أبحاث نظرية في الفكر والتاريخ الإقتصادي

ا. ل. أوبنهايم: نظرة عامة على التاريخ الاقتصادي لوادي الرافدين – ترجمة مصباح كمال

لو أن البيانات الوثائقية الوفيرة لوحدها كافية لأن تكون أساساً لكتابة التاريخ الاقتصادي لحضارة نائية وميتة فإن عدد النصوص المسمارية حول جميع مظاهر الحياة الاقتصادية لوادي الرافدين تُمكِّن المؤرخ على إنجاز هذه المهمة بكل تأكيد.  فلم تشهد فترات التاريخ، السابقة لازدهار العصور الوسطى الأوروبية، إلا القليل من المدونات للنشاطات الاقتصادية للأفراد ومعاملات المكاتب الإدارية للمعابد والبلاطات، كالتي تُميّز بعض عصور التاريخ البابلي والآشوري.  كما أن تتبع نهوض وتطور المؤسسات الاقتصادية على مدى أكثر من ألفي سنة غير ممكنة في أي مكان آخر في العالم، ربما باستثناء الصين والهند.

فعدد الألواح الطينية المتعلقة بهذه الأمور تزداد سنوياً بالآلاف، كما أن عدد المدونات المنشورة وغير المنشورة يقترب من مائة ألف ولا يبدو أن هناك نهاية منظورة لهذه المكتشفات.  فمادة الكتابة، بفضل طبيعتها غير القابلة للفناء، وعُرْفُ تسجيل المعاملات الإدارية والخاصة يوفران، مع بعضهما، حصاداً ثرّاً يمكن أن يحلم به أي مؤرخ اقتصادي.

إزاء ذلك، ما هي أسباب قصور علماء الآشوريات والمؤرخين الاقتصاديين، على حدٍ سواء، للاستفادة القصوى من هذه المصادر؟

هناك، من جهة، العدد الكبير للنصوص المتوفرة الذي لا يستطيع سوى عدد صغير من العلماء لهم الرغبة في التعامل معها وبما يفي بالمراد.  لكن العقبة الأكثر أهمية هو الحاجز المفاهيمي الذي يحول دون الإدراك الكامل للطبيعة الحقيقية للمعاملات المدونة وخلفياتها المؤسسية المتعددة الجوانب.  إن استغراقنا في النظريات الاقتصادية للقرن التاسع عشر، التي تؤثر حتى على علماء الآشوريات الأكثر سذاجة في مسائل النظرية الاقتصادية، يؤدي بنا إلى موضعة كل حالة اقتصادية ضمن النسق التقليدي للنقود، والأسواق، والأسعار، وغيرها – كما استقرَّ تعريفها والقبول بها خلال المائة سنة من حضارتنا.  فنحن نُطبق هذه الأطر باستمرار حتى بدون إدراكنا بأننا نشوه صورة وادي الرافدين في جوانبها الجوهرية، من خلال تأسيس تحليلنا على مجموعة من الفرضيات التي نقبل بها على أنها كونية التطبيق.

لكن هذا الحاجز، على أي حال، يمكن تجاوزه، ذلك أن بعض دارسي الدين والمؤسسات القانونية لوادي الرافدين قد أدركوا منذ زمن – رغم عدم نجاحهم دائماً في تحقيق هذا الهدف – أن أية محاولة لفهم الظواهر المعقدة، والأجنبية أساساً، لحضارة بائدة يجب أن تُساير المجرى الذي اعتمدته هذه الحضارة في فهم الظواهر.  إن الوسيلة الأكثر كفاءة للتوصل إلى هذا الفهم، في التعامل مع حضارة غير أميّة، هي دراسة دلالة بعض الألفاظ المختارة عوضاً عن استخدام المصطلحات الحديثة للتنظيم.  ومما لا يمكن إنكاره ان منهج الدراسة المقترح صعب جداً عند التعامل مع لغة ميتة، وأقصى فائدة يمكن للمؤرخ أن يحصل عليها مقيدة بطبيعة النص المحفوظ عرضاً.

إن رد الفعل ضد أنماط التفكير التي ظهرت في القرن التاسع عشر في حقول تاريخ الأديان، وعلم اللغة، وعلم الاجتماع .. الخ، قد علّمنا، احترام الحضارات الأجنبية، وشحّذت ملكاتنا الفكرية في الرصد الذاتي لمواقفنا في هذه الحقول.  إلا أن هذا الرصد، مع الأسف، لم يمتد إلى حقل علم الاقتصاد.  فالمناقشات الأبستيمولوجية في هذا الحقل، سواء كانت تقليدية وخلافها، قد خلقت جواً لا يتوفر في ظله فهم لأي نمط اقتصادي سوى النمط الذي نشأ عن التطور الاقتصادي الهائل لأوروبا الغربية منذ القرن الثامن عشر.  ونتيجة لهذا الوضع فإن موقف المؤرخين الاقتصاديين، سواء كانت خلفيتهم تتمثل بالمادية التاريخية أو الليبرالية التقليدية، يتصف بمعالجة قاصرة جداً في التعامل مع اقتصادات ما يسمى بالشعوب البدائية، وكذلك الإهمال الكامل للعناصر الجوهرية لاقتصاد الحضارات القديمة العظيمة.

لقد تم تدشين منهج جديد لهذه المسألة من خلال مشروع الجمع بين فروع المعرفة في جامعة كولومبيا، والذي طبق بنجاح كبير في عدة حقول.

يوفر لنا هذا المنهج مزيّة أساسية من خلال مجموعة جديدة من المفاهيم يمكن استخدامها لوصف أجزاء كبيرة من البيانات المعقدة والمتنوعة التي يستخلصها عالم الآشوريات من النصوص الاقتصادية.  توظف هذه المفاهيم بالدرجة الأولى لأغراض وصفية وتعمل على كشف معالم بنيوية معينة ذات علاقة باقتصاد وادي الرافدين.  وهي تزود الباحث بمقولات كافية لتنظيم وعرض جملة من الملاحظات كانت ستكون غير ذي معنى، وأهم هذه المفاهيم هو مفهوم “إعادة التوزيع redistribution.”  لا يعني هذا أن فترة ما، أو حقلاً معيناً، مدونة في الوثائق المسمارية يمكن أن يطبق عليها هذا المفهوم كلياً أو حتى بشكل كافٍ، فالواقع أن كامل تطور اقتصاد وادي الرافدين يتميز بتغيرات مستمرة تبرز تارة في التأكيد على شكلٍ من التكامل الاقتصادي، وتارة على شكلٍ آخر دون أن تختفي الأشكال الأخرى تماماً.  إن التحري عن العلاقة الدقيقة بين مفهوم “إعادة التوزيع” وغيرها من المفاهيم، كمفهوم “المبادلة” reciprocity [المعاملة بالمثل]، يصبح بالتالي المهمة الأساسية للبحث، وهي مهمة يجب أن تتوسع لتضم دائرة التاريخ الاجتماعي، إذ أن هذه الأشكال للتكامل الاقتصادي مستقرة في أعماق النسيج الاجتماعي للبلاد.

وبالطبع فإن المنهج الجديد سيضاعف من المشاكل بدلاً من تقديم حلول سهلة، ولكن بفضله فإن مسار البحث سيتحول بالضرورة إلى معالجة قضايا جديدة، وقد يرغم عالم الآشوريات على التخلي عن العذر الجاهز بأن نقص البيانات يُعرقل فرص إيجاد الحلول للقضايا المطروحة على البحث.  في ظل هذه الظروف يصبح إعادة تقييم وإعادة اختبار البيانات ذات العلاقة بالقضايا الاقتصادية ضرورة ملحة.  كما أن هذه العملية يجب أن تطبق ليس فقط على المادة النصية المتعلقة بالموضوع بل تطبق على المدونات التاريخية والدينية والأدبية.  ومن الواضح أن مشروعاً كهذا أوسع من أن يستطيع فرد واحد القيام به بشكل وافٍ، وفي ذات الوقت فإنه يتسم بالجدة والصعوبة بما يحول دون النجاح فيه بسهولة.  ولهذا السبب فإن الصفحات التالية لا تمثل غير محاولة للإشارة إلى الإمكانيات في التفسير الجديد ولا يُراد منها سوى توضيح المنهج وليس البرهان على فعاليتها.

سنقوم هنا بإفراد ثلاثة عوامل على أنها ساهمت في تشكيل القاعدة الاجتماعية-الاقتصادية الفريدة لحضارة وادي الرافدين وهي في طريقها للدخول في المرحلة الأدبية literary period.  كل عامل من هذه العوامل يتكرر على التوالي في تآلف مختلف في الحضارات الأخرى في الشرق الأدنى القديم.  إلا أن خصوصية تجمُع هذه العوامل في بابل الجنوبية لا تظهر في أي مكان آخر.

هناك، أولاً، زراعة الحبوب القائمة على الري، القادرة على إنتاج محاصيل يمكن التعويل عليها دون الاعتماد على الأمطار، ويمكن التوسع فيها في المكان لإعالة أعداد متزايدة من السكان.  مزايا مثل هذا النوع من الزراعة – محصول سهل التخزين، يمكن تقسيمه بدقة لأغراض التوزيع، يعطي أكبر غلّة مقابل الجهد المطلوب في ظل الظروف المناخية والتكنولوجية القائمة – تتطابق مع العامل الثاني: نمط فريد للاستيطان.  يختلف هذا الوضع بشكل واضح عن الوضع في مصر حيث يمكن ملاحظة نمط بدائي نسبياً للتكامل الذي يميز الاقتصاد القائم على التخزين، وذلك رغم تشابه الظروف الظاهري بين الوضعين.  ويبدو أن الفرق الحاسم يجد تعبيره في طبيعة التحضر urbanisation الذي ظهر في مرحلة مبكرة جداً في وادي الرافدين، وخَلَقَ معه مفهوماً فذاً للمدينة.  ففي هذه المدن، ومهما كانت صغيرة، فإن رابطة جمعية قد حلّت محل جميع ولاءات السكان سوى الولاءات للعائلة التي لم يبقَ من أثرها شيء.  تجد هذه العلاقة بين الأفراد تعبيرها في الطريقة التي تدير بها المدينة نفسها وتصرفها تجاه مواطنيها، وتجاه المدن الأخرى، وتجاه السلطة المركزية.  إن الصفة الفريدة والجوهرية للتمدين في جنوب البلاد البابلية هي حقيقة أن المدينة هنا يمكن أن تتطور إلى مركز للنشاط الثقافي دون تحفيز أو حضور الشروط الاجتماعية الكامنة في السلطة السياسية.

لا يزال التنظيم الاقتصادي الداخلي لهذه المدن مُبهماً، ولكن من المقبول الافتراض بأنه لم يختلف في جوهره عن تنظيم المجتمعات القروية التي نجدها في جميع أنحاء الشرق الأدنى القديم بضمنها الأقاليم التي كانت تعتمد على الأمطار.  مثل هذه القرى، داخل محيط من الحقول في الأراضي المُشاعة قرب المدينة، حيث يجني المزارعون حصادهم مع قلة من الحرفيين اليدويين، بإمكانها أن توفر لسكانها حياة ملائمة، لا تستوجب إلا القليل من الاحتكاك مع المدن الأخرى، واستعمال هامشي للنقود.  ومن الضروري الملاحظة بأن أية مدينة من هذه المدن كانت تتكون من المدينة بالمعنى الضيق (town proper)، أورو (uru)، ضاحية المدينة (suburb)، أورو برّه (uru.bar.ra)، والميناء (kar).  إن غياب موضع السوق marketplace يكشف على نحو دقيق البنية الاقتصادية الداخلية للمدينة تماماً مثلما يكشفها حضور منطقة خاصة خارج المدينة extramural، تُعرف باسم الميناء، لغرض العلاقات الاقتصادية بين المدن.  وهنا يدخل العامل الثالث والأكثر حسماً: ففي عدد من مثل هذه المدن كان يوجد نظام اقتصادي ثاني ومنفصل، يتركز في المعبد sanctuary، أو لاحقاً – نتيجة لتطور ثانوي – في بلاط الملك.  يمثّلُ هذا العامل، بوضوح، نظاماً لإعادة التوزيع يختلف في درجة تعقيده ومداه.

لمثل هذا المركز كان يتم توجيه منتجات، تمثل عمل أفراد يعملون في هرمية معقدة للتنظيم وداخله، للتخزين أو للتحويل إلى أشياء مصنوعة.  وكان المركز يستخدم الثروة المخزونة كمصدر للقوة الاجتماعية الاقتصادية، لأغراض الهيبة وكذلك – من خلال قنوات خاصة لإعادة التوزيع – لإسناد تنظيم هرمي ثاني للأفراد يتكون من الكهنة والكتاب والمحاربين والتجار.  إن تنظيماً كهذا كان لا بد أن ينمو في حجمه وسلطته ومن أجل توسيع ممتلكاته، بالحصول على دخل من المنتجات الزراعية والعمل في الأراضي العائدة له، واستخدام الدخل الناتج لإعالة أعداد متزايدة من الموظفين وكذلك الإنفاق لأغراض أخرى، اجتماعية أساساً، كتزيين المعابد والقصور.  لقد كانت دورتي الإنتاج والتوزيع المتداخلتين مع بعضهما تُداران من المركز من قبل موظفين بيروقراطيين يستخدمون أنظمة عالية التعقيد في مسك الدفاتر والحسابات.  وقد تركوا لنا العديد من المدونات التي تنتظر التقييم.  إن عدد هذه التنظيمات قد خلقت انطباعاً بأن هذا النموذج التنظيمي يُمثل كامل التركيبة الاقتصادية لدويلات المدن.  وعلى أي حال، فإن استمرار وجود تقليد مديني، تطور من تقاليد المجتمع السومري واحتفظ بحيويته حتى الفترة السلوقية Seleucid [312-64 قبل الميلاد]، يقيم الدليل على أن تعايش النظامين يَسِمُ كامل التاريخ الاجتماعي، وبالتالي الاقتصادي، لبلاد ما بين النهرين.  ونظراً لافتقارنا إلى المعلومات فإن العلاقة بين المدينة، من جهة، والمعبد أو البلاط، من جهة أخرى، غير قابلة للوصف إلا أن هناك مؤشرات تدل على أن العلاقة كانت تختلف كثيراً من مدينة إلى أخرى بسبب ظروف خاصة أو تطورات عرضية قد تبقى غير معروفة إلى الأبد.

هذا التعايش symbiosis بين مدينة مُنظّمة، على الأقل في أشكالها الأولى، على نمط مجتمع القرية، وبين المعبد أو البلاط، الذي يختلف تماماً في التركيب الاجتماعي والإمكانات الاقتصادية، كان يوفر ترتيباً مُرضياً ومثمراً.  فقد شجع على تراكم السلع الرئيسية لدى الأسرة الملكية أو المقدسة، مُجبراً إياها على استنباط طرائق بيروقراطية لإدارة هذا التراكم من خلال جرد المحتويات، ووضع الميزانيات، وتحديد الدخل والإنفاق على مستوى واسع النطاق.  وطورَ نظاماً مُحكَماً للمُعادِلات equivalencies للإدارة الكفؤة للأنواع المختلفة من السلع الغذائية، ومواد التصنيع، وتسديد [أجور] الأفراد العاملينٍ بالسلع، .. الخ.  أثّرَت هذه الطرائق – وخاصة استعمال المُعادِلات – على جميع اتصالات نظام إعادة التوزيع مع العالم الخارجي، وتطورت إلى وسائل مهمة لممارسة السلطة السياسية الكامنة في مثل هذا الوضع الاقتصادي.  الجانب الجوهري في التعايش المذكور يجد تعبيره في مراقبة أسعار السلع الأساسية، ومعدل الفائدة ومعايير الأوزان التي كان البلاط أو المعبد يمارسها أو يحاول ممارستها.  والأمر الذي يصعب على الفهم هو استعداد المدينة للإذعان لمثل هذا التعايش وفي ذات الوقت إبقاء الروح المجتمعية حياً خلال تقلبات الحروب والغزوات المتكررة وحتى، أثناء التطور، ممارسة نفوذ سياسي كبير على البلاط والمعبد.  وأحياناً كان هذا الروح يزدهر إلى اعتزاز مدني واعي، لا يجد له مثيلاً في المجتمعات الحضرية الأخرى في الشرق الأدنى، ويؤدي إلى تعاظم النشاط التجاري القائم بالدرجة الأولى على المبادرة الفردية، وهي أيضاً مما لم تجد إلا القليل مما يناظرها في المجتمعات الأخرى.  إضافة إلى ذلك، فإنه ساهم في ضمان بقاء المدن أثناء فترات السيطرة الأجنبية والانحطاط المستمر لأهمية المعابد.  وفي النهاية تحولت العديد من هذه المدن إلى هياكل فارغة حيث كان عدد صغير من السكان يعمل على إبقاء التقاليد الألفية حية، ومع هذا فإن عدداً من المدن استمرت كمراكز مزدهرة ذات شهرة عالمية.

ومع ذلك فإن ميزان القوى داخل هذا التعايش كان أبعد ما يكون عن الاستقرار، متحولاً من المَلِك إلى المدينة ومنها إلى الملك، عاكساً التغيرات السياسية التي كانت تلفُّ المنطقة بأكملها، أو كفاءة الحكام.  ورغم هذه التغيرات فإن أجواء السلام الاجتماعي تُميّز تاريخ ما بين النهرين وآدابها على عكس ما كان عليه الوضع في مصر.

إن افتقار المنطقة [وادي الرافدين] إلى الأخشاب والأحجار الملائمة للبناء والزخرفة، وكذلك النقص في المعادن، حفّزّت نشاطاً اقتصادياً تجاوزَ نطاق نظام إعادة التوزيع.  فالبلاطات والمعابد كانت ترغب بهذه المواد لتعزيز هيبتها؛ وأدى هذا إلى التجارة مع البلدان الأجنبية، التي اقتصرت على السلع الكمالية وانحصرت على المستوى الرسمي من خلال السفراء الملوكيين.  إن الحاجة لإنتاج سلع لغرض التصدير، سلع سهلة النقل وتجد لها، على الأرجح، سوقاً جاهزة في البلدان التي تنتج أو تتاجر بالمعادن والأحجار وغيرها من المواد المرغوبة، قد خلقت نشاطات صناعية بالاستفادة من المواد الرئيسية المخزونة بكميات كبيرة في البلاطات والمعابد.  إن مضامين هذا الجانب في اقتصاد ما بين النهرين أبعد ما تكون عن الوضوح، فتجارة المَلِك كانت قائمة إما على نوع من المبادلة/المعاملة بالمثل reciprocity بين الحكام أو المعاهدات التي تحدد طبيعة السلع وأسعارها .. الخ.  وعلى حد سواء يبقى غير واضحاً مكانة الأشخاص الذين يقومون بتحريك تبادل السلع، ومتى وتحت أية ظروف يستطيع المواطنون الأفراد الحلول محل الموظفين الملكيين أو أنهم قد حلّوا محلهم فعلاً، والعديد من القضايا الأخرى ذات العلاقة.

إن التفاعل بين متغيرين مستقلين، البلاط والمدينة، كان المُقرر لكامل مجرى التاريخ الاقتصادي – والسياسي – لبابل.  فالبلاط وسّعَّ قاعدة أعماله من خلال مختلف المراحل الوسطية، كتغيير الاعتماد على دخل الضرائب إلى الجزية/الإتاوة tribute وترتب على زيادة القوة الاقتصادية اللاحقة التأثير على نمط السلوك المفضل للفئة الحاكمة، وأدى على تغيير في العلاقات ما بين المدن.  فالمفهوم الأصلي للدولة-المدينة انزاحَ ليُخلي المكان لمفهوم الدولة الإقليمية territorial state المكونة من العديد من المجتمعات القروية والمستوطنات الجديدة، والمحمية بحصون ملكية، وكلها تزود السلع الرئيسية إلى نظام إعادة التوزيع لدى البلاط.  وكان من نتائج النزاعات بين الحكام من أجل الهيمنة تحوّل المدن الجديدة إلى عواصم تزدان بقصور ومعابد فخمة، وبنية سياسية قائمة على اقطاعية مفروضة من فوق.  إن الإبقاء على دولة إقليمية في ظل هذه الظروف يتطلب جهداً عسكرياً مستمراً بهيئة جيش ثابت مكون من شريحة من السكان عُزلوا عن مقامهم الاقتصادي والاجتماعي، وحيث أن نظام البلاط، في وظيفته وطموحه السياسي يقع خارج دائرة مجتمع السكان الذي يشكل المدينة، فإن نظام البلاط كان غرضه التأثير الخارجي وكان مُلزماً باستخدام أفراده من بين أناس من أصول إثنية أو خلفيات ثقافية مختلفة.  وكان من المرجح أن يقوم هؤلاء الأفراد بدورهم بالاستيلاء على السلطة واستخدام مواطني بلدانهم المحاربين لإبقائهم في مركز نظام إعادة التوزيع.  وأدت الغزوات الأجنبية المتكررة إلى التمزق الفيودالي وإزاحة الحكومة المركزية، كما أن الصراع الحتمي بين المدن القديمة، وتقاليدها الثقافية والمدنية، والحكام الجدد أدى إلى تأسيس عواصم جديدة أشبه ما تكون بمخيمات عسكرية.

التطور الذي أتينا على ذكره أعلاه، على أنه تطور نموذجي، لم يتحقق على الإطلاق في جميع مراحله في أي من الدول التي كانت تتنافس فيما بينها في المنطقة الجنوبية من وادي الرافدين منذ زمن ظهور امبراطورية سرجون الأكدي [الألف الثالث قبل الميلاد].  إن بعضاً من التطورات غير النموذجية التي حصلت بسبب النجاحات الباهرة لبعض الحكام، أو كنتيجة لغزو أجنبي، قد ساهمت في تمويه النمط ولكن دون أن تنجح في إقصاء المجموعة الرائعة والمتكررة للأحداث التاريخية التي تنتظم النمط الذي عرضناه أعلاه.

إن ظهور بعض المدن الكبيرة في بابل بحيوية متجددة وقوة اقتصادية حوالي النصف الأول من الألفية الأولى قبل الميلاد، بعد انقضاء فترة طويلة شهدت انحطاط السلطة الملكية، ينطوي على أحد أهم الألغاز المُحيرة في التاريخ الاقتصادي البابلي.  القرون القليلة التي تفصل السلالات الحاكمة ما بعد الكيشيين [1531-1155 قبل الميلاد]، والتي لم تعمر طويلاً، عن غزو الفرس، الذين وجدوا في بابل المرزبانية [وحدة عسكرية-إدارية/ولاية فارسية] satrapy الأغنى، قد شهدت نهوضاً اقتصادياً لم يكن، في ضوء الأوضاع الاقتصادية والإمكانيات في كامل المنطقة، إلا النتيجة المباشرة للتجارة العالمية، وفي هذه الحالة بمناورة إما من المدن، من خلال نشاط تنظيمات تجارية، أو، وهو الأقل احتمالاً، من خلال أفراد أو البلاط نفسه.  وكون أن التجارة مع الشرق يبدأ حوالي هذه الفترة، بعد توقف لما يقرب من خمسمائة سنة، يؤيد هذا التفسير، لا ينبغي أن نرتاب بصحة هذا التفسير على أساس عدم توفر أدلة مكتوبة ذات صلة.  ورغم أن النصوص التي توثق المعاملات التجارية الفردية وشؤون بعض الأماكن المقدسة sanctuaries الكبيرة متكررة إلى حد بعيد في هذه الفترة، على المرء أن يفترض ان كتابة السجلات في العصر البابلي الجديد [626-539 قبل الميلاد] لم يكن عُرفاً متبعاً إلى حد كبير في مجال التجارة الخارجية.  ويبدو أنه ينبغي لنا أن نُفرق بين نوعين من الممارسات في حقل النشاط التجاري الواسع النطاق في الشرق الأدنى القديم.  أولهما، الممارسات التي كانت تقوم بها المستوطنات التجارية الآشورية في آسيا الوسطى وموردي النحاس من الخارج إلى أور بابل-القديمة، وكانت هذه بكل وضوح تحت تأثير التقنيات البيروقراطية لإدارات المعابد السومرية التي كانت تتميز بتعقيدات مسك الدفاتر والمحاسبة المتعددة الجوانب.  ويبدو أن ثانيهما كانت تُفضل الاتفاقات الشفوية ومُستكْمَلة بأدوات تنفيذية مختلفة كان تجار الشرق الأدنى، من الفينيقيين إلى النبطيين، يعتمدون عليها بشكل أساسي.  والتزم بالممارسة الثانية سكان بابل الذين منحهم أسرحدون [680-668 قبل الميلاد]، كدليل عملي على رجوعهم إلى السلطة، حق المتاجرة مع جميع أقاليم العالم، بعد أن قام أبيه سنحاريب بتدمير المدينة وبيعهم كرقيق.

يكشف هذا، بالمناسبة، معلومتين مهمتين إلى حد ما: كان أهالي بابل يعملون في التجارة بعيدة المدى والتي أصبح مصدر ثرائهم وقوتهم، وكان الملوك الآشوريون يتساهلون مع مثل هذا النشاط، وعلى الأرجح كانوا يستفيدون منها.  واهتمامهم بمثل هذه التجارة بين البلدان، علاوة على ذلك، مدون في فقرة في نقش تاريخي لسرجون الثاني (جد أسرحدون).  ففي هذا النص المنشور مؤخراً نجد بياناً يعكس بوضوح لافت للنظر الدور الأساسي الذي كانت تشغله التجارة في مالية الإمبراطورية الآشورية.  يدرج سرجون في هذا البيان من بين انجازاته العسكرية حقيقة أنه كان الملك الأول الذي أجبر مصر – التي يبدو أنه هاجمها خلال حملته الفلسطينية – لإقامة علاقات تجارية مع آشور.  أن توصف الحدود المصرية هنا بأنها “مغلقة” توضح وجهات النظر المختلفة جوهرياً للخصمين تجاه التجارة.  فالاكتفاء الذاتي لاقتصاد التخزين الأحادي لمصر اصطدم مع مصلحة وادي الرافدين في التجارة العالمية التي كانت التعبير المباشر عن اتحاد فريد بين النظامين الاقتصاديين الذين لاحظناهما في بابل.

يقودنا هذا إلى مسألة مهمة في علم الآشوريات: فهْم وتقييم طبيعة الشكل الآشوري لحضارة وادي الرافدين.

في الهلال الواسع للأراضي التي تحيط جنوب بلاد ما بين النهرين شمالاً وغرباً كانت الزراعة تعتمد حصراً على مياه الأمطار.  سقوط الأمطار ضَمَنَ، كقاعدة عامة، معيش المجتمعات الصغيرة المتناثرة في السفوح الجبلية ووديان زاجروس وفي جميع أنحاء أعالي ما بين النهرين بضمنها المناطق الساحلية للبحر الأبيض المتوسط .. الخ.  المدن داخل هذا الهلال كانت تحتاج إلى مُحفّز خاص كي تنمو، كمعبد ومقام للسلطة الحاكمة أو خطوط للتجارة، والتي كانت نادرة الوجود.  كانت القرى تضم عدداً من العائلات المُعتمِدة على نفسها في زراعة الحقول والبساتين القريبة منها، وتدفع الضرائب بشكل جماعي إما إلى حاكم يقيم في قصر منيع أو إلى مالك غائب له قرابة، بحكم الولادة أو المكانة الفيودالية، مع سلطة مركزية من نوعٍ ما.  الوحدات القروية ذاتها، أو الإيرادات المستمدة منها، كانت خاضعة للتفاوض مع بعض التقييدات التي كانت تختلف حسب الوقت والمنطقة.  وبذلك فإنها صارت القاعدة الاقتصادية لتنظيم فيودالي يرتبط بشكل مؤقت مع من كان يمسك بزمام السلطة.  وبفضل المساهمة بالضرائب كان النظام بأكمله يوفر سنداً لمجموعات القوة المفروضة.  هذه المجموعات، كقاعدة عامة، أظهرت القليل من الاستقرار، وتوسعت بسرعة بقيادة أحد الأفراد، تمَّ التغلب عليها بيُسر من قبل مجموعات أجنبية غازية، وانهارت بسهولة عندما اختفت قدرة التنظيم المركزي على جباية الضرائب.  وظلَّ مجتمع القرية مستقراً على نحو بارز، وعملَ واجب تسديد الضرائب الجماعي على تحييد الانشقاقات الفردية رغم أن الحرفيين غالباً ما كانوا ينجذبون نحو بلاط الملك، وهكذا كانوا يساهمون بذلك النوع من التصنيع الذي كان جميع ملوك المنطقة يسعون إليه لتعزيز قاعدتهم الاقتصادية.

من آشور، المدينة التي يبدو أنها تمثل الأُس في أقصى الشمال لتنظيم نموذج المدينة البابلية، قامت السلالات الحاكمة، المحلية والأجنبية، ببناء سلسلة من الإمبراطوريات ذات البنية الاجتماعية-الاقتصادية التي وصفناها آنفاً، والتي لم تُعمّر طويلاً.  لكن هذه الإمبراطوريات كانت تتزود بصورة متزايدة دائماً من المغانم المُجمَّعة من حملات حربية سنوية ذات طابع مؤسسي، كما يبدو، ومن إيرادات مشاريع الاستيطان الداخلية والتجارة العالمية بعيدة المدى.  ونشأت مشاريع الاستيطان الداخلي من مبادرات ملكية، فالملوك الآشوريين كانوا باستمرار يقومون بتشييد المدن الجديدة وتأهيلها بسجناء الحرب.  وكانت هذه المدن تُحكم من قبل موظفين ملكيين يدفعون الضرائب للملك.  كل هذا وكذلك بناء منظومة من الطرقات لأغراض حفظ الأمن وجباية الضرائب والإتاوات عملت على دعم العائلة المالكة وجيش الملك.

وينبغي أن نوضح في هذا السياق أن السلطة السياسية الآشورية كانت تقوم أساساً على سياسة policy التحضُّر بالقوة، المفروضة على على تلك الأقاليم التي كانت خارج المنطقة الصغيرة نسبياً للتحضر الذاتي الحقيقي في الجنوب والتي تشكل “قلب” الحضارة البابلية.  وقد تمَّ تطبيق بعض التحضر بالقوة كذلك من قبل بعض الشخصيات النشطة والناجحة عسكرياً وسط الملوك البابليين.  ويمكن القول إن التنفيذ الواعي القاسي للمفهوم السياسي للتحضر الإجباري هو الذي خلق الإمبراطورية الآشورية.  وقد طبقت ذات السياسة فيما بعد من قبل كل الغزاة الفرس والساسانيين الذين سيطروا على نفس المناطق في الشرق الأدنى.

ويبدو أن السياسة الداخلية في آشور كانت معقدة جداً.  المدن القديمة المحمية بمواثيق ازدهرت بفضل استثنائها من الضريبة والتجنيد العسكري؛ وربما كان لها حصة في النشاط التجاري إلا أن هذا غير قابل للتوثيق في العهود المتأخرة.  وقد أمْلَت المصالح المختلفة النشاطات المتعلقة بنظام التوزيع المتمركز في البلاط، الذي كان يحتاج إلى الغنائم والخامة البشرية الواردة من الحملات التي لا تنتهي لدعم وتوسيع الأسرة الملكية، بينما بَسَطَ التنظيم الفيودالي، مع انظمته لإعادة التوزيع، الثاني والثالث، نفوذه من الضيعات الاقطاعية والمجتمعات القروية إلى مسؤولي البلاط.  كل هذه القوى كانت تتنافس من أجل النفوذ السياسي لزيادة قوتها، وهذا ما يجعل التاريخ الآشوري حقلاً صعباً، وفي نفس الوقت، حقلاً رائعاً للبحث.

من خلال فرز انماط أساسية معينة للتكامل الاقتصادي في هذا التبسيط المفرط، المتهور نوعما، لثلاثة آلاف سنة من التاريخ الاقتصادي لم نقصد إهمال التأثيرات الإيديولوجية المتداخلة الموجودة في كل مكان، أو إهمال حقيقة أن الظروف المحلية وتلك ذات الطابع المؤقت قد ضغطت باستمرار لخلخلة هذه الأنماط.  ومع ذلك، هناك اتجاه مؤكد ضمن تطور المؤسسات الاجتماعية والاقتصادية لوادي الرافدين للعودة إلى عدد صغير نسبياً من التكوينات النموذجية لأوضاع سياسية واقتصادية أياً كانت العوامل المربكة المتحركة عبر المشهد التاريخي.  هذه القدرة الغريبة لعكس مسار التطور تفسر إلى حد كبير بعض المظاهر الفريدة للصورة التي رسمنا ملامحها في هذه “النظرة العامة” للتاريخ الاقتصادي لوادي الرافدين.

*) عنوان هذه الدراسة بالإنجليزية هو A Bird’s-Eye View of Mesopotamian Economic History وهو الفصل الثالث، الصفحات 27-37، من كتاب: Trade and Market in the Early Empires: Economies in History and Theory, Ed. Karl Polanyi, Conrad M. Arensberg and Harry W. Pearson, Gateway Edition, Chicago, 1971.  (1st Ed published by the Free Press, 1957).

آثرنا استخدام تعبير وادي الرافدين وما بين النهرين بدلاً من ميزوبوتاميا

الترجمة نشرت في مجلة الثقافة الجديدة العدد 359 تموز/يوليو 2013

لتنزيل  ترجمة البحث كملف بي دي أف انقر هنا

الاراء المطروحة في جميع الدراسات والابحاث والمقالات المنشورة على موقع الشبكة لاتعكس بالضرورة وجهة نظر هيئة تحرير الموقع ولا تتحمل شبكة الاقتصاديين العراقيين المسؤولية العلمية والقانونية عن محتواها وانما المؤلف حصريا. لاينشر اي تعليق يتضمن اساءة شخصية الى المؤلف او عبارات الكراهية الى مكون اجتماعي وطائفة دينية أو الى اي شخصية أو مؤسسة رسمية او دينية

تعليقات (2)

  1. فاروق يونس
    فاروق يونس:

    اولا- تفتقر المكتبة العربية الى الدراسات العلمية التى تتناول التاريخ الاقتصادى لوادى الرافدين ولحضارة العراق من خلال دراسة وتحليل عوامل التطور الاجتماعى والاقتصادى فى مختلف العصور التاريخية المتعاقبة القديمة والمعاصرة
    ثانيا – وفى مدارستنا العراقية الرسمية يتم رفد الطلبة الدارسين وحشو عقولهم وعواطفهم بما انجزته حضارة العراق فمن المستوطنات البدائية 6500 – 5000 قبل الميلاد الى العصر السومرى – الى الدولة الاكدية – الى الانبعاث السومرى ومملكة سومر واكد ومن 1153 والى 612 قبل الميلاد الدولة الاشورية ثم من 625 الى 539 قبل الميلاد الغزو الفارسى فى عهد كورش حتى نصل الى العرب المناذرة ثم يبدا المعلمون والمدرسون بحشو العقول بانجازات الرجال الذين حسب رائيهم اقاموا الحضارة الاسلامية وفى مختلف العصور يتم التركيز على دور الالهة والملوك والكهنة والمعابد والتجار والمزارعون والامراء والخلفاء والسلاطين فى هذة المسيرة التاريخية عبر الاف السنين
    ثالثا- بذل علماء الاثار العراقيون والاجانب جهودا علمية قيمية – عدا البعض – لاظهار حضارة العراق وتاتى فى طليعتم الاستاذ طه باقر مولف كتاب مقدمة فى تاريخ الحضارات القديمة – بغداد 1955- 1956وفى الجانب الاقتصادى جاءت الدراسات لتتناول مواضيع متفرقة كلا على حدة فى الزراعة والرى والتجارة والائتمان والصيرفة والصناعة والفخار والعمارة ونشاة القرى والمدن وما شاكل —
    رابعا- تاتى اهمية البحث المترجم فى كونه بحث فى التاريخ الاقتصادى لوادى الرافدين مركزا على العناصر الاقتصادية الجوهرية المحركة لهذه الحضارة كما وردت فى البحث مفسرا وشارحا دور الزراعة المعتمدة على الرى دون الاعتماد على الامطار فى ارساء دعائم تلك الحضارة الفريدة
    ما احوج مدارسنا ومعاهدنا وجامعاتنا الى الاخذ بالمناهج العلمية فى دراسة التاريخ
    مع خالص شكرى للاستاذ مصباح كمال الذى جعل هذا البحث وكانه قد كتب اصلا باللغة العربية
    ملاحظة – مايزال نقص مياه الرى احد العوائق الرئيسية اما التطور الزراعى فى وسط و جنوب العراق وهناك الكثير من الدراسات بهذا الشان ومنها دراسة
    Land and poverty in middle east
    By Doreen Warriner
    1948
    IRAQ pp 99

  2. Avatar
    Kamil Al-adhadh:

    عزيزي أستاذ مصباح، اشكر لك هذه الترجمة البارعة لموضوع كان يشكل لنا هاجسا بحثيا في مجال التأريخ الإقتصادي لإرض الرافدين أو الحضارات الأولى في العراق. فتأريخ الإقتصاد لإي إقتصاد أو حضارة في العالم يشكل مفتاحا أساسيا لفهم عوامل تطور وتدهور النمو الإقتصادي الحضاري. لايمكن فهم تطورات وإنتكاسات النمو الحضاري ،الإقتصادي بالأساس، في العراق بدون الغوص لفهم الجذور الأولى، كيف نشأت الأسواق؟ وكيف كان يتم التبادل؟ وكيف تفرض الضرائب؟ وكيف تحدد الأسعار، الى آخره…. فهذه النظرة العامة لتأريخ الإقتصاد لوادي الرافدين، كما يطرحها أوبنهايم، ترشدنا وترشد المتخصصين في علم البابليات والآشوريات وغيرها في الألفيات السابقة للعصر الميلادي الى سبل لإعادة قراءة التأريخ الإقتصادي لوادي الرافدين بصورة تكاملية، مبتعدين عن هيمنة مفاهيم السوق الإقتصادية في العصور المتأخرة في أوربا في القرن الثامن عشر الميلادي. اعتقد المقال يشكل مساهمة فطنة جدا، وقد تعبد الطريق لبحوث أصيلة جديدة في تأريخ الإقتصاد لوادي الرافدين. تسلم جهودك ونحييك
    كامل العضاض

التعليق هنا

%d مدونون معجبون بهذه: