اطلعت على ملاحظات د.محمد العضب على مقالي بشأن بعض قضايا الاقتصاد العراقي. بدءً اتوجه له بالتحية والسلام مع اطيب التمنيات وبالشكر لقراءته الانتقادية للمقال، فالغرض الاساسي له هو استثارة النقاش، وخصوصا بين المتخصصين والمهنيين المعنيين والمهتمين (المهمومين ؟) بالشأن الاقتصادي، آملا ان يدفع الحوار والنقاش ، لا بل وحتى الصراع الفكري المنطلق من مرجعيات ومدارس ومناهج فكرية واقتصادية متنوعة، نحو فهم أعمق للاقتصاد العراقي ومشاكله ومعوقاته وسبل النهوض به.
اعتقد ان هناك التباسا في ما استهدفته الورقة او المقال، لأن الكثير مما اورده الدكتور محمد هو ليس موضع اختلاف، كالسياسات الليبرالية المفرطة التي جاء بها بريمر وجسدتها قراراته وما رمت إلىه من “تحرير” سريع للاقتصاد العراقي من القيود والضوابط التي وضعها ما سمي اقتصاد الدولة الاوامري، والتوجه نحو ازاحة الدولة من المجال الاقتصادي الانتاجي او تضييق تدخلها وحصره في اطار نظرية “الدولةالحارسة”. ومن ابرز نتائج هذا التوجه وفي فتح السوق العراقية دونما ضوابط امام البضائع الاجنبية، واهمال القطاعين الصناعي والزراعي والسعي لخصخصة الشركات المملوكة للدولة واخضاع العراق إلى رقابة ووصاية صندوق النقد الدولي، وغيرها من عناصر هذا التوجه، ولنا موقف ورأي إزاء جميع القضايا وعملنا به ودافعنا عنه حتى من داخل الحكومة عند مناقشة الموازنة العامة وجميع التشريعات والقرارات المتعلقة بالشأن الاقتصادي.
وسبق ان بيّنا في اكثر من مكان ومناسبة ان الدولة والحكومة تفتقر إلى الرؤية الاقتصادية الموحدة ، وان سياستها لا تؤدي إلى تحقيق تنمية حقيقية توسع القاعدة الانتاجية للبلاد وانها تسير باتجاه مزيد من التكريس للطابع الريعي للاقتصاد مع كل آثاره وتداعياته على الاصعدة السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
إن اهتمام الورقة كان منصبا بالاحرى على القضايا الاقتصادية التي تتعلق بعدد من الخيارات والتوجهات الاقتصادية التي تحظى بتأييد، او باجتهادات مختلفة حتى من قبل ناقدين للسياسات الاقتصادية الراهنة وتخص بعض المسائل الاساسية المحددة لاتجاهات بناء وتطور الاقتصاد العراقي، من اهمها :
- موضوعة “الانتقال إلى اقتصاد السوق” : وهي الوجهة الاستراتيجية المتبناة من قبل الدولة وسائر القوى الرئيسية التي تشارك في الحكم، وكذلك من قبل القسم الأكبر من الخبراء والمختصين بالشأن الاقتصادي.
ويلاحظ قلة التفاصيل تحت هذا العنوان الكبير وكأن هناك نموذجا او شكلا واحدا لمثل هذا الاقتصاد، وما يترتب على هذه الضبابية ، ربما المقصودة، فهم متباين ومتعارض ومشوش لدور الدولة في نظام “اقتصاد السوق“. فالبعض ينحى منحى ليبراليا مفرطا باتجاه حصر الدولة بالشؤون السيادية، وآخرون يفردون لها دورا تدخليا أكبر، ولكن يضاف إلى ذلك اختلاف آخر بشأن نطاق وشكل هذا التدخل: هل يقتصر على اصدار التشريعات والضوابط واشكال دعم وتحفيز متنوعة، أم يمتد إلى حيز الملكية للمشاريع والمشاركة المباشرة في ادارة الانتاج.
طبعا ثمة مفارقة في هذا الجدل اذا ما اخذنا بعين الاعتبار ان الدولة في العراق التي يراد اقصاؤها تسيطر على المورد النفطي وتعتبر اكبر رب عمل !
كما يمكن وضع موضع شك الادعاء بان الدستور نص على عملية انتقال العراق إلى اقتصاد السوق، فالدستور يخلو من تعبير اقتصاد سوق، وينص على آليات السوق والاقتصاد الحديثة.
ارتباطا بهذه الاشكالية والفهم المتباين لها ضمن الدولة وسلطاتها، نستطيع ان نفهم غياب المواقف المتسقة إزاء الشركات العامة وعملية الخصخصة، وسياسات الدعم الاقتصادي، والعلاقة مع القطاع الخاص والموقف من تمكينه وتشجيعه، وغيرها من القضايا .
ونثير في هذا السياق الملاحظة التالية ، ايننا من دور الدولة في تجارب النمور الاسيوية والصين ودور الدولة المقرر في العملية التنموية، وجميعها تعتبر اقتصادات سوق ( بما في ذلك الصين التي تتبنى مفهومها الخاص للسوق الاشتراكي).!
- القضية الاقتصادية الكبرى التي تواجه العراق هي كيفية الخلاص من البنية الريعية للاقتصاد العراقي وتنويعها .وهذه اشكالبة كبرى من غير السليم اختزالها إلى مجرد تغيير في اولويات السياسة الاقتصادية وخيارات الدولة، على اهمية ذلك باعتباره شرطا ضروريا ولكن ليس كافيا.
فالحلول يجب ان تأخذ بعين الاعتبار آليات الريع الموضوعية وتأثيرها على الجوانب الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وخصوصا كون سيطرة الحكومة على الريع من شأنه أن يخلق مصالح ومراكز قوة تدفع باتجاه تكريس الطابع الريعي وليس الفكاك منه، وهذا ما يفسر فشل القسم الأكبر من الدول الريعية في عملية تنويع اقتصاداتها، وخصوصا الدولة التي في مستويات تطور اقتصادي – اجتماعي مقارب للعراق. ولعل النجاح الابرز هو تجربة النروج، وهذا النجاح ليس منعزلا عن كونها اقتصادا متقدما عندما تدفق عليها الريع النفطي واستطاعت تحييد وتعطيل آثاره السلبية بسياسات واطر مؤسسية سليمة.
فما هي افضل السياسات للتصرف بالريع النفطي، سيما بعد ان اصبحت الموازنة كلية الاعتماد على ايراداته ؟ هل تحصر ملكيته بالدولة ، واذا كان الامر كذلك ، هل يترك التحكم به للسلطة التنفيذية ، أم التشريعية ام صيغ اخرى هجينة ؟ وهل يمثل توجيه الريع نحو صناديق سيادية ومتخصصة جوابا على اشكاليات الريع ؟ وهل توجد امكانية موضوعية حقيقية لاعتماد سياسة نقدية مستقلة مع الانفتاح على السوق العالمية دون تحييد او “تعقيم” آثاره على العرض النقدي واسعار الصرف ، وكيف يمكن القيام بذلك ظل قلة ادوات السياسة النقدية وضعف الاسواق المالية ؟
ولنا رأي خاص إزاء هذه القضايا ، ولكن لم يكن الهدف الاستفاضة في عرضه بقدر تحفيز نقاش معمق وصولا إلى استناجات وتصورات مشتركة تساعد على توضيح القضايا موضع النقاش واغناء عملية رسم السياسة الاقتصادية الكفيلة باستنهاض واقع البلاد.
*) باحث إقتصادي – وزير العلوم والتكنولوجا السايق
الملحق :
مداخلة الدكتور محمد سعيد العضب بتاريخ 13/11/2013
انصب التحليل والتوكيديات المسردة الابتعاد كليا عن تشخيص الازمه الحقيقة التي يعيشها البلد حينما تم اغفال تسليط الضوء علي حقيقه مره تم انكارها او علي الاقل الابتعاد عن كشفها لا سباب ربما مجهولة” في ان الدولة الجديدة ونظامها السياسي ولد وترعرع في احضان ” المرشد الاول بريمر “الذي وضع لبنات طريق مستقبل العراق ,وحينما ظل الجميع يسير بخطاه وعدم التصدي الحق للأثار الكارثية لأوامره وارشاداته القانونية التي تجاوزت (المائة ) بكافه تبعاتها المهلكة التي الحقها بالاقتصاد والمجتمع العراقي , ومستقبل اجياله القادمة , كله حصل تحت لافته الدستور و الخلاص من نظام التخطيط الأوامري ,بل يبدو انها ( تعليمات وارشادات السيد بريمر ) تحولت بل اصبحت فرقان حياه النخبة الحاكمة واجهزتها التنفيذية ).
عليه فأن المخرج لا يتم من خلال المحاولات الجادة للباحث في سرد توصيفات الاوضاع الحاصلة في العراق او عبر تسميات تنظيريه وأكاديمية ” المرحلة الانتقالية والاستثنائية ” والخ من توريدات (العنف المنفلت والارهاب تصدع بني الدولة والاصرار علي تحويل الاقتصاد العراقي من اقتصاد مركزي اوامري الي اقتصاد حر وبموجب وصاية صندوق النقد الولي والبنك الدولي ) بل يتوجب مواجهه هذه الحقائق وكيفيه التصدي لها .
فالعراق ظل يعيش دائما وعبر تاريخه منذ تأسيس دولته بعد الحرب العالمية الاولي نموذج” لا اقتصاد حقيقي ” او اقتصاد سوق مشوهه غائب الهوية ولم بكن حرا بل منفلتا مركزي اوامري شكليا , وفي ظل اداره حكومية عرجاء… هكذا ظلت اسواقه مشوه, كما غاب الوعي المجتمعي الحقيقي عن انسانه في البناء, حينما انصب اهتمام الفرد فيه في مجرد تحقيق كيانه المادي او ترتيب وضعه وذاته الاجتماعية , او لسد رمق عائلته .
من هنا ظل تدخل السلطة مجرد تحكما عشوائيا وبسبب حيازتها الريع النفطي من دون اهداف واعيه وبذلت الوقت استفاد من هذا الضياع زمر معلومة في المجتمع تحت تسميات والقاب مختلفة عليه لم يتم في العراق انضاج او بلوره وعي او حس وطني واجتماعي جامع
مع ذلك يمكن القول ان كافه السلاطين في العراق من كافه اصنافهم ومراجعاهم ا ومدراسهم الفكرية والايدلوجية ا وانتماءاتهم العرقية والطائفية اخفقوا في كيفيه السيطرة والتحكم والتوزيع العقلاني للريع النفطي المكتسب ,من اجل تطوير البلد والارتقاء بالمجتمع والفرد خصوصا , حينما ظلت كافه المحاولات الصادقة ا و حتي الكاذبة منها , وما اكثرها تحوم في الضياع , وانصبت معظم المحاولات في توجيه هذا الريع النفطي الذي ادعي انه الوحيد بعد اهمال كافه منابع العطاء ,و بالدرجة الاولي لصالح فئات ونخب محدودة, خصوصا اصحاب النفوذ السياسي والاجتماعي والديني والمرتزقة من كافه الملل وسواق الكلام المعسول , علاوة علي تامين مصالح القوي الخفية المرتبطة اساسا بالأسواق الرأسمالية العالمية.
من هنا يمكننا الاستخلاص ان عوائد النفط في العراق ساهمت في الحصيلة النهائية ليس في بناء البلد وتطوير الفرد , بل انها عملت في تضيع البلد وخرابه من خلال ترهيل الفرد , كما لم تعمل كما كان من المبتغى وعبر الاستخدام العقلاني وفقدان الحوافز الحقيقه لتعبئه المجتمع وحشد قواه من اجل البناء والرقي , هكذا لم يخلق في العراق عبر ماضيه وحاضره نظام تحفيز اقتصادي يرعي الابداع والمبادرة الحرة او توجيهه المجتمع الي اهميه الانتاج , بل ظلت ممارسه المبادلات الانيه بين الجميع هي السمه المميزة لحركه اقتصاد البلد خارج نطاق النفط ,والتاريخ شاهد حق علي مثل هذا الضياع
من هنا نرجو بأمل ان يحاول الباحث النظر في بعض تساؤلات هامه التي قد تبدو استفزازيه ,من اجل تعزيز الحوار وتبادل الآراء منها لا حصرا :
- اليس قرارات بريمر في الانفتاحالاقتصادي ووصفات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي و ما اطلق عليه ” علاج الصدمة” شكلت مرحله جديده واعاقت بناء اقتصاد وطني متوازن يضمن العدالة والكفاية الاقتصادية ,حيث استهدف منها فقط خلق نخبه ماليه تستطيع ان تحتل مواقع متميزة وتتحكم في مسيره لاقتصاد العراقي ومستقبل اجياله وتحت شعارات اقتصاد ودعم القطاع الخاص من دون مراعاه الواقع , وهكذا تحول في ظل هذه الواجهه الفساد المالي والاداري سمه مميزه لديمومه هذا النمط المختار مما تم عبره ادخال البلد في اتون مظلمه خصوصا و حينما عمد الي تغييب النشاط الاقتصادي المنتج المثمر للمجتمع ,بالتالي تم عبر ها اصدار حكم الاعدام الابدي علي الصناعة الوطنية والزراعة والمهن الحرفيه والابداعات الحرفيه ,حينما تم التركيز فقط في اشباع رغبات تجار” الشورجه ” والطبقة الملتفة حولها من ناحيه , وتسكين الام الناس العاتية في اغداق جزء من سيول العوائد النفطية المنهمرة _من خلال تصاعد الاسعار غير المسبوق في الاسواق العالمية من ناحيه اخري, كله حصل ذلك عبر التصرف الجاهل بإيرادات النفط و اغراق السوق بالسلع الاستهلاكية الضرورية او غير الضرورية , مما ولدت هستيرية ” استهلاكيه” لا مثيل لها وتم قبولها او بدت منطقيه و تماشت مع امزجه المجتمع المحروم في ظل النظام الدكتاتوري السابق .·ففي ظل الانفتاح والسوق الحر الجديدة وبعد ” التحرير” , ساهمت هذه السياسيات ” والمخدرات العشوائية” جميعها في الاستمرار بترسيه قواعد نظام “اقتصاد حرب ” وسمت الاوضاع في العراق منذ عقد الثمانيات ولغايه الان . هكذا تم الاستمرار علي هذا الطريق البائس اي ممارسه ” نمط اقتصاد اسواق موازيه غير منظمه او مسيطر عليها ” وهذا ما عاشه العراق عبر تاريخه منذ تأسيس دولته بعد الحرب العالمية الاولي مرورا بالعهد الملكي او فترات الجمهورية الاولي والثانية او الثالثة وانتهاء بالعهد الهجين الحالي , او تحت ما ادعي به حريه السوق او تخطيط مركزي اوامري وغيرها من استعارات لغويه حيث عملت جميعها ليس في تنميه البلد, بل اريد منها فقط خلق نخب غنيه متسلطة لتمهيد دمج مصالحها بالعولمة والاقتصاد الرأسمالي العالمي وان تشكل البديل الملزم عن الدولة والقطاع العام الذي فشل عبر عقود طويله
· 2.هل ان تسويات ديون النظام السابق ,التي منحت له ليس بارده او قناعه الشعب بل من اجل تعزيز طموحاته الإمبراطورية وغزواته, حيث ان الشعب العراقي ليس له فيه” ناقه ولا جمل” .
· هذا ولابد ضمن هذا السياق اثاره تساؤلات وجب دائما ا ثارتها منها علي سبيل المثال لا حصرا .. هل يجب تحميل الشعب العراقي أعباء مثل هذه الديون حيث تغاضي العراق و الفريق المفاوض مع نادي باريس في عدم الاصرار الدخول في مثل هذا النمط التفاوض علي طبعيه هذا الديون واعتبرها قضيه ثانويه لا تستحق بذل الجهد لقاء تنازلات او تخفيضات عن جزء من الديون ربطت بالقبول الكامل لمشر وطيات صندوق النقد الدولي في التكيف واعاده هيكله الاقتصاد العراقي بالمنطوق العام لربط عجله الاراداه الوطنية بإرشادات توصيات وحكم اجهزه صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ” التي اخفقت عموما في بقاع كثر من العالم ولم تجلب غبر البلاء ” ,و حينما اعتبر ذك جزء من صفقه ناجحة ساهمت في تخفيف اعباء الديون عن كاهل العراق وحسب تصريحات وزير المالية الاسبق الاستاذ عادل عبد المهدي , لكنها بذات الوقت كبلت البلد بشروط قاسيه قد لا يمكن تحمل اعباءها غير الضعفاء والفقراء في المجتمع , وفسح المجال للفساد والسرقة وتوطيد اركان النخب المتسلطة . العقد الاخير من مسيره الممارسة اكبر شاهد حينما ادرج البلد في اعلي مراتب الدول الفاشلة والفاسدة في العالم
· 3.لم يتطرق الباحث عن خريطه طريق ممكنه او واجب اتبعاها في ظل الاوضاع السائدة حاليا في العراق التي تتميز بضياع النظام والامن وتعمق الفساد والرشوة وشراء الذمم وحسب تشخيصاته المحكمة ,عليه هل يعتقد الباحث ان اجراءات محاولات الاصلاح الحالية والتي ترمي فقط اضافه اجهزه بيروقراطية جديده ” مجلس الاصلاح الاقتصادي “مجرد توطيد هيمنه رئيس الوزراء وتعضيد اجهزته الحاكمة وحسب النموذج التركي
هل يمكن فعلا مثل هذا الاصلاح في دفع عجله التنمية الغائبة في العراق , ام انها فقط اريد منا تفعيل طموحات بريمر في تأسيس طبقه رأسماليه ونخب متسلطة يمكنها تسهيل دمج الاقتصاد العراقي بالرأسمالية العالمية وان تكون بديل عن الملكية العامة , خصوصا من اجل خلق مستلزمات خصصه قطاع النفط
الاراء المطروحة في جميع الدراسات والابحاث والمقالات المنشورة على موقع الشبكة لاتعكس بالضرورة وجهة نظر هيئة تحرير الموقع ولا تتحمل شبكة الاقتصاديين العراقيين المسؤولية العلمية والقانونية عن محتواها وانما المؤلف حصريا. لاينشر اي تعليق يتضمن اساءة شخصية الى المؤلف او عبارات الكراهية الى مكون اجتماعي وطائفة دينية أو الى اي شخصية أو مؤسسة رسمية او دينية