بعنوان An Introduction to Contemporary History (1964, 1983).
هذا الجمع بين دراسة الماضي والحاضر مطلوب بحد ذاته لأنه يساعد في فهم بعض قضايا وإشكاليات الزمن الحاضر. ولهذا كان أحد العناوين الفرعية لمقالي هو “جريمة قتل مواطن أمريكي أسود يعيد استحضار التاريخ.”
وقد كتبتُ في مكان آخر:
إن عدة الشغل، أدوات البحث والتحليل والمقارنة وتدقيق صحة النصوص والوقائع، مطلوبة بحد ذاتها في الدوائر الأكاديمية وخارجها لإنتاج كتاب يحترم عقل القارئ الذكي والمختص. لكننا نعرف بأن الوقائع تظل خاضعة للفهم والتفسير. يكفي أن تنظر إلى تاريخ الثورة الأمريكية والثورة الفرنسية لتكتشف أن النقاش حولهما ما يزال مستمراً. وهذا هو جزء من قراءة الماضي في ضوء التراكم المعرفي الحاضر واستشراف المستقبل.
وتعرف بأن الكتابة التاريخية لم تعد مقصورة على سرد الوقائع والأحداث اعتماداً على نصوص الماضي ومعطياته بل صارت تنطلق من إشكاليات زماننا الراهنة، صراحة أو ضمناً، وتسترجع التاريخ للتعامل مع الإشكاليات وإنتاج معرفة جديدة (Christopher Tyerman, How to Plan a Crusade: Reason and Religious War in the High Middle Ages (London: Allen Lane, 2015). هذا ما أحسست به وأنا أقرأ كتاباً في التاريخ حول جاذبية التأمين وكيف عملت شركات التأمين على توليد طلب على التأمين للتحوط من يقين الموت والحوادث باستخدام أدوات العلم. (احتفاء بالقيمة، تيسير التريكي يحاور مصباح كمال، 2018، ص 176).
[3]
إن التاريخ فضاء مفتوح قابل للنقاش والنزاع، وقد قيل إن التاريخ يكتبه المنتصرون، لكن مثل هذا التاريخ يهمل الاهتمام بالإنسان، منتصراً أو منهزمًا. “علم” التاريخ الحديث، منهجيته، لا يعتمد الاقتراب من أحداث الماضي، أو الحاضر، من سردية المنتصر الانتقائية بل يلجأ، على سبيل المثل، إلى الكشف عن المصادر وتدقيقها وفحص الأحداث في سياقها. وهذا ما فعله المؤرخ
James Walvin, The Zong: A Massacre, the Law and the End of Slavery (Yale University Press, 2011)
وقد ذكرته واقتبست منه في مقالي “التأمين والعبودية: فصل بغيض في تاريخ التأمين” المنشور في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين.
[4]
جاء في تعقيبك “لكن لم التطرف في سياق معالجة موضوع تجارة العبيد الى أكثر ما يستحق الان وهو الاعتذار، وذلك ما قامت شركات التأمين بفعله.” لا أدري أين يكمن التطرف؛ أهو في مقالي أم في مقالات ودراسات المؤرخين ودعوات إعادة النظر بمناهج تدريس التاريخ وكذلك إعادة النظر في الرموز التي تمثل قروناً من الاستعباد والعنصرية؟
في مقالي عرضت لموضوع “الاعتذار” فإذا بي أجد أن هذه الكلمة apology لم ترد في البيان الصادر من لويدز، وقد أشرتُ إلى مصدره لمن يرغب بقراءته في نصه الأصلي. بدلاً من الاعتذار اعتمدت سوق لويدز على إبداء الأسف we are sorry، وهو كما هو معروف للمختصين في دلالات اللغة، أقلّ وقعًا. لم تقم لويدز وشركات التأمين بالاعتذار بالمعنى الضيق لهذه الكلمة.
وذكرتَ أيضاً “ولولاهم [العبيد] لما استطاعت اوربا ولا امريكا من تحقيق التقدم الصناعي والزراعي، وهذا ايضا اعتراف ضمني بدور السكان الافارقة في قيام النهضة الصناعية والتقدم العلمي للعالم.” لا أظن أن كتب التاريخ المدرسية تقدم هذه الصورة عن دور العبيد في قيام الثورة الصناعية في بريطانيا على سبيل المثل. عندما كنت أدرس مادة التاريخ الاقتصادي لبريطانيا قبل دخولي إلى الجامعة تعرّفتُ على حركة تسييج الأراضي المشاعية، وتحويل الفلاحين إلى عمال، وجيمس واط مخترع البخار ووجيمس هارغريف مخترع آلة للغزل مع أكثر من مغزل واحد في كل مرة وغيرهم، وقرأت شيئاً من كتاب إنجلز حول حال الطبقة العاملة في إنجلترا 1844 لكنني لم أقرأ ما يفيد مساهمة العبيد في الثورة الصناعية. وقل مثل ذلك بالنسبة للولايات المتحدة. لقد كان العبيد غائبون من الصورة.
لقد كان ثمن التقدم الصناعي والزراعي في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية غاليًا: إفراغ إفريقيا من 12 مليون من سكانها قبل أن يتسبب الملك ليوبولد الثاني، ملك بلجيكا، بموت 10 ملايين في الكونغو في القرن التاسع عشر.
[5]
في مقال سابق لي اقتبست من كتاب لمؤرخ أمريكي، جيرالد فيلدمان Gerald D. Feldman, Allianz and the German Insurance Business, 1933-1945 (Cambridge: Cambridge University Press, 2001), p ix. ، جاء فيه إن العمل على ترويج تاريخ نقدي للأعمال [تاريخ الشركات] يقع في خانة المسؤولية العامة مثلما يُعبر عن سياسة حكيمة فمجتمع الأعمال هو المستفيد من التقييم الرصين لتاريخه.” لقد كلّفت إدارة شركة أليانز الألمانية هذا المؤرخ للبحث في تاريخ الشركة خلال فترة الحكم النازي للكشف عن الغامض أو المستور في تاريخ الشركة والتوصل إلى فهم لماضيها وقياداتها وموظفيها والتصالح مع هذا التاريخ. وتعرف موضوع تعويض ضحايا النازي من اليهود.
[6]
لقد أنهيت مقالي بالقول “إن عملية تعافي الضحايا والأحفاد تتطلب تقديم اعتذار صادق ورسمي إذ أن مجرد الإقرار بوجود اتجار بالعبيد في الماضي ليس كافياً للتصالح مع إرث الماضي.” وفي ظني أن هذا القول ليس تطرفاً بل دعوة للاستفادة من عدة المشتغلين بالتاريخ لفهم ما جرى في الماضي وتخليص المجتمع من الفصل القائم بين البشر على أساس اللون أو الدين أو الانتماء الإثني، ولنا في العراق منه الكثير.
إن هيمنة اليقينيات قد تجاوزها الزمن وأن باب النقد والمُساءلة للقضايا الفكرية بات مفتوحاً على مصراعيه. هذا النقد والمُساءلة هما وحدهما القادران على دفع عجلة التقدم ومراكمة التطور المادي والفكري. وهما الكفيلان أيضاً لتعديل السرد الرسمي للعبودية وتجارة العبيد والتأمين عليها.
أشكرك ثانية على تعقيبك الذي وفر لي فرصة التوسع قليلاً في مضمون مقالي خارج مجال التأمين.
مصباح كمال
13 تموز 2020
شكرا ايها النبيل على الرد و التوضيح
مقال رائع للاستاذ مصباح ، لكن لم التطرف في سياق معالجة موضوع تجارة العبيد الى أكثر ما يستحق الان وهو الاعتذار ، وذلك ما قامت شركات التأمين بفعله . العبيد في حينها بضاعة ( علينا ان نقرأ الواقع في زمنه لا في زمننا هذا ) و لم يكن ما يمنع ان تعامل كغيرها من ناحية التأمين على البضائع و هذا ما فعلته شركات التأمين .نقص العمالة في الأمريكتين جعل النظرة تتجه إلى الأفارقة. فقد أضعف التهاوي السريع لأعداد السكان الأصليين بسبب الأمراض والقلة النسبية للعمالة الأوروبية تنمية المستعمرات الأمريكية. إذ لم تكن العمالة الأوروبية المجانية ولا عمالة الهنود الأمريكيين (المجانية أو المستعبدة) كافية لمهام تعدين المعادن الثمينة أو زراعة المحاصيل الاستوائية وشبه الاستوائية.
بالنسبة للأوروبيين وجدوا الحل في استعباد شعوب أخرى فقيرة، وقد قُدمَت مجموعة من التبريرات الثقافية لاستعباد الأفارقة ونقلهم باعتبارهم عبيداً، فيما طور الأوروبيون بسرعة المهارات البحرية والممارسات اللازمة لنقل الأفارقة بأعداد كبيرة عبر الأطلسي.
وخلال العملية لم يصبح الأفارقة مجرد قوة اقتصادية حاسمة، بل أصبحوا مفهوماً قانونياً أيضاً. فقد ظهرت القوانين التي تنظم سفن الرقيق وعبودية المزارع الاستعمارية، معتمدةً جميعاً على مفهوم اعتبار العبد جماداً، وقد بيع الأفارقة وشراؤهم بالطريقة نفسها للاتجار في السلع الأخرى، حيث كانوا مجرد شحنات على متن السفن، وجزءاً من الممتلكات في المزارع.ولولاهم لما استطاعت اوربا ولا امريكا من تحقيق التقدم الصناعي و الزراعي ، وهذا ايضا اعتراف ضمني بدور السكان الافارقة في قيام النهضة الصناعية و التقدم العلمي للعالم . احتراماتي
الدكتور تحسين الشيخلي
عزيزي الأستاذ فاروق
شكراً على تقييمك الكريم لمقالتي، وشكراً أيضاً على تنبيهك لما نشرته صحيفة الفايننشال تايمز وما نقلته من مقتطفات تكشف، من بين أمور أخرى، التباين في التعامل مع الإرث التاريخي البغيض للعبودية وتجارة العبيد. أنا لم أهتم إلا بالجانب التأميني لموضوع تجارة العبيد. إن النقاش حول الموضوع سيستمر طويلاً حتى يتحقق شكل/أشكال من التصالح مع إرث الماضي.
مع خالص التقدير.
شكرا جزيلا لصديقي العزيز الاستاذ مصباح كمال على مقاله القيم
اشير هنا الى بعض ما ورد في مقال Financil Times
تجارة الرقيق — برطانيا عليها دين واجب السداد
الاقتصادية جريدة العرب الاقتصادية الدولية
الجمعة ٣ يوليو ٢٠٢٠
جونوثان جوتري من لندن
اصدرت سلسلة من الموءسسات والشركات المالية اعترافات واعتذارات بعد تغطية قاعدة الببانات من بينها كان بنك انكلترا ومجموعة لويدز المصرفية ورويان بنك اوف انجلترا ورويال بنك
وجاء في المقال:-
لويدز في لندن سوق التامين التي غطت كثيرا من رحلات العبودية وسلسلة الحانات جرين كينج اعتذرتا ايضا ووعدتا بدعم مالي لمجموعات تمثل مجتمعات السود الاسيوين والاقليات بتعويضات او شيءا يشبهها تماما جامعة جلاسجو وكلية اول سوك في جامعة اكسفورد All Souls College Oxford انشاتا الان مشاريع تعويضية مع دلالتها على الشعور بالذنب من الفضاءح التاريخية
التعويضات مثيرة للجدل وتلقى مقاومة شديدة من قبل كثير من المحافظين في مجالي الاعمال والسياسة لكن يقول النشطاء ان اس المال الناتج عن العبودية لا يزال في الميزانية العمومية للمملكة المتحدة حتى هذا اليوم من وجهة نظرهم راس المال هذا يعد نصبا تذكاريا للاستغلال اكثر اهمية من تماثيل تجار الرقيق الذين ماتوا منذ فترة طويلة ويوءكدون ان بعض هذه الثروة ينبغي ان تساعد الناس الذين لا يزالون محرومين بسبب العنصرين التي كانت تبرر صناعة غير عادلة
يقول السيد هيلاري كانت لدى بريطانيا ٢٠٠ عام من العمالة المجانية بريطانيا لديها دين عليها سداده
مع التقدير