الموارد المائية و حماية البيئة

د. حسن الجنابي: ملف المياه المشتركة بين العراق وإيران – الجزء الاول

اولا:
نشرْتُ مؤخرا في جريدة الصباح سلسلة مقالاتٍ عن الملف المائي بين العراق والجارة الشمالية تركيا. وبهدف استكمال الصورة والقاء المزيد من الضوء على موضوعة المياه المشتركة، اقدم معالجة للعلاقة المائية مع دولة الجوار الشرقية جمهورية ايران الاسلامية، فهي الاخرى علاقة شائكة، وذلك رغبة في وضع تصورات قد تسهم في ارساء الاستقرار والفهم المشترك، لان معرفة الابعاد الحقيقية للمشكلات المائية بين العراق وهذين البلدين الجارين يعدّ خطوةً ضرورية لوضع حلول تحقق المنافع المشتركة للجميع.
ثانيا:

كانت الحدود المائية ،وبالذات في منطقة شط العرب، هي القضية الخلافية الاولى بين العراق وايران لفترات طويلة، وقد وقّع اثرها البلَدان مواثيق كان اخرها في العام 1975 ضمن اتفاقية الجزائر. اما الموارد المائية التي تقع منابعها في ايران والقادمة الى العراق فلم تكن امرا ذا شأن الا في العقدين الاخيرين، لان تلك الموارد كانت قبل ذلك تجري برمتها الى العراق دون عوائق، لكن انشاء سدود ومنشآت كبيرة على صدور تلك الانهار غيّر من الوضع الطبيعي لها، واصبح معها العراق يتلقى نتائج سياسات وانماط تشغيل لتلك المنشآت لا تتناسب بالضرورة مع مصلحته لانها تقرر بصورة انفرادية، كما هو الحال مع تركيا، وبالطبع لم يكن قرار بناء تلك المنشآت منسّقا مع العراق، كما تفترض مبادئ القانون الدولي، لان معظمها قد أُنشئ في ظل علاقة ملتبسة بين البلدين تخللتها حرب طويلة، كانت كلفتها البيئية والبشرية والاقتصادية باهظة جدا على الطرفين.

ثالثا:
تمثل الموارد المائية القادمة الى العراق من ايران حوالي (35 بالمئة) من معدل ايراداته السنوية البالغة تاريخيا بحدود (70) مليار متر مكعب، ويمكن تصنيفها، بغرض التبسيط، الى اربع فئات كما يلي:
• الفئة الاولى تمثل منابع الانهار الكبرى وروافدها في المرتفعات الايرانية الى الشرق من حدود العراق الوطنية، وبالاخص نهر الزاب الاسفل، الذي يغذي سد دوكان ويصب بنهر دجلة الى الشمال من مدينة بيجي، ونهر ديالى الذي يغذي سدَّي دربندخان وحمرين ويصب في دجلة الى الجنوب من بغداد.
• الفئة الثانية هي الانهار ومجاري السيول الموسمية، وخاصة في محافظة واسط جنوب مدينة الكوت بين مدينتي شيخ سعد وعلي الغربي، وفي محافظة ميسان واشهرها نهرا الطيب ودويريج.
• الفئة الثالثة تتمثل بمياه النهرين الكبيرين وهما نهر الكرخة ونهر كارون، حيث يصب الاول في هور الحويزة جنوب شرق مدينة العمارة، والذي يغذي بدوره نهر دجلة شمال القرنة عن طريق نهر الكسّارة ، وشط العرب جنوب القرنة عن طريق نهر السويب، اما نهر كارون فيصب في شط العرب حوالي (30) كم جنوب مدينة البصرة.
• والفئة الرابعة هي مياه شط العرب التي تتكون من مياه الانهار الاربعة الكبرى دجلة والفرات والكرخة والكارون، والتي تتأثر بظاهرة المد والجزر الطبيعية وتمتزج وفقها بمياه البحر التي تتسبب برفع مناسيب المياه في الشط او خفضها تبعاً لتلك الظاهرة الازلية.
وكما في اي مكان في العالم تكمن مشكلة المياه المشتركة بالاستخدامات الجديدة لها في منابع او صدور الانهار، وفي حالتنا يتمثل ذلك في استخدامات المياه في الاجزاء الايرانية من الانهار والروافد والوديان المشتركة حيث يُحدث ذلك تأثيرا مباشرا في العراق كدولة مصب، خاصة وانه قد سبق جيرانه في استخدام تلك المياه، ونشأت في ضوء وفرتها تاريخيا المدن والقرى والحقول وغير ذلك، وسنقدم استعراضا مختصرا في ثنايا المقال للقضايا التي يجب معالجتها بما يضمن مصلحة البلدين وفق التصنيفات اعلاه.
رابعا:
لقد سبق العراق جارته الشرقية في استخدام مياه الانهار المشتركة بعدة عقود من الزمن واستثمر في البنى التحتية والمنشآت الكبيرة على الانهارالمشتركة، ونشأت مدن وقرى ومزارع وحقول بناء على وفرة تلك المياه. فعلى سبيل المثال انشأ العراق اول سد خزني كبير له على الزاب الاسفل، وهو سد دوكان، في عام 1961 بسعة خزنية تبلغ حوالي (7) مليارات متر مكعب، ولعب السد ومايزال دورا كبيرا في الارواء وتوليد الطاقة الكهرومائية. كذلك أقيم سدّ آخر على النهر وهو سد دبس في منتصف الستينيات للتحكم بمياه الري وارواء مشاريع استصلاح كبرى اهمها مشروع ري كركوك، علما ان معدل التصريف السنوي لنهر الزاب الاسفل يقدر بحوالي (8) مليارات مترمكعب، وهذا يمثل حوالي (40 بالمئة) من معدل ايرادات نهر دجلة من الجارة الشمالية تركيا، ويمتد حوضه عبر الحدود بنسبة (75 بالمئة) داخل الحدود العراقية والربع الاخير ضمن الحدود الايرانية.
كذلك الامر في نهر ديالى، حيث تقع ربع مساحة حوضه داخل الحدود الايرانية، ويتميز بان روافده الكبيرة مثل نهر سيروان ونهر الوند هي مشتركة بين العراق وايران، وكذلك عشرات الروافد الاصغر حجما والتي تغذي مدنا وقرى عديدة في العراق. فقد انشأ العراق في عام 1962 ثاني اكبر سد له آنذاك، وهو سد دربندخان بسعة (3) مليارات، واعقبه بانشاء سد حمرين بسعة تقرب من (4) مليارات متر مكعب، وهما من المنشآت المهمة في نظام السيطرة والتحكم بالموارد المائية العراقية في منطقة تعد من اخصب الاراضي العراقية.
اما في ايران، فما عدا سد دز الذي انشأ على احد روافد نهركارون العام 1962، فان السدود الكبرى الاخرى انشأت في وقت متأخر نسبيا، ومنها سد نهر الكرخة في العام 2001 وسلسلة سدود على نهر كارون اكملت العام 2006. كما حفرت القنوات واقيمت سداد لها تأثير مباشر على انسيابية حركة المياه الى العراق.
لاشك بأن الاجهاد الذي تتعرض له معظم الروافد المشتركة في حوض نهر ديالى، ومنها نهر الوند، الذي تعرض الى جفاف شبه كامل في الاعوام 2007 – 2009، بحاجة الى دراسة ميدانية ومعرفة اعمق كي يمكن وضع تصور عن مدى الاستخدامات الجديدة للموارد المائية المشتركة ان وجدت، الا ان المعروف هو ان المنطقة تعرضت الى حالة جفاف قاسية حينذاك، وقد تكون هي السبب في وقف تدفق المياه في تلك الروافد، وأود تأكيد ان معلوماتي الشخصية بهذه المنطقة وكذلك بمنطقة منابع نهر الزاب الاسفل غير كافية اثناء كتابة هذه المقالة.
خامسا:
تجلب الوديان ومجاري السيول والانهار الموسمية بين البلدين في مواسم الفيضان كميات كبيرة من المياه الجارفة، بعضها يصب في هور السناف ثم هور الحويزة، كما في حالة نهر دويريج والطيب اللذين يزيد ايرادهما السنوي على مليار متر مكعب احيانا، وبعضها الاخر يندفع الى العمق العراقي في محافظة واسط، ويغطي مساحات واسعة من الاراضي بسبب انبساطها، فتتحقق معه فوائد بيئية وايكولوجية مهمة، الا انه يسبب في بعض الاحيان اضرارا كبيرة في الممتلكات والمزارع والاحياء والقرى المنتشرة في المساحات المنخفضة، كما حدث في اواخر العام 2012 ومؤخرا في العام 2013.
من الجدير ملاحظته انه لم تنشئ اي من الدولتين منشآت هيدروليكية على هذه الوديان وبالتالي فان فيضانها او جفافها يعتمد على العوامل الطبيعية، علما ان العراق قام بانشاء سداد حماية للمدن والقرى والطرق من فيضانات السيول القادمة من الجانب الايراني، الا انها لم تصمد كثيرا ازاء الامطار التي حصلت في نهاية العام 2012 والعام 2013 بسبب تهالكها وعدم استخدامها لفترة طويلة حيث تميزت المنطقة بسيادة حالة الجفاف لحوالي عشرين عاما.
*سفير العراق لدى منظمة الاغذية والزراعة للامم المتحدة (فاو)

الاراء المطروحة في جميع الدراسات والابحاث والمقالات المنشورة على موقع الشبكة لاتعكس بالضرورة وجهة نظر هيئة تحرير الموقع ولا تتحمل شبكة الاقتصاديين العراقيين المسؤولية العلمية والقانونية عن محتواها وانما المؤلف حصريا. لاينشر اي تعليق يتضمن اساءة شخصية الى المؤلف او عبارات الكراهية الى مكون اجتماعي وطائفة دينية أو الى اي شخصية أو مؤسسة رسمية او دينية

التعليق هنا

%d مدونون معجبون بهذه: