جدل اقتصادي

د. كامل العضاض: تعقيب وتقويم إيجابي لمقال الأستاذ فؤاد قاسم الأمير ،الخبير النفطي العراقي الأبرز؛ "ملاحظات حول دراسة الخسائر والهدر في قطاع الطاقة"

  1. التعريف الموجز بموضوعة المقال وأبعادها وأهميتها:

   دأب الأستاذ فؤاد قاسم الأمير، وهو الخبير النفطي الأبرز في العراق والذي يقف على أرضية صلبه من الخبرة الغنية في قطاع النفط العراقي ويستند في طروحاته دائما الى حصافة فكرية وثقافة متنورة وتأهيل راق، دأب على دراسة ومتابعة حال صناعة النفط الإستخراجية، وخصوصا بعد التغيير منذ عام 2003، وبعد قيام ما يُسمى بالنظام الديمقراطي الذي هُلل له  بأنه سيكفل الحرية الفكرية وسيحترم مبدا المواطنة، بعيدا عن التمييزات الطائفية والعرقية. ولسنا الآن معنيين بتقويم هذا النظام الذي أفرز، على العكس من ذللك، إنقسامات طائفية عرقية، ووّلد ديمقراطية محاصصة تتشوه بفعل المافيات التي جاءت مع المحتل لتفرض عملية سياسية شوهاء، حولت النظام الديمقراطي، بمفهوم جديد للتغطية، بإسم، “التوافقية”، الى ديمقراطية كسيحة ومشوّهه، تقوم على تقاسم المغانم والتسويات على حساب مصالح الشعب العراقي، صاحب المصلحة والسيادة.

 لكن، هذا الأمر لم يمنع المتنورين الوطنيين من أمثال الاستاذ فؤاد الأمير، وغيره من الكتاب الوطنيين من أمثال صائب خليل، من شرعنة الاقلام النزيهة والشجاعة لرصد السياسات النفطية ونقدها ومناقشة القوانين التي تصدر بصددها، كمسودة قانون النفط والغاز وغيرها من المشاريع المعدة لإستغلال هذا المورد الإقتصادي الخطير والناضب، وكذلك تداعياتها على مشاريع الغاز، فضلا عن التصفية، وتصنيع المنتجات النفطية، منذ عام 2003 وحتى الآن.

   ونحن معنيون هنا بمقال الأستاذ فؤاد الأمير، المعد تحت عنوان؛ ” ملاحظات حول دراسة الخسائر والهدر في قطاع الطاقة” (1) الذي يرد به ردا مفحما على مقال أعده السيد عدنان الجنابي، عضو مجلس النواب ورئيس لجنة الطاقة السابق فيه، في مقال له تحت عنوان، “الخسائر والهدر في قطاع الطاقة“(2). كما تناول الزميل صائب خليل نفس الموضوع بمناقشات، على حلقتين لحد الآن، تتميز ليس فقط بقوة حججها أنما تنضح ايضا بوطنيتها، تحت عنوان، “الضباع والنفط -1- عدنان الجنابي يزور الأرقام ويحضّر للإنقضاض”، و”الضباع والنفط-2- ماذا يريدون وكيف نمنعهم”(3و4). ولايتسع المجال لعرض مقالي الأستاذ صائب هنا، بل اشرنا إليهما في أسفل مقالنا هذا، لإهميتهما، من جهة، وللإستنارة بهما، عندما يقتضي الحال، من جهة أخرى، من قبل القاريْ المتابع والحصيف.

  1. منهجية الطرح والمعالجة وآمانتها: نهدف هنا الى إبراز أهمية المنهجية الموضوعية في الحوارات القائمة على الأمانة العلمية، وذلك بطرح النقد بمناقشات هادفة وتنويرية بدون إستبطان أية أغراض سياسية أوفبركة أرقام وتقديرات لا أساس قياسي لها ولا تدعمها الحقائق الموثقة. فمن خلال قراءة مقال السيد عدنان الجنابي بإمعان، ومن ثم قراءة رد السيد فؤاد الأمير عليه، وهما مقالان مشار إليهما بالمراجع أدناه والتي يمكن للقارئ الكريم الرجوع لقراءة نصوصهما بنفسه، وجدنا فارقا بيّنا في حصافة منهجيات الطرح. فالمنهجية العلمية للنقد تقوم على دحض الحجج المقدمة بحجج تتسق مع الحقائق القائمة، ومدعمة بالأرقام المنطقية المستوفاة من مصادرها، وليس التي تخمن بصورة كيفية أوبالمبالغة والهويل. وبقرائتنا الهادئة المتروية للمقالين المشار إليهما، ادركنا أن المنهجية العلمية قد لازمت الرد النقدي للأستاذ الأمير، وغابت عن مقال السيد الجنابي، مع إحترامي لكل منهما. ولكن هذا لا يعني أن مقال الجنابي يخلو من بعض النقاط القليلة المستوفية لشروط النقاش المنهجي، فيما لو أُخذت بصيغتها التعبيرية العامة، حتى وإن كانت غير دقيقة، من الناحية الكمية القياسية، كاشاراته الى بعض مواقع خلل أوعيب في عمليات تطوير قطاع الطاقة، وخصوصا بالنسبة للكهرباء والغاز، ولكن ليس بالنسبة لإستخراج النفط الخام ومعدلات تصديره.

   وعليه، سوف نوجز أهم نقاط مقال السيد الجنابي، ونعلق عليها، ثم نعقبها بردود السيد الأمير، وقد يقارن القاريء بين نوعية الإستنتاجات التي توصل لها كل من الكاتبين.

2.1- خلاصة بأهم طروحات السيد الجنابي؛ نوجز أدناه أهم طروحات الجنابي بخصوص الخسائر والهدر في قطاع الطاقة الذي يشمل هنا إنتاج النفط الخام، حيث يقدر هو الخسائر بنصف تريليون دولار نتيجة الفشل في زيادة إنتاج النفط الخام بمقدار 6 مليون برميل يوميا، ويُقدر أيضا نصف تريليون أخرى نتيجة الإهمال وضعف التخطيط  بسبب تأخر إنتاج ومعالجة الغاز الذي بات يُحرق نتيجة الإهمال، وبسبب عدم إنجاز أي مصفى جديد، ونتيجة لذلك صار العراق يستورد المشتقات البترولية، وكذلك نتيجة تأخر مشروع حقن الماء، وبسبب عدم وجود خزانات النفط لإستلام الإنتاج. يضاف الى ذلك، النقص في إنتاج الكهرباء، وعدم توفرها بالمولدات الغازية الحديثة، وبسبب عدم إنتظام تجهيز الوقود وإنخفاض ضغط الغاز، مما أدى الى خسارة تعادل ألف ميكاوط بصورة مستمرة.  وهناك أيضا أضرار غير نقدية؛ وهو يفصّل أنواعها، دون تقديرها كميا. وهو يقوم بتقديم تقديرات شخصية لكل هذه الأضرار بمقدار نصف تريليون آخر، مما يجعل الخسائر والهدر الكلية تصل، حسب تقديراته، الى تريليون دولار لهذا القطاع، خلال المدة 2004 الى 2014.

   وقبل أن نعرض أهم نقاط رد الأستاذ فؤاد الأمير، نود أن نعرض، بإيجاز، تقديرات السيد الجنابي، مبوبة حسب موضوعاتها، حيث سنعلق عليها من وجهة نظر المنهج الكمي العلمي، لنثبت إبتعادها عنه، ليغلب عليها طابع التقدير الكيفي، أو على وفق المثل الشعبي، “طوب يكون“، مما يوجب عدم النظر إليها وكأنها تقديرات علمية مقبولة، نظرا لكونها أعدت بمزاج ربما كيفي، بهدف التهويل والمبالغة.

   يمكن أن نبوّب أرقام الجنابي المبثوثة في مقاله، بصورة تسهّل للقاريء أن يفهمها ويدرك مغزاها، عندما يقرأ مناقشات السيد الأمير لإهم بنودها لاحقا. ويجدر القول بأن الخسائر والهدر الكبير الذي تحدث عنه السيد الجنابي تبلغ، حسب تقديراته التريليون دولار، وقد صنفناها للتسهيل كالآتي:

إجمالي الحسابات المقدرة للخسائر والهدر و الإهمال والفساد

(مدد مختلفة؛ مرة لخمس سنوات، وأخرى لعشرة)       مليار دولار

  1. الفشل في زيادة إنتاج النفط الخام الى                     500

6 مليون برميل باليوم.

  1. الفشل في إنتاج ومعالجة الغاز                            54

بأسعار سنوات سابقة.

  1. الفشل في بناء المصافي                                   25
  2. تأخر في مشروع حقن الماء                              لم يُقدر
  3. الفشل في توفير خزانات النفط                           36
  4. نقص الطاقة، حسب تقديرات الINES                  200*

7. إستعمال سوائل نفطية لعدم توفر الغاز                  36

8. عدم إنتظام تجهيز الوقود                                 18

_ ___________ _________  ____ __________ 

المجموع:     869 مليار دولار

*أنظر الملاحظة رقم 8 أدناه.

يلاحظ من الجدول أعلاه، أن المجموع لا يبلغ التريليون دولار، بل هو أقل ب131 مليار دولار، فهلا نتساهل؟ لتمكين السيد الجنابي من المبالغة والتهويل.

ونود أن نسجل الملاحظات التالية حول الأرقام أعلاه، دون أن نحاول تصويبها، لإنه من الناحية العلمية، ثمة منهجيات إحصائية ورياضية مطلوبة لإعداد تقديرات من هذا النوع، منها:

  1. ما هي الإفتراضات والمصادر وأساليب الإحتساب؛ فهذه لا يوضحها معدها السيد الجنابي.
  2. وإذا كنت تروم إعداد تقديرات توقعية للإنتاج النفطي المزيّد، هل تتوفر لديك سلسلة زمنية سابقة لتبني عليها تقديرات النفط الذي لم يُستخرج، ربما بإسلوب الإستكمال الرياضي؟ ولكن عرض السيد الجنابي لا يقدم هكذا معلومة عن هذا الأمر.
  3. إذا كنت تقدّر عوائد تصدير النفط المهدور، فما هو سعر النفط الإفتراضي الذي تبنيته؟ مرة اخرى، لا معلومة هنا.
  4. وإذا كنت تروم إعداد تقديرات الهدر وسؤ الأدارة، فكيف إحتسبتها؟
  5. وإذا كنت تروم المقارنة ما بين إستيراد المشتقات النفطية وإنتاجها محليا، فما هي مصادرك الكلفوية، بمعياري الزمن والإستثمارات؟
  6. وإذا كنت تعتبر عدم زيادة الإنتاج النفطي هو خسارة، قدرتها بنصف تريليون دولار، فهل النفط الذي بقي مطمورا لصالح الأجيال القادمة يُعتبر خسارة؟ فكيف تتحدد قيمتها بسعر تصدير متغير أساسا، حسب حالتي العرض والطلب، خصوصا وانه، بالواقع، إفتراض يقرب الى الإعتباط، فثروة النفط لا تزال مخزونة في حقولها؟!
  7.  في منهجيات الدراسات الكلفوية والإحصائية الإحتمالية، ووفقا لمناهج الإقتصاد القياسي، ثمة هامش من الخطأ  لابد من تقديره في اي تقدير كلفوي لايقوم على سجلات لصفقات حقيقية يومية، فهل قدره السيد الجنابي؟
  8. من الملفت للنظر والإستغراب، أن الجنابي يقدر الهدر بالطاقة الكهربائية ب200 مليار دولار حسب تقديرات الخطة الإسترتيجية؛ NIES، (5)، وحينما دققدنا في حيثيات هذه الخطة، لم نجد مثل هذا التقدير المغالي جدا. فحجم الطاقة الكهربائية الفعلي منذ عام 2013 هو حوالي 10 آلاف ميكاوات، يُهدر منها حوالي 2،5 ألف ميكاوات بسبب تهالك الشبكة والتجاوزات والتخريب وما الى ذلك، مما سبب إنقطاعات يومية بمعدل 7-8 ساعات. وأن الإستثمارات في هذا القطاع بلغت 36 مليار دولار، منذ عام 2004، فحتى لو أريد مضاعفة هذه الأستثمارات خلال السنوات 2014- 2018، فإن المطلوب إستثماره قد لا يتجاوز ال50 مليار دولار، بأعلى التقديرات، فكيف تصبح الخسائر المقدرة من قبل السيد الجنابي 200 مليار دولار، علما بأن الخطة الإسترتيجية المشار إليها إستهدفت رفع إنتاج الكهرباء الى 15 ألف ميكاوات، خلال المدة 2013- 2030، وهي مدة الخطة. حتى ولو غالينا، وقلنا أن المطلوب رفع إنتاج الطاقة الكهربائية من 10 ألف ميكاوات الى30 ألف ميكاوات خلال عشر سنوات القادمة، فإن الإستثمارات المطلوبة قد تبلغ ال70مليار خلال هذه المدة المستقبلية. وعليه، تأكد لنا بأن تقديرات الجنابي بوقوع خسائر قدرها 200 مليار دولار في قطاع الكهرباء لا أساس لها في الخطة الإستراتيجة، لإن الأخيرة لا تبحث في خسائر الكهرباء أصلا، لذلك فإن تقديراته هنا هي من نسج خياله، لاسيما وهو يزعم أن ال200مليار دولار هي خسائر فعلية تحققت في قطاع الطاقة الكهربائي خلال المدة 2004- 2014؟!

وعليه، نخلص، من الناحية المنهجية، بان تقديرات السيد الجنابي شخصية وكيفية، لإنها لا تقوم على منهجية علمية.

2.2- ولنعرض الآن أهم نقاط الرد النقاشي الوارد في مقال الأستاذ فؤاد الأمير.

أولا؛ في مجال الرد حول الفشل الذي إدعاه السيد الجنابي في زيادة إنتاج النفط الى 6 مليون برميل خلال السنوات 2004 الى 2014؛ يبين الأستاذ الأمير بأنه لم يكن بالإمكان زيادة الإنتاج منذ منتصف الثمانينات، حسبما إدعى السيد الجنابي، على الرغم من كون البنية التحتية كانت مناسبة والإمكانيات متاحة، وذلك بسبب تدخل السعودية ودول الخليج في تخفيض اسعار تصدير النفط الخام، ومن ثم توريط العراق في نفق غزو الكويت، مما عرض البلاد الى حرب قادها إئتلاف دولي تقوده الولايات المتحدة لطرد الجيش العراقي من الكويت ولتدميره، بل وأدى الى تدمير البنية التحتية تدميرا شاملا، واتبعها بحصار إقتصادي ومالي إستمر لمدة ثلاثة عشر عام. وعليه، فإن البنية التحتية بعد غزو العراق لإسقاط نظام صدام في 2004، كانت في حالة بائسة، وكان مجلس الحكم المقام برئاسة الحاكم الأمريكي بريمر يحاول تخصيص صناعة إستخراج النفط على وفق دراسات معدة مسبقا من قبل الشركات الأمريكية، مثل هالبيرتن، وكيلوك براون ورووت وبكتل، وأوكلت المهمة للسيد اياد علاوي الذي ترأس أول حكومة مؤقتة. بيد ان مجلس الحكم، رغم ذلك، شرع بعض القوانين المؤقتة، وأهمها إصدار قانون يقضي بحصر إستغلال وتطوير الثروة النفطية بالحكومة العراقية الإتحادية، كما صارت تعرف بعد إقرار دستور جديد للبلاد. وفي هذا المضمار كانت الشركات الأمريكية وفرق العمل التي شكلتها، بمشاركة بعض خبراء عراقيين، تستهدف الهيمنة على إنتاج النفط العراقي عن طريق محاولة فرض عقود المشاركات بالإنتاج، (PSC)، اي من اجل أن تصبح الشركات شريكا في ملكية حقول النفط. ثم يستطرد الأستاذ الأمير في بيان مخاطر عقود المشاركات في الإنتاج التي ستولد للشريك الأمريكي عوائد تصل الى 40%، ما عدا عوائدها أو فوائدها المجناة من إستثماراتها لتطوير الحقول الجاهزة التي لم تدخل مرحلة الإنتاج بعد. ويقارن الأستاذ الأمير هذه العقود مع “عقود الخدمة” التي أبرمت مع الشركات الأمريكية وغيرها، والتي عقدتها وزارة النفط العراقية، بقيادة الدكتور حسين الشهرستاني في جولتين، خلال عامي 2009 و2010. وهذه عقود، عموما أفضل بكثير لإنها، في الأقل، تُبقي ملكية النفط للشعب العراق، وأن الشركات ستتلقى أجور خدمة عن كل برميل جديد تساعد في إنتاجه بتطوير حقول، مثل الرميلة والزبير وغرب القرنة وغيرها. ومع ذلك فثمة عيوب ومضار في هذه العقود، لم يسهب في تفصيلها الأستاذ الأمير، لكنه اشار الى تحفظاته على بعض بنود عقود الخدمة الفنية، وبالذات المادة 12-5 التي تعوض الشركات عن الكميات الإضافية التي يتعذر إستلامها أو خزنها لعدم توفر الخزانات المناسبة. وكنا نحن بدورنا قد بحثنا أيضا في إتفاقيات عقود الخدمة في عدد من مقالاتنا بعد عقدها، ومنها بحثنا المسوم؛ “An Assessment of Oil Production Policy in Iraq”، (6) في مجلة ميز، MEES, 2011، أنظر الهوامش أدناه، حيث قدمنا نقدا موضوعيا لبنود عقود الخدمة الفنية، على الرغم من أفضليتها الأكبر على عقود المشاركات. ولسنا بمعرض التفصيل في بحث المفاضلة بين عقود الخدمة وعقود المشاركات في الإنتاج، لولا أن السيد الجنابي تنكب الإدعاء بأن عقود الخدمة كانت فاشلة، ومن ثم يستدعي إدعاء البعض بأن عقود المشاركات أفضل منها؛ اي أنه ينوه بتفضيلها، وإن كان يستتر بما يزعمه أن البعض يدعو الى ذلك؛ اي أنه يستبطن الدعوة الى تسليم النفط للشركات الأجنبية، لإنه يذكر بأن سياسة علاوي التي دعى لها أثناء ترؤسه الحكومة في 2005، والتي دعت الى تخصيص الصناعة النفطية بالكامل، ولو على مراحل، كان يجب أن تُطبق؛ من هنا يبدو واضحا دعوته لتسليم الثروة النفطية للشركات الأجنبية، وهي التي تنظر الى النفط غير المستخرج خسارة لإرباح كبيرة تطمع بها. ومع ذلك، تبقى عقود الخدمة الفنية أفضل من عقود المشاركة بالإنتاج، لإن الأخيرة، أي المشاركات، هي عقود تقوم، في الحقيقة، على المجازفة والمخاطرة، حينما تكون الحقول المزمع تطويرها واقعة في مناطق جغرافية معقدة، مثل قيعان البحار أو مناطق وعرة، وأن هناك عدم تيقن من وجود مخزونات بترولية، أي أن هناك مجازفة كبيرة في العثور على النفط، بينما الحقول العراقية المعروضة للتعاقد هي ذات إحتياطات مؤكدة، بل وجاهزة للإنتاج، بل ومنتجة وليست هناك أية مجازفة، ومن هنا تنتفي الحاجة الى عقود مشاركة في الأنتاج، إذ أن توقيع مثل هذه العقود هو بمثابة تسليم حقول جاهزة للشركات الأجنبية. أما عقود الخدمة الفنية، فتعتريها عيوب أهون يمكن معالجتها من خلال إعادة التفاوض مع الشركات لمعالجتها، لاسيما منها ما تنص عليه من تعويضات للشركات في حالة تقليص الإنتاج بسبب عدم توفر الخزانات. وعليه، من أجل تأمين سيادة العراق على ثروته النفطية توجب تجنب عقود المشاركات في الإنتاج، وهذا ما إنتهجته وزارة النفط بقيادة الدكتور الشهرستاني.

أما بشأن دراسة وزارة النفط حول خسارة، (14،5)، مليار دولار نتيجة الهدر والفساد التي تحدث عنها وزير النفط السيد عادل عبد المهدي، فكما وضح هو لاحقا بأنها كانت جزئيا لدفع تعويضات للشركات تقارب 263مليون دولار عن الإنتاج غير المستلم، وربما البقية عن قيمة الكميات المقلصة، أي التي بقيت في المكمن بسبب عدم توفر الخزانات ولم تستطع الحكومة إستلامها. وبين الأستاذ الأمير بأن المقصود هنا هي التعويضات للشركات العاملة في العراق بموجب عقود الخدمة، ولا تشمل الشركات المتعاقدة على وفق عقود المشاركة في إقليم كردستان الذي إنتهكت حكومتة المادة (111) من الدستور التي تنص على أن النفط والغاز هو ملكية لجميع الشعب العراقي، وبذلك قوضت سيادة العراق على نفطه في شمال العراق؛ وهذا موضوع يتطلب معالجة مستقلة لإنه ينطوي على تعريض جزء مهم من ثروة العراق النفطية للنهب وبالضد من مصلحة الشعب العراقي، بما فيها مصلحة الشعب الكردي في الإقليم، وهذا أيضا موضوع لم يتطرق له الجنابي في مقاله المشار إليه، بل هو تجنب، تماما، الحديث عن عقود المشاركات التي أبرمتها حكومة إقليم كردستان وكأن شمال العراق ليس جزءا من البلاد.

  يدعي الجنابي في دراسته؛ “عند إرتفاع سعر النفط الى 100 دولار للبرميل على مدى خمس سنوات، كان الدخل الضائع للعراق يعادل 500 مليار دولار بسبب سؤ الإدارة وإنعدام التخطيط“. ويجيب الأستاذ الأمير بأن مجموع عوائد التصدير للمدة 2006 الى 2014 يساوي  579,4 ملياردولار، وان العوائد للمدة من 2004 الى 2014 تساوي 632,2 مليار دولار. ولكن الخسارة التي يدعيها الجنابي بمقدار 100 مليار دولار سنويا أو نصف تريليون لخمس سنوات تستدعي زيادة التصدير بمقدار (2,740) مليون برميل يوميا، مما كان سيؤدي الى إغراق السوق وبالتالي الى إنخفاض الأسعار، كما سيؤدي الى إنخفاض العوائد، فهو إذن يكيف حساباته وتقديراته حسب مزاجه وردحه السياسي.

ثانيا، في مجال بعض الإخفاقات والإنجازات الكبيرة لوزارة النفط، يتحدث الأستاذ الأمير بموضوعية وإنصاف، فيشير الى حالات التلكؤ والروتين والإجراءات المعيقة في دوائر الكمارك والضريبة والبيئة وغيرها، إضافة الى الفساد والتخوف والتهريب، ولكن بالمقابل كانت هناك إنجازات كبيرة، تسجل لوزارة النفط في عهدة الدكتور حسين الشهرستاني، على الرغم من عدم كفاءة الإطار المؤسسي للدولة وعدم الإستقرار والتنازع السياسي الطائفي التحاصصي. وإنجازات الوزارة عديدة يفصلها الأستاذ الأمير في مقاله، ويكفي هنا أن نشير الى أن أهمها، في رأيه، هو تنفيذ جولتي عقود الخدمة الفنية في عامي 2009 و2010، بشفافية عالية، ووقوف وزارة النفط، تحت قيادته، بشجاعة أمام ضغط الشركات الأجنبية لفرض عقود مشاركات الإنتاج للهيمنة على الموارد النفطية. ولا يقلل من الأمر أن ثمة مآخذ على جولتي عقود الخدمة، لاسيما الثانية التي قُدر أنها سترفع الإنتاج الى (13) مليون ب. ي، وستغرق السوق وتخفض الأسعار، ولهذا يبدي الأمير بعض المآخذ وبعض التحفظ عليها، وأنه يرى أن لا ضرورة أصلا لعقد  الجولة الثانية. ومن إنجازات الوزارة، نوجز ما طرحه السيد الأمير ونثني عليه: أ- تنفيذ مشاريع بنية تحتية عملاقة، والقضاء على التهريب وبناء الخزانات، حيث إرتفعت سعتها من (4) مليون برميل  الى (14) مليون برميل، ولو أن المزيد كان مطلوبا، في رأينا. ولكن، كما اشار الامير الى أن إمكانيات الوزارة لم تكن بمستوى ما كانت عليه في سبعينات وثمانينات القرن الماضي. ومع ذلك فإن إنجازاتها، في حدود الظروف المحيطة بها، كانت مميزة؛ ومنها أيضا؛ ب- إعادة الإنتاج والتصديرالى المستوى الذي كان عليه قبل الإحتلال؛ ج- إنهاء حالات السرقة وتهريب المنتجات النفطية؛ د- إنهاء الخاوات؛ ه- إنهاء الطوابير البشرية والسيارات أمام محطات البنزين لإستلام شراء حصة البانزين والكازأويل والكيروسين. مما يوجب التقدير  للموقف الشجاع للدكتور الشهرستاني الذي كان على رأس وزارة النفط في سنوات حرجة، لحماية الثروة  النفطية، وهذا فضلا عن موقفه الوطني الشجاع بإعتراضه على عقود المشاركات التي وقعتها حكومة كردستنان مع الشركات الأجنبية في الحقول الواقعة تحت نفوذها، بتعارض صارخ للمادة (111) في الدستور. نعم، هو موقف شجاع ونكبره مع الأستاذ الأمير في مقاله المشار إليه في المراجع أدناه. وختم الأمير تقويمه لإنجازات الوزارة بالقول؛

وفي معرض تثمين مواقف الاجهزة النفطية يجب أن لا ننسى موقفها من مسودة 2007 لقانون النفط والغاز، ورفضها تمشية المسودة كونها تضر بمصالح العراق وتسمح بعقود المشاركة بالإنتاج وتضعف دور المركز –وزارة النفط والحكومة الاتحادية-.”

بيد أنه، لا مندوحة من القول بأنه كان ينبغي أن تراجع الوزارة خطط عملها بهدف تطوير إنجازاتها، وخصوصا بعد مغادرة الشهرستاني موقعه القيادي في الوزارة. والدافع لإبراز هذه الإنجازات من قبل الأمير هو لإن مقال السيد الجنابي يستبطن إسقاط الدور الفاعل للقيادات السابقة لوزارة النفط، رغم الظروف الصعبة آنذاك، في تحقيق تلك الإنجازات الكبيرة.

ملاحظة: فيما يلي من نقاط النقاش الرئيسة الأخرى سيكون عرضنا وتعليقنا مختزلان، نوعما، ويتعلقان بإبراز ما هو جوهري وأساسي، تاركين التفاصيل الجزئية لمن يهتم بالتفاصيل الواردة بالرجوع الى المقالين المشار إليهما.

ثالثا، مشروع حقن الماء: نبدا بنص للجنابي؛ “ومن القرارات بالغة الخطورة على مستقبل الإنتاج كان قرار سحب هذا المشروع من شركة (أكسون) العالمية وإناطته بشركة  المشاريع النفطية التي لم تكن مؤهلة للقيام بهذا المشروع وقد تسبب هذا القرار بتأخير المشروع لأكثر من ثلاث سنوات. ويعتقد بعض الخبراء أن هذا التأخير أضر ويضر بمكامن النفط في الجنوب بشكل قد يصعب تعويضه لاحقاً. ولابد من دراسة فنية لمعالجة الموضوع وتقييم الأضرار؛ فيرد الأمير بأنه لا يختلف حول أهمية المشروع، ويؤيد أن شركة أكسون موبايل كبيرة وعالمية، ولكنها وقعت في بداية 2010 عقد خدمة فنية لتطوير حقل غرب القرنة، المرحلة الأولى، ثم جرى تعديل العقد في آواخر عام 2011، لرفع الإنتاج في هذا العقد الى (825،2) م ب ي. وبعد فترة تم توقيع مشروع ضخم معها لمشروع حقن الماء ليخدم عملياتها وعمليات الشركات الأخرى العاملة في البصرة وميسان.  ولكنها ما فتأت حتى وقعت عقدا مع حكومة كردستان في 6 رقع جغرافية، إثنتان منها واقعتان في مناطق في سهل نينوى في منطقة غير متنازع عليها؛ وهما تركيبة بعشيقة والقوش، والثالث في منطقة متنازع عليها في كركوك، وهو تركيب قرة أنجير. وقد رٌفض هذا العقد من قبل الشهرستاني ووزير النفط كريم ألعيبي، لأن هذه الشركة قد تدخلت بكل وضوح في خلاف بين الحكومة الإتحادية والإقليم، وزجت نفسها فيه، بإعتبار أن إستغلال النفط وتصديره هو مسؤولية الحكومة الإتحادية، وفقا للدستور. بكلمة أخرى، كما يرى الأمير ونرى معه بان هذه الشركة بدأت تتدخل في الشؤون الداخلية للعراق، بما يهدد وحدته. فضلا عن ذلك فقد تأخرت في عملياتها لتنفيذ عقد الخدمة الفنية الموقع معها في بداية عام 2010. وأدعى قادة إقليم كردستان بأن شركة أكسون موبايل تعادل ست فرق عسكرية وحدها، كنوع من الترهيب ولتطوير الخلاف معها. علما بأن الأمير وآخرين طالبوا بطرد هذه الشركة. ولكن الجنابي، كما يبدو، لا تهمه السيادة العراقية الدستورية؛ إذ عبر، في لقاء بمؤتمر نفطي في لندن، معارضته لمحاولات وزارة النفط لإلغاء العقود المختلفة بين الحكومة الإتحادية وهذه الشركة ووضعها بقائمة المقاطعة مالم تنسحب من عقودها في كردستان. بيد أن مشروع حقن الماء، حسب الأمير، قد أنيط أخيرا، بموجب عقدين بشركة بارسونس، في عام 2014، وأن التأخير هو سنة ونصف وليس ثلاث سنوات، كما يدعي الجنابي. كما أشار الأمير بأن التأخير لا تأثير مهم له على المكامن النفطية. ومع ذلك، شُكلت لجان لمعالجة حقن الماء، ففيما يتعلق بحقلي الرميلة والزبير فقد أعيد تأهيل مشروع حقن المياه في كرمة علي، ويسحب حالياً الحقل الأول ما يقارب من (700) ألف برميل ماء يومياً، يكفي لاستمرار الحقل لإنتاج (1,3-1,4) مليون برميل نفط يومياً، كما أخذ حقل الزبير من كرمة علي ما يقارب (180) ألف برميل ماء يومياً. أما أكسون موبايل فستأخد  لأغراض الحقن ما يقارب (250) ألف برميل يومياً من الماء من النهر الثالث في منطقة “المصب العام” من الناصرية إلى قناة شط البصرة. كذلك تعمل لوك أويل على أخذ الماء من النهر الثالث إن تطلب الأمر.

رابعا؛ خزانات النفط: كما ذكر الأستاذ الأمير بإن سعة خزانات النفط في مجمعات التصدير قد ارتفعت من (4) ملايين برميل إلى (14) مليون برميل، أي (3,5) مرة، كما أعلنت ذلك وزارة النفط. ولهذا فإن هذا الأمر كان تحت الدراسة والتنفيذ، وأكتمل مؤخراً. أما المناقصة والإحالة والبدء بالتنفيذ، والإستمرار في العمل، كلها تمت من قبل الحكومات السابقة، ولكن أكتمل العمل في المشروع ودخل حيز التشغيل في الفترة الأخيرة. لهذا كان من الأجدر القول في الدراسة أن هذه الأمور كان من الواجب تنفيذها بوقت أبكر من هذا الوقت، وليس القول بأن الحكومات السابقة لم تأخذ به، لتبدو وكأنها “نصيحة” للتنفيذ، كما ورد في مقال السيد الجنابي.

خامسا؛  مشكلة المصافي: نبدأ، مرة أخرى، بمقولة للسيد الجنابي في مقاله المشار إليه؛ “لم ينجز العراق بناء أي مصفى كبير جديد رغم أن مصفى الوسط كان جاهز التصاميم وبقربه مجمع للبتروكيمياويات. وكان بالإمكان إنجاز هذا المصفى وغيره بالاستثمار أو من خزينة الدولة“. يرى الاستاذ الأمير بان هذا كلام سليم وصائب لو اُخذ على علاته. ولكن السؤال لماذا؟ كانت المصافي مدمرة منذ غزو العراق لإزاحة صدام، وكانت شحة المنتجات النفطية كبيرة في العراق. ولكن المحتل لم يحل المشكلة، لإنه كان يريد دخول القطاع الخاص، (العراقي والأجنبي)، هذا المعترك، إلا أن هذا القطاع الخاص لم يدخله، ولذا غدا الأمر من مسؤولية الدولة، على اية حال. والقطاع الخاص، العراقي والأجنبي، لن يدخله لإن عوائده أقل بكثير مما لو دخل في إنتاج النفط الخام، حيث يكون معدل العائد الداخلي IRR يتجاوز ال 100%، بينما في مجال المصافي هو في حدود ال(10-15%). فضلا عن جبن القطاع الخاص، فإن كلف الإنشاء مرتفعة في العراق، مقارنة بدول العالم الأخرى، وكذلك بسبب عدم الإستقرار وإنعدام الأمان، ناهيك عن عدم توفر الخدمات والبنى التحتية المناسبة، وإرتفاع كلفة العمالة، وغيرها من العوامل المعيقة. كما أن المحتل فتح الباب واسعا أمام إستيراد السيارات ومعدات التكييف وأجهزة التوليد، مما زاد من الطلب بوتائر عالية. كما إزداد الطلب على الكهرباء بنسب عالية، مما ضاعف الحاجة الى الوقود، فتفاقمت الأزمة. وكان من المفترض أن يثير هذا الحال الحكومات للسير بإنشاء المصافي. ولكن الجواب السحري هو أن الفرج سيأتي بعد صدور قانون يسمح للقطاع الخاص، العراقي والأجنبي، بالدخول في حقل تصفية النفط. ولما صدر القانون المبتغى لم يأت أحدٌ من هذا القطاع، فعلى الرغم من زيادة التسهيلات ورفع العوائد لم يأت الفرج! وبعد فشل دعوة الإنفتاح الإقتصادي في جلب المستثمرين، إتخذت الحكومة العراقية السابقة الإجراء اللازم لتوقيع عقد مصفى كربلاء الذي يتوقع أن يكتمل في أواسط عام 2018. بيد أن الحكومات السابقة، بعد الإحتلال، قامت بزيادة طاقات المصافي الحالية، وإضافة وحدات إنتاجية جديدة، بسبب تأخر بناء المصافي. وكان الأمير يطالب الحكومة ليس فقط ببناء مصافي، وإنما التوسع في صناعة البتروكيماويات والأسمدة المعتمدة على الغاز. وهذه، برأية، مسؤولية الدولة، ولا تظل تنتظر مجيء القطاع الخاص الذي لم يأت، فإن جاء فأهلا به. ولكن الدولة قامت بإضافة عدد من الوحدات لإنتاج بانزين بمواصفات عالمية، برقم أوكتيني عال، لتجنب إستخدام رابع أثيلات الرصاص  بوحدات الأزمرة، بل وأنشأت وحدات بتكنولوجيات أخرى لتحسين الرقم الأوكتيني للبنزين.. نعم، نستورد منتجات نفطية بمليارات الدولارات سنويا، كما يقول الأمير، لكنه يتسائل؛ هل هي خسارة أمام وضع يزداد سؤا؟ فعندما تقارن كلف الإنتاج والإستثمار وبعده الزمني، ستكون الكلف أكبر نسبيا في المدى القريب. وحسبما يرى الأمير، بأنه من ناحية إسترتيجية، لابد من بناء المصافي لإنتاج المشتقات، إذ بدون ذلك لا تتكامل الصناعة النفطية، وأن التكاليف ستتضائل  بالمديين المتوسط والبعيد.

سادسا؛ تأخر إنتاج ومعالجة الغاز: يقول السيد الجنابي في هذا الصدد؛ “إن حرق الغاز لا يفقدنا قيمة الغاز المحروق فقط بل يسبب تلوثاً هائلاً في البيئة. وحرق الغاز بهذه الكميات ولا يزال يجعل العراق من أكبر بلدان العالم تلويثاً بالغازات المسببة للاحتباس الحراري. وبدلاً من أن يكون استعمال الغاز من عوامل تخفيض التلوث الناشيء من حرق الوقود الأحفوري، أصبح حرق الغاز وبالاً على العراق وعلى العالم”!!

  • يجيب الأمير بإتفاقه، في هذا الصدد، مع الجنابي بأن حرق الغاز يشكل فعلا هدرا وخسارة جسيمة للعراق، ولكن كونه يسبب تلوثا هائلا في البيئة في العراق وإحتباسا حراريا، فهو أمر مبالغ به. ويشير الى كتابه الذي درس فيه هذا الموضوع؛ “الطاقة؛ التحدي الأكبر لهذا القرن“، حيث بيّن أن الإحتباس الحراري ينشأ عن إنبعاث ثاني أوكسيد الكاربون عند حرق الموار الأحفورية، (الفحم، النفط والغاز الطبيعي)، ولكن الغاز يُعد الأنظف عند حرقه، لأن الغاز الطبيعي يحتوي على مواد هيدروكاربونية، فعند حرقه ينبعث غاز ثاني أوكسيد الكاربون، ولكن ينتج معه بخار الماء غير الضار بسبب إحتراق الهيدروجين، فكلما إزدادت نسبة الهيدروجين في المواد الهيدروكاربونية، قل الضرر بالنسبة للإحتباس الحراري عند إنتاج الطاقة نفسها من حرق مختلف المواد الإحفورية. ويرى الأمير بأنه حصل إلتباس عند الجنابي؛ صحيح أن حرق الغاز في العراق هو من أعلى المعدلات في العالم، وهو بالطبع يمثل خسارة كبير ة للإقتصاد العراقي، ولكن ما ينتج عنه من إحتباس حراري هو لاشيء مقارنة بالكميات التي تنتجها الدول الصناعية، اي أن أهميته من ناحية حجم ثاني أوكسيد الكاربون المنتج يوميا في العالم ، ضئيلة، مقارنه مع الدول الصناعية، حتى أن اتفاقية كيوتو لم تعر أية أهمية للدول النامية، ومن ضمنها العراق، فيما يتعلق بهذا الموضوع. كما وأن الاتفاقية الجديدة التي يعمل على إحلالها محل اتفاقية كيوتو، تترك الدول النامية، ولا تشير من بعيد أو قريب إلى العراق.
  • كانت هناك محاولات، في راي الأمير، لإستصدار تشريعات ولإتباع سياسات لمنع حرق الغاز. ولكن القانونين اللذان أُستصدرا في عامي 1970 و1984 لم يحلا المشكلة. إلا أن وجود مشروعي غاز الشمال وغاز الجنوب في حالة عمل جيدة ساعد في تقليل الحرق، إذ كان إستعمال الغاز في معامل أنتاج الأمونيا واليوريا في البصرة، وبيجي وفي معامل البتروكيمياويات، وإستخدام الغاز في الكثير من المحطات قد ساعد في تقليل حرق الغاز. بيد أن إستخدام الغاز قل بعد الإحتلال بسبب توقف عمل مشروعي غاز الشمال والجنوب. وعندما وُقعت الأتفاقية الأولية بين وزارة الصناعة وشركة شل لإستثمار غاز البصرة في 22/9/ 2008، عارضها كثيرون، بضمنهم الأمير، لإنهم كانوا يريدون إستثمار هذا الغاز من خلال وزارة النفط مباشرة، إعتمادا على مشروع غاز الجنوب الذي كان متوقفا بسبب عجز الضاغطات لتهرأ الأنابيب. ولكن في أوائل 2011 تم توقيع عقد شركة غاز البصرة؛ (49% حصة الشريك الأجنبي، و51% حصة الشريك الحكومي)، بكلفة 12 مليار دولار، منها 4 مليار دولار  لتسييل وتصديرالغاز بإنشاء رصيف تحميل الغاز الطبيعي في البصرة. وعلى الرغم من التأخير، نتيجة التخوف والمعارضة، بدأت الشركة بتسليم كميات من غاز بعض الحقول للجهات الحكومية، وهو مقدّر بكمية تعادل (2000- 3000) مقمق؛ مليون قدم مكعب. بيد أن الأمر لم يوقف تصاعد كميات الغاز المصاحب المنتج، مما يتطلب حلا جذريا. ولكن دراسة الطاقة الإستراتيجية للطاقة بينت أن الحاجة المستقبلية للغازستكون كبيرة، وسوف لا يتوفر غاز للتصدير، حتى لو بلغ إنتاج النفط الخام، (9) ، م.ب.ي.، مما يجعل مشروع إنشاء رصيف للتصدير غير ضروري.

3؛ ملاحظات وتقويم ختامي:

نخلص بعدد من الملاحظات؛

  1. أن بحث الأستاذ الأمير الجاد في رده على مقال السيد الجنابي، جاء غنيا بالحقائق والمطارحات الموضوعية الهادفة والمنصفة، حيث أعطى لقيصر ما لقيصر، وأبرز دور وزارة النفط بقيادة الدكتور حسين الشهرستاني، إنصافا للحقيقة. كما يمثل بحث الأستاذ الأمير، براينا، نموذجا من الطرح المنهجي الأمين، مما يعكس ليس فقط علمه وخبرته العميقة، بل وأخلاقيته العالية.
  2. أن تحرينا وتدقيقنا لتقديرات السيد الجنابي أظهر بجلاء لا صدقيتها لإنها لم تستند الى أساس حسابي علمي، وتفتقد الى الأسانيد والمعلومات الموثقة.
  3. لكن، هذا لا يمنعنا من تأييد السيد الجنابي في طرحه أو إشاراته عن وجود تلكؤ وعدم كفاءة في مجال تجهيز الطاقة الكهربائية، على الرغم من وجود معيقات أمنية ونقص في الإستثمار في قطاع الكهرباء.
  4. نرى أن السيد الجنابي قد غالى، وله الحق، في حرق الغاز، ولكن لو علمنا بأن الخزين الكامل للغاز الطبيعي مقدر بحوالي 112تريليون قدم مكعب، وأن نسبة الهدر لا تتجاوز ال 1% منه لحد الآن، ولكننا مع ذلك نتفق معه بأنه لايجوز التعرض لمثل هذا الهدر، نظرا للحاجة الماسة للغاز، كطاقة نظيفة وفاعلة ورخيصة على المديين المتوسط والبعيد.
  5. لابد من التأكيد على طبيعة الإقتصاد العراقي الريعية، أي بإعتماده شبه الكلي على تصدير النفط الخام الناضب، مما يقتضي تبني إسترتيجية حيوية لضمان مستقبل الأجيال القادم، وذلك من خلال منظورين؛ الأول هو توظيف أكبر نسبة من عوائد تصدير النفط الخام للإستثمار في القطاعات الإنتاجية غير النفطية، كالزراعة والصناعة والتشييد والبناء، والثاني هو العمل على تحقيق هدف إستراتيجي؛ وهو تصنيع النفط لا تصديره؛ فالصناعات التي تعتمد مشتقات النفط لا حصر لها، كالبتروكيمياويات وغيرها، كما تعتمد بعض النشاطات الخدمية، كالنقل والمواصلات وغيرها على مشتقات النفط أيضا. وهكذا.
  6. ونشير بملاحظة ختامية؛ كنا قد أسهبنا بدراساتنا في هذا الميدان بأن الكفاءة الإدارية لإدارة قطاع الطاقة عموما لا تقف عند عتبة صناعة الإستخراج التي إضطلعت بها وزارة النفط بكفائة نسبية، وبهمة وزير النفط الدكتورالشهرستاني ومن ثم الوزير الذي تلاه الأستاذ كريم إلعيبي، إنما يجب أن تمتد ليس فقط لمعالجة الغاز والكهرباء، بل وايضا لتطوير البنى التحتية وسعات الخزن والنقل والتصدير، بما يعني أن هذه المسؤولية لا تقع على وزارة النفط وحدها، بل يجب أن تتحملها وزارات أخرى، كالنقل والتخزين والبيئة وغيرهما، حيث يمكن تسجيلات إخفاقات كثيرة في هذا المضمار، لا مجال لها هنا.
  7. وأخيرا، نود تسجيل تقديرنا لكل حوار موضوعي وهادف على أن يعتمد المناهج العلمية ويلتزم بالأمانة العلمية، كما لمسناها من مطالعة مقال الأستاذ فؤاد قاسم الأمير، ونأمل أن يتبناها الأستاذ عدنان الجنابي، خصوصا وأنه شخصية لها دور في مجلس النواب وفي شؤون الطاقة، مع شديد إحترامي للجميع.

          

بعض المراجع الرئيسة

1.فؤاد قاسم الأمير؛ “ملاحظات حول دراسة الخسائر والهدر في قطاع الطاقة”؛

http://iraqieconomists.net/ar/2015/06/22/

2.عدنان الجنابي؛ “الخسائر والهدر في قطاع الطاقة”؛

http://iraqieconomists.net/ar/2015/05/26

  1. صائب خليل؛ “الضباع والنفط-1- عدنان الجنابي يزور الأرقام ويحضر للإنقضاض”؛

http://alakhbaar.org/home/2015/6/193753.html

  1. صائب خليل؛ “الضباع والنفط-2- ماذا يريدون وكيف نمنعهم؟؛

http://alakhbaar.org/home/2015/6/193727.html

  1. الخطة الإسترتيجية للطاقة؛ 2013- 2030، وزارة النفط العراقي، 2013.
  2. Kamil Al-adhadh, Mees, “An Assessment of Oil Production Policy in Iraq”- Geopolitical Risk, July- August, 2011.

(*) مستشار إقليمي سابق في الأمم المتحدة.

بيروت في 10/7/2015

الاراء الواردة في كل المواد المنشورة على موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين لاتعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير وانما عن كاتبها وعو الذي يتحمل المسؤولية العلمية والقانونية

لتنزيل نسخة بي دي أف سهلة الطباعة انقر هنا

الاراء المطروحة في جميع الدراسات والابحاث والمقالات المنشورة على موقع الشبكة لاتعكس بالضرورة وجهة نظر هيئة تحرير الموقع ولا تتحمل شبكة الاقتصاديين العراقيين المسؤولية العلمية والقانونية عن محتواها وانما المؤلف حصريا. لاينشر اي تعليق يتضمن اساءة شخصية الى المؤلف او عبارات الكراهية الى مكون اجتماعي وطائفة دينية أو الى اي شخصية أو مؤسسة رسمية او دينية

التعليق هنا

%d مدونون معجبون بهذه: