الموارد المائية و حماية البيئة

د.حسن الجنابي: ملف المياه المشتركة بين العراق وايران –الجزء الثاني: هور الحويزة من المواجهة الى آفاق التعاون

اولا:
يشترك العراق وايران بهور الحويزة، وهو من اجمل واكبر مناطق الاهوار العراقية، ويشغل تاريخيا مساحة تبلغ نحو (3000) كم مربع، يقع (80 بالمئة) منها ضمن الحدود العراقية ويقع الجزء الآخر ضمن الحدود الايرانية. أي ان خط الحدود بين البلدين يمر في وسط الهور ليقسمه اداريا فقط، لانه بيئيا وايكولوجيا وهيدرولوجيا يشكل نظاما طبيعيا واحدا، وجزءا لايتجزأ من الاهوار العراقية، التي تشمل هور الحمّار واهوار القرنة او الاهوار الوسطى، في محافظات البصرة والناصرية وميسان، والتي كانت تعتبر اكبر نظام ايكولوجي في غرب اسيا، ومحطة توقف كبرى لاسراب الطيور المهاجرة بين افريقيا وسيبيريا، وتحتل مساحة تتراوح بين (9 الى 15) الف كم مربع، اي اكبر من مساحة لبنان، قبل انشاء السدود في دول الجوار، ومن ثم التجفيف المتعمد من قبل النظام السابق اثناء الحرب العراقية الايرانية وبعدها في التسعينيات للقضاء على حركة المعارضة العراقية انذاك.
ثانيا:
يتغذى هور الحويزة، بالاضافة الى السيول والانهار الموسمية القادمة عن طريق نهري الطيب ودويريج وغيرها، من مصدرين رئيسين في العراق وايران، وهما نهر دجلة ونهر الكرخة. فنهر دجلة يغذي هور الحويزة عن طريق فرعين الى يساره وهما نهر الكحلاء ونهر المشرح، اللذان يصبان مباشرة في هور الحويزة من جانبه الغربي، وهما فرعان لدجلة يجري التحكم بتصريفهما عن طريق سدة العمارة على عمود نهر دجلة، الى جانب نواظم السيطرة عليهما قرب تفرعهما منه. اما نهر الكرخة، وهو ثالث اكبر نهر في ايران بعد نهر كارون ونهر دز، فينبع بالقرب من الحدود مع العراق، ويجري جنوبا ثم غربا ليصب في الجانب الشرقي من هور الحويزة عن طريق تفرعاته الطبيعية المتشعبة، وتتميز مياهه بعذوبتها وتدفقها الطبيعي، وخاصة في مواسم الذروة بين شهري تشرين الاول ونيسان من كل عام.
يبلغ معدل التصريف السنوي لنهر الكرخة نحو (5) مليارات متر مكعب كانت تصب في هور الحويزة بدون اية عوائق قبل العام 2001 ، أي قبل اكمال بناء سد الكرخة، وعلى افتراض ان معدل عمق المياه بحدود مترين ستكون السعة الخزنية لهور الحويزة بحدود (6) مليارات متر مكعب، مما يعني ان ايرادات نهر الكرخة كانت تمثل الجزء الاكبر من ايرادات هور الحويزة، الذي احتفظ الهور حتى وقت قريب بحيويته وعذوبته وتجدّد خزينه المائي السنوي، واسهامه في الحفاظ على بيئة شط العرب وعذوبة مياهه وخصوبة اراضيه وبساتينه وتنوعه الاحيائي.

ثالثا:

لقد حطمت الحرب المؤسفة بين البلدين الجارين نظام الاهوار في العراق تحطيما كاملا، وكانت حصة هور الحويزة من التدمير مفجعة، اذ لم يتبق من مساحته الاصلية بحلول العام 2001 سوى (30 بالمئة) وهي مساحة مشتركة بين البلدين تقطعها حدودهما السياسية، حيث ان اسبابا عسكرية حالت دون تجفيفه الكامل.
فالحكومة العراقية تبنّت آنذاك تجفيف الاهوار كسياسة رسمية لها، وقد اجهزت على الاهوار الوسطى (نحو 3000 كم مربع) وهور الحمّار (نحو 2500 كم مربع) اثناء الحرب وبعدها، وجففت الجزء الغربي والجنوبي من هور الحويزة داخل الاراضي العراقية، واقام الجيش سدادا ترابية كبرى لتسهيل حركة العجلات والآليات العسكرية، وحُفرت خنادق ومتاريس، واقيمت منشآت لتحويل المجاري الطبيعية للمياه، وحوصرت وقطّعت مساحات ومسطحات مائية، وهُجّرت عوائل وقرى وتجمعات سكانية، وحُوّرت الاراضي وجرفت غابات النخيل وغير ذلك، بغرض تعظيم الطاقات التدميرية للحرب، التي استمرت بعد ذلك مع خصوم آخرين حتى العام 2003، وقد شاهدت بنفسي في ذلك العام بعد العودة من المنافي اكداسا من القذائف غير المنفجرة على السداد الترابية وفي المتاريس والخنادق داخل الحدود العراقية لم يشأ الجيش المنسحب من اتلافها او تجميعها.
وبالمقابل فقد جفف الجيش الايراني الجزء الجنوبي من هور الحويزة الواقع ضمن الحدود الايرانية وانشأ سدادا مقابلة على الحدود الشرقية للحويزة، فتحوّل الهور الى ساحة مواجهة عسكرية دامت ثماني سنوات، اتت بها الحرب بكل قسوتها وبشاعتها على البيئة الطبيعية والطيور المهاجرة والاسماك والحيوانات والتنوع الاحيائي في الهور، مضيفة بذلك ضحايا اضافية الى قائمة الضحايا البشرية المؤلمة من الطرفين، فالعنف والحرب لايجلبان سوى الدمار والفقر.
رابعا:
ان هور الحويزة، وبصورة ادق الجزء العراقي منه، هو الموقع العراقي الوحيد المدرج كموقع ذي اهمية عالمية من ضمن (2170) موقعا في العالم، وهو الذي اتاح للعراق عضوية الاتفاقية الدولية الخاصة بحماية الاراضي الرطبة، المعروفة باسم اتفاقية رامسار للاراضي الرطبة. ومن النافع الاشارة هنا الى اني تشرفت شخصيا بتنسيق جهود العراق واعداد وتقديم الوثائق الفنية والاجرائية المطلوبة لدخوله في هذه الاتفاقية الدولية المهمّة، واصبح العراق عضوا فاعلا فيها منذ العام 2008 ، لان اهمية هور الحويزة وقيمته الايكولوجية والبيولوجية والثقافية تتعدى الحدود الوطنية للعراق وايران، وان ما يحصل فيه له تأثير مباشر وصدى في مناطق اخرى من العالم، كما ان تدهوره يمثل تهديدا لخصائص ومعايير دولية، سواء تعلق الامر بتعريض الطيور المهاجرة الى الاخطار، او انقراض الاحياء المائية، او تحطيم سلسلة التنوع الاحيائي النباتي والحيواني، او تهديد الموروث الثقافي العالمي، او الإضرار بوسائل معيشة الناس وتعريضهم للمجاعة وغير ذلك.
فاتفاقية رامسار الدولية، التي عقدت في العام 1971 في مدينة رامسار الايرانية وحملت اسمها، تعتمد ثمانية معايير للاعتراف بالموقع ذي الاهمية العالمية وادراجه ضمن الاتفاقية، ولست هنا في وارد سرد تلك المعايير في مقال كهذا، لكنها تتعلق بفردانية الموقع في محيطه الطبيعي الفيزيو- بايولوجي، وفرادة الاحياء التي تعتاش عليه وتنوعها، وخاصة تلك المهددة بالانقراض، وان لاتقل نسبة الانواع الاحيائية التي تعيش منه عن (1 بالمئة) من عددها الكلي عالميا وغير ذلك، وقد ثبت لسكرتارية اتفاقية رامسار ان اغلب معاييرها الصارمة تنطبق على هور الحويزة.
خامسا:
فيما يتعلق بهور الحويزة واتفاقية رامسار اود توضيح الآتي:
1 – ان معايير اتفاقية رامسار التي انطبقت على هور الحويزة في جزئه العراقي، اي (80 بالمئة) من مساحة الهور تنطبق تماما على الـ (20 بالمئة) المتبقية والتي تقع جغرافيا داخل الحدود الوطنية الايرانية، لان هور الحويزة تكوين هيدرولوجي وفيزيائي واحد غير قابل للتقسيم بيئيا وايكولوجيا، وبما ان سكرتارية اتفاقية رامسار وجدت ان هور الحويزة مؤهلا لكي يكون موقعا ذا اهمية دولية واصبح من المواقع المسجلة لدى الاتفاقية، فان الامر ينطبق تلقائيا على كامل مساحة الموقع بغض النظر عن الحدود السياسية.
2 – لعبت ايران دورا بارزا ضمن الاتفاقية لاسباب تاريخية، وهي تستضيف المقر الاقليمي لغرب اسيا التابع للاتفاقية، وان لديها سياسات وبرامج وطنية راسخة في ميدان البيئة والحفاظ على المناطق الرطبة والتنوع الاحيائي، اسفرت عن ادراج (24) موقعا في اتفاقية رامسار باعتبارها مواقع ذات اهمية عالمية، مقارنة بالعراق الذي لديه موقع واحد فقط هو هور الحويزة، ومن الطريف ذكره ان هور الحويزة بجزئه الايراني غير مدرج لغاية هذا التاريخ في اتفاقية رامسار للاراضي الرطبة.
3 – قد تكون الحرب العراقية الايرانية التي حوّلت هور الحويزة ومحيطه الى ساحة مواجهة دامية، وسلسلة الحروب التي تلت، كحرب الخليج الثانية وحرب العام 2003 وما تبعها، قد ضاعف الهواجس الامنية والعسكرية لدى ايران مما حال دون محاولة ادراج الموقع من قبل جمهورية ايران الاسلامية ضمن مواقع رامسار، بل ولجوئها الى بناء حاجز ترابي كبير بارتفاع ستة امتار داخل هور الحويزة على امتداد خط الحدود العراقية الايرانية يسمح لها بتحريك الآليات العسكرية من اقصى جنوب الهور الى اقصى شماله، فقسمت بذلك الهور الى جزأين منفصلين بعد ان كان الهور تكوينا واحدا، وبهذا انفصلت ايرادات المياه من الجانب الايراني عن الامتزاج بايرادات المياه من الجانب العراقي.
4 – لاشك ان ادراج الجزء العراقي من هور الحويزة في قائمة رامسار للمواقع ذات الاهمية العالمية، والتحول الايجابي الكامل لموقف الحكومة العراقية من سياسة التجفيف المدمِّرة الى سياسة انعاش الاهوار والاراضي الرطبة، والتعاون الوثيق بين البلدين على مستويات اقتصادية وسياسية عديدة، يغري بأن يتوقع المرء تقدما مقابلا لدى ايران في الموقف من هور الحويزة (الذي يسمى هور العظيم في الادبيات الايرانية) من اجل انقاذ وحماية هذا الموقع المهم للطرفين وللعالم.
5 -اعتقد ان الاجراء الاول المطلوب تحقيقه ضمن اطار التعاون حول هور الحويزة هو فتح انفاق عديدة تحت السدة الترابية التي انشأتها ايران للسماح بحركة المياه بصورة طبيعية، لان ازالة الحاجز الترابي الذي انشأته مؤخرا يبدو متعذرا في الظرف الحالي، ثم يتبع ذلك مباشرة طلب ادراجه باعتباره موقعا عابرا للحدود (Transboundary) والعمل الجاد بين البلدين على تطوير خطة ادارة مشتركة بينهما لحمايته والحفاظ عليه، ضمن الالتزامات التي تفرضها عضوية البلدين باتفاقية رامسار.

* سفير العراق لدى منظمة الاغذية والزراعة للامم المتحدة (فاو)

لتنزيل ملف بي دي أف للطباعة انقر هنا

الاراء المطروحة في جميع الدراسات والابحاث والمقالات المنشورة على موقع الشبكة لاتعكس بالضرورة وجهة نظر هيئة تحرير الموقع ولا تتحمل شبكة الاقتصاديين العراقيين المسؤولية العلمية والقانونية عن محتواها وانما المؤلف حصريا. لاينشر اي تعليق يتضمن اساءة شخصية الى المؤلف او عبارات الكراهية الى مكون اجتماعي وطائفة دينية أو الى اي شخصية أو مؤسسة رسمية او دينية

التعليق هنا

%d مدونون معجبون بهذه: