للزميل العزيز الدكتور ماجد الصوري وجهة نظر جديرة بالنقاش حول قانون التعرفة الجمركية[1] الذي عُطل العمل به لمدة عام حتى 1 تموز 2012. وتبرز الآن دعوات تدعو الى تأجيل ثاني دعتني للتعقيب على مخاطرها وعلى قلة اهتمام بعض الاجهزة العليا في هذا الجانب. وتأتي قلة الاهتمام هذه في الوقت الذي انهمكت فيه نفس الاجهزة بمهاجمة السياسة النقدية التي حققت نجاحاً في لجم معدلات التضخم وفي الاستقرار النسبي لسعر الصرف وفي التفاوض مع العديد من الدول الدائنة لخفض المديونية الخارجية التي ورثها الاقتصاد الوطني كإحدى أثقل تركات حروب النظام السابق.
وفي الوقت الذي نحترم وجهة نظر زميلنا العزيز الدكتور ماجد، فإن الاختلاف معه في النظر الى دور الضرائب في تنظيم الحياة الاقتصادية له مبرراته في زمن انفلت فيه عقال الاستيراد وضعف فيه دور الانتاج الوطني خارج قطاع النفط الخام وتحولت فيه مصانع كثيرة إلى مجرد مخازن لخزن البضائع. ومن المقلق هنا ان هيمنة تجارة الاستيراد على مقاليد النشاط الاقتصادي العراقي هي انعكاس للسياسة المالية للدولة، والتي قبلت وزارات المالية فيها منذ 2003 بقرار إلغاء التعرفة الجمركية ومن ثم بتأجيل تطبيق قانون التعرفة الجمركية رقم 22 للعام 2010.[2] ومما يبعث على مزيد من القلق أيضاً هو الميل القوي في سياسة الجهاز الحكومي إلى التوسع بالتوظيف بسبب شحة فرص العمل الواعدة في القطاع الخاص. وقد ادى هذا التوسع غير المدروس في التوظيف الحكومي إلى زيادات ملحوظة في حجم الانفاق الجاري، الامر الذي ضخًم حجم الطلب الاستهلاكي على المستوردات وفاقم من ظاهرة البطالة المقنًعة بما تنطوي عليه من تدهور في كفاءة الاداء الخدمي لمؤسسات الدولة. وينعكس تدهور الاداء هذا في ارتفاع الكلف التشغيلية للخدمات الحكومية الجارية على حساب تخصيصات الموازنات العامة المختلفة للاستثمار ولتجديد البنى الارتكازية المتهالكة. وقد نجم عن ذلك تضخم غير مبرر في كلف الرواتب والاجور وفي تقاعد الموظفين وايفاداتهم ناهيك عن استمرار ظواهر الرشوة متفشية في العديد من المؤسسات الخدمية للدولة والتي يتكبد المواطن كلفها غير المقبولة .
وفي مثل هذا المناخ، يسود اعتقاد لدى الكثيرين بأن الضريبة ما هي الا إتاوة اخرى من الاتاوات وخصوصاً ان العراق (كما يقال خطأً بلد غني) حبته الطبيعة بموارد النفط التي كانت الدولة تؤمٍل ، حسب برامجها وتعاقداتها المعلنة عند إعلان نتائج جولات التراخيص، رفع معدلات الانتاج بشكل ملحوظ الى 12 مليون برميل يومياً حوالي العام 2017 او ما ينيف عنه والتي يبدو أن كبار المسؤولين قد عدلوها الى 10 مليون برميل يومياً في تصريحات اخيرة للدكتور الشهرستاني الى قناة الفيحاء. إذن، اذا كانت الدولة ستحقق توسعاً ملحوظاً بانتاجً النفط، يسأل السائلون، ومنهم الزميل الكريم الدكتور ماجد، لم التعرفة إذن؟ الا يمكن لنا ان نقتدي بدول الخليج ودولة الامارات بالذات فنبقي اقتصادنا مفتوحاً ب 5 % شكلية كرسم لاعادة الاعمار؟ ويتساءل الزميل الدكتور ماجد عن مبررات التعرفة التي يبلغنا بأن حصيلتها سترفع حجم الجباية من 350 مليون دولار سنوياً الى حوالي 700 مليون دولار (حسب تقديرات رسمية) والتي لا تبرر حسب رأيه تحميل المستهلك اعباء التعرفة ارتفاعاً بالاسعار ليحصل الصناعيون على دخول اعلى نتيجة الحماية التي توفرها التعرفة الجمركية؟
اسئلة مشروعة، دون شك، تلك التي يطرحها الدكتور الصوري رغم اختلافنا معه. وسأبدي هنا وجهة نظري حول موضوع الحماية من خلال التعرفة الجمركية وايضاً فيما طرح علينا في ورقته المشار اليها.
(1)في الضرائب ونموذج الامارات – في البداية، تعطينا ورقة الدكتور ماجد نبذة تاريخية عن تطور الضرائب وعلاقتها بالتعبئة للحروب. وبالطبع، فان الضرائب كانت وستبقى اداة مالية ،فإن كانت الحكومات متوجهة للانفاق العسكري او الحربي فالضرائب واحياناً عوائد النفط (وكذلك طبع النقود) ستمول سياساتها هذه، وإن كانت الحكومات متوجهة للإنفاق الاجتماعي فستحتاج الضرائب والرسوم والاستقطاعات لتمويل التعليم والرعاية الصحية والضمان الاجتماعي والبنى التحتية. إذن، المسألة المطروحة عن ضرورة الضرائب او عدم مرغوبيتها تتعلق بوجهة استخدامها وآثارها ولا يتعلق الامر بتأريخ نشوء النظم الضريبية وبإستعمالها لتمويل الحروب في الماضي أو حتى في الحقب المعاصرة. إن أهم الضرائب التي تجبى في الدول الاكثر تقدماً اليوم تستخدم لتمويل النفقات الاجتماعية كالتعليم والخدمات الصحية والضمان الاجتماعي وحقوق التقاعد ولصيانة البنى التحتية. وتستخدم لذلك الضرائب المباشرة وغير المباشرة ومن هذه الاخيرة الرسوم البلدية وضرائب المبيعات والقيمة المضافة وضرائب العقار ورسوم المياه وجمع النفايات وغيرها. وتستخدم نسباً لا بأس بها من حصيلة هذه الضرائب والرسوم لتمويل الخدمات العامة ومنها خدمات البلديات والمحافظات والاقاليم، ومن اهمها بناء الطرق وصيانتها وتنظيف المدن والاحياء السكنية وخدمات البيئة والترفيه في الحدائق العامة وخدمات رعاية الاطفال، وهلمجرا. كذلك، هناك صنف آخر من الضرائب مهمته الاساسية كبح الاستهلاك المضر صحياً او بيئياً، ففي اغلب البلدان المتقدمة والمهتمة بصحة مواطنيها تفرض معدلات ضريبية مرتفعة على مبيعات السجائر والخمور والبنزين كما تفرض ضرائب بيئية على انتاج المصانع الملوثة للبيئة. ومن اهم الضرائب أيضاً، الضرائب على ارباح الشركات. ودون شك، فإن معظم هذه الضرائب هي من صنف الضرائب غير المباشرة التي يدفعها كل المقيمين ولا تحمل الاغنياء عادة نسباً تصاعدية للضريبة على اساس دخل المكلًف بالضريبة كما هي الحال مع ضرائب الدخل والتركات والارباح الرأسمالية وغيرها. وتكمن اهمية تلك الضرائب في الربط بين ما يدفعه المواطن (او المستفيد من المقيمين) وما يحصل عليه من خدمات عامة من اجهزة الدولة و المحافظات والبلديات، الامر الذي يجعل الأجهزة المناط بها تقديم الخدمات العامة على مختلف المستويات مسؤولة امام من يقيمون ضمن حدود مناطقها الادارية لحسن التصرف بالموارد الضريبية المجباة. وتكفل هذه المسؤولية المباشرة أمام دافع الضرائب في المجتمعات الديمقراطية قدرة هذه الاخيرة في مساءلة المؤسسات الحكومية المعنية بتوفير الخدمات على حسن الاداء او النقص فيه عند إنفاقها للموارد المتاحة.
الأمر الاساسي هنا هو أنه لا يمكن لمعظم، بل كل دول العالم، التخلي كلياً عن فرض الضرائب اوالرسوم حتى في البلدان التي لها موارد طبيعية كبيرة كبعض البلدان المصدرة للنفط المتًسمة بقلة عدد السكان الاصليين، او الذين يحملون جنسياتها. فمثلاً، بعد توسع البنى التحتية، قامت بعض الامارات في دولة الامارات العربية وخصوصاً دبي بفرض الرسوم،[3] كما زادت ابو ظبي تعريفتي الكهرباء والماء وفرضت رسوماً للاشتراك بالضمان الصحي لغالبية سكانها، وهم من غير المواطنين، وهذه اجراءات للجباية المالية تمثل شكلاً من اشكال الضرائب غير المباشرة على معظم السكان في بلد معروف بوفرة موارده البترولية، ولا اقول بغناه ، لأن تكوين القيمة المضافة هناك، رغم محاولات تنويعه، لا زال متأثراً بشكل كبير بإستنزاف الموارد الناضبة والتي هي أصل الثروة في اقتصاد دولة الامارات[4].
إن إستشهاد الزميل العزيز الدكتور ماجد ببعض دول النفط، واغلبها قليل في سكانه من المواطنين، ليس مناسباً لظروف العراق الذي يزداد إكتضاضه بالسكان فهو يتسائل عن الحاجة لفرض الضرائب في العراق حين يقول:
“هل نحن بحاجة بشكل عام لفرض الضرائب المباشرة او غير المباشرة ؟ ولماذا لا نأخذ بنظر الاعتبار الامثلة الحية من دول نفطية اخرى التي تعفي الموظف من الضريبة المباشرة وتفرض رسوم على الاستيراد من خارج منطقتها لا تتجاوز 5% ، كما هو الحال في دول الخليج العربية؟”
وللعلم،فرغم ضعف اللجوء الى ضرائب الدخل هناك، إلا إن امارات عدة قامت بسن التشريعات التي نظمت حقوقاً تفضيلية للمواطنين عند الاستثمار فيها من قبل غير المواطنين (وهم غالبية مجتمعاتها المقيمة) رابطة إياهم بشراكات مع شركاء (نائمين) من المواطنين رغم ان كل الاطراف تعلم بأن غالبية هؤلاء لا دور لهم سوى وضع اسمائهم ضمن هذه الشراكات ليحصلوا مقابلها على (ريع الجنسية) كنسبة من الربح. وهذا في رأيي نوع آخر من انواع الاتاوات الضريبية المحلية على الارباح الرأسمالية من الاستثمارات التي يقوم بها الوافدون رغم ان الحصيلة هنا لا تعود لاجهزة الدولة بل لحاملي جنسيتها، وهم القلة المستفيدة من هذا الريع هناك. كذلك، من المعروف أن استيراد العمالة للكثير من المهن الدنيا في سلم المهارات كان يجري من خلال تدخلات مواطنين، او حتى شيوخ ببعض الامارات الافقر كأم القيوين وعجمان وغيرها، والذين كانوا يحصلون نتيجة تدخلاتهم على ريع “سمة الدخول” ليصبح ذلك شكلاً آخر من اشكال الضريبة غير الشرعية قانوناً والمشرعنة في واقع الحال. كذلك، فقد جبت إمارة عجمان نسبة لا بأس بها من مواردها من مكوس بيع المشروبات الروحية بعد أن منعت إمارة الشارجة المجاورة بيع المشروبات الكحولية على اراضيها. وكانت كل الامارات تحصل على منح من الحكومة الفدرالية، والتي مولًت عوائد نفط ابو ظبي معظمها.
ولا شك بأن َمثَلَ الامارات ونموذجها صار شائعاً لدى الكثيرين من الذين شهدوا نهضتها العمرانية منذ عام 1970 في حين تراجع الاقتصاد العراقي متقهقراً نتيجة المركزية المفرطة وسياسات إضعاف دور القطاع الخاص في الصناعة والتجارة والمصارف والتأمين منذ التأميمات التي نفًذها خير الدين حسيب عام 1964. وقد أدت تلك التأميمات الى تخلف القطاع الخاص وهروب رؤوس الاموال كما ارتبطت بتصاعد سيطرة العسكريين على الحكم والتي مهدت بدورها لعسكرة المجتمع في ظل حكم البعث بعد 1968، تلك العسكرة التي اقترنت بنظام حكم مفرط بمركزيته ادخل البلاد بسلسلة من الحروب الباهضة في كلفها الاقتصادية والمدمرة اجتماعياً والتي عمًقت مشاكل الاعتماد الريعي على واردات البترول بعد عودة قطاع النفط الى برامج التوسع بالانتاج وبقاء القطاعات الانتاجية الاخرى في سبات عميق من الركود والتراجع، في حين لجأت الدولة الى اسهل الطرق لامتصاص البطالة الواسعة: التوظيف الحكومي .
(2) الحروب والحظر وآثارهما على الاقتصاد والمجتمع ونظام رخص الاستيراد وإحكام العمل بنظام المواصفات والتعرفة– لقد اعقب الحرب العراقية- الايرانية قيام النظام بغزو الكويت في 2 آب 1990 لتُفرض على الاقتصاد العراقي بعده فترة حظر طويلة لمجلس الامن الدولي . وأدى الحظر، اضافة الى الانفاق العسكري والامني المتضخم ،الى إضعاف الكيان الاقتصادي للبلاد بعد انكماش تصدير النفط، فلجأت الدولة الى التمويل التضخمي من خلال طبع النقود والذي ادى الى انهيار قيمة الدينار العراقي. وأدى هذا الانهيار الى تضخم جامح إذ قفز المتوسط السنوي للتضخم الى 237% فيما بين 1991-1995. ومع هذا المعدل المفرط للتضخم، انهارت مستويات المعيشة كما تدهور معها الالتزام بقيم جميلة كان العراقيون قد طوروها في فترات التطور السلمي بتاريخهم ،كقيم النزاهة في الوظيفة العامة (والمرتبطة ايضاً بقيم العيب والحرام) والتي كانت سائدة بأكثر اجهزة الدولة منذ تأسيسها وحتى السبعينيات من القرن الماضي، وذلك بقدر تعلق الامر بإعتزاز غالبية الموظفين آنئذ بقيم الخدمة العامة وبسمعتهم كعاملين في القطاع العام. وقد نأت هذه التقاليد الحضارية بأغلب موظفي الدولة آنئذ عن الإنحدار الذي تلى بسنوات الحروب والتفسخ اللاحقة حين تفشت قيم جديدة تناسبت مع انهيار مستويات معيشة الغالبية منهم، والتي قادت الى ممارسات لااخلاقية، كالابتزاز والسرقة من المال العام والرشوة. ولا شك ، فقد ساهم انهيار الاقتصاد والبنية الاجتماعية، واللذين تفاقما بعد الثمانينيات وبلغا شأواً عظيماً مع حقبة التضخم المنفلت بتفشي قيم الفساد والإفساد ضمن الادارات الحكومية. وقد اسهمت هذه، مع القمع والديكتاتورية، بعزلة النظام السياسي البائد لينهار ساقطاً كورقة من اوراق خريف الغزو في العام 2003.
وتؤدي حساسية الكثيرين من الفساد الذي إستشرى واستمر حتى يومنا هذا الى التحسس من تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية ومنها مقترح تنظيم الاستيراد عبر الحماية السعرية التي سيأتي بها قانون التعرفة الجمركية المؤجل تنفيذه، فالمطالبات مستمرة بمزيد من التأجيل في حين يدعو البعض، كالاخ الدكتور ماجد ،للعودة الى نظام إجازات الاستيراد، والذي هو نوع من انواع الحماية الكمية، إذ يقول:
“وحسناً تفعل وزارة التجارة إذا ما طبقت نظام الحصول على رخص الاستيراد لجميع السلع المستوردة واحكام الرقابة على تطبيق المواصفات والسلع العراقية والعالمية على السلع المستوردة ، بما في ذلك طريقة نقل وتخزين السلع المستوردة.”
هنا نذكٍر بأن تطبيق نظم المواصفات شيء واقتراح العمل بنظام رخص الاستيراد شيء ثاني منفصل عنه، فكل بلدان العالم الاكثر تطوراً في صناعاتها لها مواصفات بعضها نوعي والأخرى مواصفات صحية او بيئية تحاول من خلالها حماية حقوق المستهلك في الحصول على السلع الافضل. كذلك، تُستخدم هذه المواصفات احياناً لحماية المنتجات الوطنية من منافسة السلع الاجنبية الارخص كما تفعل اوربا والولايات المتحدة مع الكثير من السلع الغذائية المستوردة من البلدان النامية. ونحن نتفق مع الدكتور ماجد في ضرورة إحكام العمل بنظام متطور للمواصفات والمقاييس والذي سيتطلب تعزيز القدرات الفنية والادارية لجهاز المواصفات والمقاييس في وزارة التخطيط ودعم اجهزته ضمن جميع المنافذ الحدودية.
من ناحية اخرى، نختلف مع ما طرحه الاخ الدكتور ماجد حول ضرورة العودة الى نظام رخص الاستيراد لتنظيم العمل التجاري الاستيرادي. ولا بد من التذكير هنا بالممارسات الضارة التي كانت تتحقق من نظام رخص الاستيراد الذي كان معمولاً به في ستينيات القرن الفائت، إذ كان الحاصلون عليها يعودون ليبيعوا رخصهم الى وسطاء آخرين فيحصلوا على ارباح ريعية كان المستهلك هو المتحمل النهائي لكلفها.
في رأينا أن نظام الحماية السعرية الذي سيوفره قانون التعرفة الجمركية سيكون اكثر كفاءة من نظام التقنين الكمي من خلال اجازات الاستيراد، والذي سيزيد ريع الحاصلين على هذه الاجازات والفساد الاداري للحصول عليها واللذين سيكونان على حساب المستهلكين. بالمقابل، ستستفيد المنشآت الانتاجية من الحماية السعرية لتتوسع وتشغل اعداداً من العمال والمهندسين والفنيين كما ستتطور القدرة على التعلم من خلال الممارسة هنا في حين لن يتحقق اي من هذه المزايا في نظام الحماية الكمية بإجازات الاستيراد. ما يبقى مهماً إضافة إلى تشديد الرقابة النوعية حسب المواصفات والمقاييس،هو قيام الاجهزة الادارية للدولة بتعزيز معايير وقيم النزاهة في العمل الاداري، وخصوصاً في المخافر الحدودية، لضمان جباية الرسوم الجمركية وتطبيق المواصفات القياسية للسلع المستوردة بشكل قانوني عادل والذي سيتطلب تحجيم الفساد ومكافحته بفاعلية.
(3) حول الاحتلال وتحجيم دور الدولة وسياسة الاستيراد المفتوح والتهيؤ الاستراتيجي لنضوب عوائد النفط – لقد جاء الاحتلال عام 2003 بجملة من التغييرات الجذرية بالنسبة للوضع الاقتصادي العراقي، فقد سعى لشرعنة وجوده من خلال تغيير البنى السياسية والاقتصادية وأراد في هذا الشأن تحجيم دور الدولة كبديل عن إصلاحها وإجتثاث الفساد منها ومعالجة ضعف الكفاءة الإدارية في اوصالها. ولا شك فإن دور الدولة كان – وما يزال- متأثراً بوفرة و/ او بشحة التمويل المتأتي من عوائد الصادرات النفطية التي تستلمها وزارة المالية لتنفقها او ينفقها القائمون على شؤون البلاد حسبما يرتأون و/ أو حسب ما تقرره القوانين الناظمة لعمل المؤسسات، رغم أن الكثير منها تعاني من الفساد والترهل الوظيفي وضعف الكفاءات الفنية والادارية. من ناحية اخرى، يدرك الكثيرون بأن عوائد النفط هذه ستنضب يوماً ما مع تزايد الانتاج المبرمج من الحقول والتي سيتزايد تعرضها لمشاكل الاستنزاف مع الزمن. وفي ظل البرامج الحالية للانتاج – لو تحققت كاملة كما ُبرمج لها اول الامر – ، فإن قطاع النفط وحقوله سيتعرضان بشكل متزايد لمشاكل النضوب خلال عقود ثلاثة او ما ينيف[5] ،وبالتالي سيكون ضرورياً الشروع من يومنا هذا لتوفير البدائل اللازمة لديمومة النشاط الاقتصادي سواء في الزراعة (رغم تضررها من الشح المتزايد للمياه ومن تلوثها المقلق وغير المقبول إطلاقاً) و في الصناعة التحويلية و السياحة و في قطاعي النقل والمواصلات ناهيك عن معالجة مشاكل الاسكان وما يرتبط بها من تطوير حضري وتنمية ريفية. وستكون هناك ضرورة بالغة لتطوير نوعي وكمي ملحوظ في برامج ووسائل التعليم وفي خدمات الرعاية الصحية وفي نقل التقانات وتعزيز القدرات الوطنية في البحث والتطوير وربطها بالتعلم من خلال الممارسة ضمن مختلف القطاعات. وتنبع اهمية تطوير المعارف والقدرات البشرية العراقية من التجارب التنموية الاكثر نجاحاً فهذه تنبأنا بضرورة الاعتناء بتطوير معارف البشر وقدراتهم الانتاجية لغرض خفض كلف الانتاج للوحدة الواحدة وتحسين نوعية المنتوج ضمن الوحدات الانتاجية، الامر الذي سيرفع من تنافسية السلع التي سيتم انتاجها بالمقارنة مع المستوردات التي تغزو سوقنا.
وبهذا الشأن، سيعطي قانون التعرفة متسعاً من الوقت للقطاعات الانتاجية خارج قطاع النفط لكي توظف قدراتها الداخلية في تطوير الانتاج والانتاجية ، خصوصاً مع بقاء درجة من المنافسة من الاستيرادات.
(4) دروس للعراق من التاريخ الاقتصادي للأمم التي نجحت في التصنيع المتأخر – تدلنا تجارب الاقطار الرئيسية التي افلحت في التنمية والتصنيع أن الانفتاح الاستيرادي قبل أوان نضج القدرات الإنتاجية ،ودون ضوابط ، كثيراً ما ادى الى انهيار صناعات وطنية وأنشطة اقتصادية اخرى، في حين كان للتدخل الحكومي ، بشرط ابتعاده عن مؤثرات الفساد، إضافة إلى الحماية الجمركية المشروطة والمؤقتة دور مهم في اعطاء الصناعات الوليدة متسعاً من الوقت لتطوير مهارات العاملين فيها عبر تعزيز قدراتهم الانتاجية وتعلمهم فنون الانتاج عبر الممارسة. وفي هذا الشأن ، تستهدف السياسات الحمائية أن يؤدي تطوير المهارات الانتاجية في “الصناعات الوليدة” بالبلدان النامية الى خفض كلف الانتاج عبر تفعيل آثار “التعلم من خلال الممارسة”[6] والذي سيسهم بدعم القدرات الانتاجية في الصناعة ،وبفعاليات اخرى كثيرة، بغية تطوير نوعية منتجاتها وزيادة تنافسيتها. وفي هذا الشأن أيضاً ، يعطينا التاريخ الاقتصادي للامم التي تقدمت، وبدأت في التصنيع بتأخر زمني عن غيرها، امثلة غير قليلة على ضرورة الحماية والدعم الحكوميين للتطور الصناعي والذي اعطى ريادة للقطاع الخاص لينمو بدعم واضح سواء في الجانب السعري من خلال الحماية او عبر تدريب القوى العاملة وايضاً بتطوير القدرات المحلية من خلال تعزيز قدرات نقل المعارف التقانية وتطويرها داخل البلاد. وفي بعض الحالات لسياسات الحماية الاكثر نجاحاً،جرى في أعمال الدولة تجنب استمرار الاعتماد على الحماية بإقامة آليات لتقييم نتائج وجدوى الحماية، وبشكل دوري، تم من خلالها مكافأة المنشآت الاكثر نجاحاً والحد من الموارد الحمائية الموجهة للمنشآت التي ارتؤي انها فشلت في التطور والمنافسة رغم الحماية الممنوحة لها من قبل الدولة.
إن الاقتصادات التي جاءت متأخرة الى مسار التطور الرأسمالي، والتي نجحت في تحولاتها الصناعية عبر تطوير قدراتها الانتاجية وتقاناتها، لم تبدأ بفتح اسواقها على مصراعيها كما فعلت بلادنا منذ قرار بول بريمر فحتى اكبر دعاة حرية التجارة اليوم، اي الولايات المتحدة، كانت قد لجأت إلى الحماية في اواخر القرن الثامن عشر واوائل التاسع عشر تحت تأثير وزير مالية رئيسها الاول جورج واشنطن فقد دعى الوزير اليكساندر هاملتون الى الحماية وناهض دعوات حرية التجارة المتبناة من البلد ذي الاقتصاد الاقوى آنئذ ، أي بريطانيا.
أما المثال الثاني المناظر في التاريخ الاقتصادي فهو المانيا القرن التاسع عشر بسياساتها الحمائية التي تأثرت بكتابات فريدريك لست، والذي كان متأثراً بدوره بآراء هاملتون. والمثال الالماني هذا معروف في الادبيات التنموية إذ اعطت الحماية اقتصادها متسعاً من الزمن لتطوير انتاجيته لتلحق الصناعة هناك بإنتاجية الاقتصاد البريطاني الذي كان رائداً بعد الثورة الصناعية ، ومن ثم لتبزه في السباق الاقتصادي للامم .
وكانت يابان حقبة الميجي هي الاخرى متأثرة خلال القرن التاسع عشر في سياساتها الحمائية بآراء هاملتون ، الأمر الذي وفر لها متسعاً من الوقت لتطوير قدراتها الصناعية. وبعد الحرب العالمية الثانية، نهض الاقتصاد الياباني من الهزيمة العسكرية لكي يُحدٍثَ صناعاته المدمرة باستخدام التخطيط بعيد المدى،والذي توجه بدعم قوي من الدولة لتدعيم النشاط الصناعي الخاص[7]. وكانت السياسة الاقتصادية اليابانية مقرونةً ببرامج وسياسات حمائية عديدة، أي أن اليابان لم تنهض من هزيمتها العسكرية ودمارها الاقتصادي عبر حرية الاستيراد وفتح اسواقها الداخلية كما ساد الامر عندنا بعد احتلال العراق. ولقد احتذت تايوان وكوريا الجنوبية[8] بالنموذج الياباني بنجاح فحمت ودعمًت صناعاتها الوطنية حتى صلب عودها من خلال التعلم عبر الممارسة لتنطلق بعدذاك لإقتحام الاسواق الاجنبية من مواقع الدول الاكثر قدرة على المنافسة. وقد نمت في ذلك، وخلال ثلاثة او اربعة عقود، شركات عالمية كبرى كشركتي هيونداي وسامسونج استطاعت تطويع التقانات الاجنبية المنقولة عبر التواصل مع مواطنيها من المهندسين والعلماء وغيرهم من الذين كانوا يعملون في الخارج ،وعلى الاخص في الولايات المتحدة ، لينقلوا الكثير من المعارف التي إكتسبوها هناك إلى شركات وطنهم الامم . واستطاعت هذه الاخيرة بعد عقود من البحث والتطوير والدعم الحكومي أن تنهض لتبز الشركات الغربية الكبرى ولتثبت للعالم قدرات الشرق ومجتمعاته على منافسة الاقتصادات الغربية التي كانت متفوقة آنئذ.
ومن ثم جاءت الصين منذ تغيير سياساتها الاقتصادية بعد عام 1978 بإتجاه تشجيع استثمارات القطاع الخاص في المناطق الصناعية الخاصة لتغزو الاسواق الدولية بمنتجات عملها الرخيص في حين قيًدت الاستيراد في اسواقها الوطنية ، كما ابقت سعر صرف عملتها الوطنية منخفضاً نسبياً وذلك رغم الضغوط الأمريكية المتزايدة عليها لفتح اسواقها ولزيادة سعر صرف اليوان الصيني. وبهذه الوسائل، إضافة الى اجتذاب الاستثمارات الاجنبية،وخصوصاً من صينيي هونج كونك وتايوان،تمكنت الصين من تطوير قدراتها الصناعية التنافسية والتي يسًرت الحصول على شروط مواتية عند انضمامها لمنظمة التجارة الدولية في كانون الاول 2001 بعد أطول مفاوضات إنضمام دامت 15 عاماًً .
إن ما طرحناه أعلاه حول تجارب هذه الامم التي اتت متأخرة الى حلبة المنافسة الرأسمالية، أو من تلك التي دمرتها الحروب فنهضت ثانية في سباق التقدم الاقتصادي ينطبق على امم اخرى كثيرة. إن القاعدة الاساسية التي يجب الوعي بها في العراق أن مصالح الامم الكبرى في الاقتصاد هي التي تحكم طروحاتهم لنا كدول نامية كما أن طروحات بعض المؤسسات الدولية المُهيمَن على سياساتها من قبل الولايات المتحدة واوروبا حول ضرورة الحد من الحماية لمنتجاتنا هي، في واقع الامر، تكريس لمواقف ومصالح الامم الاكثر تقدماً في حلبة التنافس الاقتصادي الدولي. لذا، سيكون ضرورياً للعراق أن يعود الى الحماية السعرية اقتداء بالتاريخ الاقتصادي للامم المتطورة في يومنا هذا فبعكس ذلك سيبقى اقتصاداً مستباحاً لتجارة البلدان التي سبقته في سُلًم التطور الاقتصادي.
(5) حول إلغاء التعرفة الجمركية في العراق – في العراق ذي الاقتصاد المحطًم، وبعد دمار الحظر الدولي والحروب، أتانا بريمر في النصف الثاني من 2003 بالقشة التي قصمت ظهر الصناعة والزراعة بإلغائه التعرفة الجمركية. وبعد بعض الضغط ضد هذا الإجراء المبتسر، قام بفرض رسم شكلي قدره 5% لإعمار العراق في حين انتهى – حسب علمنا- إستعمال التصاريح الجمركية التي تساعد أجهزة الاحصاء في العالم في تدقيق أقيام الاستيراد وبالتالي تحسين درجة الموثوقية في احصائياته[9]. وعلى ما يبدو ، فقد كان هناك غرضان من هذا الإجراء، عدا الجانب العملي المتمثل بإنهيار السيطرة على المنافذ الحدودية والذي أشار اليه السيد علي علاوي في كتابه عن احتلال العراق[10]. وكان أول هذين الغرضين يكمن في فتح السوق العراقي امام الاستيراد لتطمين إحتياجات المقتدرين مالياً، وكذلك موظفي الدولة الذين ارتفعت مرتباتهم واجورهم، الى السلع الاستهلاكية التي حُرِموا من اقتنائها طويلاً ، إذ تمثًل الهدف السياسي هنا في ارضاء هؤلاء المستهلكين عبرتعميم نمط استهلاكي جديد كان مكبوتاً. وجرى ذلك من خلال اشباع الاحتياجات التي كانت كامنة في سنوات الحظر من السلع الاستهلاكية الحديثة كالكهربائيات والالكترونيات والسيارات.
اما ثاني أغراض فتح الاستيراد على مصراعيه، فيكمن بالاقتصاد السياسي لإنشاء النظام السياسي الجديد، حيث سعى الاحتلال في سنوات هيمنته ونفوذه لربط مصالح الكثيرين به وبالسوق الرأسمالية العالمية. وقد تأتى ذلك اول الامر من خلال الاعتماد على كبار رجال الاعمال والتجار من الذين نمت ثرواتهم في كنف النظام السابق، وكانوا مرتبطين به مصلحياً حتى سقوطه.[11] بالتالي، فقد كانت هذه السياسة تستهدف إحتواء هذه الطبقة بربط مصالحها المتوسعة بوشائج قوية مع النظام الجديد. وبعد تطور عوائد البترول وتصاعد التأثير الاقتصادي للدولة الجديدة، فقد استمرت سياسة الانفتاح التجاري على العالم الخارجي لتُدخل في كنف المستفيدين من الدولة الريعية عناصر اجتماعية اخرى ارتبطت بالمؤسسات الجديدة للدولة. وصارت الطبقة التجارية الجديدة تتوسع في دورها وتأثيرها السياسي من خلال ثرواتها المتعاظمة مع تزايد حجم الاستيراد .
لقد كانت نتيجة هذه السياسة الانفتاحية تدفق السلع الى السوق العراقية دون ضوابط مما ادى الى انهيار متسارع بالقدرات الصناعية المحلية والتي كانت قد وهنت كثيراً بسبب الحظر على استيراد قطع غيار آلاتها ومعداتها، وأيضاً بسبب انهيار المنظومة الكهربائية وازدياد كلف الكهرباء ونفقات الحماية لمنشآتها بعد أن ضعف حفظ الامن والنظام في البلاد. وادى هذا الوهن الصناعي الى انهيار القدرات التنافسية وهيمنة السلع المستوردة على الاسواق، مما أدى إلى تسريح اعداد كبيرة من العاملين في الصناعة ليلتحقوا بافواج العاطلين عن العمل او بطوابير الساعين الى الحصول على وظائف حكومية دون انتاج حقيقي مقابل. وانطبق نفس الامر تقريباً على الزراعة والعمل فيها لتزداد ضغوط ايجاد الوظائف في الاجهزة الامنية والعسكرية وليعود الاقتصاد ثانية الى اعتماده على العسكرة والوظيفة الحكومية سبيلين اساسيينً لاقامة أود الحياة. وفي هذا الشأن، أشار وزير التخطيط الحالي الى ارقام مثيرة عما بلغته أعداد موظفي الحكومة بشقيها المدني والامني هذا العام قا ئلاً:
” أن عدد الموظفين في العراق كبير بسبب عدم وجود دور ومنافسة حقيقة للقطاع الخاص لإستيعاب الراغبين في العمل ، إذ أن عدد الموظفين الحكوميين بحدود ثلاثة ملايين ونصف المليون موظف على الملاك الدائم ومليون موظف على ملاك العقود بالاضافة الى مليون ونصف المليون منتسب يعملون في وزارة الدفاع والداخلية.”[12]
وإذا ما كانت الارقام التي جاء بها تصريح وزير التخطيط قريبة من الواقع، وهناك من يعتقد انها تبالغ بأرقام الموظفين والجنود والشرطة، فلا شك فإن هذا التوسع الهائل بهيكل إعتماد العمالة على الدولة يلقي بظلاله السلبية على الرغبة بالعمل في القطاع الخاص، وخصوصاً في الزراعة والصناعة التحويلية. ويعزى سبب ذلك إلى توفر مزايا في أعمال الدولة عدا فروقات الرواتب منها الاستقرار واحتمالات التثبيت في الوظيفة و الضمان الصحي وحقوق التقاعد والقروض الميسًرة للاسكان، وغيرها. لذا ، فإن اشتداد الميل للوظيفة الحكومية سيبقى طالما استمرت الدولة بتوفير الوظائف ومزاياها هناك واحجمت عن دعم الصناعة والزراعة كما فعلت الى حد هذا اليوم وإلى درجة كبيرة.
وكما هو غني عن البيان ، فأن التعرفة الجمركية هي احدى اشكال الدعم المطلوب لتعزيز مرغوبية العمل في القطاع الخاص.
(6) تضخم الجهاز الوظيفي الحكومي وشحة فرص العمل في القطاع الخا ص وتوفر موارد النفط: هل العراق بلد غني كما يقال؟– إن تضخم الجهاز الوظيفي للدولة والذي اشرنا إلى آخر تصريح رسمي حول ارقامه هذا العام هو، أيضاً وبشكل ملحوظ، انعكاس لعدم توفر فرص العمل في القطاع الخاص. وفي هذا الشأن اتفق مع الدكتور ماجد حول تأثير تضخم اعداد المشتغلين في الحكومة، وبشكل غير مباشر، في رفع الكلف الاجرية، الامر الذي يخفض من تنافسية القطاع الصناعي ويعزز توجهه نحو التقا نات كثيفة رأس المال إذا ما بقيت سياسة الدولة في نفس توجهها الخاطيء حالياً، والذي يسعى لإمتصاص ضغوط البطالة عبر التوسع السريع بأجهزة الدولة.
من زاوية اخرى، فإن تضخم التشغيل الحكومي هو، الى درجة معينة، انعكاس لوجود موارد بترولية ستنضب يوماً ما. ان القول الشائع بأن العراق بلد غني لأنه يمتلك موارد نفطية مهمة (حالياً) يغفل الاعتماد المتزايد لمعظم النشاط الاقتصادي الاكثر ديناميكية في تطوره العالمي على قدرات البشر في التطوير والابتكار والتسويق لهذه الابتكارات. إن شركة واحدة من شركات الولايات المتحدة كشركة آبل او شركة جنرال اليكتريك تبيع في العام الواحد ما يقارب الناتج المحلي الاجمالي للعراق الذي يفترضه البعض غنياً . ولا يخفى على احد بأن هذه الشركات تعتمد على تطوير المعارف والابتكارات وتسويقها، فمبيعات آبل ارتفعت من 65 مليار دولار عام 2010 الى 108 مليار دولار عام 2011 وكانت مبيعات شركة جنرال اليكتريك 147.3 مليار دولار عام 2011.
لقد حققت شركة سامسونج من كوريا الجنوبية،وهي بلد نامي، مبيعات من الالكترونيات بحوالي 148.6 مليار دولار في 2011[13].
بالمقابل، فقد خسر الاقتصاد العراقي الكثير من مهندسيه واطباءه وعلمائه البارزين في سنين الحروب والحظر والتضخم الجامح والبطالة. اننا إذن ما زلنا بلداً فقيراً رغم ما يعدنا به قطاع النفط وبرامجه من ازدهار مؤقت فثروة الامم اليوم هي علماءها والمبتكرين فيها وقد خسر العراق الجزء الاكثر إنتاجية وإبداعاً من هذه الثروة البشرية التي لن يعوضها البترول وموارده المرتقبة بين ليلة وضحاها ورغم الكثير من الكلمات غير المدروسة التي صارت تأتينا من بعض العاملين في السياسة كي يطمئنوا الناس بأننا بلد غني!!
(7) التركيز على تشجيع الصناعة وحمايتها ضروريان لنهوض الاقتصاد العراقي ولاستدامة نشاطاته– لقد اوضحت تجارب التنمية الصناعية السريعة في بعض الاقطار الآسيوية كتايوان وكوريا الجنوبية مثلاً،و التي لا تمتلك موارد طبيعية مهمة، أن التركيز على تشجيع الاستثمار في الصناعة التحويلية وحماية النشاط فيها منذ ستينيات القرن الفائت كانا عنصرين مهمين، مع التعليم والتدريب وتشجيع القطاع الخاص ، في إنطلاقة هذه البلدان الى رحاب العالم الاكثر تطوراً[14].
إذن، من الضروري الالتفات منذ الآن الى ضرورة دعم الصناعة الوطنية (وكذلك النشاط الانتاجي الزراعي). وستكون اعادة العمل بالتعرفة الجمركية من خلال تفعيل قانونها جزءً من هذا الدعم الذي ندعو لعدم إغفال اهميته الحالية.
وبالطبع، فهناك عناصر اخرى غير التعرفة في منظومة سياسات دعم وتشجيع التطور الصناعي. ومن هذه العناصر المطلوبة تعزيز الشفافية والنزاهة في التعاقدات الحكومية وإعطاء الاولوية – ضمن ضوابط سعرية واضحة وشفافة – في تجهيز المشاريع الحكومية وتعاقدات القطاع العام للصناعة الوطنية. كذلك، سينبغي قيام المحافظات و/ او وزارة الصناعة، وبشكل واسع، بإنشاء المدن الصناعية ببنى تحتية متطورة وبأسعار ميسًرة لخدماتها لتوفر للمستثمرين الماء والكهرباء وتجهيزات الطاقة الاخرى إضافة الى توفير وسائط الخزن والنقل والإتصالات. كذلك سينبغي إمتداد الدعم لاساليب تطوير النوعية والى حماية البيئة من آثار التلوث الصناعي، وعلى وجه الخصوص حماية عصب الحياة المتمثل بأنهار العراق ومسطحاته المائية. وسيتطلب الدعم ايضاً تدريب اليد العاملة على مختلف المهارات بغية تحسين انتاجيتها، وتطوير تقنيات الإدارة والمحاسبة وتشجيع التطور التقاني بإسناد الإنفاق على البحث والتطوير. ودون اي شك، سيكون من عناصر الدعم المهمة توفير القروض الميسًرة للقطاع الصناعي وتنميته بأسعار فائدة متهاودة ولفترات طويلة نسبياً، كما سينبغي صياغة قواعد واضحة لحماية المنتج الوطني على اساس يُعرٍف المحتوى المحلي للانتاج بنسب متزايدة من أقيام الانتاج داخل البلاد بغية تشجيع الاستثمار بالصناعات والفعاليات التي تعزز التشابك الصناعي.
وبالطبع، فلن يتحقق كل هذا ما لم تيسر إجراءات ترخيص الاستثمار بالحد من العراقيل المعروفة التي تعيق المستثمرين، بل تحبط مساعيهم في الكثير من الاحيان. ولقد اشار الدكتور ماجد في مقالته الى الكثير من هذه الامور التي لا نختلف في الكثير منها معه.
(8)حول حصيلة موارد التعرفة الجمركية المرتقبة – إن القول بأن التعرفة لن تحقق الا 700 مليون دولار للموازنة العامة بحاجة الى توثيق لأسس مثل هذا التقدير. وحتى لو كان هذا الرقم صحيحاً، ونحن نشك بصحة التقدير فيه، فإن 350 مليون دولار اضافية فوق الحصيلة الحالية لل 5% المفروضة شكلياً على المستوردات رقم لا بأس به لتشجيع القطاع الانتاجي وإن كان قليلاً.
المسألة التي ينبغي لها إثارة تساؤل الاقتصاديين هنا فيما عدا رقم ال 700 مليون دولار كحصيلة للتعرفة بعد تفعيل القانون هي:
لِمَ كانت ايرادات الموازنة العامة من الرسوم الجمركية من المنافذ الحدودية عام 2010 حوالي 421 مليار دينار (حوالي 350 مليون دولار) كما يخبرنا مقال الدكتور الصوري؟[15] وهل يشكل هذا الرقم من الجباية عن المستوردات في عام 2010 نسبة 5 % المفروضة كضريبة للإعمار في العراق؟ وإن لم يشكل نسبة 5 % المشار اليها، فهل الرقم قريب منها؟
كما اسلفنا القول، فإن أرقام المستوردات الى العراق بعد إلغاء قانون التعرفة الجمركية السابق من قبل بول بريمر قد تكون غير مكتملة بسبب عدم وجود تصاريح جمركية بعد ذلك الإلغاء، فالارقام التي نشرها البنك المركزي عن حجم الاستيراد في ميزان المدفوعات للعام 2010 هي ارقام اولية. وقد بلغ حجم الاستيراد الكلي (سيف) 43.9 مليار دولار وهو لا يختلف كثيراً عن إسقاط صندوق النقد الدولي والبالغ 45 مليار دولار لنفس العام المذكور.[16] وإذا كان هذا الرقم قريباً من الواقع وجبت الدولة نسبة 5% منه دون إعفاءات او بدون تأثيرات الفساد على حجم الجباية، فمن المفروض بلوغ قيمة ضريبة إعمار العراق الى الموازنة العامة عام 2010 ما يقدر بحاصل ضرب ال 43.9 مليار دولار بنسبة الضريبة اي 5 % . أي ينبغي توقع حصيلة جمركية قدرها 2.2 مليار دولار في العام 2010 بدلاً من ال 350 مليون دولار التي اشار اليها الدكتور ماجد. إن الفرق بين هذين الرقمين هائل قدره 1.85 مليار دولار مما يشير الى وجود إما إعفاءات ضخمة من ضريبة اعادة الاعمار او ضعف جمركي كبير في جبايتها على المنافذ الحدودية ، او كليهما معاً.
لذا، فقد قمنا ايضاً بتقدير الحصيلة الجمركية المفترضة لضريبة إعادة الإعمار على مستوردات القطاع الخاص لعام 2010 والتي اسقط صندوق النقد الدولي قيمتها في تقريره آنف الذكر برقم منخفض قدره 21 مليار دولار[17] مقارنة بالرقم الاولي للمستوردات (سيف)في ميزان المدفوعات والمقدر من قبل البنك المركزي ب 32.67 مليار دولار. هنا، إن لم يكن هناك ضعف او فساد في الجباية الجمركية من القطاع الخاص ولم تكن هناك إستثناءات، فسينبغي بلوغ الحصيلة الجمركية لضريبة إعادة الاعمار على كل مستوردات القطاع الخاص حاصل ضرب 21 مليار دولار ب 5%، أي 1.05 مليار دولار تقريباً حسب ارقام صندوق النقد الدولي المسقطة لعام 2010. وهذا الرقم هو ثلاثة اضعاف الحصيلة المجباة فعلاً حسب الرقم الذي جاء به الدكتور ماجد، وهو 350 مليون دولار. أما إذا استخدمنا الرقم الاولي للبنك المركزي، فسينبغي ان تبلغ حصيلة ضريبة اعادة الاعمار حاصل ضرب 32.67 مليار دينار ب 5%، اي 1.63 مليار دولار وهو 4.7 ضعفاً لل 350 مليون دولار المستحصلة من قبل الدولة في ميزانيتها العامة.
إن هذه الفوارق الكبيرة بين ما جبي في 2010 وما قد يكون مفروضاً جبايته بموجب ال 5 % على المستوردات تلقي الكثير من الشكوك على دقة “التقدير الرسمي” المشار اليه بتقرير الدكتور ماجد والذي ذكر بأن تفعيل قانون التعرفة الجمركية رقم 22 للعام 2010 سيحقق لموازنة الدولة مجرد 700 مليون دولار لا غير. وهنا نعتقد بأن تفعيل القانون في منتصف هذا العام، إن شُرِعَ بتنفيذه، سيحقق حصيلة لا بأس بها ومتزايدة من الايرادات الجمركية مع نمو المستوردات عبر الزمن ولا ينبغي لنا كإقتصاديين اهمال اهمية التعرفة حتى من زاويتها الجبائية.
إن الاهم من الجانب الجبائي الذي بينا مشاكل الارقام المتداولة حوله هو الاثر المتوقع أن يكون إيجابياً للحماية السعرية على المنتوج الوطني الصناعي والزراعي ، إذ ستعطي هذه الحماية للقطاع الخاص دفعاً وحافزاً اضافياً ضد المنافسة الاجنبية وستجعل هذين القطاعين اكثر جذباً للعمالة بدلاً من توجهها بشكل اكبر نحو العمل غير المنتج في اجهزة الدولة. وهنا لن تكون العمالة الاضافية التي ستدخل السوق نتيجة الحماية مهدورة حالها حال البطالة المقنًعة في اجهزة الدولة، بل سيكون لها، في الغالب، انتاج اضافي كما ستكتسب مهارات نتوقع ان تعزز انتاجيتها لتنخفض بذلك كلف الانتاج للوحدة الواحدة. كذلك، سيقود التوسع بالعمالة نتيجة الحماية السعرية الى تحسن في مستويات معيشة من يحصلون على اعمال صناعية او زراعية وفي قطاعات اخرى ذات وشائج قوية مع هذين القطاعين المحميين. ومن المتوقع حصول تحسن في مستويات الدخل لهذه الشريحة من المجتمع ،وهي عادة من الفئات الفقيرة في المجتمع.
إن احد اهم مواطن الهدر في الوقت الحاضر هو تفاقم النزعة الريعية في الاقتصاد والتي تسربت الى شتى ابعاد النشاط الاقتصادي والقيم المجتمعية من خلال التوظيف غير المنتج والمتضخم باجهزة الدولة، وبالتالي فإن حفز النشاط الاقتصادي الزراعي والصناعي من خلال الحماية الجمركية سيسهم بتعديل بعض الاختلال في سياسات التوظيف بالعراق وهو امر لا ينبغي اهماله.
—————————————————————————————————-(*) اشكر الدكتور بارق شبر ,والدكتور علي مرزا على ملاحظاتهما المفيدة على ورقة البحث هذه
شبكة الاقتصاديين العراقيين 24/5/2012
الهوامش والمراجع
1د. ماجد الصوري – قانون التعرفة الجمركية الجديد وحماية المنتج المحلي – نشر على موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين في 23/5/2012
[2] أشار الدكتور مدحت القريشي (ملاحظات حول قانون التعرفة الجمركية رقم 22 لسنة 2010) والمنشور في موقعنا الى فرض القانون المشار اليه رسوماً تراوحت بين الصفر وال 80% على مجموعة من السلع المستوردة ، حيث بلغت النسبة 5% على الرز والسكر و80% على المشروبات الكحولية والمياه المعدنية و15 % على السيارات.
[3] رغم عدم وجود ضرائب على الدخل في دولة الامارات، إلا أن بعض الضرائب غير المباشرة ليست قليلة، فضريبة مبيعات المشروبات الكحولية مرتفعة نسبياً. كذلك، تفرض امارة دبي ضريبة لبلديتها قدرها 5% على الايجارات العقارية تجبيها عبر فواتير هيئة دبي للماء والكهرباء. هناك ايضاً ضريبة قدرها 10 % للبلدية في دبي (بالاضافة الى رسوم خدمة قدرها 10% اخرى) تضاف على أقيام فواتير المطاعم والفنادق. بالمقابل، توجد رسوم جمركية بسيطة على السلع المستوردة التي تزيد اقيامها عن الحدود العليا لما يمكن إدخاله ضمن لوائح الإعفاء الجمركي. راجع
http://www.dubai-online.com/jobs/tax.htm
وتجدر الاشارة هنا الى ان انخفاض الضريبة على المستوردات مرتبط ايضاً بكون دبي مركزاً دولياً هاماً لاعادة التصدير الى الاقطار المجاورة وعدد من الاقطار الآسيوية الاخرى.
[4] خلال عملي سنوات طويلة مستشاراً دولياً للتخطيط التنموي في الامم المتحدة ، اشرفت على تنفيذ عدة مشاريع للتخطيط التنموي والحضري في امارتي ابو ظبي ودبي اضافة الى مشروع عن الرؤية الاستراتيجية لرأس الخيمة. وفي كل هذه الامارات، كان من الصعب الحصول على ارقام موثوق بها عن نسب اعداد المواطنين الى الوافدين بسبب الحساسيات السياسية التي تثيرها مثل هذه الارقام، ولكنه كان واضحاً بأن المواطنين لم يشكلوا الا نسبة ضئيلة في دبي، والى درجة اكبر قليلاً في ابو ظبي التي بقي المواطنون فيها اقلية ضئيلة هي الاخرى. كذلك، كان واضحاً بأن مشاريع الاعمار والتطوير التي مولت اغلبها صادرات البترول المتجه نحو النضوب (في حالة دبي كانت هناك قروض ضخمة ايضاً) تستنزف الموارد الطبيعية الاخرى ،وخصوصاً المياه الجوفية. كذلك،فإنه لمن الواضح بأن الكلف الباهضة لتحلية مياه البحر، والتي يعتمد عليها استهلاك غالبية السكان، الذين تضخمت اعدادهم عبر الهجرة دون مبرر اقتصادي معقول، مدعومة من قبل الدولة إذ يستخدم الغاز الطبيعي المتجه الى النضوب هو الآخر في تقانات التحلية ووحداتها الضخمة التي تقيم أود الحياة هناك.
[5] Fadhil A.Mahdi – Iraq 2023: Sustainable Development or a bloated oil economy? Published in Energy and Geopolitical Risk, January 2010 ,Vol. No. 1, pp15-19راجع مقالتنا
[6] يرجع طرح هذا المفهوم المهم للتنمية وسياساتها الى كينيث آرو في العام 1962 والذي كان استاذ الاقتصاد في جامعة ستانفورد و فاز في عام 1972 بجائزة نوبل في علم الاقتصاد. وقد استخدم هذا المفهوم لتطوير نظرية النمو الذاتي اقتصادياً من خلال الممارسة والتعلم والتطوير والابتكار. ومن المعلوم أن شركة تويوتا اليابانية تستخدم نظام (الكايزن) المستند الى التعلم والتطوير وخفض كلف الانتاج من خلال الممارسة .
[7] Kouichi Tani – Economic Planning and the Market Economy: Experience in Post-War Japan published in Miguel Urrutia and Setsuku Yukawa (editors) – Development Planning in Mixed Economies, The United Nations University,1988, pp 263-310
[8] لمن يريد مراجعة مدى التدخل الحكومي والحماية للصناعات الوطنية في عدة اقطار آسيوية نجحت بالتصنيع والتطور، نقترح الرجوع الى الكتاب القيٍم للبروفيسور روبرت ويد استاذ الاقتصاد السياسي في كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية
Robert Wade – Governing the Market: Economic Theory and the Role of Government in East Asian Industrialization. Princeton University Press, Princeton and Oxford. Paperback edition 1992.
9. في زيارة لدائرة الحسابات القومية في وزارة التخطيط خلال شهر آذار المنصرم ، كان احد الآراء هناك أن عدم وجود تصاريح جمركية بعد قرار بريمر بإلغاء التعرفة صار يؤثر على دقة المعلومات عن الاستيراد في جهاز الاحصاء وذلك منذ 2003. وبالتالي، فمن المحتمل أن الآثار السلبية لهذ القرار المبتسر قد تكون متعدية لقطاعي الصناعة والزراعة كي تشمل ايضاً دقة الارقام المتاحة عن الاقتصاد العراقي. ومن المحتمل ان يؤدي ضعف الارقام الى توهين قدرات راسمي السياسات الاقتصادية و المخططين في صياغة البرامج التصحيحية للمسار المختل لقطاع التجارة الخارجية .
[10] Ali A. Allawi – The Occupation of Iraq: Winning the War, Losing the Peace. Yale University Press, New Haven and London 2007, p.126
[11] نفس المصدر السابق ص 125
[12] كما ورد في وكالة انباء براثا – وزير التخطيط: هناك متنفذون في مفاصل الدولة يسعون لافشال مشروع الحكومة الالكترونية لمنع كشف الفساد. كما نزلت في 18 أيار 2012
[13] HTTP://WWW.KOREATIMES.CO.KR/WWW/NEWS/BIZ/2012/01/123_102562.HTML
[14] راجع كتاب البروفيسور ويد، المصدر المشار اليه
[15] ماجد الصوري – المقال آنف الذكر ص 1
[16] International Monetary Fund – Second Review under the Stand – by Arrangement, Request for Waiver of Applicability, Extension of the Arrangement, and Rephasing of Access, March 2011, Table 7, p.22
[17] نفس المصدر اعلاه
خبير اقتصادي عراقي عمل مع وزارة النفط ووزارة التخطيط وكمستشار اقتصادي مع برنامج الامم المتحدة للتنمية الاقتصادية
أتفق مع ما جاء في تعقيب الاستاذ فاروق يونس واشير الى الآتي : . 1. قبل سنة تقريبا كنت في لقاء ضمن برنامج بالعراقي الذي تقدمه فضائية الحره عراق وكان شركائي في اللقاء كل من الدكتور ميثم لعيبي من كلية الادارة والاقتصاد ونادره البلداوي عضو اللجنة المالية في مجلس النواب (سابقا) والسيد ( لا أتذكر اسمه صناعي عراقي ) وكان موضوع اللقاء قانون التعرفة الكمركية المشار اليه والذي كانت الحكومة قد اصدرت قرارا بتطبيقه .. 2. كان شركائي في اللقاء جميعهم متحمسون بشأن تطبيق القانون الا انا والذي حصل انهم عادوا ليقتنعوا بوجهة نظري ويسحبوا تأييدهم لتطبيق القانون .. في اليوم التالي صدر قرار من وزير المالية بتاجيل تطبيقه الى اجل غير مسمى .. 3. حجتي في رفض تطبيقه هي الآتي : 1. أنا مقر بشكل كامل بان السياسة الضريبية وجه من اوجه تنفيذ الرؤية الاقتصادية الاجتماعية وايضا مقر بأن فرض التعرفة الكمركية تشكل احدى أدوات حماية المنتج المحلي .. 2. ولكن أين هو المنتج المحلي لتحميه ..؟ 3. انت وأدت المنتج المحلي من خلال مضاعفة اسعار الوقود والكهرباء بنسبة 500./. ومن خلال الضرائب التي فرضها قانون بريمر على المواد الأولية ونصف المصنعة ومن خلال عدم وجود البنية التحتية للصناعة والزراعة .. ساو بين تكاليف وظروف الانتاج بين الداخل والخارج ومن ثم أطلب من المنتج المحلي منافسة المستورد وبخلاف ذلك فأن ضريبتك ستتحول على كاهل المواطن المستهلك بعدة أضعاف في ظروف عدم وجود التسعيرة .. أضرب لكم مثلا : منتجوا الطماطة المحليين يكلفهم صندوق الطماطة 10 آلاف دينار في حين ان سعر الصندوق طماطه مستورد هو 4 آلاف ..كيف تعالج الحكومة الأمر ..؟ تمنع استيراد الطماطة في وقت انتاجها محليا فيبيع المزارع صندوق الطماطة بـ 10 آلاف من هو الضحيه ..؟ المواطن من هو الجاني ..؟ الحكومة لأنها رفعت سعر بيع برميل الكاز من 10آلاف الى 150 ألف وتجهز بعض الفلاحين وليس كلهم المجازين ببرميل واحد شهريا في حين يحتاج الى 6 براميل يشتريها من السوق السوداء بسعر 230 ألف للبرميل وايضا الكهرباء في حين أنك منتج للنفط وتبيع للأردن بسعر مدعوم .. فاذن نمي المنتج وعندما يبلغ عندك حد يكفي وقادر على المنافسة السعرية أفرض ضرائب على المستورد وبشكل تدريجي سلعه سلعه وليس خمط ..فاذن هي دعوة للاساتذة الاقتصاديين ان لايسقطوا في مقالاتهم النظريات كما هي انما ياخذون بنظر الاعتبار رخاوة الأرض وصلابتها التي يراد البناء فوقها ..مع خالص تحياتي ..
من المحزن حقا ان احد كبار الاقتصاديين العراقيين وهو استاذنا الدكتور فاضل عباس مهدى ينسى بان معظم الموارد السلعية المعروضة فى السوق العراقية منذو تاسيس الدولة العراقية ولحدالساعة مصدرها الاستيراد من الخارج وان الانتاج المحلى من السلع ذات المنشا الصناعى لا يشكل شيئا مذكورا كما ان العراق يستورد كل ما يحتاجه من السكر والشاى والقهوة والحديد والخشب والزيوت الخام والزيوت المهدرجة والادوية والمستلزمات الطبية وجميع مدخلات تصفية النفط والمكائن وجميع السلع الوسيطة الداخلة فى الانتاج الزراعى والصناعى والعدد اليدوية ووسائط النقل والسلع المنزلية والسلع الكهربائية والالكترونية وجميع ادوات الطبخ والورق والقرطاسية وبكلمة اخرى كل ما نراه معروضا فى السوق الغراقية و ولو قطع استيراد الحنطة عن العراقيين من امريكا وكندا واستراليا لحصلت المجاعة فى بلدنا العزيز
اين هى مواردنا السلعية من الانتاج المحلى ؟ من الغذاء والكساء والمواد الاولية والمصنعة‘
ويكاد بقتلنى الدكتور فاضل بقوله (ان هيمنة تجارة الاستيراد على مقاليد النشاط الاقتصادى العراقى هى انعكاس للسياسة المالية للدولة والتى قبلت وزارات المالية فيها منذ 2003 بقرار الغاء التعريفة الجمركية ومن ثم تاجيل تطبيق قانون التعرفة الجمركية رقم 22 لسنة 2011
لا سيدى الفاضل ان هيمنة تجارة الاستيراد هى انعكاس للطلب الذى كان محبوسا وانطلق بعد قيام الحكومة بفتح باب التوظيف امام كل من هب ودب وحرمان الالوف الموئلفة من الخرجيين الجامعيين من الانخراط فى السلك الحكومى لعدم استعدادهم توقيع استمارة انتمائهم للاحزاب التى استلمت السلطة اوالتى وقفت الى جانبها هذا علاوة على توقف عجلة الانتاج المحلى كليا او جزئيا بسبب الحصار وعدم توفر النقد الاجنبى الازم لاستيراد مستلزمات الانتاج لعقد من الزمان
ماذا بعنى زيادة الضريبة الكمركية على وفق قانون التعريفة الكمركية الجديد؟ انه يعنى فقط استقطاع جزء من دخل المواطن واضافته الى دخل الحكومة
وبحساب بسيط يمكن للحكومة استقطاع هذا المبلغ مباشرة من الموظفين
وحسب جدول الرواتب وعدم تحميل الفقراء والعاطلين عن العمل باعباء الضريبة الكمركية التى تفرض على السلع المستورة ويقوم التاجرباضافتها الى كلفة السلعة المستوردة
لمزيد من التوضيح للقارى غير المعنى بامور التجارة سيتحمل المستهلك النهانى ما يلى
سعر السلعة + كلفة الشحن + كلفة التامين + مبلغ الضريبة + ربح التاجر المستورد + ربح تاجر الجملة وتاجر نصف الجملة + ربح تاجر المفرد = سعر البيع الى المستهلك النهائى
ماذا يعنى ذلك ؟ انه يعنى ببساطة بان زيادة الرسم الكمركى هو فى صالح التاجر لانه جزء من الكلفة فكلما زاد رقمها زاد رقم ربحه الاجمالى والعكس صحيح وخاصة فى ظل عدم وجود المنافسة الكاملة فى السوق العراقية
الضريبة الكمركية قد تساعد على حماية الصناعة الوطنية القائمة كما قد تشجع على الاستثمار فى الصناعة لا شك فى ذلك
على الدولة ان توفر المناخ الصحى الملائم لنمو الصناعة ودعم الصناعى والحرفى والمزارع والفلاح واصحاب الورش الصغيرة وذلك بالتعاون والتنسيق مع اليونيدو والفاو ومنظمة الصحة العالمية ومنظمات دولية اخرى مثل منظمة العمل الدولية