خواطر إقتصاديةمظهر محمد صالح

د.مظهر محمد صالح: النارالازلية!

تطلعت الى مغيب الشمس  بعد ان ضاع مشرقها وانا في وسط الظهيرة وكانني امسك بذيول أخر الليل لأقفز فوق فوهة الغروب واتخطى النجم ودوران القمر وانا احلم في البحث عن مفاتيح السعادة وقدمي الساخنة تقف على ارض لا تمتلك القدرة الا حبس الشمس في محاجرها!! اْلتفت الى صاحبي قائلا له: ان آخر الليل  لم يخلق للمناقشة الا في هذه الواحة النفطية الملتهبة التي اضحت بلا ليل ولا نهار! انها منطقة  من سطح الارض استقر فيها معنى واحد للحياة هو ان تتوارى فيه فكرة النهاية خلف النار الازلية  ولامعنى للزمان او المكان . ادركت من فوري أزيز اللهب وهو منشغل بحماس يتسلق اعمدة نارية مدهشة إمتدت صعوداً وبثبات وهو يحاكي الشمس ويلتمس منها بأن تكف عن الانبثاق وينصحها بالعودة الى كبد السماء  بعد ان صد قبلها طلائع ليلنا الهابط وترك واحاتنا  بلا مشرق او مغرب. ولم تستظل تلك الواحات الا  بضيائها الساطع الذي دفعت به النار الازلية بلا وعي ، ما افقدتنا نحن بني الانسان ظلنا الحقيقي وتحجرت بوصلة دربنا دون ان ندرك غاياتها اونعي اين هو منتهاها .كما تركتنا النار نتكهن بساعة القمر التي قد يبزغ ضياؤه اويغرب دون ان يوحي بنهاية شيْ في واحة النفط الملتهبة! قلت لصاحبي،أتطمع في الخلود في هذه الاجواء النارية التي خلا مشرقها قبل مغربها؟قال كلا، انها واحات من نار تسحق سماء بلادي بابخرتها الغاضبة منذ سبعين عاماً وليس لضوئها نهاية .فقد استعصت طويلا على الذاكرة ونحن نبحث عن أخر رماد لها لنتلمسه  !قلت في سري اين هو المشرق ومتى يحل علينا المغرب في هذه الواحات التي تدفع بضياء نارها المحترقة طلائع النهار خارج دائرتها لتحجب الشمس وهي تلاحقها لتعود بها الى كبد السماء بقوة بلهاء ساطعة؟ اجابتني الرياح مستدركة من فورها وهي غاضبة  تطوي في تلافيفها لهب الليل وحرارته قبل لهب النهار وسخونته وهي مازالت في شغل شاغل وظيفتها تلاحق النار الازلية في عمل دؤوب من اعمال الطبيعة، لتخبرني بان الشروق في هذه الواحات المشتعلة قد امسى مصدره  باطن الارض وليس  كبد السماء كما عهدتم يا معشر الارض من بلاد النفط !فقلت لها ماهو الخير من ذلك؟فأجابت وهي تغادرني، ان الخير للانسان ان يِحرق ولا يحُرق…!!فنحن اركان الشعلة الازلية منذ يوم احرقتمونا قبل سبعة عقود في واحات النفط الملتهبة، نرمي بغازاتنا من باطن الارض وندفع بها الى اعالي السماء ،نبحث عن الامل في كوكب آخرمثلما انتم تبحثون عن الثروة في هذا الكوكب!!

رمقتني الرياح شزراً ، واستدارت راجعة مسرعة كرة أخرى ، لتبلغني،قبل ان ترحل ، ان مجموع  ماتم حرقه من غاز بلادنا المصاحب للنفط في النار الازلية (وهي النار التي تمارس دور الشمس والقمر فوق ارض الواحة النفطية)  قد  زاد متوسطه على عشرة ملايين دولار يومياً خلال السنوات السبعين الاخيرة. اما العلاقة بين اسعار النفط واسعارالغاز فهي علاقة وثيقة متلازمة.فعندما يباع كل(الف)  قدم مكعب من الغاز على سبيل المثال بـ(15دولار)فيعني ذلك ان برميل النفط المكافيْ هو بسعر (92دولار).وعلى الرغم من ذلك ،فأن مايحتويه الغاز من وحدات حرارية قياسية تماثل (سدس) مايحتويه برميل النفط من وحدات مكافئة له .واللافت ان التقلبات الجوية ومواسم الطلب على التدفئة هي التي تتحكم باْسعاره بنسبة تتراوح بين 50% الى 80% من اسعار الغاز في السوق العالمية. ويلحظ ان تسويق الغاز بصورة سائلة في بواخر نقل الغاز ،يتطلب تكنولوجيا تتولى تبريده  الى درجة حرارة هي(ناقص162مئوية) ليتاح ضغطه الى كميات ثمثل( واحد من ستمئة) من حجمه الاصلي.وعندما يتم تسلمه في مراكز الشراء، يحول  الى حالته الغازية ثانية والعودة به  الى حجمه الاول ليتاح تمريره في انابيب متخصصة تذهب به الى المصانع  او المنافع العامة وغيرها.

ختاماً، فاذا كان الانتفاع من الغاز اوالاستثمار به وتسويقه يتطلب تبريده اولاً قبل حرقه لتوليد طاقة مفيدة او منتجة في المجتمعات الصناعية، فاْن هدر الغاز وتبذيره في المجتمعات التي لاتنتفع به يتطلب حرقه اولا والتطلع الى ناره الازلية الناجمة عنه لتوليد متعة مزيفة باردة قوامها ابخرة لاتترك سوى التلوث الذي مازال جاثماً على صدورنا و يجتر همومنا!!

بغداد في 28آب2013

(*) باحث وكاتب إقتصادي، نائب محافظ البنك المركزي السابق

الاراء المطروحة في جميع الدراسات والابحاث والمقالات المنشورة على موقع الشبكة لاتعكس بالضرورة وجهة نظر هيئة تحرير الموقع ولا تتحمل شبكة الاقتصاديين العراقيين المسؤولية العلمية والقانونية عن محتواها وانما المؤلف حصريا. لاينشر اي تعليق يتضمن اساءة شخصية الى المؤلف او عبارات الكراهية الى مكون اجتماعي وطائفة دينية أو الى اي شخصية أو مؤسسة رسمية او دينية

تعليقات (5)

  1. Avatar

    كنت قبل 5 سنين جالسآ انتكلم مع شخص اميركي يعمل بالنفط في حقل بزركان. قال لي انه بكى عندما شاهد الغاز يحرق والناس بالقرب منه يعيشون في بيت طين بلا كهرباء. ثم قال لي لماذا و بدت الحسرة واضحة عليه, قال لماذا تحرقون المال؟ والاسوء انكم تحرقونه بأستمرار.
    والله اني عندما ارى الغاز يحرق اتمنى لو يكون لي قوة فأرمي به السياسيين في عيون النار و اول من ارمي هو صاحب السياسة العبثية الذي قضى 8 سنوات قادنا في نهايتها الى هذه الازمة المالية.

    • dr.schuber
      dr.schuber:

      السيد فيصل المحترم
      شكراً على تعليكم والذي وافقنا على نشره بالرغم من تحفظاتنا على المحتوى السياسي له. نود الاشارة الى ان الغاز المصاحب يحرق منذ بدء عمليات استخراج النفط في العراق قبل أكثر من 80 عاما ولذى لايمكن تحميل المسؤلية لحاكم معين وانما لكل الحكام واصحاب القرار السياسي.
      هيئة التحرير

  2. Avatar

    الى استاذي العزيز د. مظهر
    ان اهم مصدر من مصادر الدخل للعراق هو النفط كما هو معلوم والعراق في الوقت الحاضر يعتمد على الشركات بنسبة تصل الى 80% لستخراجة نيابة عنا وقد وصلت مدة هذا العقود ال 25 عام , واذا ما قورنت العمليات الاستخراجية النفطية بالغازية تعد العمليات للسيطرة على الغازعالية التعقيد من ناحية الكلفة والتكنلوجيا المستخدمة , وابشرك يا دكتورلقد وجد العراق من يقوم بهذا الامر نيابة عنة ايضا كما هو الحال في باقي الامور وشكراً

  3. Avatar
    مصطفى محمد:

    الى استاذي الفاضل د. مظهر محمد صالح بعد التحية
    يعد الغاز مصدر مهم في توليد الطاقة والعنصر الرئيس في المشتقات النفطية ، فالنار الازلية في العراق لم تستغل بالصورة الصحيحة وانما يتم هدرها بسهولة وخصوصاً بعد الوضع الامني المتردي الذي يجري في البلد .

  4. فاروق يونس
    فاروق يونس:

    نعم عزيزى دكتور مظهر محمد صالح صدقت ( اذا كان الانتفاع من الغاز او الاستثمار به وتسويقه يتطلب تبريده اولا قبل حرقه لتوليد طاقة مفيدة او منتجة فى المجتمعات الصناعية فان هدر الغاز وتبذيره فى المجتمعات التى لا تنتفع به يتطلب حرقه اولا والتطلع الى ناره الازلية الناجمة عنه لتوليد متعة مزيفة باردة قوامها ابخرة لا تترك سوى التلوث الذى ما يزال جاثما على صدورنا ويجتر همومننا !!)
    واليك البرهان
    جماعة حفروا حفرة وقع فيها رجل صائغ وقرد وسبع
    مر بهم رجل سائح فاشرف على الحفرة فبصر بالرجل وقال لست اعمل لاخرتى عملا افضل من ان اخلص هذا الرجل من هوْلاء الاعداء فاخذ حبلا وادلاه الى البئر فتعلق به القرد لخفته فخرج ثم ادلاه ثانية فالتفت به الحية فخرجت ثم ادلاه الثالثة فتعلق به السبع فاخرجه فشكرن له صنيعه وقلن له لا تخرج هذا الرجل فانه ليس شىْ اقل منه شكرا من الانسان لكن السائح لم يلتفت الى ما ذكروا من قلة شكر الانسان فادلى الحبل واخرج الصائغ شكر القرد السائح لكن السبع قام بقتل ابنة الملك واخذ حليها وقدمها هدية للسائح الذى انقذه ولم يكن السائح يعلم مصدر هذه الحلى فذهب الى الصائغ الذى انقذه من الحفرة ليعرض عليه الحلى فان كان معسرا لا يملك شيئا فسيبيع هذا الحلى فيسفوفى ثمنه ويعطيه بعضه وياخذ بعضه وهو اعرف بثمنه
    قال الصائغ للسائح اطمئن ثم خرج الى الملك بهدف التزلف والتقرب منه منه وقال له ان الذى قتل ابتك واخذ حليها عندى فارسل الملك واتى بالسائح فلما راى الحلى معه لم يمهله وامر به ان يعذب ويطاف به فى المدينة ويصلب فلما فعلوا به ذلك جعل السائح يبكى ويقول باعلى صوته لو انى اطعت القرد والحية والسبع فيما امرننى به وخبرتنى من قلة شكر الانسان لم يصر امرى الى هذا البلاء
    المصدر : كليلة ودمنة بشيىء من الاختصار والتصرف

اترك رداً على مصطفى محمد إلغاء الرد

%d مدونون معجبون بهذه: