تقديم وترجمة حامد فضل الله \ برلين (***)
تم التخطيط لعام 2020 باعتباره عام الشراكة الأوروبية الأفريقية. يجب على ألمانيا ضمان بقاء أفريقيا على جدول الأعمال، على الرغم من فيروس كورونا.
سافرت فون دير لاين إلى إثيوبيا، بعد أيم قليلة من توليها منصبها في ديسمبر 2019 ، لمقابلة موسى الفكي محمد رئيس المفوضية للاِتحاد الأفريقي.
قد تكون الزيارة رمزية للغاية، باعتبارها أول زيارة لرئيسة المفوضية الأوروبية الجديدة خارج أوروبا، لكن الأمر لم يكن رمزيا فقط. حيث قالت فون دير لاين “زيارتي إعلان سياسي”، ومضيفةً:” الاتحاد الأفريقي شريك يعتمد عليه الاتحاد الأوروبي”.
كان ينبغي أن يكون عام 2020، عامًا حاسمًا لهذه الشراكة. عام أرادت فيه أوروبا إعادة تأكيد مكانتها باعتبارها أهم شريك تجاري واستثماري لأفريقيا، عام لإعادة تقويم العلاقة التي اتسمت مؤخرًا بحقيقة أن العديد من الأوروبيين ينظرون إلى إفريقيا على أنها تهديد أكثر فأكثر – من خلال عدم الاستقرار السياسي، و الهجرة، والإرهاب – بدلا من اعتبارها فرصة.
كان ينبغي، على سبيل المثال الانتهاء من المفاوضات لاستبدال اتفاقية التعاون الإنمائي لكوتونو التي انتهت صلاحيتها، مع 79 دولة أفريقية ومنطقة البحر الكاريبي والمحيط الهادئ. كما أراد الاتحاد الأوروبي وضع اللمسات الأخيرة على ميزانيته للسنوات السبع القادمة، والتي يجب أن تخلق قاعدة جديدة لدعم أفريقيا. وكان من المقرر عقد القمة التي تنعقد دوريا كل ثلاث سنوات في أكتوبر، بين الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي. حيث يجب أن يتم الاتفاق هنا على جدول أعمال شراكة مشتركة.
لم يعطل فيروس الكورونا كل هذه الخطط فحسب، بل أوقفها. فكان لا بد من تأجيل الاجتماعات المهمة، وتوقف التقدم في الاستراتيجية الجديدة بين الاتحاد الأوروبي وأفريقيا. سيكون للوباء نتائج اجتماعية واقتصادية وسياسية كبيرة على جانبي البحر الأبيض المتوسط وسوف يؤثر على العلاقات بين القارات بطريقة يصعب التنبؤ بها.
كان لفيروس كورونا، حتى الآن، تأثير أقل على الصحة العامة في معظم البلدان الأفريقية منه في أوروبا. كان رد فعل الاتحاد الإفريقي سريعًا ومنسجمًا مع تفشي المرض ؛ كما اتخذت معظم الحكومات إجراءات مبكرة للحد من انتشار الفيروس.
من ناحية أخرى، كان التماسك الداخلي في الاتحاد الأوروبي، مثقلًا بالأخطاء والاختلافات الأولية. ثم تم اتخاذ خطوات لتصحيح المسار، ولكن من غير المؤكد ما إذا كان بالإمكان تخفيف غضب العديد من الناس في بروكسل. تساهم الأزمة الاقتصادية بتعزيز المزاج القومي وكره الأجانب. مما يفرض على الاتحاد الأوروبي إنفاق رأس مال أقل – سياسياً ومالياً – على أفريقيا في السنوات القادمة. يواجه الاتحاد الأوروبي إعادة تقييم مؤلمة لأولوياته. وبالرغم ذلك، يجب عليه أن يعزز ويقوي علاقاته مع أفريقيا – أقرب جيرانه. وبذلك فقط، ستحافظ هذه الشراكة على أولويتها ، خاصة مع تزايد الاهتمام الدولي بأفريقيا الآن.
خيارات أفريقيا الجديدة
لم تكن لأوروبا، بعد نهاية الحرب الباردة منافسة تذكر في إفريقيا. ترتبط القارتان بالجغرافيا بالإضافة إلى التاريخ المشترك، وأن كان مثقلًا، حيث طبعته الفترة الاستعمارية. وبذلك أصبح الاتحاد الأوروبي أهم شريك اقتصادي لأفريقيا. تُعد دول الاتحاد الأوروبي معاً، أهم مستثمر أجنبي في القارة، وأهم شريك تجاري وداعم لمنطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية، وأهم مصدر للتحويلات وأكبر مانح للتنمية والمساعدات الإنسانية.
لدى أفريقيا الآن الكثير من الخيارات. أبدت الصين والهند واليابان وتركيا وروسيا ودول الخليج، في السنوات الأخيرة اهتمامًا متزايدًا بالقارة كسوق آخذ في التوسع ومصدرًا للموارد الطبيعية وكتلة كبيرة من الأصوات في الهيئات الدولية وقاعدة للعمليات العسكرية الجيواستراتيجية. مع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بركست)، لن يفقد الاتحاد الأوروبي عضواً يتمتع بعلاقات أفريقية قوية فحسب، بل سيواجه منافساً إضافياً أيضاً.
ستحدد كيفية مواءمة الاتحاد الأوروبي وتقديم استراتيجيته الجديدة لأفريقيا وجهة علاقاته في السنوات القادمة. يجب على أوروبا أن تأخذ في الاعتبار التغيرات السياسية في أفريقيا. يسعى رؤساء الدول والحكومات الأفريقية من أجل المزيد من المسؤولية الذاتية. لقد بدأت عملية إصلاح في الاتحاد الأفريقي لجعله أكثر كفاءة. لقد بدأوا يدركون أن إفريقيا تكتسب نفوذًا عندما تتحدث بصوت واحد. كما يريدون تعميق تكامل بلادهم. ويتضح ذلك من خلال الجهود المبذولة لزيادة حرية الحركة لمواطنيها وإنشاء منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية.
يجب على رؤساء الدول والحكومات الأوروبية تجنب الأفعال أو التصريحات التي يمكن أن تفسر على أنها أبوية – غالباً ما يشكو الموظفون والدبلوماسيون الأفارقة من هذا الأمر. تتحدث مفوضية الاتحاد الأوروبي الآن عن رغبتها في تطوير استراتيجية “مع” إفريقيا بدلاً من استراتيجية “لأفريقيا”. ولكن لتحقيق هذا الموقف، يجب على الاتحاد الأوروبي التفاوض مع صناع القرار في إفريقيا نفسها.
تعتبر المجالات التي يجب أن تركز عليها الشراكة الجديدة (البيئة والطاقة، والتحول الرقمي، والنمو المستدام والعمالة، والسلام والحكم الرشيد، والهجرة والتنقل) نقطة بداية جيدة. ومع ذلك، فقد وضعت اللجنة هذه القائمة بمفردها، وهي تعكس قبل كل شيء، أولوياتها وشواغلها. وهذا لا يعني أن هذه القضايا ليست مهمة لأفريقيا.
ولكن لضمان مشاركة أفريقية حقيقية، كان من الحكمة السعي إلى اتفاق مشترك وتحديد كيفية تشكيل كل منطقة بشكل مشترك.
وينطبق هذا بشكل خاص على الهجرة، التي تسببت في خلاف منذ عام 2015، عندما جاء أكثر من مليون شخص من الشرق الأوسط وأفريقيا إلى أوروبا هربًا من الحرب والاضطهاد والفقر. لدى القارتين أولويات مختلفة: يركز الاتحاد الأوروبي باستمرار على منع الهجرة غير الشرعية، بينما تسعى البلدان الأفريقية إلى إيجاد طرق قانونية للمواطنين المؤهلين للعيش والعمل هناك.
كما ذكرنا من قبل، تكمن الخطورة الآن من أن تؤدي عواقب الوباء إلى زيادة كراهية الأجانب في أوروبا – في الوقت الذي تُجبر فيها الأزمات الاقتصادية في إفريقيا، عددًا أكبر من الناس على البحث عن حظوظهم في الخارج أيضاً. من الأفضل لأوروبا أن تعمل بشكل وثيق مع الحكومات الأفريقية لتمكين الهجرة القانونية. كما يجب مراجعة سياسات مكافحة الهجرة الموجهة نحو الأمن بشكل متزايد في أوروبا.
سوف تبرز، في السنوات القادمة حتمية الصدارة لجوانب العلاقات الاقتصادية. لقد بدأ الاتحاد الأوروبي وأعضاؤه بالفعل توجيه دعمهم المالي نحو مكافحة الوباء في أفريقيا (20 مليار يورو حتى الآن كتقديرات اولية) ، ولكن منع واحتواء وحل النزاعات، يجب أن يظل أولوية أيضاً.
قدمت بروكسل منذ عام 2004 أكثر من 2.7 مليار يورو للجهود الأفريقية لاحتواء الصراعات، بما في ذلك بعثات السلام تحت قيادة أو بدعم من الاتحاد الأفريقي. كان هذا أكثر من مجرد مساعدة مالية من جميع الشركاء الآخرين. تستفيد أوروبا مباشرة من استثماراتها. بالنظر إلى القرب، تؤثر الأزمات في قارة واحدة على الأخرى: عدم الاستقرار في ليبيا ومنطقة الساحل (التي تسببت فيها أوروبا جزئياً له عواقب على الجانب الآخر من البحر الأبيض المتوسط.
سيقلل الانكماش الاقتصادي الوشيك من عائدات الضرائب لكل من أعضاء الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي. وقد يؤدي ذلك إلى إهمال تمويل السلام والأمن في أفريقيا. لذلك من الأهمية بمكان الاهتمام بكيفية إنفاق الأموال. سيكون الاتحاد الأفريقي أقل قدرة على الاعتماد على العمليات العسكرية الباهظة الثمن، وسيركز على أنشطة الوقاية المهمة للغاية والوساطة الأرخص.. هنا يجب على الاتحاد الأوروبي دعم هذه الجهود.
أنشأ الاتحاد الأوروبي برنامجين جديدين لتمويل السلام والأمن في أفريقيا، منشأة السلام الأوروبي، وأداة للجوار والتنمية والتعاون الدولي. وبالنظر إلى الوضع غير المستقر، فمن الأهمية بمكان أن توفر هذه البرامج دعمًا موثوقًا به. وستمكن مثل هذه التدفقات النقدية الاتحاد الأفريقي من التخطيط بشكل أكبر على المدى المتوسط، واتخاذ مبادرات جديدة والاستجابة للتغيرات الديناميكية في الصراع.
إذا تولت ألمانيا رئاسة مجلس الاتحاد الأوروبي، فيجب، على الرغم من فيروس كورونا، ألا تهمل أجندة أفريقيا الأصلية. التعاون مع القارة، على سبيل المثال، لا يزال حاسما، للتخفيف من آثار الاِحتباس الحراري.
كما أن دعم انتقال السودان إلى حكومة مدنية، يشكل أولوية أخرى. وسوف تكون الخطوة الجيدة الأخرى، إذا دعمت ألمانيا الدعوة إلى إتاحة لقاح فيروس كورونا لكل الناس في جميع البلدان مجانًا. وهذا يمثل علامة واضحة للتضامن الأوروبي، والذي سيتم استقباله بشكل إيجابي في إفريقيا، خاصة وأن الوباء من المحتمل أن يصل هناك إلى ذروته.
يجب على ألمانيا أن تفعل كل ما في وسعها لضمان استمرار الاتحاد الأوروبي في تقديم الأموال لأفريقيا، وخاصة للحفاظ على السلام والأمن. مبدئياً، يجب أن تضمن رئاسة برلين، ألا تتضرر العلاقات مع إفريقيا بسبب السياسات الانعزالية والقومية لبعض الدول الأوروبية. وستكون نتيجة إيجابية لرئاسة المجلس الألماني، إذا تم الحفاظ على العائد الاقتصادي والسلام للشراكة بين الاتحاد الأوروبي وأفريقيا لكلا القارتين.
(*) إليسا جوبسون Elissa Jobson هي رئيسة المناصرة الإقليمية لأفريقيا في مجموعة الأزمات الدولية في نيروبي.
(**) صدر المقال باللغة الإنجليزية، وقامت بيتينا فيسترينغ بترجمته إلى الألمانية، والمراجعة، تمت من النص المُترجم.
(***) طبيب ومثقف وناشط مدني من اصل سوداني مقيم في المانيا
ألمصدر:
Elissa Jobson, Notwendige Nachbarschaftspflege, Internationale Politik, Juli /August 2020 .
Nr. 4 .75. Jahr.
السياسة الدولية 4 ، يوليو / أغسطس 2020 ؛ ص 83-86
حقوق النشر محفوظة لشبكة الاقتثصاديين العراقيين. يسمح بأعادة النشر بشرط الاشارة الى المصدر. 8 آب / اغسطس 2020
الاراء المطروحة في جميع الدراسات والابحاث والمقالات المنشورة على موقع الشبكة لاتعكس بالضرورة وجهة نظر هيئة تحرير الموقع ولا تتحمل شبكة الاقتصاديين العراقيين المسؤولية العلمية والقانونية عن محتواها وانما المؤلف حصريا. لاينشر اي تعليق يتضمن اساءة شخصية الى المؤلف او عبارات الكراهية الى مكون اجتماعي وطائفة دينية أو الى اي شخصية أو مؤسسة رسمية او دينية