التخطيط للتنمية

د. فاضل عباس مهدي: ملاحظات حول الفصل الاول من مسودة خطة التنمية الوطنية 2013 – 2017

تنزيل الملف بصيغة بي دي أف

ملاحظاتنا هنا هي استجابة لطلب الحكومة العراقية من شبكة الاقتصاديين العراقيين اعداد ملاحظات حول مسودة خطة التنمية الوطنية 2013 – 2017. ولقد اوضحت  في استجابتي الشخصية ان فترة ثلاثة ايام غير كافية تماما لقراءة متأنية لخطة يزيد حجمها عن 200 صفحة وتقييمها . لذا، تركز ملاحظاتنا  المدرجة ادناه  على مراجعة الفصل الاستهلالي الاول لمسودة الخطة المؤرخ صدورها كانون الثاني 2013 والتي سنشير اليها بكلمة (المسودة) فيما نكتبه لاحقاً .

لم تتطرق ملاحظاتنا الى كل الابواب والبنود التي جاءت في الفصل الاول وخصوصاً السياستين المالية والنقدية والتي لا خلاف اساسي لنا فيها مع التحليل الذي اتى به الفصل.

 يبدو بشكل عام – وهذا الرأي قابل للمراجعة على ضوء القراءة لكامل المسودة – ان الخطة الوطنية 2013-2017 لم تتطرق الى موضوع اساسي الا وهو تسمية المشاريع العامة التي ستنفذ وهذه الفجوة ستكون اساسية في نظرنا عند متابعة برامج الخطة في السنوات اللاحقة إذ لن يكون ممكناً معرفة وتصويب درجات الانحراف عن المخطط على مستوى المشروع وبالتالي فإن ارتفاع الكلف هناك وتأخر المشاريع زمنياً لن يكونا قابلين للرصد والمحاسبة والتقويم.

  ولا بد لي باديء ذي بدأ من تثمين الجهود الكبيرة التي قام بها الكادر الفني الذي اعد هذا الفصل وملاحظاتنا هنا تتوجه لتعزيز جهوده ولتحقيق المزيد من الاتساق في نصوص هذا الفصل وذلك اذا ما اختارت الحكومة إجراء مراجعة اضافية للنص قبل نشره واعتماده رسمياً. 

 

الفصل الاول المعنون : “التنمية في العراق: المسار والآفاق 

بما ان الفصل الاول في الكثير من الخطط التنموية يتوجه لمسح الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية في سنة الاساس السابقة للخطة او حواليها ،وذلك حسب توفر البيانات والمعطيات التحليلية، فقد كان الجهد المبذول في المسودة متوجها لحصر الواقع القائم مكانيا وقطاعيا وبابعاد اجتماعية واقتصادية وبيئية. وهذا المنحى الكلاسيكي في التقييم والمراجعة يقترب من تصنيفات الامم المتحدة للقطاعات الاقتصادية والاجتماعية الا انه ، ومن الناحية الاخرى، قد لا ينسجم في بعض مناحيه مع التصنيفات التنفيذية في ادارة برامج الدولة والذي يتم عبر الوزارات الفدرالية وباقليم كردستان كما في المحافظات والتي تتوجه حاليا ً لإستلام دور اكبر من السابق في تحقيق البرامج التنموية رغم مصاعب البناء المؤسسي والفني لكوادرها هناك.

بإعتقادي ان التوجه التقييمي لاداء الخطة 2010 – 2014 في سنتيها الاولى وإن كان مفيداً بالصيغة الكلاسيكية المعطاة، إلا انه لم يكن موفقاً بما فيه الكفاية في ابراز مشاكل وقضايا جوهرية تخص اوضاع التنمية  خلال العامين 2011 و2012، ومن اهمها:

  1. 1.     الطبيعة الريعية المتفاقمة في التشغيل الحكومي والانفاق العام

 

ان توسع جهاز الدولة والتشغيل المتوسع بسرعة فيه هو احد اهم العناصر الطاغية على طبيعة الاقتصاد ومحركاته المحورية المعتمدة على تصدير النفط الخام وانفاق الكثير من ايراداته عبر موازنات الدولة التشغيلية والاستثمارية والمرتبطة ايضاً بموازنات الاقليم والمحافظات. وهنا نود الاشارة الى ان الفصل الاول من مسودة خطة التنمية الوطنية 2013 – 2017 لم يفلح بابراز اهمية هذه الظاهرة الريعية الاساسية والتي ادت الى الكثير من الهدر في المال العام المنفق والذي ارتبط ايضا بهدر الموارد البشرية والتي انخفضت انتاجيتها وتدهورت كفاءتها ونوعيتها نتيجة تفشي ظاهرة البطالة المقنًعة في الجهاز الحكومي المتنامي دون ضوابط معقولة. وفي راينا المتواضع فان تفاقم ظاهرة البطالة المقنًعة باجهزة الدولة سيعيق تحقق التحولات الهيكلية المطلوبة لنهوض الاقتصاد والمجتمع العراقيين  بسبب التأثيرات الجاذبة للعمل في الدولة والتي تأخذ طابع الامتيازات بضمان التوظيف (التثبيت خلال فترة وجيزة) والرواتب الجيدة بعد 2003 وكذلك حقوق الضمان الصحي والتقاعد والقروض الميسرة لبناء المساكن وقطع الاراضي التي يحصل عليها موظفوا الدولة. وتقارن هذه الامتيازات الجاذبة بما قد يحصل عليه اولئك العاملين او المضطرين للعمل كأجراء مهدًدِين بالتسريح والبطالة في القطاع الخاص وبدون الامتيازات المشار اليها اعلاه . ولقد ادى مثل هذا النظام الذي كرًس حقوق امتيازية للعمل لصالح العاملين في الدولة من جهة ،وتوسع ايرادات الحكومة من النفط بشكل كبير وذلك من الجهة الاخرى، الى تدفق اليد العاملة الشابة وغيرها للعمل الحكومي الاكثر ضماناً مما شكل ضغطاً رافعاً على الاجور في القطاع الخاص وأسهَم – مع عوامل كثيرة اخرى- بخفض تنافسية هذا الاخير مع المستوردات .

بالتالي، نرى أنه كان ضرورياً للفصل الاستهلالي لمسودة خطة التنمية الوطنية الا يغفل هذه المسألة الهامة كي يعطيها ما تستحقه من اهمية نسبية في النص بغية توجيه الانظار لضرورة التوجه  نحو تعديل المسار الريعي للاقتصاد والمجتمع العراقيين وبإتجاه مسارات اخرى بديلة تعطي اهمية اكبر للسياسات الداعمة لتنمية القطاع الخاص واستثماراته والتشغيل فيه وبالاخص في قطاع السكن والمواد الانشائية كثيف العمل وايضاً في الصناعة التحويلية والزراعة والسياحة وقطاعات التنمية البشرية علماً بان نسبة غير قليلة من الموارد المالية لا بد وان تبقى بالضرورة مكرًسة للكهرباء والنفط والغاز الطبيعي وهي قطاعات تتسم بكثافة عالية لرأس المال .

2. الدمج غير المحبًذ لقطاع الصناعة والكهرباء لقد ادمج الفصل الاول عرض قطاع الصناعة والطاقة (اي الكهرباء والنفط والصناعة التحويلية) فكادت المشاكل التي عانت منها الصناعة التحويلية، والتي اصابتها بالضمور النسبي إن لم يكن المطلق، تتلاشى في اهميتها المعروضة لقرائه امام قضايا الساعة المتمثلة بشحة تجهيزات الكهرباء وضرورات تطوير قطاع   النفط  والغاز تطويراً امثل يتناسب والحاجة الوطنية للتمويل ولا يقود الى انخفاض في متوسط سعر النفط ولا الى النضوب السريع لمكامنه.

 انني ادعو هنا الى إبراز  قضايا التنمية والضمور الملاحظ (نسبياً على الاقل) للقطاع الفرعي للصناعة التحويلية.  وسيتطلب ذلك استعراضاً وجيزاً   لمثبطات ومحفزات الاستثمار والتشغيل والانتاج في الصناعات التحويلية ومنها تدمير البنى التحتية، وأهمها الكهرباء، علاوة على اختناقات الطرق والموانيء والجسور  وضعف تطوير المناطق الصناعية الحديثة والمؤهلة ببنى تحتية مناسبة   ناهيك عن تراكم مديونية صناعات القطاع الحكومي وخسائره وتقادم آلاته وتقنيات الانتاج فيه وهجرة الكفاءات الماهرة او تفضيلها العمل المضمون في الدولة. وفي ظل تزايد الكلف الاجرية نتيجة البطالة المقنًعة المفروضة على الشركات، ناهيك عن ازدياد كلف العمل الاستثماري، وبعد قرارات عدم تفعيل قانون التعرفة الجمركية لعام 2010 والذي اقترن ايضا بضعف دور المصرف الصناعي وبتردد الصناعيين السابقين في العودة للاستثمار، فقد تكرس اثر انفلات عقال المنافسة الاجنبية وفتح ابواب الاستيراد على مصراعيها على الطلب المحلي. وعبر هذه الآلية تدهور الطلب على الكثير من منتجات الصناعات العراقية الضعيفة اصلاً في الوقت الذي ادت فيه السياسة المالية التوسعية بالانفاق وبالتوظيف التشغيلي بالدولة الى زيادة ملحوظة في توقعات العاملين بالقطاع الخاص للتعويضات الاجرية  للسبب المشار اليه في الفقرة (1) اعلاه ، الامر الذي لم يعد منسجماً مع متطلبات التنافس مع المستوردات بسبب ضعف تطور الانتاجية الصناعية .

 و في ضوء اهمية الصناعة التحويلية اللاحقة لتوليد “اقطاب مكانية للنمو الاقتصادي” التي تتحدث عنها مسودة الخطة 2013-2017، وبغية تحقيق درجة افضل من التكافؤ في نمو المحافظات والاقاليم، نوصي بإفراد باب منفصل في الفصل الأول للصناعة التحويلية بغية تشخيص معوقات النمو الصناعي التحويلي ولإستنباط الحلول والسياسات اللازمة لتنشيط هذا القطاع الذي أُهملت تنميته.

 3. عدم وضوح سنة الأساس المعتمدة في الفصل الاول –  لم يكن واضحاً في الفصل الاول وارقامه ما هي سنة الاساس المستعملة في كل البيانات المعطاة بالاسعار الثابتة وفيما إذا كان هناك توحيد لسنة الاساس المستخدمة في الجداول المختلفة الخاصة بالناتج المحلي الاجمالي وتكوين رأس المال. لهذا، فإننا نقترح توضيح هذا الامر لجميع البيانات المعطاة تلافياً لأي التباس. وتجدر الاشارة هنا الى أن الجدول (1-1) في الصفحة (2)  إستخدم   1988 كسنة اساس  عند عرضه لأرقام الناتج المحلي الاجمالي بالاسعار الثابتة للسنوات 2009-2011.  إن وجود فاصلة زمنية طويلة بين ارقام سنة الاساس المستخدمة لعرض الارقام (وهي 1988 في هذا الجدول) وبداية الخطة (وهي هنا 2013) غير محبًذ ففجوة ربع قرن  هنا لا تعطي للقراء فكرة مفيدة عن حركة الارقام ومعانيها الاقتصادية.

من ناحية اخرى، يلاحظ استخدام الجدول (1-2) تعبير الاسعار الثابتة دون تحديد لسنة الاساس وهذا إرباك آخر للقراء والمحللين.

4. ما هو المؤشر الكمي الوطني لمعدل الاستثمار والطاقة الاستيعابية؟  – لم يوفرالفصل الاول لقرائه اي معيار نسبي للجهد الاستثماري المبذول في السنوات السابقة مثا له معدل تكوين راس المال الثابت الى الناتج المحلي الاجمالي (مع وبدون النفط) وحسب القطاعات والمحافظات (إن امكن الحصول على بيانات) . وباعتقادي ان هذا المؤشر ضروري تحليليا لمعرفة البعض من اهم عناصر النمو (او التراجع) الاقتصادي كما انه مهم لتحديد “الطاقة الاستيعابية للاقتصاد” للتوسع المستقبلي بحجم الاستثمار وعبر نسبته الى الناتج المحلي الاجمالي.

ومن الجدير بالذكر ايضاً عدم اعطاء الفصل الاول اية ارقام عن اجمالي تكوين رأس المال الثابت للعامين 2011 و2012 الامر الذي ترك فجوة احصائية مهمة لمن قاموا بإعداد مسودة الخطة. بالتالي توصي بضرورة تعزيز قدرات الاجهزة الاحصائية المختلفة لتوفير مثل هذه البيانات المهمة لإعداد وتقييم الخطط وبالسرعة المواتية والتي قد تستلزم الاستعانة بالخبرات الحديثة في مراكز الاحصاء الاوربية وغيرها (اليوروستات مثلاً) لإدخال البرمجيات المتخصصة بحسابات الدخل القومي وتكوين رأس المال –إن لم تُدخل لحد اليوم ؟

5. إغفال ظاهرة بيع عقود المقاولات الحكومية وعلاقتها بتخلف الاداء الاستثماري الحقيقي في ضوء ما جاء في البند (4) اعلاه، نر ان الفصل الاول لم يتطرق بما فيه الكفاية لظاهرة بيع عقود المقاولات الحكومية والتي قد تكون احد المسببات المعروفة لتلكؤ التنفيذ وارتفاع كلفه وانخفاض مواصفاته النوعية ،دون مبرر،  في السنوات السابقة  ناهيك عن تأثيراتها في امتصاص الموارد التنموية عبر الفساد المحتمل عند إرساء العقود الحكومية على مقاولين ضعفاء في قدراتهم المالية والفنية وغير قادرين على تنفيذها.

لقد كان مطلوباً من الفصل الاول تشخيص اهمية وحجم هذه الظاهرة للفت النظر الى تأثيراتها وكلفها الاقتصادية التي نعتقد انها كانت باهضة نتيجة حصول المقاولين الاوائل على “كعكة الارباح” بعد بذلهم للنزر اليسير من العمل المنتِج. وقد يسهم ابراز اهميتها في السابق والإجراءات التي قامت بها اجهزة الدولة لتجاوزها لاحقاً بإيجاد حلول مواتية لتخفيف آثارها السلبية على انجاز الاهداف الكمية والنوعية عند تنفيذ المشاريع الحكومية ليتعزز اداء الخطط الاقتصادية المستقبلية.

7. استثمارات اقليم كردستان.  – اقر الفصل الاول من المسودة (ص 6)  “بعدم توفر بيانات عن الاستثمار في اقليم كردستان”    وليس واضحاً فيما اذا كان عدم توفر البيانات هذه يخص القطاع الخاص هناك فقط ام القطاعين الخاص والحكومي معا ؟ لذا نوصي بقيام المسودة بالتوضيح المطلوب . وكما هو متداول ومعروف ، فأن القطاع الخاص في الاقليم نشيط نسبياً بسبب الاستقرار الامني هناك الامر الذي تقره المسودة عند حديثها عن ان غياب الارقام الوافية بهذا الصدد ادى الى خفض ارقام الاستثمار للقطاع الخاص في مجمل العراق.

8. توسع كبير في أعداد الطلبة ومؤشرات التعليم  الأخرى

أولاً، في (ص 17) وللسنوات 2008/2009 وحتى 2010/2011،  اقرًت المسودة عند تطرقها الى انجازات الخطة بأن “نسب الالتحاق في معاهد اعداد المعلمين (لم تحقق) اي تقدم وظلت ثابتة بنسبة 1 %” وهذا المؤشر خطير ومهم بالنسبة لمستقبل التنمية البشرية للعراق وكان حرياً بالفصل الاول توضيح مسبباته لتفسير اسباب هذا العزوف المقلق والخطير – إن إستمر –  والذي سيؤثر على نوعية التعليم خصوصاً وان المسودة كانت قد اقرت في فصلها الاول بأن التعليم يعتمد حاليا على مناهج تقوم على “التلقين والاستماع”  مما يشير الى ضعف المشاركة الصفية والى نوعية متردية من البرامج التعليمية لها علاقة ، دون شك، بطرق إعداد المعلمين وبأساليب تدريبهم البيداغوجي.

ثانياً، في ظل ما هو معروف عن وجود عدد كبير من المدارس الطينية والابنية المتهرئة والدوام الثنائي والثلاثي، كنا سنتوقع ان يبادر الفصل الاول لتحديد اعدادها ومشاكلها في سنة الاساس بغية توجيه الانظار نحو ضرورات الاستثمار الناجز هناك خلال الخطة .

ثالثاً، لم تتم الاشارة الى نوعية التعليم وعدد ساعات تعليم العلوم واللغات والرياضيات في سنة الاساس كما لم يتم التطرق الى عدد العطل الرسمية الاستثنائي في العراق واثره في تردي نوعية مخرجات العملية التعليمية.

رابعا، شكت ديباجة الخطة في (ص 6) من عدم مرونة وعزوف القطاع الخاص عن الاستثمار في غير المجالات التقليدية لتنويع انشطته ولكن الارقام المعطاة في (ص 17) تدل على حصول ارتفاع ملحوظ وسريع في اعداد الطلبة المسجلين في المدارس الاهلية من 4999 والى 63070  (اي ب 12.6 مرة) خلال عام دراسي واحد 2009/2010 – 2010/2011. لذا تستدعي هذه المعطيات الرقمية اعادة النظر بالنص الوارد في (ص 6 ) من المسودة إذ يبدو أن القطاع الخاص بدأ بالتحول نحو الاستثمار في قطاع التعليم بعد ان تلكأ الاستثمار في الكثير من القطاعات التقليدية الاخرى.

9. الصحة: خدمات غير مكتملة بحاجة الى  تعزيز  

اولاً، اشار الفصل الاول الى تحسن كبير في توقع الحياة عند الولادة من 58.2 سنة في 2006 والى 69 سنة عام 2012 والى انخفاض محدود في عدد وفيات الاطفال دون سن الخامسة من 41 وفاة لكل الف مولود حي عام 2006 والى 38 عام 2011 وكذلك الى انخفاض معدل وفيات الاطفال الرضع من 35 /الف مولود في 2006 والى 33 في 2011. وتتعارض هذه الارقام مع ما جاء في مصفوفة غايات الالفية للتنمية (والتي سنطلق عليها من الآن فصاعداً تعبير (المصفوفة) فالارقام  المعطاة في (المسودة ص 20) ، وعلى التوالي، كانت 37.2 و31.9 لذا فقد اقتضى التنويه بغية تحقيق الاتساق المطلوب في المعطيات الرقمية بين ارقام المصفوفة وارقام النص المكتوب.

ثانياً، لم يعط هذا الباب معطيات رقمية كافية عن المنشئات الصحية التي انشأت فكم مستشفى عام وخاص تم بنائهما في 2011 و2012 مثلاً لا على سبيل الحصر؟

ثالثاً، نعتقد انه كان حرياً بالفصل الاول التعرض الى بعض المشاكل الجدية التي تعيق تطور القطاع الصحي ، ولو باقتضاب، كميْل الاطباء الشباب الى الهجرة وعلاقة  الهجرة بالرواتب وبالتهديدات الامنية التي يتعرضون اليها .

10. نسب الانفاق المالي وكفاءة التنفيذ والمتابعة – لاحظنا ان الفصل الاول يتكلم عن نسبة الانفاق المالي من المخصصات الاستثمارية كمرادف لكفاءة التنفيذ الفعلي لمشاريع الدولة. إن هذا المعيار المالي الصِرْف للتنفيذ مضلٍل فكثيراً ما تزداد نسب الإنفاق المالي دون تحقيق نتائج استثمارية مادية متناسبة معه فتكون نسبة الإنفاق هنا مؤشرا على الهدر وازدياد الكلف واحياناُ الفساد. وفي هذا الشأن، لا مناص من بناء وتعزيز نظم المتابعة والتقييم على مستوى وزارة التخطيط الاتحادية ووزارة تخطيط الاقليم والمحافظات لرصد التقدم والفشل وارتفاع الكلف لكل مشروع  استثماري حكومي – إن لم تكن موجودة او ضعيفة في البعض منها –  على ان تستند الى قواعد معلومات الكترونية للمشاريع الاستثمارية  قيد التنفيذ  وأن تستخدم مؤشرات مادية ومالية معاً لقياس نسب التنفيذ الحقيقي  لا المالي فحسب. <وقدر علمي تستخدم اجهزة التخطيط في ماليزيا قاعدة معلومات متطورة لمتابعة تنفيذ المشاريع وتقييمها وقد يكون مفيداً التعرف على تجربتهم هذه مستقبلاً قبل نقل التقنية المرجوة الى العراق>.

الاهم في رأيي متابعة ما تحققه اجهزة الدولة المختلفة من استثمارات مادية ملموسة على ارض الواقع وليس كم تنفق هذه الاجهزة مما خصص لها من موارد مالية. ولا شك فإن ذلك الاعتماد على المؤشر المالي للتنفيذ سيقود الى أخطاء جدية ومكلفة عند تقييم الاداء وكفائته وفي تنفيذ الخطط والمشاريع.

وفي هذا الشأن لا بد من التوجه ايضاً الى  متابعة “الابعاد المادية للتنفيذ” وربطها بالانفاق  المالي عند تقييم الاداء التنفيذي للخطة وبرامجها الفرعية. على سبيل المثال لا الحصر، يرجًح  للمسودة في فصلها الاول ان تكون قادرة على إخبار المواطنين والمسؤولين كم مدرسة بنيت فعلا وبأية كلفة للمدرسة الواحدة بالمقارنة مع ما ارصد لها والابتعاد عن استخدام معيار نسبة الانفاق المالي  على تشييد المدارس لقياس الاداء. كذلك، سينبغي التوجه لرصد وتقييم نوعية الابنية والمعدات والبرامج التعليمية مقارنة بالمواصفات المحددة وبالاكلاف المرصدة، وهكذا دواليك لكل الجهات التنفيذية العامة في القطاعات والاقليم  والمحافظات . 

.11 تخصيصات هزيلة لبرامج مكافحة الفقر 

تحت عنوان “استراتيجية مكافحة الفقر : برامج جادة لتحقيق العدالة الاجتماعية”، اوضح الفصل الاول ان هدف هذه الاستراتيجية التي تم تبنيها في 2009 هو تخفيف نسبة الفقر من 23 % والى 16 % بين 2010 -2014( المسودة ص 19) . وقد بينت المسودة تخصيص 500 مليار دينار عام 2012 من الموازنة الاستثمارية لذلك العام لتوسيع نسبة التغطية  حيث تم توزيع المبلغ على المشاريع ذات الاولوية ضمن استراتيجية الفقر والتي تمحورت حول:

  1. 1.     مشروع دعم القروض الصغيرة للفقراء

  2. 2.     بناء مجمعات سكنية واطئة الكلفة

  3. 3.     القضاء على المدارس الطينية

  4. 4.     تعزيز خدمات الرعاية الصحية الاولية

ما لم تذكره المسودة هناك ان توزيع 500 مليار دينار اضافية سيسهم بشكل محدود في تمويل مشاريع تنفع الفقراء إن وجٍهت بكفاءة ونزاهة لبعض المستحقين، إلا أن هذا المبلغ الاضافي لن يكسر الحلقة المفرغة للتخلف والفقر في البلاد. وفي هذا الشأن، لو افترضنا ان نسبة الفقراء بقيت ثابتة بحدود 23 % من مجموع السكان البالغ 34 مليون نسمة تقريباً في سنة الاساس (2012)، فإن ال 500 مليار ستوفر قرابة 15 سنت امريكي فقط في اليوم لكل فقير عراقي. اما اذا افترضنا نسبة للفقراء بحدود 11.5 % والواردة في “المصفوفة”  (المسودة ص 20)، فنحن نتكلم عن متوسط قدره 30 سنت امريكي اضافي للفقير العراقي الواحد باليوم  في 2012 لمكافحة الفقر.

هذه ، إذن, ارقام هزيلة لن تكفي لوحدها في انتشال الكثيرين من براثن الحلقة المفرغة للتخلف والفقر وكان ضرورياً للفصل الاول ان يشير الى محدودية اثر الدعم الاضافي  للدولة لبرامج مكافحة الفقر من اجل الضغط لتعديل الاولويات باتجاه تحقيق مجتمع اكثر إنصافاً واقل تبايناً.

 12  عدم وجود مؤشرات كمية كافية عن تنفيذ المدارس والمستشفيات والمستوصفات والمراكز الصحية  في الفصل الاول

 

 13. قطاعات وقطاعات فرعية لم تدرج في التقييم– 

اولاً، يلاحظ ان التقييم الوارد في الفصل الاول  لم يتطرق الى القطاع الاساسي في الاقتصاد العراقي، ونعني بذلك الامن والدفاع والذي تركزت فيه الكثير من موارد الانفاق الحكومي كما امتص نسبة كبيرة من الموارد البشرية التي حصلت على فرص العمل المتوسعة هناك.

ِثانيا ً،  بقيت اهم منجزات قطاع الاتصالات في السنوات الماضية  متمحورة حول ما قام به القطاع الخاص في توسيع شبكة الهاتف الخلوي  والذي تشير اليه بالارقام “المصفوفة” (المسودة ، ص 20) وهي التي اعدها الدكتور مهدي العلاق مشكورا. وتشير تلك المصفوفة ذات المعلومات التفصيلية القيٍمة على مستوى البلاد وكل المحافظات الى هيمنة الخليوي على الهاتف الثابت لدى مجمل الاسر العراقية  فالمعدل الوطني العام لحائزي الخليوي 94.1 حائز من كل مائة شخص حالياً مقابل 5.1 من حائزي الهاتف الثابت لكل مائة شخص.

وهنا لم يتطرق النص المتعلق بقطاع الاتصالات الى واقع هيمنة القطاع الخاص على النشاط الخدمي ضمن ذلك القطاع والمتمثل بالخليوي وتوسعه (راجع المسودة ص 15) الامر الذي يشير الى ضعف في التنسيق المعلوماتي ضمن الفصل الاول بين ما ورد من معلومات من الوزارات القطاعية وما وفره الجهاز المركزي للاحصاء من بيانات في “المصفوفة”.

ثالثاً ً، لم تذكر برامج العلوم والتكنولوجيا ولا برامج ونشاطات الاعلام المرئي والمسموع ولا برامج الثقافة في الفصل الاول

رابعاً، في باب التنمية الاجتماعية (ص 19)، نلاحظ عدم وجود عنوان فرعي مفرد للارامل والايتام رغم القول بأن ” شبكة الحماية الاجتماعية حققت تغطية عالية جداً بشمول الفئات الهشة من ( معوقين وارامل ومسنين  وارامل)”

وفي العراق الذي نكبته سلاسل الحروب والعنف، هناك دون شك اعداد كبيرة من الارامل والمعوقين والاطفال مما يبرر ابرازاً افضل لواقع الحال هنا في سنة الاساس بغية صياغة افضل لبرامج تحسين الواقع الاجتماعي لهذه الفئات المنكوبة من المجتمع.

 ويا حبذا لو قام الجهاز المركزي للاحصاء مستقبلاً بتطوير “المصفوفة” او بإعداد مصفوفة اخرى توضح هذه الاعداد على المستوى الوطني وعلى مستويات كل محافظة.  

14. مشاكل اخرى في اتساق الارقام سينبغي تسوية تعارضاتها   

اولاً،  تحت باب “الهدف الثامن : إقامة شراكة عالمية من اجل التنمية ” (المسودة ص 22)، سينبغي اعادة النظر بما ورد في نص المسودة من رقم يبدو لنا خاطئا ً عن حجم الديون الرسمية لمجموعة نادي باريس اذ ادرجت المسودة رقم (114) مليار دولار لعام 2003 وقالت ان نسبة التخفيض لديون نادي باريس كانت 80 % في حين ان الاصح هنا هو أن بعض الدول الدائنة من مجموعة نادي باريس الغت ديونها بنسب زادت عن 80 %، الامر الذي يبرر التصحيح الى “نسبة دنيا قدرها 80 بالمائة”.

ثانياً، ان مراجعة موقع البنك المركزي العراقي (باللغة الانجليزية) يشير ايضا الى ان الرقم الخاص بديون نادي باريس كان اقل بكثير في العام 2003 من ال 114 مليار دولار المشار اليها في مسودة الخطة ، لذا نوصي بالمراجعة وتصحيح الرقم عن ديون نادي باريس قبل نشر الخطة كوثيقة رسمية للدولة.

ثالثاً ً، من ناحية اخرى، يلاحظ ان المعلومات التفصيلية القيٍمة التي اتت بها “المصفوفة”  (في ص 20) لم تتسق بما فيه الكفاية مع ارقام النص الوارد في الفصل الاول فبرزت تعارضات في الارقام ضمن نفس الفصل سينبغي تسويتها في مسودة لاحقة بعد تنقيحها. 

رابعاً، هناك اشكالات رقمية وتعريفية لفئة الشباب في القسم  المعنون “رابعاً: الشباب: تطور مؤسسي وتحد قيمي” (المسودة ص 19) فعند الحديث عن الامية ومن ثم عن البطالة بين الشباب تقوم المسودة بتعريف فئة الشباب على انها التي يتراوح عمرها بين (20 – 29 ) سنة في حين تعود لتعرفهم بالفئة العمرية (15-29) سنة عند تطرقها الى معدل النشاط الاقتصادي. وحسب علمنا، فان التصنيف الدولي لفئة الشباب يميل لاستخدام الفئة العمرية (15-24) سنة لذا فقد اقتضى التنويه بغية تحقيق درجة اعلى من الاتٍساق الرقمي والمفاهيمي المنشودين.

خامساً، اعطت المصفوفة (ص 20)  النسبة الوطنية العامة الصافية للالتحاق بالتعليم الابتدائي على انها 89.1% في حين ذكر النص الوارد في المسودة (ص 21) تحت عنوان “الهدف الثاني : تحقيق تعميم التعليم الابتدائي” رقم (92%) لعام 2011 لذا يرجح التدقيق والتمحيص هنا بغية تحقيق الاتساق الرقمي المنشود.

سادساً، هناك اخطاء رقمية جدية في الصفحتين (1 و2) سينبغي تصحيحها قبل اي نشر للمسودة. وتخص هذه الاخطاء الناتج المحلي الاجمالي بالاسعار الثابتة ومتوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الاجمالي.

سابعاً، في الجدول (1-1 المدرج في ص 2) والذي استخدم سنة اساس تبعد ربع قرن عن عامنا هذا (اي 1988 !!) ، تذكر المسودة في ص 2 أن متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الاجمالي قد ارتفع:

“من 1.7 مليون دينار في عام 2009 الى 1.8 مليون دينار عام 2010 وبمعدل تغير سنوي قدره 5.9 % مقارنة بعام 2009 واستمر بالارتفاع ليصل الى 1.9 الف؟؟؟دينار عام 2011 وبمعدل تغير سنوي قدره 5.6% مقارنة بعام 2010 متجاوزاً بذلك آثار تلك الأزمة وتداعياتها في السوق النفطية”.

وهنا توجد جملة من الاخطاء فالجدول (1-1) يعطي متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الاجمالي بالالف دينار في حين يتحدث النص الذي اشرنا اليه مرتين عن هذه الارقام بالمليون دينار ومرة بالألف دينار مما يوضح الارتباك والاخطاء والتي هي في جزء منها نتيجة لاستخدام سنة اساس بهذا البعد الزمني القَصٍيْ (ربع قرن!!).

ثامناً، لا يمكن بأي حال ان يرتفع الناتج المحلي الاجمالي الحقيقي بنسبة 5.86% عام 2010 عنه في عام  2009 كما تدل عليه ارقام الجدول (1-1) ويرتفع متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الاجمالي بنفس النسبة تقريباً كما ورد في النص اعلاه خصوصاً واننا نعلم ان متوسط نمو السكان ليس بعيداً عن ال 3 % سنوياً . بالتالي، هناك جملة اخطاء جدية في اول صفحتين من صفحات المسودة سينبغي تصحيحها عاجلاً للارقام الواردة عن السنوات 2009 وحتى 2011 اذ نرجح ان يكون متوسط نصيب الفرد قد نما بقرابة 2.9 % عام 2010 وهكذا دواليك…..

15. السكن: تفاقم العجز(المسودة ص 16)

اولاً، ليس واضحاً فيما إذا كان النص هنا يخص أداء القطاع الحكومي  أم أنه يشمل القطاع الخاص ايضاً بقدر تعلق الأمر بتحقيق نسبة 13 % فقط من إجمالي الوحدات السكنية المخططة للعامين 2010 و2011.

ثانياً،لم يكن واضحاً بما فيه الكفاية هنا فيما اذا كانت هناك مشاكل في التمويل واساليبه وشروطه غير وفرة او شحة التمويل على ضوء الارقام الضعيفة التي تدل على  وجود اعداد قليلة من المقترضين لأغراض السكن والتي قالت لنا المسودة في فصلها الاول انهم بلغوا 3175 مقترضاً  في 2009 وانخفضت اعدادهم الى 2829 في 2010 والى 2148 لا غير في 2011 بسبب ما قيل انه توقع انخفاض اسعار الفائدة للقروض العقارية.

ثالثا، كان حرياً بالفصل الاول ايضاح تطور نسب الاكتضاض السكاني مع الزمن وبالازدياد السريع للسكان للفت الانظار الى اهمية تخصيص موارد كافية للاستثمار فيه.

رابعاً، سيكون مفيداً التأكيد في الفصل الاول، وبإيجاز، على مسببات إهمال هذا القطاع المولد لفرص العمل الانتاجية للمواطنين في حين تركزت جهود الخطط والبرامج الحكومية على التشغيل دون عمل حقيقي وهي الظاهرة التي فاقمت  البطالة المقنًعة ودهورت الانتاجية وزادت من الهدر في الموارد  المالية والبشرية (عمل مضمون في الدولة بدون انتاج حقيقي) وذلك لتشجيع متخذي القرار الحكومي على إعطاء هذا القطاع الموارد الكافية في الخطة.

خامساً ، هناك ضرورة لإبراز عدد الوحدات السكنية التي انجزت  بالقطاعين الحكومي والخاص باقليم كردستان وعما اذا كان هناك عجز حالي في وحدات السكن.

 

 

16. ملاحظات حول “فرضيات الخطة ومنطلقاتها الاساسية” والاطار العام 

نعتقد أن إدماج الفصل الاول لبابي فرضيات الخطة والاطار العام ضمنه غير مبرر ويؤدي الى إضعاف الرسائل المفيدة التي اتى بها الاطار العام لذا نقترح إفراد فصل خاص وقصير لهذين البابين لابراز اهميتهما.

17. نعتقد أن قيام الخطة بالاهتمام بالتنمية المكانية ايجابي ومفيد.

مع اطيب التمنيات للفريق الفني والذي نرجو ان تكون هذه الملاحظات ذات فائدة له.

*) خبير دولي في التخطيط للتنمية وعضو مؤسس في شبكة الإقتصاديين العراقيين

20 ايار 2012

الاراء المطروحة في جميع الدراسات والابحاث والمقالات المنشورة على موقع الشبكة لاتعكس بالضرورة وجهة نظر هيئة تحرير الموقع ولا تتحمل شبكة الاقتصاديين العراقيين المسؤولية العلمية والقانونية عن محتواها وانما المؤلف حصريا. لاينشر اي تعليق يتضمن اساءة شخصية الى المؤلف او عبارات الكراهية الى مكون اجتماعي وطائفة دينية أو الى اي شخصية أو مؤسسة رسمية او دينية

تعليقات (1)

  1. Avatar
    عبدالستار محمد حران:

    بارك الله بجهودكم دكتور وشكرا لكم

التعليق هنا

%d مدونون معجبون بهذه: