اتيحت لي فرصة قراءة ورقه د. على مرزا المعنون “استراتيجية وسياسات التنمية في العراق: تواضع جهود التنويع الاقتصادي” المنشور في شبكه الاقتصاديين العراقيين بتاريخ 28 / 3 / 2022.
وأبدأ بالقول بأنني كنت ولازلت احد المتابعين لنتاج د. مرزا البحثي أولا بأول، ولاسيما ما ينشر في الشبكة، وقد يكون احد الأسباب التي تقف وراء ذلك هو أن اهتماماتي البحثية تدخل في نطاق نتاجه الفكري، ولاسيما ما يتعلق منها بتحديات التنمية للاقتصاد العراقي ماضيا وحاضرا.
لقد جرت العادة أن يلحق قراءتي للورقة تدوين عدد من الملاحظات التي أجدها ذات فائدة عند الكتابة في موضوع ذا صلة مستقبلا، فيما عملت لاحقا أن تأخذ البعض من تلك الملاحظات طريقها بشكل مقال أو تعقيب يتناول جوانب معينة من الورقة في موقع الشبكة (أنظر الجميلي، 2021). وحيث أنني اتفق مع الكثير مما جاء في الورقة فان ملاحظاتي ستركز على الجزء الذي يتناول العراق والبنك الدولي وما بعدها (ص 9-15). ويمكن اعتبار هذه الملاحظات إضافة أو استكمال لما ورد في الورقة، فيما يبقى القصد الأول والأخير من كل ذلك هو إثراء النقاش.
لمواصلة القراءة انقر على الرابط التالي
د. عمر الجميلي – الإطار المؤسسي وتحقيق التنويع الاقتصادي – تعقيب على ورقة الدكتور على مرزا
باحث وكاتب اكاديمي عراقي متخصص في الاقتصاد المؤسسي
عزيزي د. عمر الجميلي المحترم،
شكراً جزيلاً على قراءتك الجادة/المتوازنة لورقتي: “استراتيجية وسياسات التنمية في العراق – تواضع جهود التنويع الاقتصادي” كما كانت قراءتك لورقتي: “تمويل الميزانية والإصلاح الاقتصادي الهيكلي في العراق – الورقة البيضاء وتقرير البنك الدولي” في أواخر 2020.
أود أن ابين ما يلي:
(1) كما ذكرتَ في التعقيب، انْصَبَّت ملاحظاتك على الأجزاء المتعلقة بالعراق في الورقة؛ وبالذات الفقرة خامساً. ولقد أشرتَ إلى اتفاقكَ مع العديد من النقاط الواردة فيها، لا سيما ضرورة وجود إدارة اقتصادية وطنية متمكنة لتقوم برسم استراتيجية وخطة للتنويع الاقتصادي وتشرف على تطبيقها ومتابعتها في إطار يحقق المصلحة الوطنية وبمساهمة الجميع. وفي نقاشكَ مهدَّتَ بإضافات تحليلية مُقتدرة لمسألة شروط/متطلبات الإصلاح المؤسسي الذي ترى أنه ينبغي أن “يسبق/يوازي” الإصلاح الاقتصادي.
(2) وأني أعتقد بأهمية هذه المسألة، حيث ساهم عدم تحقق هذه الشروط/المتطلبات في جوانب أساسية من جوانب تواضع الإدارة الاقتصادية والتنويع الاقتصادي في العراق. لذلك اشرت لها، ضمناً أو صراحة، بأنها من الشروط/المتطلبات المهمة والمساندة لوجود استراتيجية وسياسات تنموية فعالة، بما في ذلك اشارتي لمأسسة رسم الاستراتيجية والسياسات التنموية وتطبيقها في ظل عقد اجتماعي جامع وشامل.
(3) غير أن ورقتي لم تتطرق لكيفية تناول هذه المسألة المهمة، تحديداً، لأنها تتطلب بحثاً أوسع يشمل أبعاداً بجانب البُعد الذي ركزت عليه الورقة، والذي كان هدفه الأساس هو بيان أن الاستمرار بتجربة العقدين المنصرمين سوف يركز أحادية الاقتصاد. ومن ثم تبقى المسألة الملحة القائمة في العراق بدون حل، والتي يفاقمها غياب استراتيجية جدية للتنمية فيه. وهذه المسألة هي: المشكلة المزدوجة/المترابطة، عموماً، في توفير فرص عمل مستدامة للقوى العاملة المتنامية، وتحقيق نمواَ/تنميةً مستدامة تولد دخولاً للاقتصاد ككل، تعوض عن وتزيد على العوائد النفطية، التي هي آيلة للانخفاض مستقبلاً.
(4) ولعل انخفاض العوائد النفطية إلى النصف في عام 2020 (حوالي 3.5 مليار دولار شهرياً) عنها في 2019، الذي عَرّض المستوى المعيشي لغالبية المجتمع للتدهور، لا سيما ذوي الدخل المحدود الفقراء، في ظل شبح استمرار انخفاضه على المدى البعيد، يقدم مثالاً “معتدلاً” نسبياً مقارنة بما سيتكرر مستقبلاً، بدرجات أكثر حدة، نتيجة تبعات الاستمرار بهذه التجربة في تواضع جهود التنويع. ولا شك أن الارتفاع الكبير في العوائد النفطية الآن (التي بلغت متوسطاً قدره 9.4 مليار دولار شهريا خلال الفصل الأول من 2022، ووصلت إلى 11.1 مليار دولار في آذار/مارس، حسب بيانات شركة تسويق النفط سومو) هو وضعية مؤقتة ستتغير إلى مسار انخفاضي/متقلب، مستقبلاً.
(5) أما التساؤل حول أو سبب عدم تبني التركيبة المؤسسية في العراق، منذ تغيير 2003، لاستراتيجية جدية للتنمية الاقتصادية، ومن ثم تواضع المحاولات، فعلياً، في إقامة إدارة اقتصادية متمكنة ترسم وتقود هذه التنمية، كما جرى تطبيقه، على سبيل المثال، في اليابان (بعد التدمير الذي تعرضت له في الحرب العالمية الثانية) منذ خمسينيات وستينيات القرن الماضي، ودول شرق آسيا منذ السبعينيات/الثمانينيات والصين منذ الثمانينيات، وغير ذلك من التطبيقات في الدول الصناعية المتقدمة، قبل ذلك، والأخرى النامية والصاعدة أثناء وبعد ذلك، فيتطلب للجواب عليه تحليل وتشخيص عوامل ومتغيرات وظروف مرتبطة بالعراق. على سبيل المثال، بالرغم من أن مسألة الريعية (ومسائل الفساد والمحسوبية، الخ) قد تساهم في الجواب على هذا التساؤل، غير أن هناك عوامل أخرى عديدة تتعلق بتفاعل مكونات ومناطق العراق المختلفة، وبالذات مسألة حسم حدود الحوكمة governance واقتسام الريع النفطي بينها، ربما تُفًسر جزءً مهماً من المتبقي. لا سيما وأن دول ريعية أخرى، مشابهة في ظروفها الاقتصادية ولكن ربما ليس في ظروفها المؤسسية والمجتمعية، حققت درجة من “التنويع الاقتصادي” تخطت الحالة المتواضعة في العراق.
(6) وبالإضافة للجانب الاقتصادي، يتطلب ذلك بحوثاً ونقاشات ومداولات رصينة، للجوانب المؤسسية والمجتمعية، قادرة على تشخيص المسببات والتبعات التي يمكن أن تساهم في تفسير ومعالجة تردد/عزوف/تواضع-قدرة التركيبة المؤسسية لبناء إدارة اقتصادية متمكنة وتبني استراتيجية تنموية متوازنة. وباعتقادي فأن هذه قضايا جديرة بجهود الباحثين والمراقبين والمهتمين في الشؤون الاقتصادية والمجتمعية والمؤسسية وغيرها في العراق.
مع التقدير.
د. علي مرزا.
د. على مرزا المحترم..
تحيه طيبه وبعد.
اود في البدايه ان اعبر عن شكري على تفضلكم بالرد على تعقيبي.
واتمنى ان تتاح لي الفرصة مستقبلا للخوض ولو في جانب مماورد في الفقره 6 .
ويبقى الأمل ان يصار إلى تبني المعنيين لمشروع بحثي يشترك به ذوي الاختصاص والخبره، وبالشكل الذي يمكن من تناول تلك الأبعاد المختلفه التي تفضلت بها. وينتج عنه بالحصيله مجموعه من الأوراق البحثية التي تستخلص جمله من الدروس والعبر.
شكرا جزيلا لكم مره اخرى مع خالص الود والتقدير.
د. عمر الجميلي.