تابعت مقال الزميل د. علي مرزا، “التمّكن والإعتماد الإقتصادي واللامركزية في العراق” المنشور على موقع شبكة الإقتصاديين العراقيين بتاريخ 25/10/2014 بكثير من الإهتمام، لاسيما وأن الأستاذ مرزا يسند بحوثه، عادة، ببينات ومؤشرات كمية، مما يضفي عليها الكثير من الموضوعية، تستحق الإشادة. لي وجهة نظر في هذا الموضوع، حيث وجدت أن تعقيب الزميل الأستاذ د. محمد العضب، قد تناول تأثير العوامل السياسية الفاعلة، الداخلية، اساسا، والخارجية الإقليمية أيضا، مما اضفى تكاملا مع بحث الأخ مرزا. واقول بهذا القول، لإني، في الواقع، قد إشتغلت على هذا الموضوع، من خلال دراستين، الأولى نُشرت، تحت عنوان؛ ” الآن، الآن، يبدأ التقسيم الفعلي للعراق”، وذلك بعد الهجوم الداعشي على الموصل في 10 حزيران الفائت، وبعد إنعقاد مؤتمر عمان في الأردن لاحقا، لبعض قادة الشيوخ العشائريين السنة، وما يُسمى بفصائل المقاومة السنية، وجماعة حارث الضاري وبشار فيضي، وغيرهم، حيث تبلور موقف طائفي لتوظيف حدث إحتلال داعش للموصل من اجل تحقيق تقسيم لمنطقة الموصل والمحافظات الوسطى المجاورة لها، بما سيعزز، في الواقع، من ضراوة الصراع الطائفي والأثني الدائر منذ ما بعد إحتلال العراق من قبل الولايات المتحدة وحلفاءها في نيسان من عام 2003، حيث جرى تشجيع وتوظيف حالة تحويل الشعب العراقي الى مكونات متصارعة، طائفية/مذهبية وعرقية قوموية. والدراسة الثانية بعنوان، “النفط ومخاطر تجزئة العراق” حيث بحثنا تداعيات الإصطراع الطائفي والعرقي ودوره، ليس فقط في تفويت فرصة إستغلال العوائد النفطية الفائضة مركزيا، للخروج من مأزق الريعية، إنما ايضا في إضاعة إمكانية تحقيق تنمية مستدامة لصالح الشعب العراقي برمته وبشرائحه الإجتماعية والدينية والأثنية؛ ونأمل أن نعمق هذه الدراسة الثانية بأ قرب فرصة متاحة.
وفي الوقت الذي نقدر فية مساهمة الزميل د. علي، نشيد ايضا بملاحظات الزميل د. محمد العضب. ونود في هذا المجال المحدود أن نقدم تعليقا مركزا، ونبين أدناه، بإيجاز، أهم ملاحظاتنا حول مقال أخينا د. علي:
1. نعم، أن المخاوف أو الشكوك التي عبّر عنها الدكتور علي حول شكل التقسيم الآتي، في ضؤ الصراعات الطائفية وأحداث الإحتلال الداعشي للموصل وأجزاء واسعة من محافظات الأنبار وديالى وصلاح الدين هي مخاوف واقعية، قد تفضي الى إنشاء دويلات متناحرة بل ومتحاربة، وهو إذ لم يتبن مثل هذا الرأي، بل إقترح صياغات لتقاسم العوائد النفطية ضمن نظام من اللامركزية الفضفاضة. بل وهو يقترح تطبيق نظام المحافظات المعدل، كحل لمشكلة الصراع على العوائد النفطية.
2. أشار الدكتور العضب الى ضراوة العوامل السياسية المتمثلة بالصراع الطائفي والأثني الكردي، وسمّاها بالعوامل الفاعلة، وهي في ظروف العراق الحالية، وبغياب أو تدني وحدة الشعور بالإنتماء الوطني العراقي، ستفعل مفعولها، ما لم يجر إستنهاض الوعي الوحدوي الوطني، ليس على اساس عاطفي أو وعظي، بل على اساس البرهنة على أن تقسيم العراق الى أقاليم متناحرة على الموارد، دونما توفر عوامل تنموية فعالة في أي منها، سيؤدي ليس فقط الى الهدر وإنما الى الفشل الذريع في تحقيق تنميات ذات جدوى إقتصادية لدى أي من هذه الأقاليم الثلاثة او أكثر المحتملة، حيث ستنشأ صراعات مريرة على الموارد، مقابل ضياع حالة التكاملية الإقتصادية بين هذه الأقاليم. وليس هي فقط العوائد النفطية التي ستنضب في إقليم كردستان خلال ربع قرن، وكذلك في الإقليم السني، ولكن قد تدوم لقرنين في الإقليم الشيعي، في حالة لم ينقسم فيها هذا الإقليم بدوره الى أقاليم؛ البصرة، بغداد وضواحيها، وهناك من يدعو الى جمهورية سومرية في ذي قار! ولكن ايضا سينشأ صراع على الموارد المائية المنسابة من الشمال الى الجنوب، كما ستتحكم البصرة بالمنفذ البحري الوحيد. فضلا عن ذلك، نعلم بأن التنمية المجزية إقتصاديا وفنيا، تتطلب سوق محلية واسعة، ومعروف أن الدول الصغيرة، بأقل من عشرة ملايين نسمة لا تتمتع بسوق محلية مجزية لإقامة مشاريع تنموية كافية لتغنيها عن الإعتماد على النفط الناضب. فإقليم كردستان بسكان لايتجاوز عددهم الأربعة مليون نسمة ومحاط بأسوار دول مجاورة متحكمة وغير مشجعة لقيام دويلة كردية على حدودها، والإقليم السني بسوق تقل عن عشرة مليون نسمة وبدون موارد غير نفطية كافية وبدون منفذ بحري وبدون مقومات صناعية، ماذا ستفعل بحصتها من العوائد النفطية سوى لتغذية حالة الإستهلاك الرث! كما سيعاني إقليم أو إقليمي الشيعة من ضمان تدفق مياه النهرين ومن الإفتقار الى سوق أوسع والى خطوط مواصلات الى دول الجوار في غرب وشمال العراق. وثمة عوامل أخرى سنفصلها في دراستنا القادمة.
3. بعد إستعراض د. مرزا، في مقاله هذا، للصراعات الطائفية والأثية؛ الكردية أساسا، بما يصب في لعبة الدعوة التي تتبناها القوى السياسية المتشرذمة للتقسيم الى أقاليم مذهبية أو اثنية، عمد الكاتب الى تقديم مقترح، بتوظيف قانون المحافظات المعدل، الى تبويب المحافظات ضمن ما سماها مناطق إقتصادية، ثم توزيع العوائد النفطية عليها بموجب أوزانها السكانية، وفقا لنظام من اللا-مركزية وذلك من أجل تحقيق التمكن والإعتماد الإقتصادي للمحافظات وإقليم كردستان. فهو يحسب بأنه بذلك سيمكن تجنب التقسيم الى أقاليم أو دويلات. ونقتبس النص الآتي من الصفحة رقم 4 من المقال؛ “لذلك ومهما كان الشكل الذي سيتم تبنيه للإدارة اللا-مركزية، فإن من المناسب تطبيقه، بما في ذلك قانون المحافظات المعدل، بآلية “توازن” بين الصلاحيات اللامركزية للمحافظات/المناطق وإستمرار فعالية سلطة مركزية ذات مصداقية وطنية”. وهنا نود أن نعقب كالآتي؛
أ– بغض النظر عن تبويب المحافظات والإقليم الى مناطق إقتصادية، فإن 76% من إنتاج حقول النفط يقع في المحافظات ذات الأغلبية الشيعية، وأن الشيعة يكونون 58% من مجموع السكان، وان محافظة البصرة وجنوب الوسط وبغداد التي تشكل اغلبية مطلقة شيعية تحتوي على 82% من الإحتياطات النفطية، المقدرة أوليا ب 144 مليار برميل حاليا. هنا سيترتب، كما أقر الأخ مرزا، أن هذه المناطق أو المحافظات هي التي تملك الثقل النفطي، أما بعض محافظات الوسط والشمال الغربي والى حدما كردستان حتى بعد إستيلاءها على كركوك، ستكون مناطق عجز نفطي، مما قد لا يمكنها إقتصاديا من الناحية التنموية. وأمام طرح بعض الكتاب الشيعة، مثل السيد سامي العسكري في مقال له في موقع الأخبار قبل ثلاثة شهور الى أن الإقليم الشيعي يملك الثقلين السكاني والنفطي، فلماذا عليه أن يمول الإقليمين الكردي والسني؟
ب- ثم، ما هو المقصود بالتمكن والإعتماد، كما يطرحهما الأخ مرزا؟ هل هو مجرد توزيع عوائد النفط الناضب أم توظيفه لتنويع الإقتصاد العراقي من خلال إستغلال مزايا التكامل الإقتصادي وتوفر السوق المحلية الواسعة التي تضم أكثر من 34 مليون نسمة؟
ج- المطلوب في الواقع هو أن يجتهد الكتّاب والمختصين العراقيين، اساسا، للبرهنة بأن أي تقسيم حتى ولو تبعه تقسيم للعوائد سوف لن يفضي الى تحقيق تنويع وتكامل إقتصادي يصب في فتح الأفاق لتنمية إقتصادية مستدامة تعم بخيرها على الجميع بغض النظر عن إنتماءىتهم الفرعية المذهبية/الدينية والعرقية الأثنية. وبسبب وجود العوائد النفطية حاليا، سوف لايطالب، لا إقليم كردستان ولا الإقليم السني بالإستقلال الكامل، ذلك لإن صياغة الأقاليم على وفق النموذج الكردي يناسب الجميع لإنه يحقق لهم الحصول على حصة متناسبة مع حجمهم السكاني من موازنة الحكومة المركزية الفدرالية، ويتيح لهم إستقلال كامل أو شبه كامل في التصرف بالموارد وفي إدارة أقاليمهم، اي انها ستكون قسمة ضيزي! كما ستشكل وصفة كاملة لهدر الموارد وتوظيفها للإستهلاك الرث لحينما تنضب، دونما توفر شروط لتنمية مستدامة حقيقية في أي من هذه الأقاليم.
د- نعم، نتفق تماما بأن الصياغة اللامركزية هي ربما الأوفق من الناحيتين الإدارية والسياسية، ولكن من ناحية تخطيط وتنفيذ تنمية متكاملة ومستدامة، للإستفادة الكاملة من الموارد البشرية والجغرافية والموارد الطبيعية والبيئية، فلابد من وجود سلطة وطنية مركزية عليا لهذا الغرض. ويمكن إزالة مخاوف الكرد والسنة العراقيين عن طريق تأسيس مجلس اعلى للإشراف وتوجيه توظيف العوائد النفطية وحتى غير النفطية للإستثمار في المشاريع الإنمائية التي ينبغي أن تتحدد مواقعها وفقا لمعايير الجدوى الإقتصادية والإجتماعية، طالما أن عوائدها أو ثمارها ستعود لجميع العراقيين في كل المحافظات والإقليم دونما أدنى تمييز.
نخلص مما تقدم أن النفط وعوائده الناضبة، بدون هذه الإعتبارات العلمية، ستتحول الى نقمة وصراعات وتجزئة وربما حروب لا تنتهي، مالم يعي كل طرف من السياسيين المتمترسين في أرديتهم الطائفية المذهبية والأثنية القوموية، بأنهم بالنتيجة سيخسرون جميعا، فضلا عن فقدان قدراتهم التساومية، اي يتحولون الى تابعين الى هذه الدولة أو تلك في المنطقة المجاورة أو خارجها، فإيران وتركية والسعودية والشركات النفطية، كلها جاهزة لإقتسام الفرائس التي رضيت أن تصبح فرائس رخيصة:
(*) باحث ومستشار إقتصادي سابق للامم المتحدة
الاراء الواردة في كل المواد المنشورة على موقع شبكة الإقتصاديين العراقيين لاتعكس بالضرورة رأي هيئة التحرير وانما رأي كاتبها فقط وه الذي يتحمل المسؤولية العمية والقانونية لوحده
حقوق النشر محفوظة لشبكة الإقتصاديين العراقيين. يسمح بالاقتباس واعادة النشر بشرط الاشارة الى المصدر. 3. تشرين الثاني / نوفمبر 2014
لزملاء والاساتذة الاعزاء
تحية عطرة
أقيم عاليا ورقة الزميل العزيز د. ميرزا ومحتوياتها المعرفية الرصينة، ومداخلات الاساتذة الافاضل القيمة بصددها
انا ارى بان الصرعات التي شهادها العراق الحديث، منذ تاسيسه في
١٩٢١ ولحد الاحتلال الأمريكي وحلفائها في ٢٠٠٣، كانت ذات طابع سياسي حول شكل نظام الحكم الملكي وعهد الانتداب البريطاني. وصراعات ايدلوجية واثنية في عهد الحكم الجمهوري في ١٩٥٨، واستمرت الصراعات على هذا المنوال منذ مجئ البعث في ١٩٦٣ ولحين سقوط النظام الديكتاتوري في ٢٠٠٣
أما الصرعات التي ظهرت على السطح بعد هذا التاريخ ، كان جوهرها مذهبية وطائفية واثنية. وهي مستمرة لحد اليوم، وخطيرة ومعقدة في المعالجات بين الاطراف المنخرطة فيها، لاسيما ما يتعلق بالعامل الذاتي وتدخلات الاجندة الخارجية في القرار السياسي العراقي . فعليه ارى بان اي نوع من الأشكال الادارية المقترحة في الورقة ، من الفيدرالية ، الاقليمية، واللامركزية، لن يسجل لها النجاح الدائم ، ما لم يتم التوجه الجاد في حل هذه الصراعات وفق مبداء الحوار الديمقراطي والتاكيد على الهوية العراقية على اساس المواطنة والوطنية والحرص على وحدة تراب العراق ، مهما تكون العوامل الاخر ى ألإقتصادية، الجفرافية قوية
ولست متشائم في معالجة الوضع العراقي، ولكنه يحتاج الى وقت طويل، وبارادة ونيات حقيقية وحسنة تجاه بناء مستقبل الجديد بكل معنى الحقيقي للكلمة ،حتى يتحق للعراق وشعبه الامن والاستقرار والقضاء على الارهاب، والتقدم والازدهار، في ظل تبني رؤيا واستراتيجية واضحة وشفافة للتنمية الوطنية والاجتماعية/السياسية المستدامة
لكم مني دوما فائق الاحترام والتقدير
صباح قدوري
تاتى ملاحظات الاساتذة الدكتور محمد العضب والدكتور كامل العضاض حسب تقديرى كشرح ( على المتون ) حسب التعبير القانونى لما تضمنته اطروحة الدكتور على مرزا ( التمكن والاعتماد الاقتصادى والامركزية فى العراق )
ويبدو لى ان هناك نوع من التوافق بين ما ذهب اليه الدكتور مرزا فى دراسته القيمة و ما انتهى اليه الدكتور العضاض فى خلاصة تعليقه ( انه بدون الاخذ بالاعتبارات العلمية — فان النفط وعوائده الناضبة ستتحول الى نقمة وصراعات وتجزئة وربما حروب لا تنتهى مالم يعى كل طرف من السياسيين المتمرسيين فى ارديتهم الطائفية المذهبية والاثنية القوموية بانهم بالنتيجة سيخسرون جميعا فضلا عن فقدان القدرة التساومية ) والى مزيد من البحث فى موارد العراق الطبيعية والاقتصدية ومزيد من البحث فى طبيعة المجتمع العراقى وعوامل قوته البشرية والمادية ما ظهر منها وما هو كامن تحت الارض