أحدث التطورات على صعيد الاقتصاد والسياسات العامة
واصل الاقتصاد العراقي تعافيه بعد الركود الحاد الناجم عن جائحة فيروس كورونا في عام 2020 ، لكن القيود على النمو في قطاع النفط برزت مجددا. وتسارع نمو إجمالي الناتج المحلي الحقيقي إلى % 7.0 في عام 2022 مدفوعاً بتقليص تخفيضات الإنتاج التي قررتها أوبك والمنتجون من خارجها في الأشهر التسعة الأولى من عام 2022.
ونما إجمالي الناتج المحلي النفطي، الذي شكل % 61 من إجمالي الناتج المحلي الحقيقي في عام 2022 ، بنسبة 12.1% بالرغم من اتفاق أوبك والمنتجين من خارجها في الربع الأخير من نفس العام. و على النقيض من ذلك، فقد سجل إجمالي الناتج المحلي غير النفطي نمواً ضعيفاً حيث أصيبت الصناعات غير النفطية بالركود وانكمشت الأنشطة الزراعية بسبب الجفاف وما ارتبط به من نقصٍ في المياه. وقادت الطفرة الأخيرة في النمو إلى ارتفاع معدل نمو نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي في عام 2022 ليصل إلى % 5.4، ومع ذلك، ونظراً لأن قطاع النفط الذي يتسم بكثافة رأس المال هو الذي دفع هذا الانتعاش، فقد كان التأثير الإيجابي على سوق العمل محدوداً.
ويبرز النمو السكاني السريع في العراق )% 2.4 سنوياً( الحاجةَ إلى زيادة النمو لتحسين نواتج الرفاهة وسد فجوة الدخل المتنامية مع البلدان النظيرة. وقد واجه إجمالي الناتج المحلي النفطي، وهو المحرك الرئيسي للنمو الأخير، قيوداً بسبب السقوف الجديدة لإنتاج النفط الخام التي أعلن عنها في أواخر عام 2022 وتم تمديدها في أبريل/نيسان 2023. و نتيجة لذلك، فقد تراجع نمو إجمالي الناتج المحلي إلى) .2.6% على أساس سنوي (في الربع الأول من عام 2023
بعد التراجع الذي شهده عام 2022 ، ارتفع تضخم أسعار المستهلكين في أوائل عام 2023 ، مدفوعاً بانخفاض قيمة الدينار العراقي في السوق الموازية.
وساعد قانون الطوارئ الصادر في يونيو/حزيران 2022 بشأن الاحتياجات العاجلة للأمن الغذائي وواردات الطاقة على الحد من، التضخم الكلي والتضخم الأساسي ليصلا إلى % 5.0 و % 4.3 في عام 2022 على الترتيب. وتسبب التشدد في تطبيق معايير التقارير المالية لمزادات الدولار للبنك المركزي العراقي منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2022 في عدم تطابق جانبي العرض والطلب على الدولار وانخفاض قيمة الدينار في السوق الموازية، مما دفع التضخم ليصل إلى % 7.2 على أساس سنوي في يناير/كانون الثاني 2023. واستجابة لخفض قيمة العملة، أعاد البنك المركزي العراقي تقييم الدينار في فبراير/شباط 2023 إلى 1300 دينار عراقي/دولار، بزيادة قدرها % 10.3. وقد تراجع معدل التضخم وانخفض سعر الصرف في السوق الموازية منذ ذلك الحين، لكن الفجوة عن السعر الرسمي لا تزال كبيرة، مما يعكس استمرار ضغوط سعر الصرف.
استفادت أرصدة حسابات المالية العامة والمعاملات الخارجية من الإيرادات النفطية غير المتوقعة في عام 2022 ، لكن هذا الاتجاه خف بشدة في أوائل عام 2023.
و ارتفع إجمالي الإيرادات الحكومية بنسبة 48.2% في عام 2022 ، مدفوعاً بارتفاع أسعار النفط وحجم الصادرات. كما قلت الزيادة في إجمالي النفقات عن الإيرادات بنسبة )% 20.5(. ويرجع النمو في الأولى إلى إقرار قانون الأمن الغذائي الطارئ )يونيو/حزيران( 2022 ، والذي كانت النفقات قبله مقيدة عند مستوياتها )الاسمية( لعام 2021 بسبب عدم وجود موازنة معتمدة لذلك العام.
و نتيجة لذلك، سجل رصيد المالية العامة فائضاً كبيراً بنسبة % 11.7 من إجمالي الناتج المحلي، كما تراجعت نسبة الدين إلى إجمالي الناتج المحلي لتصل إلى % 53.8 وبالرغم من ارتفاع الواردات، فقد سجل حساب المعاملات الجارية فائضاً كبيراً بنسبة % 20.7 من إجمالي الناتج المحلي ) 55 مليار دولار( في عام2022 ، حيث زادت الصادرات التي )تخضع لهيمنة النفط( بنسبة % 74 وأدت ديناميكيات سوق النفط المواتية إلى ارتفاع إجمالي الاحتياطيات باستثناء الذهب إلى 89 مليار دولار )تغطي 14.7 شهراً من الواردات(. غير أن هذا الاتجاه في تراكم الاحتياطيات تباطأ في أوائل عام 2023 مع عودة الضغوط على حساب المعاملات الخارجية إلى الظهور مع انخفاض أسعار النفط، مما أدى إلى بدء تراجع الاحتياطيات في مايو/أيار . 2023
تتسم الموازنة الجديدة بكونها توسعية بشكل مفرط ، وتفتقر إلى الإصلاحات الهيكلية التي يحتاجها العراق لتطوير اقتصاد حيوي ومستدام.
وبعد عقدين من حرب عام 2003 ، من المتوقع أن يستمر نموذج التنمية الذي يعتمد بشكل كبير على النفط في العراق. و لم يتحقق السعي الى اجراء اصلاحات مالية لمعالجة اوجه الجمود في الموازنة وتعبئة الإيرادات غير النفطية لغاية الان. واقترحت الحكومة الحالية، التي تشكلت في أكتوبر/تشرين الأول 2022 بعد مخاض سياسي طويل دام عاماً كاملاً، موازنة تغطي أفقاً زمنياً يمتد لثلاث سنوات من 2023 إلى2025 ، تم التصديق عليها بحلول يونيو/حزيران 2023 والتي تؤشر سياسة مالية عامة توسعية بشكل كبير.
ومن المتوقع أن تزداد النفقات، التي تميل بشدة نحو الإنفاق المتكرر، بنسبة % 59، لا سيما بسبب الزيادة الحادة في فاتورة الأجور، والتي من المرجح أن تؤدي إلى مزاحمة الاستثمارات الملحة. ولاتعالج الموازنة بشكل كافي التحديات الهيكلية القائمة منذ وقت طويل، ومنها التحديات المتعلقة بتنويع النشاط الاقتصادي، وتحسين إدارة المالية العامة، ومعالجة أوجه الجمود في المالية العامة، وتعزيز تعبئة الإيرادات المحلية. ومع هيمنة النفط على الإيرادات، تفترض الموازنة سعراً للنفط قدره 70 دولاراً للبرميل و 3.5 ملايين برميل يومياً من الصادرات، في حين أن سعر التعادل للنفط لتغطية جميع النفقات يقف فعليًا عند 112 دولارًا للبرميل )أي ضعف عام 2022 تقريبًا(. ان ذلك من شأنه ان يؤدي إلى عجز في الموازنة قدره 39.7 مليار دولار وهو ما يمثل % 14.3 من إجمالي الناتج المحلي وما يعادل تقريباً نصفَ الاحتياطيات القياسية المتراكمة في أعقاب الطفرة النفطية في السنتين (2021-2022) إذا تم تنفيذها بشكل كامل، يمكن أن تؤدي الموازنة المسايرة للتقلبات الدورية إلى استنزاف سريع لمكاسب النفط المفاجئة الأخيرة وتجدد الضغوط المالية، لا سيما بالنظر إلى الانخفاض الأخير والواضح في أسعار النفط العالمية إلى 71 دولاراً للبرميل في مايو 2023 وتمديد العمل بحصص الإنتاج الحالية.
لا تزال الآفاق الاقتصادية للعراق على المدى المتوسط مرهونةً بتطورات قطاع النفط.
ومن المتوقع أن ينكمش إجمالي الناتج المحلي الكلي بنسبة % 1.1 في عام 2023 مدفوعاً بانكماشٍ متوقعٍ بنسبة % 4.4 في إجمالي الناتج المحلي النفطي )بافتراض تقيد البلاد بحصص إنتاج النفط وفقاً لاتفاق منظمة أوبك والمنتجين من خارجها في أبريل/نيسان (2023على النقيض من ذلك، من المتوقع أن يتسارع نمو إجمالي الناتج المحلي غير النفطي في عام 2023 ، مدعوماً بالتوسع في الموازنة بشكل جزئي ومن المتوقع أن تستمر الروابط المحدودة بين القطاعات النفطية وغير النفطية، مقترنة بهيمنة القطاع العام على التوظيف في القطاع الرسمي، في خلق قطاع خاص متعثر وغير رسمي إلى حد كبير. و من المتوقع أن يؤدي انخفاض الرغبة في الإصلاحات، حتى في ظل تراجع أسعار النفط، وضعف إمكانات نمو القطاع غير النفطي، وهو ما يرجع جزئياً إلى تدهور بيئة الأعمال واستمرار تفشي الفساد، إلى تقييد النمو الاقتصادي على المدى الطويل. وسيؤثر ارتفاع النفقات العامة والواردات على أرصدة حسابات المالية العامة والمعاملات الجارية، مع تحول الأولى إلى عجز. ومن المتوقع أن تؤدي إعادة تقييم الدينار إلى تقليص عائدات النفط المقومة بالدينار، بينما من المتوقع أن تزيد النفقات بشكل كبير في ضوء الموازنة. ومن المتوقع أن يؤدي ارتفاع قيمة الدينار أيضاً إلى زيادة الواردات وتقويض القدرة التنافسية للصادرات.
لا تزال آفاق المستقبل الاقتصادي للعراق عرضة لمخاطر كبيرة، ويرجع ذلك في الأساس إلى التحديات الهيكلية العميقة.
ويؤدي الاعتماد الكبير على النفط إلى جعل الاقتصاد عرضةً للصدمات في أسواق النفط والطلب العالمي كما يتضح من تراجع أسعار النفط في الآونة الأخيرة. ولا تزال العوامل المحركة للهشاشة القائمة من قبل، ومنها ارتفاع معدل انتشار الفساد، وانخفاض المشاركة في القوى العاملة، لا سيما الإناث، وارتفاع نسبة القطاع الخاص غير الرسمي، ونقص فرص العمل، واختلالات القطاع المالي، وسوء تقديم الخدمات، والمخاطر الأمنية، تشكل تحدياتٍ رئيسية للبلاد. ومن شأن ارتفاع قابلية التأثر بمخاطر تغيُّير المناخ وزيادة تقلب أسعار السلع الأولية المرتبطة بغزو روسيا لأوكرانيا أن تكثف من اتجاهات الفقر الحالية وأن تعمق من مستوى انعدام الأمن الغذائي. وقد أبرز الارتفاع الأخير في التضخم أيضاً سوقَ سعر الصرف كمصدر للخطر الذي كان يتم احتواؤه في السابق بربط سعر العملة الوطنية.
أما على الجانب الإيجابي، فيمكن أن يؤدي انخفاض مستوى التوترات السياسية الداخلية فيما يتعلق بتشكيل الحكومة إلى تمهيد الطريق لمزيد من الاستثمار في الاقتصاد وتعزيز إجمالي الناتج المحلي المحتمل. علاوة على ذلك، فإن احتمالات انحسار التوترات الجيوسياسية الإقليمية يمكن أن تعزز التجارة الإقليمية وفرص الاستثمار الأجنبي المباشر بالنسبة للعراق.
يعد التنفيذ العاجل لإصلاحات القطاع المالي وتحديث بنية القطاع المصرفي، والتي تشكل حاليًا حواجز رئيسية أمام التنويع الاقتصادي، شرطًا مهمًا لتعزيز القطاع الخاص وإطلاق العنان لخلق فرص العمل الملحة.
يعتبر الوصول المالي في العراق من بين أدنى المعدلات في العالم ، حيث يمتلك 19 بالمائة فقط من البالغين حسابًا مصرفيًا، مما يسلط الضوء على مصدر تمويل كبير غير مستغل بالكامل. وبشكل حاسم، لا يزال نقص التمويل يمثل أكبر القيود التي تواجه الشركات الصغيرة والمتوسطة والشركات العاملة في القطاع غير الرسمي ، مما يضعف النمو الذي يقوده القطاع الخاص وخلق فرص العمل.
كما يبرز القسم الخاص في هذا التقرير ، يرجع ذلك جزئيًا إلى هيكل وعمليات القطاع المصرفي القديمة ، التي تهيمن عليها البنوك المملوكة للدولة ذات رأس المال المنخفض والتي تتمتع بقدرات مؤسسية ضعيفة حيث توفر التمويل في المقام الأول لكيانات القطاع العام والشركات المملوكة للدولة. القطاع المصرفي التجاري الخاص ضعيف ولديه قدرة محدودة على دعم الوساطة المالية وموجه نحو تعظيم الإيرادات من مزادات الصرف الأجنبي. علاوة على ذلك، فإن القطاع المالي غير المصرفي ناشئ بأسواق رأس المال الصغيرة والغير متطورة، ومؤسسات التمويل الصغرى غير المنظمة ، وقطاع التأمين الغير متطور.لمواجهة هذه التحديات ، تشمل أولويات إصلاح القطاع الإصلاحات المؤسسية في البنوك المملوكة للدولة ، وتحفيز الخدمات المالية الرقمية لزيادة الوساطة المالية وتعزيز الشمول المالي في العراق. يمكن أن يساعد التنفيذ الكامل لهذه الإصلاحات في استعادة ثقة الجمهور في القطاع المالي والمساعدة في تعبئة ثروة العراق من أجل حل تحديات التنمية الملحة في البلاد.
اعداد : عقيل الانصاري
لتحميل التقرير باللغة الإنكليزية كملف بي دي اف انقر على الرابط التالي:
https://openknowledge.worldbank.org/entities/publication/5c828010-f6da-499a-b48d-b3dc
الاراء المطروحة في جميع الدراسات والابحاث والمقالات المنشورة على موقع الشبكة لاتعكس بالضرورة وجهة نظر هيئة تحرير الموقع ولا تتحمل شبكة الاقتصاديين العراقيين المسؤولية العلمية والقانونية عن محتواها وانما المؤلف حصريا. لاينشر اي تعليق يتضمن اساءة شخصية الى المؤلف او عبارات الكراهية الى مكون اجتماعي وطائفة دينية أو الى اي شخصية أو مؤسسة رسمية او دينية