كشف تقرير نشرته المدى برس بتاريخ 14/10/2014, عن وجود تجاذبات داخل مجلس الوزراء حول نظامه الداخلي الذي يراد منه توزيع عملية صناعة القرار بين رئيس الوزراء ونوابه. وذكر التقرير انه بينما تعرب كتلة رئيس الوزراء عن خشيتها من تقييد صلاحيات رئيس الوزراء, فان كتلة الأحرار تبدو متحمسة لذلك. ويبدو من التقرير أن من أهم النقاط الخلافية الأخرى, هي النقطة المتعلقة بالقرارات الستراتيجية, مثل الموازنة وعقد الاتفاقيات وإعلان الحرب وغيرها, والتي يرى البعض بان إقرارها يحتاج الى أغلبية الثلثين. وهناك من يريد إن تكون لمجلس الوزراء (هيئة رئاسية) وليس (رئيس) كما هو حاليا. علما إن مجلس الوزراء كان قد ناقش الموضوع وكلّف لجنة ثلاثية لمراجعة نظامه الداخلي, وتضمينه ملاحظات الوزراء.
من التقرير أعلاه, يبدو واضحا إن هناك حملة قوية, ليس فقط لدفع رئيس الوزراء للتنازل عن بعض صلاحياته الحالية الى نوابه, بحجة الأخطاء السابقة, وإنما أيضا لفسح المجال أمام رؤساء الكتل للمشاركة المباشرة في عملية صنع القرار الرئاسي. فعن طريق تمرير القضايا الستراتيجية بأغلبية الثلثين, يضمن رؤساء الكتل حق النقض في مجلس الوزراء. وتغدو القيادة جماعية في حالة إلغاء منصب رئيس الوزراء والاستعاضة عنه بهيئة رئاسية, كما يطالب البعض. وتوضيحا للموضوع, ينبغي التذكير بما يلي:
1- صلاحيّات نواب الرئيس
من الخبرة الإدارية المتراكمة لدى الحكومات والشركات, تم التوصل الى ان تجزئة القرار على مستوى القمة لا يصب في مصلحة الإدارة السليمة. وعليه نرى ان نائب الرئيس الأمريكي لا يملك صلاحيات محددة, عدا كونه ينوب عن الرئيس عند غيابه ويحل محله إن توفى او استقال . أما صلاحياته الأخرى فتنحصر بما يخوّله الرئيس به عند الحاجة, وكمثل على ذلك خوّل الرئيس الأمريكي الحالي نائبه بمتابعة ملف العراق.
وهكذا الحال بالنسبة لنائب رئيس الوزراء البريطاني. فصلاحياته تكون حسب تخويل (تفويض) رئيس الوزراء. وبالفعل, فقد تم تخويل نائب رئيس الوزراء البريطاني الحالي بمهمة الإصلاحات الدستورية والسياسية, ولم يخوّل بخلافة رئيس الوزراء ولا أن يتمتع بصلاحياته عند غيابه.
وفي الشركات يكون المدير المفوض هو المسؤول عن إدارة أعمال الشركة ولا يشاركه في صلاحياته احد.
وهكذا نلاحظ إن لا احد يرغب في تشتيت صناعة القرار على مستوى القمة, لأن القيادة برؤوس متعددة لن تكون في صالح الادارة الجيدة. تماما كالسفينة التي يكثر ملاّحوها.
2- المسؤوليّة والصلاحيّة ان “المسؤولية” و”الصلاحية” هما مصطلحان إداريان متشابهان, لكنهما غير متطابقين. المسؤولية هي واجب قانوني وأخلاقي تشمل الجميع, ابتداء” من القاعدة وانتهاء” برأس الهرم الإداري. أما الصلاحية فهي سلطة مدعومة بتفويض قانوني, وهي تبدأ من الأعلى وتنتهي بالقاعدة. وعليه تبقى المسؤولية عند صاحبها ولا يمكن تفويضها لأحد, بينما يمكن تفويض (او تخويل) الصلاحيات الى الغير. بمعنى إن المسؤول الأعلى يبقى مسؤولا حتى ان فوّض بعض صلاحياته لغيره. واذا عكسنا ذلك على الوضع العراقي نقول انه بامكان رئيس الوزراء أن يتنازل عن بعض صلاحياته لنوابه, لكن عليه أن يتحمل مسؤولية أخطائهم أو تقصيرهم.
3- الدستور
تقول المادة 78 من الدستور ان” رئيس مجلس الوزراء هو المسؤول التنفيذي المباشر عن السياسة العامة للدولة, والقائد العام للقوات المسلحة, يقوم بادارة مجلس الوزراء, ويترأس اجتماعاته, وله الحق بإقالة الوزراء, بموافقة مجلس النواب”.
من ذلك يتبين ما يلي:
أولا- بما ان رئيس الوزراء هو (المسؤول) التنفيذي المباشر عن السياسة العامة للدولة, فهو لا يستطيع تفويض مسؤوليته للغير, بموجب ما ذكرناه في (2) أعلاه.
ثانيا- لا يمكن إحلال منصب ” هيئة رئاسة مجلس الوزراء” بدلا من “رئيس مجلس الوزراء” الواردة في الدستور, إلاّ بتعديل دستوري.
وخلاصة القول, لا يجوز أن نخلط بين متطلبات المصلحة العامة ومتطلبات المصالح الكتلوية والفئوية. واذا كانت هناك خشية من هيمنة رئيس الوزراء, فالسبيل الصحيح لمعالجة ذلك يكون عن طريق دعم مجلس النواب ليقوم بواجبه الرقابي كما يجب, وليس عن طريق تقليص, ومن ثم تشتيت, صلاحيات رئيس الوزراء. ويكون من الأفضل لو استعان مجلس الوزراء بخبراء إداريين وقانونيين لإبداء الرأي قبل اقرار نظامه الداخلي الجديد.
(*) خبير وباحث نفطي
حقوق النشر محفوظة لشبكة الإقتصاديين العراقيين. يسمح بالاقتباس واعادة النشر بشرط ذكر المصدر. 21/11/2014
http://iraqieconomists.net/ar/
الاراء المطروحة في جميع الدراسات والابحاث والمقالات المنشورة على موقع الشبكة لاتعكس بالضرورة وجهة نظر هيئة تحرير الموقع ولا تتحمل شبكة الاقتصاديين العراقيين المسؤولية العلمية والقانونية عن محتواها وانما المؤلف حصريا. لاينشر اي تعليق يتضمن اساءة شخصية الى المؤلف او عبارات الكراهية الى مكون اجتماعي وطائفة دينية أو الى اي شخصية أو مؤسسة رسمية او دينية