(1)
قرأت في نشرة إلكترونية أن هيئة الرقابة المالية المصرية قد اتخذت الخطوات التنفيذية لإنشاء أول جدول اكتواري في مصر يخدم صناعة تأمينات الحياة، وأن هذه الخطوة تأتي بعد تعاقد الهيئة مع واحدة من المكاتب الاستشارية الدولية المتخصصة في الخبرة الاكتوارية [Barnett Waddingham].
وجاء في النشرة أن شركات التأمين على الحياة في مصر كانت تعتمد على الجداول الاكتوارية البريطانية التي تعود إلى منتصف القرن العشرين في تسعير منتجات التأمين.
ونعلم من التغطية الصحفية المصرية أن دراسة الموضوع لوضع جداول محلية قد بدأ في هيئة الرقابة المالية عام 2019 مع تشكيل لجنة متخصصة تضم في عضويتها “خبراء اكتواريين من كبرى شركات تأمينات الحياة والتي تمثل 80% من السوق في مصر، بجانب عدد من الاكتواريين بالهيئة في تشكيل الأمانة الفنية للجنة أٌسند إليهم جمع وفحص وتدقيق البيانات وتحديث الجداول في المستقبل.” وكانت الهيئة قد أبرمت بروتوكول تعاون مع الشركة الإفريقية لإعادة التأمين تضمن قيام صندوق المسؤولية الاجتماعية التابع للشركة بتقديم الدعم المادي والفني للهيئة لإعداد أول جدول اكتواري مصري لتأمينات الحياة لتطوير صناعة التأمين في السوق المصرية وأسواق القارة الإفريقية.
وبهذا تعتبر سوق التأمين المصري سباقة في إنشاء جداول الحياة في العالم العربي.
إن هذا التطور يؤشر على استمرار تعميق المدخلات الوطنية في مؤسسة التأمين رغم أنه يأتي بشراء الخبرة من مكتب استشاري متخصص في بريطانيا. ونشهد تطورات، ليس بالضرورة في مجال تأمينات الحياة، في بلدان عربية أخرى في مجال تعزيز العناصر المحلية في صناعة التأمين في مختلف جوانبها. ولا نستبعد وضع جداول حياة محلية في هذه البلدان مع تطور تأمينات الحياة.
وقد جاء في التغطية الصحفية المصرية أن إنشاء جداول لمعدلات الوفاة والعجز الكلي والجزئي والأمراض الحرجة، والجداول المرضية لاستحداث منتجات تأمينية لحماية الدخل في حالة المرض لأهميتها، خاصة للعمالة الموسمية التي قد تتعرض لنقص أو انقطاع الدخل أثناء فترات المرض، حيث أن تلك المنتجات لا تتوفر حاليا في معظم الشركات.
(2)
ولنا في الخطوات المتخذة في دولة الإمارات العربية في السنوات القليلة الماضية مثال جيد على تحقيق درجة عالية من الاعتماد على العناصر المحلية وخاصة في مجال توطين العمالة ليكون إماراتيًا. وفي المملكة العربية السعودية تقوم مؤسسة النقد العربي السعودي (ساما) باستبدال لائحة العمل الاكتواري لشركات التأمين وإعادة التأمين العاملة في المملكة” بنظام جديد لمواكبة التغير السريع في عمل شركات التأمين، والتحول نحو أنظمة إدارة المخاطر وتنظيمها على أسس رقمية والتركيز على حماية المستهلك، كما أوردته نشرة تأمينية مختصة بالشرق الأوسط في آذار 2020. ويهدف هذا التحديث التنظيمي إلى تشجيع نمو مهنة اكتوارية مزدهرة وعالية الأداء لمساهمتها الفعالة في صناعة تأمين قوية ومزدهرة في المملكة.
ونقلت النشرة عن ساما أن الخبراء الاكتواريين يلعبون دورًا مهمًا في التشغيل السليم لشركات التأمين وإعادة التأمين، وتصميم المنتجات والتسعير وإعداد التقارير المالية وإدارة المخاطر والضوابط الداخلية. ومن المتوقع أن يؤدي هذا التطور إلى ظهور اكتواريين سعوديين.
(3)
إن وجود الاكتواريين في شركات التأمين العربية سيرفع مستوى العمل والأداء ذلك لأن الاكتواري يقوم بجملة من الوظائف على المستوى الفني ويوفر قاعدة للآخرين لاتخاذ القرارات. وتضم هذه الوظائف:
1. تحديد التسعير الأساسي للتأمين على الحياة وفروع التأمين الأخرى: حساب احتمالية وقوع الأحداث، وحساب نسبة التحميل على قسط التأمين والأسعار جنبًا إلى جنب مع حساب الربحية الفنية المتوقعة للمُنتج التأميني.
2. تقدير ربحية عقود التأمين باستخدام النماذج الرياضية والمفاهيم الإحصائية والبرمجيات المتخصصة.
3. تحليل البيانات الإحصائية لتحديد الاتجاهات في مجالات ذات علاقة بالتأمين (كمعدل الولادات والوفيات)، وتطوير منتجات جديدة.
4. تقديم المشورة للمكتتبين في تعاملهم مع العملاء، سواء من حيث تطبيق التعريفات أو الشروط الفنية.
5. حساب المسؤولية التراكمية للكوارث الطبيعية وتلك الناشئة من الفعل البشري. تستهدف حسابات التراكم هذه أيضًا منتجات تأمينية محددة، لا سيما في مجال التأمين على الحياة.
6. تحديد القدرات الاستيعابية للأخطار التي يمكن للمكتتبين في الشركة استعمالها في تغطية الأخطار.
7. توفير الخبرة المتوفرة لديهم في مراقبة وحساب الاحتياطيات الفنية، وحساب هوامش الملاءة المالية، والامتثال للقواعد الرقابية.
(4)
الفكر الاكتواري في مجال التأمين له تاريخ طويل في أوروبا، وقد قدّم لنا د. شريف محسن مؤخرًا دراسة ممتعة بعنوان “أقدم إنذار اكتواري في تاريخ التأمين” عرض فيها أفكار عالم الرياضيات الفرنسي أبراهام دي مُويْفَر Abraham de Moivre (1667–1754) ومساهمته في تطوير الأسس الرياضية التي تُجنّب شركات التأمين من الانهيار ونظرية الاحتمالات والعلوم الاكتوارية عمومًا.
ليس لنا في العالم العربي ما يماثل ثراء الفكر الاكتواري وتطبيقاته في الغرب، وهو غائب بالمرة في العراق. وليس هذا فحسب إذ أن العراق فاتته فرصة تكوين كادر اكتواري يمكن أن يعمل في قطاع التأمين وفي مؤسسات أخرى كالضمان الاجتماعي وهيئة التقاعد.
كان لي بعض الاهتمام بموضوع الدراسة التأمينية الأكاديمية المتخصصة للتأمين في العراق، ومنها رياضيات التأمين، وقد نشرت مقالة صغيره حوله قبل سنوات. لا أدري إن حصل تقدم بهذا الشأن. وأظن بأن الموضوع ما يزال عالقًا يبحث من يهتم به ويعمل على الترويج له في ديوان التأمين وشركات التأمين ومؤسسات التأمين الأخرى.
بعض أسواق التأمين العربية تضم اكتواريين أو تستفيد من الخدمات الفنية للخبراء الاكتواريين (لبنان، على سبيل المثل).
وتشترك هذه الأسواق مع العراق بعدم امتلاكها لجداول الحياة المصنفة محليًا فشركات التأمين على الحياة تعتمد على جداول أجنبية، مثلما كان الحال في مصر، وهو في طريقه إلى التغيير قريبًا. ومنذ خمسينيات القرن الماضي يعتمد العراق على جداول الحياة الإنجليزية التي قدمتها الشركة السويسرية لإعادة التأمين لشركة التأمين العراقية (تأسست سنة 1959). ليس هناك توثيق لدور الشركة السويسرية لإعادة التأمين في هذا المجال وما ذكرته عن الجداول هو من نمط الحديث الدائر بين بعض العاملين في قطاع التأمين العراقي وأنها جاءت كمساعدة فنية إضافة إلى فرص التدريب في تأمينات الحياة.
ليس معروفًا إن كان هناك محاولات على استبدال هذه الجداول أو تعديلها لتعكس الواقع الديمغرافي والصحي للعراق. وأيًا كان الحال، أتمنى على الباحثين الشباب البحث في تاريخ جداول الحياة منذ أواخر خمسينيات القرن الماضي وعلاقتها بتسعير منتجات التأمين على الحياة، ودورها في حساب الاحتياطيات الحسابية وغيرها.
8 آب 2020
(*) كاتب في قضايا التأمين
حقوق النشر محفوظة لشبكة الاقتصاديين العراقيين. يسمح بإعادة النشر بشرط الإشارة إلى المصدر.
http://iraqieconomists.net/
باحث وكاتب عراقي متخصص في قطاع التامين مقيم في المهجر
الاراء المطروحة في جميع الدراسات والابحاث والمقالات المنشورة على موقع الشبكة لاتعكس بالضرورة وجهة نظر هيئة تحرير الموقع ولا تتحمل شبكة الاقتصاديين العراقيين المسؤولية العلمية والقانونية عن محتواها وانما المؤلف حصريا. لاينشر اي تعليق يتضمن اساءة شخصية الى المؤلف او عبارات الكراهية الى مكون اجتماعي وطائفة دينية أو الى اي شخصية أو مؤسسة رسمية او دينية