يعانى النظام الاقتصادى العراقي من أزمة هيكلية تتمثل فى كونه اقتصاداً ريعياً يعتمد بالأساس على أنشطة غير منتجة – تتأثر بعدم الاستقرار داخلياً أو خارجياً، بالإضافة إلى التقلبات الحادة فى أسعار المواد الخام الأولية والغذاء بسبب التطورات السياسية والاقتصادية عالمياً أو المضاربات فى الأسواق العالمية ) فى هذا السياق ينبغى أيضاً الأخذ فى الاعتبار أن العراق مستورد صاف للغذاء، اذ يستورد كمعدل 60% من احتياجاته الغذائية وهو ما يرتبط أيضاً بشكل أو بآخر مع أسعار الطاقة عالمياً….. !!!
ناهيكم عن البديهية المقرونة بالنفط و اعتماد العراق على تصديره فقط ، مع استمرار حرق الغاز المصاحب ، و انهيار الصناعات البتروكيمياوية ، ووجود السياسات المتخبطة في مجال رسم افاق السياسة النفطية اقتصاديا.
لقد وضع الاقتصاد رهينة للأوضاع المالية، وأننا اليوم ” إجمالاً” في حالة تكيفية وليس في حالة قيادية، وهذا وضع غير طبيعي و ان الوقت لإعادته إلى الصواب قد حان للحاق بركب الحياة قبل فوات الأوان. هذه الحلول فنية بطبعها ولكن منطلقها في إعادة تأطير الفكر من سياسة التكيُّف ـــ سدّد وقارب إلى سياسة يقودها مشروع تنموي واضح المعالم ومستعد لإعادة ترتيب الأولويات.
بدأنا وكأننا نتفادى المنافسة، ولكن المنافسة الشريفة هي ما يدفع الفرد والمجتمع إلى التقدم، فيذكر نايل فيرجسون أستاذ التاريخ في هارفارد وأحد أكبر المثقفين المعاصرين، أن ما يقتل التقدم في المجتمعات هو غياب المنافسة.
الواضح اليوم أننا نفتقد المنافسة في كل شيء. فالاحتكارات أبعدتنا عن المنافسة، ومزيد من الطبقية، وسياسة الدعم غير الرشيد تجعل البلاد مرتعاً للهجرة الاقتصادية، والبطالة بين المواطنين، وخسائر اقتصادية جمة في الوقود والمنافع وحتى الصحة العامة.
نلخص مضامين الاشارات الاقتصادية للعراق:
- يستند النمط الاقتصادى العراقي لنفس المنطق الريعى معتمداً على مصادر خارجية للدخل وهو ما سينتهى به إلى عدم رفع مستوى المعيشة للفقراء وتحقيق التنمية بشكل مستدام.
- لا توجد ضمانات بالحصول على استثمارات حقيقية.
- ستلقى الاستدانة من الخارج بعبء إضافى ـ يتمثل فى خدمة الدين ـ على الاقتصاد العراقي المأزوم أساسا
وقررت الحكومة قبول قرض صندوق النقد الدولى دون إجراء أى حوار مجتمعى حوله أو دراسة البدائل المقترحة أو إعلان لمشروطياته، رغم المؤشرات على اشتراط الصندوق اتخاذ الحكومة إجراءات لخفض عجز الموازنة، وهو ما يتطلب رفع الدعم عن الطاقة والمحروقات، تخفيض الإنفاق الحكومى وقيمة الدينار العراقي، وزيادة الضرائب، الأمر الذى يعنى ببساطة زيادة معدلات التضخم، وارتفاع الأسعار وانخفاض الدخول الحقيقية للعديد من المواطنين.
وعليه، يمكن النظر إلى التأثيرات الكارثية لتلك الإجراءات على الاقتصاد من زاويتين::
الأولى: يمر الاقتصاد العراقي بطور انكماش وكساد، وهو ما يتطلب تبنى الحكومة لخطط لإنعاش الاقتصاد تتطلب ـ على الأقل ـ إبقاء معدلات الإنفاق الحكومى على ما هى عليه.
الثانية: قد تؤدى مثل تلك القرارات لموجة من الاحتجاجات الاجتماعية العنيفة ـ مدفوعة بحالة الاحتقان السياسى الموجودة حاليا ً.
حلول مقترحة:
مبدئياً بات من شبه المؤكد ضرورة اتخاذ إجراءات ذات تكلفة اجتماعية وسياسية لا يمكن تجاهلها، فى هذا السياق يمكن طرح عدد من الأفكار التى قد تصلح كمادة للحوار والتباحث بشأنها، لعل وعسى أن نصل إلى حلول للأزمة المستعصية الحالية:
- السعى لتحويل الاقتصاد العراقي إلى اقتصاد منتج بالإنفاق على مشروعات البنية التحتية، وتخصيص نسبة 10% من أى قروض تحصل عليها الدولة لتمويل مشروعات ذات طبيعة إنتاجية، وتذليل العقبات وإيجاد حوافز للاستثمار فى المشروعات الصناعية والزراعية على حساب المشروعات الخدمية.
- البدء فى حوار مجتمعى جاد لتبنى خيارات مكلفة اجتماعياً مثل إعادة هيكلة الدعم الخاص بالطاقة للخروج بتوصيات ملزمة بجدول زمنى واضح للنهج الاقتصادى للدولة، والوصول لتوافق بشأن إعادة هيكلة شاملة.
- حصر ودمج الاقتصاد غير الرسمى فى الموازنة العامة للدولة، وقيام الدولة بتشجيع تأسيس نقابات مستقلة للعاملين فى الاقتصاد غير الرسمى كمدخل للتعامل مع هذا الملف المعقد ” المجتمع المدني و مؤسساته”.
- تبنى إجراءات سريعة لتحقيق العدالة الاجتماعية من دون تحميل الموازنة العامة بأعباء إضافية، مثل تطبيق مبدأ وحدة الموازنة، إعادة هيكلة الأجور فى الحكومة والقطاع الخاص لتطبيق الحدين الأدنى والأقصى للأجور مع توزيع الفوائض على الفئات الأفقر، وتطبيق الضرائب التصاعدية، وتبنى سياسات اقتصادية تهدف لرفع معدلات التشغيل بدلاً من التركيز على تحقيق معدلات نمو عالية لا تنعكس على الجميع.
- إعطاء حوافز مالية للراغبين فى ترك العمل بالحكومة تمكنهم من إقامة مشروعات صغيرة منتجة تتولى الدولة الإشراف عليها وتسويق منتجاتها، والبدء فى برامج تأهيل مهنى لبعض الموظفين ـ بالاستعانة بالمانحين الدوليين ـ مع إلحاقهم بوظائف عمالية وصناعية بعد انتهائهم من تلك البرامج.
- الاستفادة من الأفكار غير التقليدية والاستثمار فى مجالات الطاقة المتجددة وتكنولوجيا المعلومات بما يسهم فى دعم الاقتصاد الوطنى، وحل مشكلة البطالة، ورفع مستوى القاعدة التكنولوجية
و يجب ان نتذكر ان بداية الحل تكمن في التوقف عن الحديث عن الأوضاع المالية وكأنها بديلٌ عن الأوضاع الاقتصادية، بينما الاحتكار والبطالة وضعف الإنتاجية والعدالة والتأهيل في الوظائف المهمة لا تأخذ مكانها الطبيعي في النقاش. سألت نفسي، كما ينصح كونفوشيوس، وبقي على الآخرين التساؤل حول ما طرحت وحول أدوارهم..
(*) مديرة دار النهرين للاستشارات الإقتصادية
الاراء الواردة في كل المواد المنشورة على موقع الشبكة لاتمثل بالضرورة رأي هيئة التحرير وانما رأي كاتبها فقط وهو الذي يتحمل المسؤولية القانونية والعلمية
مقترحات جميله و موضوعيه و غير صعبة التطبيق اذا ما وجدت الارادة الحقيقية لدى الجهات التنفيذيه و التشريعيه ، و اعتقد انه بالتزامن مع دعم المشاريع الصغيره ماديا يجب على المشرع ان يدعم تلك المشاريع من خلال تشريع القوانين الداعمه و يجب ايضا تشريع قوانين لتنظيم سوق العمل و تحديد الواجبات و المسؤليات بين العامل او الموظف وصاحب العمل بحيث يضمن الكل حقوقه الماديه و المعنويه و ايضا يجب تنظيم قوانين الجمارك بما يدعم الصناعة المحليه من خلال ازاله التعرفه الجمركيه عن المواد الاوليه و زياده التعرفه عن المواد المصنعه وخاصة المتوفر تصنيعها في العراق . اغلب المشاريع الصناعية العراقيه توقفت عن العمل بسبب عدم منافستها مع المستورد خاصه من ناحية السعر وثانيا بسبب عدم توفر قوانين لتنظيم سوق العمل بالاضافه الى عدم وجود كوادر متخصصه.
ان مقترح الدكتورة سلام سميسم منح حوافز مالية من قبل الدولة لاقامة مشاريع صناعية صغيرة من بين اهم الوسائل السهلة والممكنة التنفيذ لامتصاص اعداد كبيرة من الايدى العاملة لتخفيض البطالة والتخفيف من حدة الفقر فى العراق
لماذا المشاريع الصناعية الصغيرة ؟
1- لانها تعتمد اساسا على الموارد والامكانات المحلية وبدرجة اقل على المدخلات والتجهيزات الراسمالية المستوردة
2- المشاريع الصغيرة فى العراق تعانى من نقص التمويل وارتفاع اسعار الفائدة المقدمة من المصارف الحكومية والاهلية
3- المشاريع الصغيرة بحاجة الى ارشاد من قبل الدولة ( بحاجة الى دراسات الجدوى الاقتصادية وكذلك الى اعتماد معايير الجودة التى يمكن ان تقدمها موْسسات الدولة لهذه المشاريع )
4- هذه المشاريع الصغيرة تحتاج الى ارشاد الدولة لاختيار نوع الصناعة الذى يتناسب مع التطورات الصناعية الجارية فى العالم بما فى ذلك التحول الى اقتصاد المعرفة
5- الصناعات الصغيرة هى خط الدفاع الاول لحماية الاقتصاد الوطنى ( لاحظ فى زمن الحصار انهارت الصناعات الكبيرة وتوقف معظمها عن الانتاج فى حين تزايد عدد المشاريع الصغيرة كما تشير الاحصائيات ولكن بعد 2003 تناقص عددها بسبب فتح ابواب الاستيراد على مصراعيها )
6- الصناعات الصغيرة تعتمد على التقنيات البسيطة وتتيح المرونة فى العمل وهى مشروعات فردية او عائلية لا تحتاج الى روْوس اموال كبيرة
7- تمثل الصناعات الصغيرة نسبة كبيرة من المنشات الصناعية فى العديد من اليلدان ومنها العراق وهى المستوعب الاساسى للعمالة وتساهم بغعالية فى التصدير ( الكثير من السلع المستوردة من الصين وجنوب شرق اسيا والمعروضة فى السوق العراقية مصدرها صناعات صغيرة بل بعضها صناعات بيتية )
تحتاج الصناعات الصغيرة فى بدء اقامتها الى مصادر للتمويل – الى قروض وتسهيلات ائتمانية بفوائد ميسرة ويحتاج العاملون فيها الى التدريب ( فى مراكز التدريب التابعة للدولة او القطاع الخاص )
تساهم الصناعات الصغيرة فى حل مشكلة التشغيل هذه المشكلة التى تمثل واحدة من اكبر التحديات التى يعانى منها الاقتصاد العراقى
مطلوب تاسيس هيئة لرعاية المشروعات الصناعية الصغيرة
شكرا للدكتورة سلام سميسم على دراستها و مقترحاتها البناءة عسى ان تاخذ طريقها الى التطبيق
أتفق تمام مع ما طرحتيه دكتورة .لكن المشكلة أنه لايوجد من يستمع بالعراق لما يطرحه الاقتصاديون . ونحو اليوم نسير نحو الهاوية المالية .الدولة وخلال العشرة سنوات السابقة أتخذت من سياسة التعينات كهدف لها وتبنتها كسياسية لتوزيع الدخل الريعي المعتمد على النفط فقط ، وهي اليوم بحرج شديد اذا تدفع مايزيد عن 43 تريليون دينار عراقي رواتب لمؤسسات غير منتجة في المجتمع . وهي الان تحاول أن تبحث عن بدائل لتدراك المشكلة وما طرحيته من تخفيض قيمة الدينار يأتي ضمن الحلول المتوقعة لحل مشكلة الاجور والرواتب .
لكن السؤال المطروح ؟ الم يكن للافضل للدولة خلال الفترة السابقة توزيع جزء من الدخل الريعي للشعب وبنسبة 7.5% للشعب كجزء من مسهامتها في ضمان توزيع عادل للدخل .
اعتقد ان التفكير داخل الصندوق ( اي اعادة انتاج نفس الافكار والمفاهيم والاليات) لن تخرج الاقتصاد العراقي من شرنقة الريعية البغضية ، وستظل تدفع القوى السياسية والاجتماعية على التكالب للاستحواذ على الريع النفطي بل واستخدامه في شراء الولاءات، وعليه لابد من وضع خطة انتقال تتكفل فيها الدولة بتمويل الانفاق على البنية التحتية حصراً ، وتهيئة مستلزمات الانطلاق في خطة تنموية تعتمد على -الشراكة المتناقصة للقطاع العام- ، وترك المجال للقطاع الخاص المحلي والاجنبي بالاستثمار كشرط هادف لتنويع القاعدة الانتاجية وتطوير صناعات تصديرية نفطية او غير نفطية ، اذا كانت الاحزاب والقوى السياسية ( الفاشلة ) ترغب في ذلك حقا .
السلام عليكم .. تحية طيبة
انا اتفق معك دكتورة بخصوص الحلول المقترحة ولكنها لم تنفذ على ارض الواقع (عمليا) فالكثير من الدراسات والبحوث والمؤتمرات كتبت وعقدت ولكنها لم تؤخذ ميدانياً بسبب الصراعات الايدلوجية بين الاحزاب والفساد الاداري والمالي الموجود في دوائر الدولة وعدم دعم الكفاءات الاقتصادية الموجودة داخل البلد !
اتفق مع الرؤبة التقدمية والبدائل المطروحة للدكتوره سلام كما ان البرنامج الحكومي لم بختلف عن هذا المنطق في بلوغ الاهداف . لكن نحن بحاجة الى عزيمة مشتركة متجردة في التصدي للمعظلات الاقتصادية الاساسية عند الشركاء الصانعين للسياسة في بلادنا؟