النفط والغاز والطاقة

د. وليد خدوري: استبعاد التنافس بين النفط غير التقليدي والشرق أوسطي

«بفضل تقنية التكسير الهيدروليكي للصخور لإنتاج البترول غير التقليدي، تتمكن الولايات المتحدة من الوصول إلى مستوى الدول الأكثر إنتاجاً للنفط عالمياً في وقت أقل مما كان متوقعاً، وهي في طريقها لتحقيق الحلم الأميركي». هذا ما ورد في تقرير وكالة الطاقة الدولية الأسبوع الماضي حول آفاق الطاقة لعام 2013. ولكن الوكالة تضيف: «إن هذا لا يعني أن الولايات المتحدة ستحقق عصراً نفطياً جديداً إذ أن هناك إمدادات فائضة من النفط». والسبب في ذلك، بحسب الوكالة التي تمثل مصالح الدول الصناعية الغربية المستهلكة للنفط، هو «الصعوبة البالغة جداً لدى الدول الأخرى في إمكانية تكرار تجربة الولايات المتحدة في التكسير الهيدروليكي للصخور، أو في حيازتها تقنيات إنتاج نفوط أخرى غير تقليدية».

وبحسب تقرير الوكالة، ليس توافر جيولوجيا مناسبة لإنتاج البترول الصخري كافياً وحده لنجاح المشروع، إذ تدل تجارب دول خارج أميركا الشمالية أن هناك ضرورة لتوافر أطر قانونية مناسبة ومرنة، بالإضافة إلى توافر صناعة خدمات هندسية متطورة من اجل إنتاج البترول الصخري تجارياً. وحتى 2012 حُفر أكثر من 6000 بئر للبترول الصخري في أميركا الشمالية، مقارنة بنحو 100 بئر فقط في بقية أنحاء العالم.

وتشير الوكالة إلى أن مستوى الإنتاج النفطي في الولايات المتحدة سيبلغ بحلول 2015 نحو 11 مليون برميل يومياً، وسيرتفع مستوى الإنتاج هذا إلى ذروته وهو نحو 12 مليون برميل يومياً بحلول 2025، ثم يبدأ الإنتاج يتقلص تدريجاً. وهذه التوقعات تعني أن الزيادة في إنتاج النفط الصخري محدودة بتجربة أميركا الشمالية من جهة، وثانياً بأن النفط الصخري، على عكس النفط التقليدي خصوصاً نفط الشرق الأوسط الذي لا تزال الاكتشافات فيه مستمرة، محدود الكمية ولا يُتوقع ارتفاع كبير في مستواه لتلبية الزيادة المستمرة في الطلب العالمي على الطاقة. كذلك يتطلب إنتاج النفط الصخري استثمارات مستمرة لتطوير الحقول من أجل حفر آبار جديدة لتعويض انخفاض الإنتاجية من الآبار القديمة، وهذا يعني حفراً مستمراً للآبار.

وتنوه الوكالة بأن استهلاك الوقود الأحفوري من نفط خام وغاز طبيعي وفحم حجري يشكل 82 في المئة من مجمل استهلاك الطاقة العالمي حالياً، وهو المستوى ذاته قبل ربع قرن. ولا تتوقع الوكالة تغييراً ملحوظاً في هذا المعدل الاستهلاكي خلال العقد المقبل. وهذا يعني أن بدائل الطاقة المستدامة لن تستطيع خلال العقد المقبل منافسة الوقود الأحفوري والاستيلاء على حصته في الأسواق. وتتوقع الوكالة أن الشرق الأوسط سيبقى بحلول منتصف عشرينات القرن الحادي والعشرين، «المنطقة الوحيدة لإمدادات كبيرة من النفط ذي الكلفة الإنتاجية القليلة. وسيعود الشرق الأوسط ليصبح المنطقة التي لا يمكن تحديها عالمياً كأهم مصدر لإمدادات النفط العالمية».

هناك عاملان أساسيان في زيادة الإنتاج من حقول نفطية غير تقليدية، وهذان العاملان هما الاستمرار المتواصل وغير المعهود لأسعار النفط العالية التي تشجع على المخاطرة والاستثمار في حقول غير تقليدية، مثل النفط الصخري في الولايات المتحدة، أو الاستكشاف في المياه العميقة للمحيط الأطلسي المحاذية للساحل البرازيلي. واستطاعت البرازيل، خصوصاً شركتها الوطنية «بتروبراس»، خلال العقد الماضي اكتشاف حقول عملاقة كثيرة معظمها بحري. وشكلت هذه الحقول أكبر عدد من الاكتشافات العملاقة عالمياً خلال العقد الماضي.

وساعد أيضاً في هذه النجاحات التقدم البارز في التقنية، خصوصاً في طرق المسح السيزمي. وبسبب هذه الاكتشافات يُتوقع أن يرتفع مستوى إنتاج النفط البرازيلي إلى نحو ستة ملايين برميل يومياً بحلول 2035. ومعروف أن البرازيل تنتج أيضاً «الطاقة الخضراء» من الأنهر المتوافرة لديها، بالإضافة إلى الإيثانول المستخرج من قصب السكر. والملاحظ أن نوعية معظم النفط الصخري أو النفط البرازيلي المستخرج من أعماق المحيطات من النفط الخفيف ذي الطلب العالي، ولكن على رغم ذلك لا تتوقع الوكالة أن يشكل النفطان تحدياً جدياً في المدى البعيد لنفوط الشرق الأوسط المختلفة الأنواع: النفط الخفيف والمتوسط والثقيل.

ويتناول تقرير الوكالة أموراً أخرى حول المتغيرات الأساسية في قطاع الطاقة العالمي، منها: هناك متغيرات مهمة في الأدوار الطاقوية للدول، إذ نجد أن دولاً مستوردة للطاقة أخذت تصبح دولاً مصدرة، بينما هناك مؤشرات في إمكانية تحول بعض الدول المصدرة إلى دول مستهلكة للطاقة بسبب الزيادة العالية في معدلات الاستهلاك. فمثلاً، سيزداد استهلاك الهند ودول جنوب آسيا ليفوق استهلاك الصين من الطاقة. ولكن التغير المهم والمثير للاهتمام هو ازدياد استهلاك الطاقة في دول الشرق الأوسط ليحتل مكانة عالية جداً في العقد المقبل، ما سيترك آثاره على توزيع موارد الطاقة عالمياً، فالوكالة تتوقع زيادة الطلب على الطاقة في دول الشرق الأوسط بنحو 10 في المئة حتى 2035، وتتوقع أن تستهلك دول الشرق الأوسط نحو 10 ملايين برميل يومياً بحلول 2035، أو تقريباً كمية الطلب ذاتها على النفط في الصين حالياً.

تبقى الحلول الناجعة للتعامل مع متغيرات الطاقة العالمية محدودة. فهناك من جهة اهتمام بترشيد استهلاك الطاقة لتخفيض الطلب، ولكن من الملحوظ أن الحكومات تقدم دعماً لاستهلاك الوقود الأحفوري بقيمة 544 بليون دولار خلال 2012، وهذا بالطبع عامل مهم في زيادة الاستهلاك. ومما يزيد من استهلاك الطاقة هو التحسن في مستويات المعيشة، خصوصاً في الدول النامية، حيث هناك تقريباً 1.3 بليون شخص لا يزالون من دون إمدادات الكهرباء، وكلما ارتفع مستوى معيشتهم يزداد استهلاكهم للطاقة.

تختلف توقعات الوكالة عما كانت نشرته سابقاً، إذ أنها كانت توقعت أن يفوق إنتاج الولايات المتحدة من النفط، بفضل النفط الصخري، إنتاج السعودية بحلول عام 2017. أما الآن، فهي تتوقع أن يصل الإنتاج الأميركي من النفط الخام التقليدي وغير التقليدي إلى نحو 11 مليون برميل يومياً بحلول 2015، ما سيفوق إنتاج النفط السعودي. ولكن الوكالة تتوقع ألا يتجاوز إنتاج النفط الأميركي ذروته، أي 12 مليون برميل يومياً بحلول عام 2025، قبل أن يتدهور مستوى الإنتاج.

* مستشار لدى نشرة «ميس» النفطية

الحياة – لأحد ١٧ نوفمبر ٢٠١٣

الاراء المطروحة في جميع الدراسات والابحاث والمقالات المنشورة على موقع الشبكة لاتعكس بالضرورة وجهة نظر هيئة تحرير الموقع ولا تتحمل شبكة الاقتصاديين العراقيين المسؤولية العلمية والقانونية عن محتواها وانما المؤلف حصريا. لاينشر اي تعليق يتضمن اساءة شخصية الى المؤلف او عبارات الكراهية الى مكون اجتماعي وطائفة دينية أو الى اي شخصية أو مؤسسة رسمية او دينية

التعليق هنا

%d مدونون معجبون بهذه: