السياسة النقديةملف البنك المركزي العراقي
27/10/2012
قبل 2003 ومع ازدياد سياسات التمويل بالعجز والاصدار التضخمي وقيود الحصول على الدولار، قامت فجوة واسعة بين سعر الدينار الرسمي (0,333 دينار/دولار) وسعره السوقي (2500-3000 دينار/دولار).. اي انخفاض بالالاف بالمئة. وبما ان الدولة هي الداعمة للسعر.. فكل من يمتلك مدخلاً لهذا القرار يستطيع ان يحول ديناراً لا يعادل عُشر سنت الى دولار.
بات الحصول على الدولار (بعد 2003) او تحويله للخارج عملية مفتوحة، بضوابط مخففة من حيث المبدأ.. الا ما يتعلق بغسيل الاموال، وقواعد التسجيل، وكفاءة واهلية الجهات المتداولة، ومنع التلاعب بالاسواق.. مما سد الباب موضوعياً لتهريب العملة.. فلا حاجة لاخفاء العملة في علبة حلوى او اعطاء رشاوى لموظف الحدود. فقيمة الدينار/الدولار تحددها عمليات البيع والشراء في المزاد اليومي التي بلغت (209) مليار دولار (2003 – 31/8/2012).. والتي بجانب حرية التحويل والاحتياطي المتنامي ((67 مليار دولار شكلت عوامل اطمئنان لاستقرار وقوة الدينار.. الذي رغم تذبذبه مؤخراً حول 1200 دينار/دولار، لكنه كسب (20% واكثر) لمصلحته امام الدولار، مقارنة بسعره قبل (9) سنوات (1500 دينار/دولار)
لاشك ان متانة الدينار وتقلباته امام الدولار جعلت منه معادلا حقيقيا يتم بيعه وشرائه.. ولاشك ان هذا سيغري المصارف وتجار المال لاغراض الربح والتحويل.. وهو عمل مشروع يمارس في دول الصرف الحر بضوابط قد تكون ناقصة عندنا.. مع ذلك تبقى العوامل الاساسية لهروب رؤوس الاموال اقتصادية اساساً.. فهناك اقتصاديات جاذبة وامنة، واخرى جذباء ومتذبذبة، والعراق منها عدا كردستان. وقد حاول القانون رقم 13/2006 والخطابات الرسمية المتبناة تغيير الاتجاه.. لكن عقبات كثيرة –تتجاوز البنك المركزي- تقف في الطريق.. والاجراءات الاخيرة، ومثيلاتها، تساهم في تعميق الخلل بدل معالجته
قام البنك المركزي ومحافظه ومسؤوليه بعمل كبير يستحقون عليه الاحترام والتكريم، وسط ظروف معقدة وشائكة. دون ان يعفيه ذلك –وبقية المؤسسات- من اصلاحات واجراءات ادق لمحاربة الفساد وحفظ المال العام. وحسناً يفعل ديوان الرقابة بتسجيل ملاحظاته وتحفظاته. لتتخذ اجراءات يوفرها القانون والدستور لمعالجة الامور، وعدم التسرع بقرارات قبل اكتمال النقاشات والتمحيصات.. فقد تظهر الوقائع ان الخلاف مفاهيمي.. واخطاء ونواقص موضوعية.. وتخلف في عمليات التسجيل، وسوء ادارة في مؤسسات عديدة رسمية واهلية، وعدم اكتمال انظمة وطنية، لا يمكن تحميل البنك مسؤوليتها، وانما تتحملها منظومات متكاملة.
البنك المركزي.. السياسة النقدية ليست بديلاًللسياستين المالية والاقتصادية
في ظروف معقدة وصعبة استطاع البنك المركزي تحقيق انجازات ملموسة.. بالمساهمة باطفاء حوالي 90% من الديون العراقية.. وببناء احتياط مطمئن وعملة جديدة ارتفعت قيمتها (+20%) منذ انطلاقتها.. وعمل على توفير العملة الاجنبية.. واستطاع مع “المالية” تخفيض التضخم لرقم احاد. واشرف على بناء نظام مصرفي اهلي ما زال هشاً.. لكنه انطلق من العدم، ويتطور بفروعه وفعالياته وموجوداته.. رغم ذلك يوضع البنك ومحافظه الكفوء، وعدد من موظفيه في قفص الاتهام، مما يرتب عدة اسئلة.
1- هل نتفق اننا نناقش هرماً يقف بالمقلوب على رأسه.. فالمعلوم ان الاقتصاد اساسه السياسة الاقتصادية، وادواته الاولى مالية.. والاخيرة نقدية
2- هل يمكن في ظل نظام اقتصادي في ظروف الحرب والمديونية وقيود التحويل.. وتنقصه الخدمات والخبرات والقدرات والنظم اللازمة.. مع ضعف العادة المصرفية، واعتماده اقتصاد النقد (cash economy).. ولا تمثل الصناعة والزراعة اكثر من (6-7%) من الناتج الاجمالي.. وما زالت التشريعات والضوابط متداخلة ومرتبكة ومتقلبة.. وفي ظل سياسة مالية لم تستقم بعد.. وموازنات مرتبكة، بلا حسابات ختامية.. وضرائب ورسوم ونظم جباية ضعيفة وغائبة، تأجل بسببها تطبيق التعرفة الكمركية.. هل يمكن للسياسة النقدية ان تغطي نواقص كل هذا النظام؟ وتتحمل سلبياته ومظاهره بما فيها ما لا يقع في دائرة مسؤولياتها. بل هل يمكن في ظل هذه الظروف تحقيق انجازات البنك اعلاه؟ وهل قامت المؤسسات الاخرى باداءات افضل؟ ام لان من يعمل يكشف عن اخطائه.. بينما المتقاعس لا اخطاء له؟
لنكن جادين ومنصفين.. فلقد بلغ مجموع مبيعات المزاد (209) مليار دولار (2003-2012).. والمعلوم ان عمليات المزاد هي موضع الخلاف حول حقيقة الاستيرادات وتبييض الاموال.. بينما تشير الاحصاءات الدولية الموثقة ان استيرادات العراق من السلع بلغت (259.94) مليار دولار خلال الفترة من 2003 وحتى 2011 ، اي اكثر بكثير من مبالغ المزاد.. وذلك دون احتساب استيرادات 2012.. والاستيرادات غير المرصودة واللامنظورة.. او التحويلات غير السلعية.. ودون احتساب حصة المزاد في تشكيل الاحتياط والكتلة النقدية.. فهل يدخل هذا بعض الاطمئنان؟
نرجو ان يحاكم البنك، او يقوم، وفق الوقائع، لا ان تخرب مؤسسة ناجحة لاخطاء ونواقص وشبهات لابد ان تقع فيها.. ويكون كبش فداء لسياسات النظام الفاشلة.. الذي يلاحق الفلس ولا يرى خسارة الدينار او ربحه
البنكالمركزي.. مزاد العملة، تبييض الاموال وتهريبها
العدالة هي ان لا تعتقل وتدين البريء بالشبهة.. فالبنك المركزي متهم بتهريب الاموال وتبييضها من خلال مزاد العملة.. فلنتوقف عن طرح الشبهات.. ونطرح بعض الاسئلة.:
-
• هل نظام التحويل الخارجي مفتوح؟.. ام محدد بحجم خاص؟
-
• هل الدينار العراقي عملة قوية تدور حول العرض والطلب؟.. ام عملة ضعيفة لها سعران رسمي وتجاري؟
-
•هل الاستيراد مفتوح، لحد الان على الاقل؟ ام مقيد باستحصال اجازة الاستيراد؟
-
• هل يباع الدولار في المزاد عبر مؤسسات معترف بها؟ ام عبر افراد ومجهولين؟
-
• هل يباع الدولار في المزاد مقابل الدينار القوي المعادل؟ ام مقابل عملات ضعيفة، او بالدفع الاجل؟
-
• هل البنك المركزي مستقل مالياً وادارياً وينظم قانونه الساري عمله، ومسؤول امام مجلس النواب؟ ام انه تحت اشراف الحكومة ويرتبط باجراءاتها؟
-
• هل حجم الاقتصاد “الموازي” كبير وطاغ؟ ام ان الاقتصاد مقنن ومنظم بدرجة عالية؟
اذ كان الجواب هو الشق الاول من الاسئلة، وهو كذلك، فسيقف البنك اساساً خارج دوائر الشبهة الاساسية. نقول ذلك ونحن لا نؤيد كل اجراءات البنك وسياساته.. ونأخذ بالاعتبار ملاحظات ديوان الرقابة بان حوالات الاستيراد لا تنتهي باستيرادات موازية، وان العديد من الشركات مجرد “اشباح”. فهذه مهمة غير البنك، ليدققها ويتعامل معها ويعالجها.. اضافة ان “شرعية” او “قانونية” الشركات والاستيراد والتحويل هي اكثر تعقيداً من وثائق واوراق يعرف الجميع سهولة صناعتها، في كل الاحوال. ففي جميع دول العالم هناك -بنسب مختلفة- ما يسمى بالاقتصاد “الموازي” او “اللاقانوني”.. والذي يتم التعامل معه بهدوء ونفس طويل واغراءات، وليس بمجرد الاستفزاز والاعتقالات، الا ما يتعلق بجرائم واضحة الاسانيد، سواء تجري في الاقتصاد “المقنن” او “غير المقنن”.. فكما ان في الاول جرائم.. فليس كل الثاني تهريب وغسيل اموال وفساد ومخدرات.. فالكثير منه نقص تقنين وليس شرعية وجود.. سببه ضعف المؤسسات والتشريعات وعدم كفاءتها.. والخوف من عدم عدالة الدولة وطمعها واحتكاريتها. والاقتصاد “الموازي” نسبته 24-30% من الاقتصاد في ايطاليا واليونان واسبانيا.. و68-76% في نيجيريا ومصر.. و39-49% في تونس والمغرب.. و38-50% في ماليزيا وكوريا الجنوبية.. ولن يقل في العراق عن 75-80%.. وهو اقتصاد حقيقي، خارج التقنين والتسجيل، وعلى حافاته.. فهل يتحمل البنك المركزي وحده مسؤوليات ذلك كله؟
البنك المركزي.. الالتزامات الدولية وصندوقالنقد
لا يعتمد عمل البنك المركزي بمحددات وطنية فقط بل باخرى دولية ايضاً. فاذا كان البنك المركزي هو بنك البنوك وطنياً، فان صندوق النقد هو بنكها المركزي عالمياً.
كان العراق من الاطراف الـ 45 الاولى المؤسسة للصندوق (1945).. بعد الاسس الجديدة للنظام النقدي الدولي التي ارستها اتفاقات “بريتون وودز”.. فتحددت مهمة الصندوق الاساسية بمساعدة الدول لتثبيت اسعار صرفها، وتأمين السيولات الميسرة لدعم ميزان مدفوعاتها، وتجاوز الازمات المالية الطارئة، وتعزيز انظمتها المالية والنقدية والاقتصادية. عمل الصندوق كشريك اساس للعراق بعد 2003 للتعاون على اعادة بناء نظمه الاقتصادية، والعودة للمؤسسات الدولية والاقليمية. فصندوق النقد، شئنا ام ابينا، هو المؤسسة المخولة لمنح الدول شهادات “حسن السلوك” المالية. فارتبط العراق، بسلسلة التزامات اهمها اتفاقات تخفيض الديون “لنادي باريس” وتبعاتها، كما التزم مع الصندوق “باتفاق الاستعداد الائتماني” Stand by Arrangements”، وبموجبه التزم العراق القيام بالاصلاحات.. ليقابله الاخرون ومنهم الصندوق بالمثل.. والمتمثلة باشكال المنح والمساعدات الفنية وتبادل المعلومات ووضع البرامج وتقديم القروض القصيرة الاجل، لمساعدته في تحسين سيولته.. وكدليل للاهلية وحسن التعامل بينه وبين المؤسسات المالية الدولية. فحصل العراق على “قروض ما بعد الازمة”، كما حصل على قرض بقيمة (3.8 مليار دولار) من حقوق السحب الخاصة، استخدم العراق بالفعل جزءاً منها. فالاستقلالية الادارية والمالية للبنك التي حددها الدستور ليست اعتباطية، كما ان تحريم قانون البنك اقراض و”منح ائتمانات مباشرة او غير مباشرة للحكومة”، والتي قد تكون سبباً مباشراً لما يتعرض له البنك حالياً، هو ضمانة وحماية لموارد العراق النفطية واصوله في الخارج.. فهذه الاستقلالية هي التي تمنح الدينار قوته.. وتساعده في تحرير تحويلاته الخارجية.. وتمنع الدائنين من حجز اموال البنك المركزي واحتياطياته، في وقت تعرضت -وقد تتعرض- فيه اموال الدولة الاخرى للحجوزات، ومنها المؤسسات والشركات التابعة للحكومة، والمصارف الحكومية، بسبب السياسات المتهورة السابقة، وهو ما دمر بنى واقتصاديات البلاد وولد الازمات الكبرى.. ومنها انهيار العملة والمديونية والتعويضات وصعوبة التحويلات وتعقيداتها. نتمنى تمتع الجميع بالحكمة وبعد النظر والموضوعية والشجاعة للجوء للاجراءات النظامية والقضائية بعدالة وانصاف.. ولاحترام استقلالية البنك وتفهم ظروف عمله واحترام مكانة وسمعة مسؤوليه.. ولرؤية جميع التوازنات والالتزامات والشروط والظروف. فقوانين السوق عمياء ان لم تحترم.. والدول تتعامل بمصالحها لا بقلوبها.
بوركتم الاضحى.. ورأفةباضاحيه
نبارك لابناء شعبنا العظيم وامتنا الاسلامية وشعوب الارض كافة عيد الاضحى المبارك.. وان يعود الحجيج الى اوطانه بعد حج مبرور وسعي مشكور.. ينعمون بالصحة والعافية وباجر الحج وثوابه. فالحج فريضة ودرس للعالمين كافة.. بدءاً من حرمة البيت ودخوله من مواقيت وابواب محددة بعد استئذان ربه وصولاً الى تطهير ذمتنا قبل اجسادنا.. واعلان احرام قلوبنا وحواسنا وجوارحنا من الشرك والخيانة والكذب والنفاق والضميمة والحسد والغيرة.. وافعالنا من الشهوات واللذات في غير اوقاتها ومواضعها. ضيوف الرحمن يأتون اليه بلباس واحد.. بلا غطرسة ولا استعلاء.. رؤوسهم عارية ووجوههم مكشوفة.. فلا اقنعة.. ولا تيجان.. ولا تمايز.. فالكل سواسية امام الله.. غنيهم وفقيرهم.. عالمهم وعاملهم، فلاحهم وتاجرهم.. وكلهم متوسل خاضع ذليل يقول لبيك اللهم لبيك.. قويهم وضعيفهم، ناشطهم ومقعدهم.. شبابهم وشاباتهم، رجالهم ونساءهم، شيوخهم وكهولهم. قبلتهم كعبتهم.. نحوها وحولها يتوحد الناس.. فلا فرق بين شرق وغرب وشمال وجنوب.. يعاهدون الله على صراط واحد، اسودهم وابيضهم، عربيهم واعجميهم.. شيعيهم وسنيهم.. “فلا رفث ولا فسوق ولا جدال”، بل سلام ووحدة ومحبة واخوة وتشاور و “خير الزاد التقوى”.. ينتظمون في موكب الهي هادر يسعى ويرتوي ويقف ويطوف حول البيت في ايام معدودات دورة الارض والافلاك الدهرية -وما تحمل- كدحاً الى ربها كدحاً.. وكأن ربنا يقول لنا انكم في بيتي تتوحدون على صخرة سوداء صماء وفي ارض جرداء.. وانتم في بيوتكم غير قادرين على التوحد والتعاون والتفاهم والعيش المشترك، رغم كل ما اعطيتكم من بترول وثروات وعلوم وامكانات ونِعم. في بيت الله الحرام يمنع ازالة الشعر وتقليم الاظافر، ويحرم البعض قتل القملة والبرغوث ، بينما لا يتوانى بعضهم وبعضنا في بيوت الناس من قتل اخوانهم وشعوبهم وقطع رؤوسهم وسط نداءات “الله اكبر”.. في بيت الله الحرام نرمي الشر وكل ما يرمز اليه الشيطان بجمرات او حجرات لا يتجاوز حجمها حبة الحمص، بينما نهجم بيوت بعضنا على رؤوس الاطفال والنساء والابرياء بدون وجه حق، ونرمي شعوبنا بالقنابل والمتفجرات والسيارات المفخخة وكواتم الصوت.. في البيت الحرام نضحي بالاضاحي وكأننا نضحي بانفسنا طاعة وقربة وخشية وخشوعاً.. وفي بيوتنا نذبح الف اسماعيل وابراهيم ومحمد وعيسى وموسى وعلي وعمر، ونقول هل من مزيد!
*) اقتصادي و نائب رئيس الجمهورية السابق
عن جريدة المواطن البغدادية 25/10/2012
الاراء المطروحة في جميع الدراسات والابحاث والمقالات المنشورة على موقع الشبكة لاتعكس بالضرورة وجهة نظر هيئة تحرير الموقع ولا تتحمل شبكة الاقتصاديين العراقيين المسؤولية العلمية والقانونية عن محتواها وانما المؤلف حصريا. لاينشر اي تعليق يتضمن اساءة شخصية الى المؤلف او عبارات الكراهية الى مكون اجتماعي وطائفة دينية أو الى اي شخصية أو مؤسسة رسمية او دينية