الاقتصاد العراقي الكليقطاع الزراعة والثروة الحيوانية والسمكية

د. حسن الجنابي: مكافحة الجوع والفقر استثمار في مستقبل العراق

يتفشى الجوع في العالم بشكل لايتناسب مع مستوى التمدن والتقدم الذي انجزته البشرية. فعدد الجوعى في العالم يقدر بحوالي (900) مليون انسان اي ما نسبته 14% من سكان الارض. وبالرغم من ان البشرية تنتج اكثر من حاجتها من الغذاء بكثير، غير ان سوء التوزيع وارتفاع الاسعار والمضاربات والاستحواذ على الموارد والحروب والكوارث الطبيعية وغيرها، تجعل هذا العدد الهائل من البشر يقضون ايامهم ببطون خاوية.

من جانب آخر، وهو امر مقلق حقا، ان السمنة المفرطة في الكثير من بلدان العالم المتقدم تشكل ظاهرة اجتماعية خطيرة تعاني منها المجتمعات الغربية ومؤسساتها الصحية، حيث يتناول المواطن ما معدله ستة وجبات في اليوم، ويتلف في هذه الدول حوالي (40%) من الغذاء يوميا كضائعات، في الوقت الذي تنعدم لدى مئات الملايين من البشر في عشرات البلدان النامية امكانية الحصول على وجبة مغذية واحدة في اليوم.

 مكافحة الجوع في العراق:

العراق حالة خاصة بقدر تعلق الامر بالجوع والفقر. ففي الكثير من بلدان العالم النامي لعبت وتلعب الكوارث الطبيعة دورا رئيسيا في تفشي ظاهرة الجوع، اما في العراق فكانت بسبب كوارث صنعتها  قرارت شخصية ونفذتها جيوش بأحدث منجزات التكنولوجية، تحطمت اثرها وسائل المعيشة الكريمة فضلا عن فقدان فرص التنمية الاقتصادية والاجتماعية لعدة عقود.

فمن المؤكد انه لاتوجد في العراق مجاعة (famine)، وهي النقص الحاد في تجهيزات الغذاء على نطاق واسع، وحيث يتعذر على اعداد كبيرة من السكان الحصول على ما يكفيهم من الغذاء. واظن ان اللجوء الى برنامج البطاقة التموينية في التسعينيات منع  حصول تلك الكارثة الانسانية.

من جانب آخر يوجد في العراق جوع (hunger) او سوء تغذية (malnutrition) بمعنى ان فئات كبيرة من السكان، من ضحايا الحروب المتتالية، والعاطلين عن العمل والمهمشين والمعوقين  والارامل والايتام وعوائل الشهداء ومزارعي الاراضي الهامشية وغيرهم ممن لايحصلون على ثلاث وجبات يوميا ، وفي غالب الاحيان تكون وجبات غير مغذية تفتقد للبروتينات والفيتامينات الكافية.

 مما يبعث على القلق ان تقرير منظمة الاغذية والزراعة للامم المتحدة (فاو) عن حالة انعدام الأمن الغذائي في العالم لعام 2010، قد اورد اسم العراق ضمن قائمة الدول ذات الازمات الغذائية الممتدة او ما يسمى بالانجليزية (Countries in Protracted Crisis) وهي قائمة تضم (22) دولة فقيرة تقع اغلبها في افريقيا بالاضافة الى افغانستان وهايتي وكوريا الشمالية.

 صنفت تلك البلدان ضمن القائمة لان نسبة كبيرة من سكانها عرضة لانقطاع سبل المعيشة لفترات طويلة من الزمن فاصبحت هشة للغاية اقتصاديا، وضعيفة أمام الامراض والاوبئة، وحيث  تتميز الدولة بضعف قدراتها في معالجة التهديدات التي يتعرض لها السكان او في التخفيف من مخاطرها، وتنعدم لديها آليات الحوكمة في السوق الغذائي بما يؤمن حصول السكان على قوت يومهم.

لا نعلم ان كان العراق يصنف اليوم بنفس الطريقة ام انه قد غادر القائمة وانطلق الى آفاق تحقيق الامن الغذائي. كما ان التقارير الحديثة لمؤشرات الجوع في العالم (Global Hunger Index) تترك الحقول المختصة بالعراق فارغة بسبب عدم ورود معلومات جديدة عن الامر، اما المؤشرات التي يتيحها الجهاز المركزي للاحصاء فانها تشي بأن العراق قد حقق الهدف الاول من اهداف الالفية الثالثة وهو المعني بتقليل نسبة الفقر بمقدار (50%) عما كان عليه الحال في عام 1990، وهذا صحيح بالمعنى الاحصائي، ولكن القضية شائكة باعتقادي.

ان تحسن مداخيل البلاد والنهوض من خراب الحرب والحصار الاقتصادي، وانفتاح السوق وتحسن مقتنيات ومشتريات فئات كبيرة من السكان وارتفاع اسعار السلع والبضائع وغير ذلك، تجعل خط الفقر الذي يعتمده البنك الدولي والجهاز المركزي للاحصاء في وزارة التخطيط لتصنيف الفقراء في العراق  قضية مغرية للمراجعة. على سبيل المثال ان الحصول على دولارين باليوم قد ترفع مواطنا افريقيا الى ما فوق خط الفقر ولكني اجد صعوبة في تطبيق ذلك على الوضع العراقي.

اضافة الى ما سبق،  فان الاحصائيات الاخيرة والانخفاض الطفيف في معدل الفقر في العراق الى (18.9%) لاتبدو مشجعة للاعتقاد باننا على منصة الانطلاق في افاق التخلص من كماشة الفقر، على الرغم من أن النسخة الاصلية لاستراتيجية التخفيف من الفقر ذكرت ان هدفها هو تخفيف نسبة الفقر الى (16%) بحلول 2014 اي ان هناك متسع من الوقت لتحقيق هذه النسبة.  المشكلة الاخرى ان الزيادة السكانية السنوية ما تزال مرتفعة بالعراق وبالتالي فقد يبقى عدد الجياع او الفقراء ثابتا حتى لو انخفضت النسبة قليلا بسبب تلك الزيادة السكانية، ولذلك مازال حوالي سبعة ملايين مواطن يعانون من الجوع وسوء التغذية.

من الجدير تأكيده هو ان تأثيرات الجوع والفقر في البلدان ذات الازمات الممتدة تختلف عنها في البلدان التي تعاني من حالات الفقر والجوع بصورة مؤقتة نتيجة لحالات كوارث طبيعية او من صنع الانسان (كالحروب مثلا). ففي بلدان الازمات الممتدة يرث الاطفال الفقر من آباءهم واجدادهم ويقعون ضحايا لدورة مستمرة من الفقر تصبح كالدائرة المغلقة التي لايمكن الخروج منها الا ببرامج مركزة تستهدف كسر حلقة الفقر لدى تلك الفئات السكانية.

فالتعرض للجوع وسوء التغذية في مراحل الطفولة ولفترات طويلة يؤدي الى تشوهات في النمو الجسدي والعقلي والعاطفي مثل التقزم والهشاشة والضعف، ويبعد فئات كبيرة من السكان عن الانتاج عند الكبر، بل وتضعهم ضمن الفئات التي تستحق رعاية اضافية، اي ان الخسارة مضاعفة.

لذلك فان مكافحة الجوع والفقر والقضاء عليهما، بالاضافة ال انه عمل انساني عظيم وواجب وطني، فهو استثمار ذكي في مستقبل العراق، واذا ما حقق العراق الهدف الاول من اهداف الالفية فان هذا حافز آخر له للانخراط في صياغة الاهداف الجديدة للالفية اي لفترة مابعد عام 2015.

*سفير العراق الدائم لدى منظمة الاغذية والزراعة للامم المتحدة في روما

الصباح 30/7/2013

 

الاراء المطروحة في جميع الدراسات والابحاث والمقالات المنشورة على موقع الشبكة لاتعكس بالضرورة وجهة نظر هيئة تحرير الموقع ولا تتحمل شبكة الاقتصاديين العراقيين المسؤولية العلمية والقانونية عن محتواها وانما المؤلف حصريا. لاينشر اي تعليق يتضمن اساءة شخصية الى المؤلف او عبارات الكراهية الى مكون اجتماعي وطائفة دينية أو الى اي شخصية أو مؤسسة رسمية او دينية

التعليق هنا

%d مدونون معجبون بهذه: