خلال المناقشات الجارية حول موازنة 2014 تبين أن هناك عجزا كبيرا في التقديرات يبلغ نحو 30 تريليون دينار. وعجز كهذا تكون معالجته بالتمويل (الداخلي أو الخارجي) أو بالتكيف (تخفيض الإنفاق) . تفاصيل هذه المواضيع يخرج عن نطاق هذه المقالة، إلا أننا لاحظنا من ناحية أخرى ان هناك مقترحات من بعض النواب اتخذ بعضها شكل تصريحات إعلامية باستخدام احتياطي البنك المركزي لسد هذا العجز.
ماهي المشكلة مع مقترح من هذا القبيل؟
نظرا لأن هذا الرأي يصور احتياطي البنك المركزي كأنه مورد أو ممول للميزانية ،فإنه لابد لنا ان نوضح الفرق بينهما. لا شك ان إيرادات الميزانية التي تذهب إلى وزارة المالية تتكون من إيرادات معروفة ،كالضرائب وأية إيرادات أخرى. وفي العراق تحتل إيرادات النفط الحيز الأكبر ضمن إيرادات الموازنة. أما احتياطي البنك المركزي فإنه يتكون، من حيث الأساس، نتيجة لقيام الحكومة بشراء الدينار العراقي بالعملة الأجنبية من البنك المركزي.
احتياطي العملة هو غطاء العملة الوطنية وحاميها، أي انه يغطي على الأقل العملة لدى الناس والمصارف التي تعتبر مضمونة بالاحتياطي. هذا الغطاء يحافظ على قيمة العملة ويضمن استقرارها الذي يعتبر شرطا مهما للتنمية. لذا يجري التأكيد على عدم استخدامه لأنه يضمن العملة في التداول واستقرارها من ناحية ولأنه يغطي الاستيرادات في حالة الانقطاع التام للموارد المالية.
من خلال الاحتياطي أيضا نستطيع ان نحقق استقرار سعر الصرف من خلال مقابلة أي طلب على الدولار بشكل كامل. وقد بدأنا بتطبيق هذا النظام في 2004 ، ومازالت إدارة البنك الحالية تطبقه. إن استخدام احتياطي العملة للدفاع عنها هو ما يقوم به ما يسمى بمزاد العملة الأجنبية ،فلو لم يقابل هذا المزاد الطلب على الدولار لشكل ذلك أساسا لانهيار الدينار. وقد استخدمت روسيا طريقة مشابهة مؤخرا حيث قام البنك المركزي هناك ببيع 10 مليارات دولار من الاحتياطي الروسي للدفاع عن الروبل.
من الخطورة بمكان ان يتم التلاعب بالاحتياطي لأغراض تجارية، فهدفه الوحيد هو تحقيق الاستقرار في الأسعار من خلال استقرار سعر الصرف وليس لتمويل الميزانية مثلا. ان هذا الاحتياطي ليس أموالا مجمدة في البنوك العالمية كما سبق وصرح بعض أعضاء مجلس النواب، فهو يستخدم لإدارة العملة وفي استثمارات نقدية قصيرة الأجل إضافة إلى توفير الأمان في حالة انقطاع الموارد المالية بشكل تام. عندما يقيس المحللون الاحتياطي بعدد الأشهر التي نستطيع فيها ان ندير عجلة الاقتصاد بدون موارد من الخارج فان هذا الاحتياطي سيعمل على توفير درجة كبيرة من الاطمئنان والاستقرار. إن هذه قضية أساسية لابد أن يقدرها الإخوة النواب لأنهم والحكومة سيكونون مطمئنين وهم بصدد مناقشة واتخاذ القرارات الاقتصادية.
إضافة إلى ذلك فإن هذا الاحتياطي أو الغطاء يصد الهجوم المحتمل على العملة الذي يمكن أن يتأتى من خلال الزيادة المفاجئة في الطلب على الاحتياطي العراقي، الأمر الذي يستوجب استعدادنا التام لذلك. يجب ان يكون الاحتياطي سائلا وجاهزا للاستخدام السريع. والحرب الاقتصادية تستخدم للتأثير على سعر الصرف، فمثلا من الممكن لدولة معادية ان تقوم بطرح كميات كبيرة من الدينار العراقي في السوق المحلية أو الإقليمية لاستخدامها في شراء الدولار. إن التغييرات تحت أنظمة العولمة كبيرة جدا ويجب ان نكون مهيئين لها على الدوام، خاصة واننا اقتصاد ريعي منفتح على العالم ولا نملك موردا آخر أو بديلا عن النفط. هناك بعض البنوك المركزية تسمح في الاقتراض الوقتي من الاحتياطي من البنك المركزي وهذه هي حالات نادرة إلا ان هذا الاقتراض يجب ان يسترجع خلال ثلاثةأشهر كما هو الحال في ماليزيا مثلا.
الحالة الوحيدة التي يستخدم فيها الاحتياطي أو الغطاء هي حالة التوقف النهائي لتدفق الموارد المالية نتيجة الحروب أو الكوارث والاحتياطي في هذه الحالة يختلف عن الادخار الذي يستخدم في حالة عدم كفاية الموارد. على العموم وفي الأحوال الاعتيادية قد يقوم البنك المركزي باستخدام الاحتياطي في استثمارات قصيرة الأجل والنسبة التي تستخدم في هذا المجال صغيرة جدا ،لأن الاحتياطي يجب ان يبقى سائلا على العموم. المهم ان يبقى الجزء الأكبر للاحتياطي جاهزا للاستخدام لحماية عملة البلد مالك هذا الاحتياطي.
وعلى العموم ان إقراض البنك المركزي للحكومة يمكن ان يساعد على التضخم، وهذا يعني ان البنك المركزي يعمل ضد هدفه الرئيسي المتمثل بتخفيض هذا التضخم . من ناحية أخرى ان عجز الموازنة هو عجز تخطيطي وتجاربنا السابقة تبين ان هذا العجز لا يتحقق ،لذلك فانه ليس من المعقول ان يصار إلى الأخذ من الاحتياطي والتأ ثير سلبا على الميزانية العمومية للبنك المركزي وعرقلة تحقيق أهدافه بالنتيجة. إن الحكومة العراقية تملك رصيدا ماليا جيدا تستطيع ان تستغله بشكل منتج في تهيئة الموازنة.
لذلك فقد ركز قانون البنك المركزي في المادة 26 على حظر إقراض الحكومة. أي ان الإقراض سيضع إدارة البنك المركزي في مخالفة قانونية. إن المباشرة بالإقراض تتطلب إجراءات جدية لتعديل قانون البنك المركزي ويمكن هنا دراسة التجارب الدولية في هذا المجال. إن ضرر الاقتطاع من الاحتياطي سينال من كل الاقتصاد خاصة في ما يتعلق بتأثيراته التضخمية وعجز السياسة النقدية على المساهمة في تحقيق الاستقرار الاقتصادي.
إن السوق النقدية حساسة وسريعة التغير، والاقتصاد العراقي لا يملك من البنية القوية لمجابهة تغيرات سريعة لأنه لا يملك السيطرة على موارده بشكل عام ولكنه يستطيع التحكم في الاحتياطي واستخدامه في الوقت المناسب.
الاحتياطي لا يستخدم لمعالجة عجز الميزانية . هذا واجب الموارد الحكومية أو الادخار الحكومي أو الاقتراض الداخلي أو الخارجي. كان يجب ألا تعدّ الموازنة بعجز كبير أساسا، وهذا كان يتطلب قدرا كبيرا من المفاوضات بين الحكومة والمحافظات ذات العلاقة.
*) خبير إقتصادي دولي ومحافظ البنك المركزي السابق
صحيفة المدى : العدد 3031 – الجمعة, 14 آذار 2014
شكرا لك دكتور
اعتقد بانك بذلت ما بوسعك من اجل تعزيز قيمة الدينار ، لكن لدي سؤال دكتور ما هو مصير مزاد البنك المركزي في حال انخفضت واردت الدولة من العملة الاجنبية من الدولار نتيجة هبوط اسعار النفط ؟ الى اي مدى سيتائر الدينار العراقي مقابل الدولار وهل هناك من حلول لمواجهة هكذا أزمة .
لك مني فائق الاحترام فأنت علم من أعلام العراق ربي يحفظك.
أرجو الرد على السؤال اعلاه ان امكن