أبحاث نظرية في الفكر والتاريخ الإقتصاديالرئيسيةالمكتبة الاقتصاديةقطاع التأمين الوطني والاجنبي

مصباح كمال: ماركس والتأمين ومقالات اخرى

مقدمة

كثيراً ما نصادف عناوين لكتب أو دراسات عن ماركس والأدب وماركس والدين وماركس والأخلاق وماركس والفن وماركس والإيكولوجيا وحتى ماركس والمحاسبة، لكننا لم نتعرف على دراسة أو كتاب عن ماركس والتأمين.  وأنا لا أدّعي بأنني أسد فراغاً في الدراسات عن ماركس والماركسية في تجلياتها المختلفة لكنني ربما أمهد الطريق للغير للغوص في البحث في هذا المجال.  وما أقدمه في هذا الكتاب لا يرقى إلى تنظير لمؤسسة التأمين من منطلق ماركسي.[1]

هل هناك تنظير ماركسي للتأمين؟  ليس لدي معلومات كافية للجواب على هذا السؤال لكنني أفترض أن الكلاسيكيات الماركسية خالية من هذا التنظير وكذلك الكتابات الماركسية الحديثة.  ربما كانت هناك محاولات بهذا الشأن في الاتحاد السوفيتي والدول الاشتراكية في أوروبا الشرقية.[2]  أزعم لذلك أن مؤسسة التأمين لا تجد لها حضوراً ملموساً في الكتابات الماركسية الكلاسيكية والحديثة إلا بشكل عابر.

لا يمكن لأي نظام اقتصادي-اجتماعي أن يعمل بسهولة بدون نظام معين للأمان والحماية من المخاطر الحتمية المرتبطة بوجود البشر والشركات والمؤسسات ومن هنا منشأ التأمين كمؤسسة قائمة بذاتها استجابة لهذه المخاطر.  وهو ما لم يلقَ اهتمامًا تفصيليًا قي الكتابات الاشتراكية الكلاسيكية.  وافترض أن المؤسسة لم تخضع لتحليل مستقل إذ أنها غالباً ما تُدمج مع القطاع المالي دون إبراز أو تحليل الدور المستقل لها.  هناك بعض الأمثلة بهذا الشأن.  سنعرض هنا أولاً فقرة مترجمة لبيان هذا المقترب لاثنين من الاقتصاديين الماركسيين في القرن العشرين، بول باران وبول سويزي في كتابهما رأس المال الاحتكاري.

على قدم المساواة مع جهود المبيعات – على الأقل ذلك الجزء الذي يمكن فصله عن الإنتاج – كأسلوب لاستخدام الفائض هو تحويل حجم كبير من الموارد إلى ما يتم قيده في حسابات الدخل القومي تحت عنوان “التمويل والتأمين والعقارات “[3]

 

في تلخيصه لأطروحة باران وسويزي حول استخدام الفائض الاقتصادي كتب جون بَلَمي فوستر الآتي:

 

في أوائل القرن التاسع عشر، مع توطد الرأسمالية الصناعية – بعد أن حلت محل المرحلة الميركنتالية السابقة – بدا أن دور النفقات غير المنتجة، بالمعنى الواسع، أخذ يتضاءل بقوة، مع تطور الرأسمالية نحو “شكلها النقي.”  كان من الواضح، على أي حال، أن العصر الجديد “لعصر الماكنة” أو “الصناعة الحديثة،” في اصطلاح ماركس، قد قلل من الدور النسبي للدولة والكنيسة، ورأس المال التجاري ومالكي الأرض الزراعية.  علاوة على ذلك، تميزت الرأسمالية في العصر الفيكتوري بنقص رأس المال الناتج عن ظروف التصنيع المبكر والتنافس بين عدد كبير من الشركات الصغيرة atomistic competition، مع هبوط معدل الأرباح كما هو معروض في الاقتصاد الكلاسيكي والماركسي الذي يشكل السبب المباشر للأزمة طويلة الأمد secular في النظام الاقتصادي.  في ظل هذه الظروف، كان من المعقول افتراض تقليل الهدر إلى الحد الأدنى.  ومع ذلك، مع ظهور “قانون الفائض المتزايد” و “مشكلة امتصاص الفائض” في مرحلة الاحتكار، بدأت ظاهرة التبديد الاقتصادي في إعادة تأكيد نفسها.  ومع ازدياد التبديد فيما يتعلق باستهلاك واستثمار الرأسماليين، تسيّدَ التبديد بشكل متزايد على “تكوين الناتج الاجتماعي، ومعدل النمو الاقتصادي وطبيعة المجتمع نفسه.”

 

بعد أن وضعا الأساس النظري لنهجهما بهذه الطريقة، شرع باران وسويزي في تحليل الأشكال التالية من التبديد في الاستخدام الفعلي للفائض المحتمل:

 

(1) المجهودات المبذولة على المبيعات، الذي يتألف من (أ) “التبديد في عملية الأعمال” (بما في ذلك “الاعلانات، وبحوث السوق، وحساب المصاريف الترفيهية، والحفاظ على أعداد زائدة من منافذ البيع، ورواتب ومكافآت رجال البيع،” وكذلك النفقات على “الأنشطة المرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالأعمال كالعلاقات العامة، واللوبيات، واستئجار المباني المكتبية اللامعة وصيانتها، والتقاضي التجاري”)؛ و (ب) “تغلغل جهود المبيعات في عملية الإنتاج” (بما في ذلك “التباين في مظهر المنتج وتغليفه، والتقادم المخطط له، وتغييرات الموديلات،” إلخ)؛

 

(2) الإنفاق العسكري. و

 

(3) “تحويل الفائض المحتمل إلى القطاع المالي (المدرج ضمن “المالية والتأمين والعقارات” في الحسابات القومية).[4]

 

ربما أكون قد أفرطت بالاقتباسات التي لا تذكر التأمين إلا قليلاً، لكنها تشير في ذات الوقت إلى أن التأمين يظل غائباً كمؤسسة قائمة بذاتها تعمل، باختصار، في خدمة الإنتاج والإبقاء على الثروة الوطنية من خلال تمويل تصليح الخسائر والأضرار المادية التي قد تلحق بهذه الثروات بما فيها وسائل الإنتاج المادية نتيجة لحوادث طبيعية وأخرى بشرية وغيرها من الحوادث الناشئة من ديناميكية الصناعة الحديثة والتجارة الدولية.  وكذلك التعويض عن العجز الدائم عن بيع قوة العمل نتيجة لحوادث العمل أو الشيخوخة من خلال التأمين من إصابات العمل ومعاشات الشيخوخة (السناهيات) إضافة إلى التعويض عن العجز المؤقت عن بيع قوة العمل نتيجة المرض أو البطالة من خلال التأمين الصحي والتأمين ضد البطالة وكذلك الرعاية الاجتماعية.

 

هذه النماذج من الحماية التي توفرها مؤسسة التأمين قد تتخذ صفة تجارية (الحماية لقاء تسديد أقساط التأمين)، أو تشكل جزءاً من الخدمات التي تقدمها الدولة (التأمين الاجتماعي من خلال الضرائب التي يدفعها العاملون أو إسهاماتهم الخاصة لتمويل صندوق الخدمات الصحية العامة).  وهذا هو الوضع، بشكل عام، في الدول التي توصف بأنها قائمة على نهج الرفاه الاجتماعي، وبحدود أقل في الدول النامية.

 

مؤسسة التأمين كغيرها من المؤسسات تعكس الاجتماع البشري القائم.  ففي نموذج الاجتماع الذي كان سائداً في أنظمة الاشتراكية الفعلية، ولنسميها النموذج السوفياتي، لم يكن هناك، على سبيل المثل، تأمين صحي تجاري، أي التأمين الصحي مقابل تسديد أقساط التأمين.  ففي ألمانيا الديمقراطية، على سبيل المثل، كانت الخدمات الصحية مجانية عند نقطة الاستخدام وكذلك الأدوية المقترنة بوصفة طبية.[5]

 

في نماذج دولة الرفاه الغربية يثار السؤال حول تمويل برامج الرعاية الاجتماعية وأن الدولة الحديثة غير قادرة على توفير حماية كاملة لمواطنيها في مجال التأمين الاجتماعي (ولكنها تستطيع تمويل حروبها وزيادة سقف الدين القومي).  ومع صعود الليبرالية الجديدة بدأت الدولة بتقليص الانفاق على الخدمات العامة والدفع باتجاه خصخصتها وتشجيع المستفيدين من الرعاية لشرائها من شركات التأمين.  وهكذا بدأ التفكيك التدريجي لنظام التأمين الاجتماعي في دول الرفاه الغربية، وأخذت دول الجنوب، ومنها العديد من الدول العربية، بتقليد وتطبيق نموذج تجاري لتوفير التأمين الاجتماعي ومنها التأمين الصحي.  ومن المناسب هنا أن نقتبس ما كتبه د. صالح ياسر في وصفه لتمويل التأمين الاجتماعي في أنظمة الاشتراكية الفعلية:

 

وبما أن الحكومة كانت تحتكر اعادة توزيع الدخل القومي، فإن ذلك كان يتيح لها تحويل الموارد بحرية بين صندوق التراكم )للاستخدام من قبل الشركات بما في ذلك دفع الأجور) وصندوق الاستهلاك الذي يتضمن ميزانية التأمين الاجتماعي للدولة.  وبهذه الطريقة يمكن تمويل جميع الالتزامات الاجتماعية للمعاشات والرعاية الصحية دون اللجوء إلى فرض الضرائب على وفق النمط الرأسمالي على الدخل أو رأس المال أو العمل.  ضمن هذا النظام، كان منصب العمل نقطة وصول رئيسية إلى المنافع الاجتماعية بما في ذلك الضمان الاجتماعي والرعاية الصحية.  وكان نظام الرعاية الاجتماعية جزءا من نظام اقتصادي وسياسي شامل …[6]

 

لقد ارتبط ارتقاء دولة الرفاه الحديثة بصراعات اجتماعية (صراع طبقي) وبتطور آيديولوجي تمتد جذورها إلى الثورة الصناعية في القرن الثامن عشر بحيث صار تدخل الدولة مطلوباً ليس فقط للحيلولة دون تدمير قوة العمل بل ضمان إعادة إنتاجها أيضاً من خلال سياسات التأمين الاجتماعي المختلفة: التأمين من إصابات العمل والعجز المؤقت من الاستمرار في العمل نتيجة المرض أو البطالة وغيرها.  إضافة لذلك فقد جاءت هذه السياسات، خاصة بعد الحرب العالمية الثانية، كوسيلة لتثبيت الاستهلاك (الطلب العام)، وفق الاقتصاد الكينزي، بأمل وقف تدهور الاقتصاد نحو الأزمة.  بمكن لذلك قراءة هذه السياسات على أن لها وظيفة مزدوجة لتوفير الرفاه الاجتماعي وفي ذات الوقت خدمة مصالح الرأسماليين في ضمان ديمومة قوة العمل، سواء من خلال اشتراكات التأمين الاجتماعي أو الضرائب المختلفة التي تقوم الدولة بجبايتها، رغم معارضة الطبقة الرأسمالية والمنافحين عن مصالحها في رفض تزايد تدخل الدولة في الاقتصاد.  ومن المعروف أن لأصحاب العمل مصلحة مباشرة في الإبقاء على إنتاجية العمال فكلما نجحوا في تقليل الوقت الذي يقضيه العمال خارج العمل في أيام المرض كلما تقوّت الإنتاجية.

 

إن أصحاب العمل لهم مصلحة في ضمان ديمومة العمل — رغم ما يستدعيه التأمين الاجتماعي للعمال وكذلك التأمين على وسائل الإنتاج والمسؤوليات القانونية المختلفة الناشئة من الإنتاج المادي للسلع والخدمات والتأمين على احتمال خسارة الإيرادات جراء توقف العمل (الإنتاج) بسبب حادث — من تكلفة (أقساط التأمين) تضاف إلى تكاليف الإنتاج.  ويتم تمويل هذه التكاليف وغيرها (كالضرائب على سبيل المثل) من الفائض الاقتصادي (فائض القيمة في المفهوم الماركسي).[7]

 

~~~

 

قبل ما يقرب من عقدين حاولت أن اختصر الأهمية الاقتصادية والاجتماعية للتأمين، في السياق العراقي، تحت العناوين التالية:

 

  • المساهمة في الدورة الاقتصادية: تحويل الدخل بين مفردات الدخل القومي وما يترتب على ذلك من تنشيط لخدمات أخرى، وكذلك تشجيع المجازفة الاقتصادية (من خلال تعويض صاحبها عن ممتلكاته ومنتجاته المتضررة من جراء الحوادث غير المتوقعة، وتقديم القروض العقارية وغيرها ضمن عقود التأمين على الحياة).

 

  • توفير فرص للعمالة (في شركات التأمين) رغم محدوديتها في ظل الأوضاع القائمة.

 

  • تحويل كلفة الخطر: المساهمة في حماية الوضع المالي للأفراد والمؤسسات المؤمن عليها، والمساهمة في ديمومة الإنتاج، وحماية عناصر الثروة الوطنية (البشرية والمادية) ضد الكوارث الطبيعية وتلك التي تترتب على الفعل البشري خلال ممارسة الإنتاج.

 

  • تفادي النزاع بين الأفراد من خلال تحمل شركة التأمين للنتائج المالية للأضرار التي يتسبب به فرد ضد فرد آخر أو مجموعة من الأفراد (مثال التأمين على السيارات والحريق.(

 

  • المساهمة في التنمية الاقتصادية من خلال تنشيط الادخار والاستثمار. ولذلك يمكننا القول بأن شركات التأمين تعتبر أحد المصادر المهمة لرأس المال المالي، فحتى شركات التأمين التي لا تمارس التأمين على الحياة تلجأ إلى تكوين احتياطيات فنية واحتياطيات حرة للوفاء بالتزاماتها لتعويض حملة وثائق التأمين عند تحقق الضرر المؤمن ضده.  ومثل هذه الاحتياطيات في التأمينات العامة صالحة للاستثمار وخاصة للآجال القصيرة.

 

هذه الوظائف تجد تعبيراً لها في قطاع التأمين في العراق بحدود لكنها لم تلق ما تستحقها من تحليل.  ويمكن القول إجمالاً إن المساهمة الاقتصادية لقطاع التأمين في عملية تمويل التراكم الاقتصادي ضعيفة.  ويعكس ذلك ضعف الكثافة التأمينية، الذي يؤشر بدوره على هشاشة دخول الأفراد مما يجعل الإقبال على شراء الحماية التأمينية ضعيفاً.  كما أن الدولة أغفلت أهمية جعل بعض فروع التأمين إلزامياً كتأمين المباني باعتبارها جزءاً من الثروة الوطنية كما هو الحال، على سبيل المثال، في سويسرة وألمانيا، أو ربط القروض العقارية بالتأمين على الحياة وتأمين الأعيان ضد خطر الحريق وغيره.  هذه الملاحظات بحاجة إلى دراسة لا تتأثر بالمطلب السياسي الذي يستدعي زيادة موارد الدولة دون الأخذ بنظر الاعتبار مستوى الدخل الفردي.[8]

~~~

قبل شهور من رحيله أجرى معي المرحوم فاروق يونس (1935-2022) حوراً حول بعض قضايا التأمين، ومن جملة ما أثاره من أسئلة التالي:

 

السؤال الرابع: يلاحظ تزايد الأخطار تبعا للتطور التكنولوجي السريع.  ما هو دور التأمين في توفير الأمن والأمان الاجتماعي؟  هل تتفضلون بإلقاء الضوء على التأمين الاجتماعي والتعاوني والتأمين التجاري والتأمين على التلوث البيئي والتأمين على الموارد البشرية، وباختصار إن امكن؟[9]

 

اقتبس فيما يلي جوابي على هذا السؤال:

 

لقد كانت مؤسسة التأمين، تاريخيًا، مواكبة للتطورات الاقتصادية والتكنولوجية.  ولم يكن أحد المؤرخين المختصين بصناعة التأمين في بريطانيا، روبن بيرسون، مجافيًا للحقيقة عندما نشر كتابًا بعنوان Insuring the Industrial Revolution: Fire Insurance in Great Britain, 1700-1850.[10]  أي تأمين الثورة الصناعية في بريطانيا في القرن التاسع عشر.  وفي زماننا فإن التطورات التي ارتبطت بأبحاث وتكنولوجيا الفضاء الخارجي، وتكنولوجيا المعلومات، وتطوير الأدوية والعلاجات الطبية وغيرها لم تكن لتحصل لولا الحماية التي توفرها مؤسسة التأمين.  وقد قال أحد ممارسي التأمين في بريطانيا إن التأمين هو الحمض النووي للرأسمالية، فبدونه لا يمكن للنظام أن يعمل بسلاسة.[11]

 

وإذا كان هذا هو الحال في الجانب العلمي والتكنولوجي وتطبيقاته، فإن التأمين لم يكن بعيدًا عن التأمين الاجتماعي والتعاوني والتأمين على التلوث البيئي والتأمين على الموارد البشرية.  لم يشهد العراق مثل هذا الدور في التأمين وحتى الدول العربية الأخرى فإنها بعيدة عن لعب هذا الدور ما خلا التطورات الجديدة التي بدأت في الظهور في بعضها في المجالات التي ذكرتها، وخاصة في مجال التأمين الصحي والتأمين الاجتماعي (أنظمة التأمين الخاصة بالمعاشات التقاعدية).

 

هناك مجالات معينة يلعب فيها التأمين دورًا تكميليًا في جميع أنحاء العالم وحتى الولايات المتحدة الأمريكية، قلعة الرأسمالية.  فالدولة هنا، وهي رب العمل الأكبر، توفر الحدود الدنيا من الأمن الاجتماعي والصحي لتكملها شركات التأمين وبشكل واسع.  فالحماية الصحية من خلال التأمين التجاري متوفرة للعاملين طالما كانوا مستخدمين، وما يصيبهم من حوادث أثناء العمل تتحمل شركات التأمين تكاليفها من خلال وثائق تأمين إصابات العمل.

 

لقد لعبت التنظيمات التعاونية وشركات التأمين التبادلية منذ القرن التاسع عشر دورًا مهمًا في توفير أشكال مختلفة من التأمين إلى جانب شركات التأمين الأخرى.  فالحركة التعاونية في بريطانيا كانت لها شركة تأمين توفر أشكالًا من التأمين لأعضائها، وساهمت في الاكتتاب بما يعرف في أدبيات التأمين العربية بالتأمين الشعبي industrial life insurance لتوفير تأمين على الحياة ومصاريف الدفن للعمال ولذوي الدخل الصغير لقاء أقساط تأمين زهيدة يقوم بجبايتها أعداد كبيرة من العاملين من المؤمن عليهم في بيوتهم أو أماكن عملهم.  وقد توقف هذا النمط من التأمين في بريطانيا.

 

التأمين على التلوث البيئي ينطوي على إشكاليات، فقد ظل لسنوات عديدة خارج التغطية التأمينية، ثم صار التأمين عليه مشروطًا بوقوع حادث عرضي يؤدي إلى التلوث، أي أن التلوث الذي يحصل تدريجيًا لا يكون موضوعًا للتأمين، لأن مثل هذا التلوث يمكن التحوط منه باتخاذ إجراءات الصيانة المختلفة وإدارة أخطار المنشأة.  وفي الوقت الحاضر هناك شروط مختلفة للتأمين على التلوث الصناعي.

 

لا أدري ما الذي يدور بذهنك في السؤال عن تأمين الموارد البشرية.  في ظني انه التأمين على العاملين والعاملات في أماكن العمل من تعرضهم للإصابات أو المرض، والتأمين على الأطراف الثالثة (زوار أماكن العمل)، وتوفير التأمين الصحي (يعتبر قسط التأمين الذي يسدده رب العمل لتأمين كل عامل دخلًا له ولذلك قد يكون موضوعًا للضريبة على دخل العامل في بريطانيا).

 

طلبت في هذا السؤال أيضًا إلقاء الضوء على التأمين التجاري.  ليس واضحًا ما ترمي إليه من هذا السؤال ولكني اجتهد وأقول إن التأمين التجاري commercial insurance هو مصطلح عام يشمل أشكالًا مختلفة من الحماية التأمينية للشركات.  يمكن للشركات شراء وثائق تأمين منفصلة لتأمين المسؤولية المدنية العامة، تأمين مسؤولية المدراء وكبار الموظفين، تأمين مسؤولية رب العمل، تأمين إصابات العمال، تأمين الممتلكات المادية وخسارة الأرباح الناشئة عن توقف العمل بسبب حادث، تأمين اسطول السيارات العائدة للشركة، التأمين السيبراني وغيرها.  أو يمكن تجميع عدة أغطية تأمينية في وثيقة تأمين واحدة package insurance policy تُصمم من قبل وسيط تأمين مختص وبالتعاون مع دائرة إدارة الخطر لدى الشركة طالبة التأمين.

 

ربما أردتَ من السؤال تأكيد اختلاف التأمين التجاري، باعتباره نشاطًا يستهدف الربح، عن التأمين الذي لا يقوم على مبدأ الربح، وهو ما يميز جمعيات الأخوة friendly societies ودفن الموتى وصناديق الإغاثة وجمعيات العمال/الأصناف الحرفية للتأمين التبادلي – المعروفة منذ الأزمنة القديمة.[12]

 

 

يضم هذا الكتاب عدداً من الدراسات التي نشرت في أوقات مختلفة وقد جمعتها لوجود خيط فكري عام يجمع بينها، ولتسهيل الرجوع إليها من قبل القراء والباحثين المهتمين.

 

نيسان-تموز 2023

 

[1] في ظني أن أول محاولة باللغة العربية للتنظير للتأمين كان للراحل الدكتور سليم الوردي في دراسته “طبيعة ومبادئ التأمين الاشتراكي” الذي يظهر كملحق لهذا الكتاب.

 

[2] كتب برنارد رَدِنْ مؤلف كتاب Soviet Insurance Law, (Leyden: A. W. Sijthoff, 1966) في الفصل الثامن أن مؤسسة التأمين لم تلقَ سوى دراسة ماركسية واحدة مُفصّلة، كتاب البروفيسور رايخر النماذج الاجتماعية-التاريخية للتأمين (V K Raikher, Obshchestvenno-istoricheskie tipy strakhovaniia, 1947) يستحق عناية محترمة كونه بحثاً استقصائياً رصيناً وفريداً في معالجة الموضوع.  لا توجد ترجمة إنجليزية للكتاب.

 

راجع الترجمة الكاملة لهذا الفصل في الكتاب الحالي تحت عنوان “مؤسسة التأمين من منظور تاريخي.”

 

[3] Paul A Baran and Paul M Sweezy, Monopoly Capital (New York: Monthly Review Press, 1966), 140.

في هامش لهذه الفقرة يقتبس المؤلفان التعريف التالي للتمويل والتأمين والعقارات:

 

“يشمل قسم التمويل والتأمين والعقارات المؤسسات الخاصة في مجال التمويل (البنوك والشركات الاستئمانية ووكالات الائتمان بخلاف البنوك والشركات القابضة وشركات الاستثمار الأخرى والوسطاء والتجار في الأوراق المالية وعقود السلع) والتأمين (شركات التأمين، ووكلاء ووسطاء التأمين)، والعقارات (المُلاك، المؤجرون، والمستأجرون، والمشترين، والبائعين، والوكلاء والوسطاء)، ومطوري العقارات).”  وزارة التجارة الأمريكية، إحصاءات الأعمال عام 1963، ملحق لمسح الأعمال الحالية، ص 235.

United States Department of Commerce, Business Statistics 1963, a Supplement to the Survey of Current Business, p 235.

 

[4] John Bellamy Foster, The Theory of Monopoly Capitalism (New York: Monthly Review Press, 1986), pp 94-95.

 

يشرح فوستر أن الفائض الاقتصادي الاحتمالي هو الفرق بين الناتج الذي يمكن إنتاجه في ظروف طبيعية وتكنولوجية معينة بالاعتماد على الموارد الإنتاجية التي يمكن استخدامها، وبين ما يُعدُّ استهلاكاً ضرورياً.  وتحقيقه يفترض سلفاً توزيع الناتج الاجتماعي وإعادة تنظيم الإنتاج بصورة حادة بدرجة أو أخرى.  كما يستلزم تغيرات عميقة في هيكل المجتمع.  ويظهر تحت أربعة عناوين:

 

أ- الاستهلاك المفرط للمجتمع (وهو وضع سائد لدى أصحاب الدخول المرتفعة، وإن كان يسود بين ما يسمى بالطبقات الوسطى في الولايات المتحدة).

 

ب- الناتج الذي يفقده المجتمع نتيجة وجود عمال غير منتجين.  ولكن ليس كل عمل غير منتج مباشرة عمل غير ضروري (العلماء، الأطباء، المعلمون).

 

ج- الناتج الذي يفقده المجتمع بسبب التنظيم غير العقلاني والقائم على التبديد للجهاز الإنتاجي الموجود.

 

د- الناتج الضائع بسبب البطالة الناشئة أساساً عن فوضى الإنتاج الرأسمالي، ونقص الطلب الفعال.  إن مقولة الفائض الاقتصادي الاحتمالي نفسها كحضور فعلي تتجاوز النظام الاجتماعي الرأسمالي القائم، لأنها لا ترتبط فقط بمجرد النشاط الملحوظ للتنظيم الاجتماعي/الاقتصادي المعين، بل أيضاً بالصورة الأقل جلاء (المتخيلة) لنظام اجتماعي أكثر عقلانية.

 

[5] لتعريف مختصر للنظام الصحي في ألمانيا الديمقراطية راجع:

Bruni de la Motte and John Green, Stasi State or Socialist Paradise (London: Artery Publications, 2022), p 79-81.

 

راجع أيضاً: صالح ياسر حسن، الاقتصاد السياسي لنماذج دولة الرفاه (ستوكهولم: أوروك ميديا، 2021)، وخاصة الفصل الخامس: الخصائص المميزة لنظام التأمينات الاجتماعية في السويد ومكوناته، ص 485-ص 518.

 

[6] صالح ياسر، ص 190.

[7] أنظر صباح قدوري، محاسبة التكاليف: دراسات (نشر خاص، 2022)، الفصل الأول: مدخل لدراسة محاسبة تكاليف الإنتاج، ص 5-25.

الكتاب متوفر في موقع مكتبة طريق الشعب: Microsoft Word – Cost Accounting-Final-Revised June 2022 (2) (1).docx (tareeqashaab-archives.com)

[8] مصباح كمال، “التأمين في العراق وعقوبات الأمم المتحدة،” نشرت الدراسة في الكتاب الجماعي دراسات في الاقتصاد العراقي: دراسات مختارة (لندن: المنتدى الاقتصادي العراقي، 2002)

 

[9] نشر الحوار ضمن كتاب فاروق يونس ومصباح كمال، قضايا تأمينية في حوارات وتعليقات (شبكة الاقتصاديين العراقيين، 2022)، ص 46-48.  الكتاب متوفر في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين: قضايا-تأمينية-في-حوارات-وتعليقات-IEN-Final.pdf (iraqieconomists.net)

 

[10] مقالات ومراجعات حول الخطر والتأمين، ترجمة وإعداد مصباح كمال، تحرير تيسير التريكي، (بيروت: منتدى المعارف، 2019)، الفصل الرابع عشر، ص 171-175.

 

[11] Joseph J. Plumeri, ‘The DNA of Capitalism’

http://www.leadersmag.com/issues/2012.4_oct/PDFs/LEADERS-Joseph-Plumeri-Willis-Group-Holdings.pdf

 

[12] مقالات ومراجعات حول الخطر والتأمين، مصدر سابق.  على سبيل المثل، الفصل الثاني عشر: التأمين التبادلي: 1550-2015: من رفاهة النقابات وجمعيات الأخوة إلى شركات التأمين المتناهية الصغر، ص 159-166

لتحميل الكتاب انقر على الرابط التالي

Marx and Insurance and Other Essays-draft 1

الاراء المطروحة في جميع الدراسات والابحاث والمقالات المنشورة على موقع الشبكة لاتعكس بالضرورة وجهة نظر هيئة تحرير الموقع ولا تتحمل شبكة الاقتصاديين العراقيين المسؤولية العلمية والقانونية عن محتواها وانما المؤلف حصريا. لاينشر اي تعليق يتضمن اساءة شخصية الى المؤلف او عبارات الكراهية الى مكون اجتماعي وطائفة دينية أو الى اي شخصية أو مؤسسة رسمية او دينية

التعليق هنا

%d مدونون معجبون بهذه: