قطاع التأمين الوطني والاجنبي

مصباح كمال: خطر الفيضان في العراق ودور الدولة والتأمين

[1]    تقديم

هذه الورقة هي محاولة أولية للاقتراب من موضوع الفيضانات والسيول في العراق لفتح باب النقاش لوضع حلول تأمينية للتعويض من الخسائر والأضرار المادية الناجمة عنها تشترك فيها الدولة وقطاع التأمين.  وكما سأوضح فيما بعد فإن فكرة المقالة قديمة بعض الشيء.

سيلاحظ القراء إن الاقتباسات طويلة وهذا مقصود لأنها تضم معلومات مهمة، كما أنها تؤشر إلى أن رصد ما ينشر في الصحافة العراقية يشكل مصدراً جيداً للمعلومات الآنية للمتابعة اليومية لكنها لا تغني عن البحث العلمي والاستفادة من البيانات المتوفرة في المحافظات والدوائر النوعية الاتحادية وفي الإقليم التي لم يجري الاستفادة منها في بحوث أكاديمية وتطبيقية.  ولشحّة ما يكتب عن موضوع الفيضانات في العراق فإن التغطية الصحفية يظلُّ مصدراً مفيداً لتوليد بعض الأفكار وترجمتها تأمينياً رغم أن هذه التغطية لا تقدم أرقاماً وبيانات عن حجم الخسائر وأنواعها والفئات المتضررة منها.[1]

[2]    أخبار صحفية عن الفيضانات

“نشرت الإندبندنت [البريطانية] موضوعاً تحت عنوان “أمطار الرعب في العراق”… وتصف الجريدة الأوضاع السيئة في بعض القرى والمدن العراقية حيث كونت الأمطار مستنقعات في الشوارع وأثارت حالة استياء بين المزارعين … وتقول الجريدة إن كثافة الأمطار التي هطلت على مناطق وسط وجنوب العراق وشمال شرق المملكة العربية السعودية غير مسبوقة موضحة أنها أزاحت أمامها منازل ومبان ومنشآت وجرفت طرقاً وسيارات.

وتقول الجريدة إن العراقيين البسطاء في مدينة النجف جنوب العراق لم يكن أمامهم فرصة كبيرة للنجاة من الأمطار دون خسائر حيث جاءت السلطات في وقت متأخر وطالبتهم بترك منازلهم والرحيل.  ورغم ذلك فإن سيدة وأبناءها الثلاثة غرقوا داخل منزلهم ولم يتمكنوا من الفرار.

وفي قرى أخرى يؤكد المزارعون إن قطعاناً كاملة من الماشية قد جرفتها السيول ولا يعرفون عنها شيئاً ويقول مختار أحد القرى “عشت هنا منذ عام 1973 ولم أر شيئا كهذا من قبل”.

ويقول المواطنون العراقيون الذين دمرت منازلهم إنهم لم يتلقوا شيئا من الحكومة ويعانون من الجوع والبرد بينما يلقي رئيس الوزراء نوري المالكي باللائمة على المعارضين السياسيين الذين خربوا على حد قوله أنظمة الصرف الصحي في العاصمة ما تسبب في السيول التي اجتاحت بغداد.

ويقول خبراء إن أنظمة الصرف الصحي وبعض السدود قد تكلفت ما يزيد على 7 مليارات دولار منذ عام 2003 لكنها أنظمة مشلولة تماماً ولا تعمل بسبب ما يقولون إنه “فساد حكومي””.

رأي اليوم، 28 تشرين الثاني 2013

http://www.raialyoum.com/?p=25834

++++++++++

“طالب نائب محافظ الديوانية مجلس النواب، الخميس، بزيادة التخصيصات المالية المخصصة للطوارئ للعام المقبل 2014 بعد ما وصفه بـ “اخفاق” الحكومة بتعويض المتضررين والمنكوبين.

وقال … ان “على أعضاء مجلس النواب زيادة تخصيصات الطوارئ ضمن موازنة عام 2014 التي قدمها مجلس الوزراء للبرلمان هذا الأسبوع وإعطائها للمحافظات وحسب النسب السكانية بهدف تحقيق أهدافها في إغاثة المواطنين في حالات الكوارث الطبيعية”.  وأضاف “ان دعوتنا جاءت للبرلمان بعد إخفاق الحكومة في تعويض المتضررين من الأمطار والسيول في مطلع العام الجاري ولغاية الآن لم تصل الأموال للمتضررين في المحافظة رغم اكتمال كافة الإجراءات الأصولية”، مردفا “وتكرر فشلها في توفير الأموال المخصصة للكوارث الطبيعية والطارئة في موازنة 2013 بعد كارثة الأمطار الشهر الماضي”.”

أصوات العراق، 12 كانون الأول 2013

++++++++++

“أعلنت محافظة صلاح الدين، الأربعاء، اعتبار منطقة المسحك شمال تكريت “منكوبة” بعد غرق أكثر من ألفين منزل فيها بمياه نهر دجلة بسبب الامطار ونفوق أعداد كبيرة من الأغنام، فيما أكدت أن الأجهزة الأمنية تواصل عمليات إجلاء الأسر من تلك المنطقة.”

السومرية نيوز/ صلاح الدين، 30 كانون الثاني 2013

++++++++++

“أعلنت محافظة صلاح الدين، الخميس، عن إجلاء أكثر من 3000 أسرة جراء السيول التي جرفت مساحات واسعة من الأراضي الزراعية شرق تكريت، فيما قدرت الخسائر المادية التي سببتها تلك السيول بالمليارات.

“السيول تسببت كذلك بجرف مساحات زراعية واسعة، وإلحاق أضرار مادية بالمنازل والسيارات”، مؤكدا أن “الخسائر التي خلفتها السيول تقدر بالمليارات في عموم المحافظة”.

السومرية نيوز/ صلاح الدين، 31 كانون الثاني 2013

+++++++++

“أعلنت مديرية الدفاع المدني في كركوك، اليوم الخميس، انهيار نحو 20 منزلاً وإلحاق أضرار كبيرة بـ 50 منزلاً أخرى في أحياء متفرقة وقرى في المحافظة، جرّاء الفيضانات والإمطار التي هطلت عليها، في حين أكدت عدم تسجيل أي أصابات أو وفيات.”

المدى برس / كركوك 31 كانون الثاني 2013

+++++++++

“ألغى مجلس محافظة بغداد، تخصيصات الطوارئ للعام الجاري، لقلة الموازنة المخصصة لهذا العام، مشيراً إلى أن إلغاء هذه التخصيصات جاء بتصويت من أعضاء المجلس.”

الإعلام العراقي، 14 أذار 2014

http://www.imn.iq/news/view.39192/

هذه الأخبار الصحفية تكشف، بعبارات عمومية، الأضرار التي طالت الناس، وفي ذات الوقت تكشف عن ضعف، أو قُل فشل، الحكومة في التصدي لأخطار الفيضان، وفي توفير أموال مخصصة للطوارئ والقدرة على صرفها بانتظام، وفي تعويض المتضررين دون تلكؤ.

[3]          الموقف الرسمي من الفيضانات

لم تصدر الحكومة بياناً رسمياً لتطمين الناس بأنها ستقوم باتخاذ الإجراءات المناسبة لحمايتهم وأموالهم من الفيضان.  واعتماداً على ما تنشره الصحافة ليست هناك إرشادات رسمية مدروسة للتعامل مع أخطار الفيضان.  وتكتفي الحكومة برصد احتياطي طوارئ في الموازنة للصرف منها، بدون انتظام، على المتضررين من كوارث الطبيعة أو العمليات العسكرية.  وليس لدى المؤسسات الرسمية المعنية استعدادات جاهزة للتعامل مع أخطار الفيضانات والكوارث الطبيعية الأخرى.  وقد لا نكون مبالغين بالإشارة إلى غياب إدارة حقيقية للأخطار على المستوى المادي والتمويلي لوسائل الحماية.

نقرأ التالي في مشروع قانون موازنة 2014:

“يخصص مبلغ مقداره (150000000) ألف دينار (مائة وخمسون مليار دينار) احتياطي الطوارئ ضمن اعتمادات المصروفات الاخرى لموازنة وزارة المالية الاتحادية من أصل التخصيصات الواردة بالبند (اولا ـ ب) المشار اليها اعلاه.”

الفصل الثاني من نص مشروع قانون موازنة 2014 المرسل الى البرلمان

جريدة الصباح

http://www.alsabaah.iq/ArticleShow.aspx?ID=62527

ثم نقرأ ما قرره مجلس الوزراء:

“وأوعز المجلس بإعادة تخصيص المبالغ اللازمة لتعويض المتضررين من جراء هطول الامطار في محافظة بغداد والبالغ عددهم 20 ألف معاملة ضمن موازنة عام 2015.”

قرارات مجلس الوزراء للجلسة رقم 2 يوم الثلاثاء الموافق 16 ايلول 2014

وهكذا يبدو الموقف الرسمي محصوراً في تعويض المتضررين.  والأمل معقود على تنفيذ المشاريع الهندسية القادرة على التعامل مع أخطار الفيضانات والسيول عند وقوعها، للحد من آثارها الاقتصادية والبيئية.  ونعني بهذا التوسع في بناء مجاري التصريف، وكذلك تطوير نظام الإنذار المبكر لمساعدة الناس والمنشآت الصناعية والتجارية للتحوط من الفيضان، وهذه من وظيفة الهيئة العامة للأنواء الجوية والرصد الزلزالي.[2]

[4]          مشروع تكوين قاعدة بيانات إحصائية للفيضانات

ترجع فكرة هذه المقالة إلى رسالة وجهتها بتاريخ 1 شباط 2013 إلى المدير المفوض لجمعية التأمين العراقية ذكرت فيها الآتي:

“تعرضت بعض مناطق العراق الجنوبية إلى هزات أرضية )زلازل صغيرة لم تصل، إن لم تخني الذاكرة، إلى 5 درجات حسب مقياس ريختر) خلال العام الماضي، وتتعرض هذه الأيام مناطق عديدة، بما فيها بغداد، إلى السيول والفيضانات.  حسب المعلومات القليلة التي اطلعت عليها فإن الهزات الأرضية لم تحدث أضراراً بشرية أو مادية في حين أن السيول والفيضانات قد أدت إلى خسائر مادية للممتلكات لا يعرف حجمها وربما لم يجري تقديرها … وليس معروفاً إن كانت بعض هذه الممتلكات مؤمن عليها وأصبحت أضرارها موضوعاً للتعويض (insured losses).  ومهما يكن الأمر فهناك خسائر اقتصادية (خسائر غير مؤمن عليها economic losses) لو جرى البحث فيها لأمكن لشركات التأمين التفكير بتوفير أشكال من الحماية التأمينية لها وتعظيم إيراداتها الاكتتابية، وكذلك توسيع دور التأمين في الاقتصاد والمجتمع.

هذا الموضوع يشغل بالي منذ سنوات لكنني لا أتوفر على البيانات الإحصائية للكتابة بشأنها.  أعرف أن الزميل المهندس سمير شمعان كتب دراسة في أوائل سبعينيات القرن الماضي عن أخطار الفيضان في العراق عندما كان يعمل في شركة إعادة التأمين العراقية (لا أتوفر على نسخة من هذه الدراسة).  ومنذ ذلك الوقت لم يُكتب عن موضوع الفيضانات والزلازل رغم حضور هذين الخطرين بدرجات متفاوتة في انحاء مختلفة من العراق.

أود أن اقترح على الجمعية القيام بمهمة رصد ما ينشر عن مثل هذه الظواهر الطبيعية لتكوين قاعدة بيانات مبوبة تستفيد منها شركات التأمين والباحثين.  وهي ستكون، كذلك، مادة مفيدة لأغراض التفاوض مع معيدي التأمين.  ولعل الجمعية تستطيع التوسع في هذا العمل من خلال التنسيق مع هيئات الإرصاد للاستفادة من البيانات التي افترض توفرها لديها.  مثل هذا العمل سيعزز مكانة الجمعية.”

وقد شَكَرنا المدير المفوض للجمعية لاهتمامنا وإلفات نظر الجمعية إلى أهمية هذا الموضوع، وأن الجمعية ستجهد ضمن الإمكانيات المتاحة لتوفير إحصائيات شاملة للموضوع الذي أثرته.

من المؤسف حقاً أن لا تتوفر إحصائيات عن الخسائر المادية المباشرة المترتبة على الكوارث الطبيعية (الجفاف، الفيضان، الحالوب، الزلازل) المؤمن عليها أو غير المؤمن عليها والخسائر المالية التبعية (خسارة الدخل نتيجة لتوقف الإنتاج).  وحتى قطاع التأمين لم يأخذ على عاتقه بعد رصد الكوارث الطبيعية المعلن عنها في أجهزة الإعلام وغيرها من المصادر الرسمية التي لم نتعرف عليها، أعني الهيئة العامة للأنواء الجوية والرصد الزلزالي.

[5]          بعض الآثار الاقتصادية للفيضانات

نقص دراسة آثار الفيضانات والسيول في العراق

المقتطفات الصحفية تذكر بعض الأضرار الاقتصادية للفيضانات ومنها: جرف الطرق والسيارات، نفوق الأغنام والمواشي، تدمير منازل، جرف مساحات من الأراضي الزراعية، إجلاء الأسر من مناطق سكناهم وغيرها.  ومما يؤسف له عدم وجود تقديرات عن حجم هذه الأضرار المادية المباشرة.  هناك أضرار أخرى، غير مباشرة، تتمثل بوقت العمل الضائع، وبخسارة الدخل (بسبب توقف الأعمال عقب الفيضان) لبعض الفئات المتضررة.  كل هذا يُشكّل هدراً اقتصادياً يستدعي دراسة كمية.

ليست هناك إحصائيات رسمية أو سجل للفيضانات في العراق تفصل فيها المساكن والمحلات التجارية والمعامل وغيرها المتضررة بالفيضان.  والانطباع العام هو ان الكوارث الطبيعية في العراق تبدو صغيرة في حجمها وآثارها مقارنة بمثيلاتها في دول أخرى.  فهي لا تُصنّف ككوارث كبيرة عند مقارنتها مع ما يحدث في دول أخرى (تايلند، بعض الدول الأوروبية، الولايات المتحدة).

الآثار المباشرة وغير المباشرة

تجمع الدراسات على أن الفيضانات تترك آثاراً على البيئة والاقتصاد والناس.[3]  فقد تؤدي الفيضانات إلى جرف مواد كيمياوية خطرة إلى الأنهار والمسطحات المائية مما يؤدي إلى تلويثها.  وقد تغير الفيضانات توازن النظام البيئي (الإيكولوجي( (ecosystem): نفوق الحيوانات وظهور الحشرات في المناطق المتضررة.

كما تؤدي الفيضانات في بعض الأحيان إلى وفاة الناس، وإصابة البعض الآخر، واضطرارهم إلى هجر مساكنهم.  وقد تؤدي إلى انقطاع الكهرباء ومياه الشفة.  وتخلق شروطاً مناسبة للأمراض وعدوى الانتقال.

ويمكن النظر إلى الفيضانات من حيث آثارها المباشرة المتمثلة بالوفيات، وتضرر السيارات والمساكن والمباني والمنشآت الأخرى كالجسور، انظمة الصرف الصحي، الطرق، القنوات (وعرقلة تعبئة الموارد لمكافحة آثار الفيضان)، تضرر خطوط نقل القدرة الكهربائية (سقوط الأبراج) وبالتالي خسارة الطاقة لمعالجة مياه الشرب، أو تلوث هذه المياه، والتسبب بالأمراض (الكوليرا والتيفوئيد وغيرها)، انغمار الأراضي الزراعية مما يتسبب بعدم القدرة على الحصاد والغرس، وتضرر السيارات.

ومن الآثار غير المباشرة كلفة إعادة البناء، والنقص في عرض المواد الغذائية نتيجة لتدمير المحاصيل، والآثار النفسية على المتضررين (الوفاة، الأضرار البدنية، فقدان الممتلكات)، زيادة الرطوبة في البيوت (قد تؤدي إلى مشاكل في التنفس).

يضاف إلى ذلك أن الفيضانات تستدعي تعبئة موارد مختلفة لإسعاف الناس والمناطق المنكوبة.  كما أن ما يدمر يحتاج إلى وقت للتصليح قد يمتد لفترة طويلة حسب نوع الضرر.

أثر إيجابي

لا نعدم أن نجد أثراً إيجابياً للفيضانات (وبخاصة الفيضانات المتكررة والصغيرة غير المدمرة) في المناطق السهلية (plains) والأراضي الزراعية إذ أن مياه الفيضان تحمل معها مغذيات (nutrients) تستقر في السهول وهذه مفيدة لزراعة محاصيل معينة.  ويمكن أيضا أن تعمل على إعادة شحن المياه الجوفية، وعلى توفير موارد مائية في المناطق القاحلة وشبه القاحلة حيث يكون توزيع هطول الأمطار غير متساو على مدار العام.

[6]        دراسة حلول تأمينية لخطر الفيضان

التأمين التجاري المتوفر في الوقت الحاضر

بعض وثائق التأمين المعتمدة في العراق تغطي خطر الفيضان ومنها: وثيقة التأمين الهندسي (وثيقة تأمين كافة أخطار المقاولين، ووثيقة تأمين كافة أخطار النصب، ووثيقة عطب المكائن فيما يخص المكائن الموجودة في الأماكن المفتوحة)، وثيقة التأمين الزراعي المركبة، وثيقة الحريق (بعد توسيع غطاءها بملحق التأمين على الفيضان إذ أن الوثيقة النموذجية الأساسية توفر تأميناً من أخطار الحريق والصواعق فقط)، وثيقة كافة الأخطار للممتلكات.  لكن هذه التغطيات محصورة بفئات محددة لها القدرة المالية على شراء وثيقة تأمين في حين أن الجمهور الواسع من الناس لا يمتلك موارد مالية كافية للإقدام على شراء الحماية التأمينية.

كتبت في هامش على ورقة الزميل عبد القادر فاضل، المذكورة أعلاه، تعليقاً اقتبس منه الآتي:

“اقترحت على السيد صادق الخفاجي، رئيس جمعية شركات التأمين العراقية، والسيد فلاح حسن، المدير المفوض للجمعية، أوائل أيار 2013 دراسة موضوع تكوين صندوق من قبل شركات التأمين وبعض المؤسسات الرسمية لتعويض المتضررين من الكوارث الطبيعية.  وقد كتب لي السيد صادق الخفاجي بأن مشروع الصندوق يلقى العناية وربما يستفاد من تجربة الصندوق العربي لتأمين أخطار الحرب في تشكيله وإدارته.

كما كتب لي السيد فلاح حسن بأنه سعى إلى تأسيس مُجمّع يغطي الكوارث الطبيعية، وعمم طلباً بهذا الشأن على كافة اعضاء الجمعية (شركات التأمين العاملة في العراق) إلا انه لم يحصل على موافقة الاعضاء على تأسيس هذا المجمع سوى موافقة شركتين.  وأعلمني أيضاً بأنه طلب في وقت سابق من هذا العام [2013] من وزارة الموارد المائية تزويد الجمعية بخارطة تبين أو تحدد المناطق الأكثر تعرضاً للسيول والفيضانات في العراق، لكنه لم يستلم أي رد من الوزارة!

وأضاف انه رغم ذلك سيستمر في بحث موضوع تأسيس مجمع يغطي الكوارث الطبيعية واستحصال موافقة الشركات على تأسيسه.  وفي حالة موافقة الاعضاء سيقوم بمخاطبة الجهات المعنية، من الوزارات ومجالس المحافظات، للتنسيق بشأن تمويل مثل هذا الصندوق وكيفية تشغيله.”

ولا يزال موضوع المجمع معلقاً.

محدودية دور الدولة الحالي

ليس للدولة، في الوقت الحاضر، دور في توفير نظام للتأمين من الفيضان كتأسيس صندوق تأمين لا يستهدف الربح، أو صندوق تشارك فيه الدولة وشركات التأمين، أو قيام الدولة بتقديم الإعانة لشراء التأمين لمن تتعرض أموالهم لخطر الفيضان.  دورها الحالي يقتصر على تعويض المتضررين من خلال ما يخصص للطوارئ في الموازنة العامة.  فعلى سبيل المثال، فإن قانون الموازنة العامة الاتحادية للسنة المالية 2013 أفرد مبلغ (500) مليار دينار كتخصيصات اضافية لاحتياطي الطوارئ ولمتضرري الفيضانات والكوارث الطبيعية وخوّل مجلس الوزراء صرفها عند الحاجة دون تقديمها في موازنة تكميلية لمجلس النواب.[4]

الجمع بين دور الدولة وشركات التأمين: مقتربات لتوفير الحماية التأمينية من أخطار الفيضان

يميز بعض الباحثين بين نموذجين للتعامل مع تأمين خطر الفيضان.  نموذج التأمين الفردي الذي عادة ما تقوم به أسواق التأمين التجارية المفتوحة بموجب عقد مع المشتري الفرد.  ويعتمد مستوى غطاء التأمين في هذا النموذج على القدرة المالية للفرد وما يستطيع شرائه من غطاء.  وبفضل طبيعته فإن هذا التأمين يكون طوعياً إذ أن طالب التأمين له حرية تحديد حجم الغطاء التأميني الذي يرغب به ويستطيع شراؤه.

وهناك النموذج التأميني التضامني وهو ما تقوم به أو يجب أن تقوم به الدولة.  وهنا يكون مستوى الغطاء التأميني مستقلاً عن القدرة المالية للأفراد لتسديد قسط شراء الحماية التأمينية وبفضل طبيعته فإن الفرد لا يحدد مستوى الحماية المرغوبة فهو نظام يقوم على المساواة ومتاحاً للجميع، وهو بهذه الصفة يشبه نظام التأمين الصحي التي توفره الدولة في المملكة المتحدة.[5]

في بريطانيا، هناك مشروع لفرض مبلغ قدره 10.50 عشر باونات وخمسين بنساً على أقساط جميع وثائق تأمين المساكن سواء في المناطق المعرضة لخطر الفيضان أو المناطق التي لا يشكل فيها الفيضان خطراً ملحوظاً، تسدد لمجمع تأميني مختص لا يستهدف تحقيق ربح (Flood Re) يبدأ العمل به في العام القادم.  هذا النوع من الجباية يقوم على مبدأ تضامني هو الدعم المتبادل cross subsidization بين فئات المجتمع المختلفة، وبالتخصيص تقديم إعانة لقسط تأمين حوالي 500 ألف مسكن في المناطق الأشد تعرضاً للفيضان.  وهناك محاولات مماثلة في ألمانيا وهولندا لإلزام المالكين للتأمين ضد خطر الفيضان وأخطار الطبيعة الأخرى، وربما في دول أوروبية أخرى لم يتسنى لنا بحثها، وذلك لتوزيع كلفة تغطية هذه الأخطار.

وتشترط حكومة الولايات المتحدة منذ عدة عقود تأمين الفيضان، خاصة في المناطق المعرضة للفيضان.[6]

اشتراك المؤمن لهم وشركات التأمين والدولة في مجابهة خطر الفيضان

حددت دراسة تأمينية حديثة عن خطر الكوارث موقفاً يقوم على التشارك في الخطر وفي وسائل التخفيف من آثاره، من خلال ربط ودمج دور كل من المؤمن لهم (المتضررون الأصليون)، وصناعة التأمين (الممولة التجارية للتعويض عن الخسائر والأضرار) والدولة (الملاذ الأخير لتحمل الأعباء المالية المترتبة على خطر الكوارث).[7]

فالمؤمن لهم مسؤولون عن:

  • شراء الغطاء التأميني.
  • القيام بتنفيذ وسائل الحماية والصيانة ضد خطر الفيضان.
  • إدارة الخطر المتكاملة.[8]
  • ولهم حق الحصول على المعلومات.

صناعة التأمين (التأمين المباشر وإعادة التأمين) مسؤولة عن:

  • تقديم حلول تأمينية توازن بين الحاجات التأمينية وفي نفس الوقت إدارة محفظة تامين الفيضان بتحوط/باحتراس بحيث تستطيع شركة التأمين تلبية جميع المطالبات بالتعويض من أضرار الفيضان في الوقت المناسب.
  • الحفاظ على تنظيم كفوء لإدارة العمل
  • إدارة خطر متكاملة
  • تعزيز الوعي بأخطار الكوارث واستنباط الدروس منها، وتبادل المعلومات التفصيلية الخاصة بالخسائر لتحسين التقييم الاكتتابي لأخطار الكوارث

 

أما الدولة، فتكون مسؤولة عن:

  • إدارة المخاطر المتكاملة.
  • وضع القواعد التوجيهية.
  • الاهتمام بتأسيس وإدامة تدابير الحماية من الكوارث.
  • تخطيط استخدام الأراضي بشكل مناسب.
  • تحديد موارد مخصصة للتدخلات والأنشطة ذات العلاقة والطوارئ.
  • تحسين مستوى الوعي بأخطار الكوارث.
  • وتحديد الإطار القانوني للتأمين.

تنطوي حزمة الإجراءات هذه، في الإطار العراقي، على بعد اقتصادي، طبقي، يفترض توفر الإمكانية المالية للمعرضين لخطر الفيضان لشراء الحماية التأمينية المناسبة.  الانطباع السائد هو أن أكثر الناس تضرراً من الفيضان هم الفئات الفقيرة والمهمشة.  مثل هؤلاء لا يملكون ما يكفي من الدخل النقدي لشراء أي شكل من أشكال الحماية التأمينية.  وبالنسبة للفئات الاجتماعية الأخرى، التي تتوفر على دخل صغير لكنه مستمر، فإنها تميل إلى الانفاق على المقتنيات المادية، ولا يظهر التأمين في سلم أولياتهم.  ولذلك لا مناص لتدخل الدولة بالتعاون مع قطاع التأمين لإيجاد حلول اقتصادية تعتمد مبادئ التضامن الاجتماعي.

أما ما يتعلق بدور قطاع التأمين في العراق، فأنا على قناعة بأن الإمكانيات الأساسية، على قلتها، متوفرة محلياً ويمكن تطويرها بالتعاون مع أطراف أخرى خارج القطاع للبدء بتطبيق فعلي للإجراءات المذكورة أعلاه.  وقد يحتاج القطاع إلى استدراج مساعدات فنية تأمينية وحماية إعادة التأمين من خارج العراق.  وتحقيق بعض هذه الإجراءات يقع على عاتق جمعية التأمين العراقية.  ومن المفيد جداً دراسة نماذج التعامل مع أخطار الفيضان في دول أخرى.

بالإضافة إلى الحلول التأمينية المتاحة تجارياً يتعين على مؤسسات الدولة المعنية تعبئة بعض الموارد لإدارة أخطار الفيضانات (وهذه مسألة هندسية ولوجستية كبناء مجاري لتصريف مياه الأمطار والسيول) ولا تكتفي بتعويض المتضررين وقت الاستحقاق من احتياطي الطوارئ في الموازنة.  وذلك لأن التعويض لا يلغي أسباب تحقق الأخطار والتسبب بالخسائر والأضرار في المستقبل.

ليست لديناً حلولاً جاهزة للتعامل الحكومي والتأميني مع اخطار الفيضان والكوارث الطبيعية الأخرى.  ويتطلب التوصل إلى حلول مناسبة دراسة واقع الحال ومشاركة أطراف عديدة (تأمينية وحكومية ونقابية ومنها اتحادات الصناعيين) في الرصد والتقييم وتقديم التوصيات وصولاً إلى وضع الحلول.

(*) إستشاري وباحث في قضايا التأمين

حقوق النشر محفوظة لشبكة الإقتصاديين العراقيين. يسمح بالاقتباشس واعادة النشر بشرط الاشارة الى المصدر. لندن 24 أيلول/سبتمبر  2014

الهوامش 


[1] خلال فترة فيضانات 2013 وما بعدها لم تكتب، حسب علمنا، سوى مقالة تأمينية واحدة قصيرة، وهي مقالة الزميل عبد القادر عبد الرزاق فاضل: “2013 عام الفيضانات في العراق،” مرصد التأمين العراقي

https://iraqinsurance.wordpress.com/2013/05/19/floods-in-iraq-in-2013/

[2] لم يسفر البحث في موقع الهيئة عن معلومات حول مشاريع منع الفيضانات والتعامل معها.  والموقع فقير لكنه مزدان بصور هذا الوزير وذاك!

http://meteoseism.gov.iq/ar/

[3] استفدنا من الأنترنيت في كتابة بعض فقرات هذا الجزء من المقالة.

[4] ليست لدي معلومات عن آلية التوزيع على المتضررين من الكوارث والأسس المعتمدة لحساب كلفة الضرر.

[5] يمكن متابعة التفاصيل والحجج بشأن هذين النموذجين في دراسة:

John O’Neill and Martin O’Neill, Social Justice and the future of flood insurance, Viewpoint, York, Joseph Rowntree Foundation, March 2012.
http://www.jrf.org.uk/sites/files/jrf/vulnerable-households-flood-insurance-summary.pdf
 

[6] أنظر:

Emmet J. Vaughan & Therese Vaughan, Fundamentals of Risk and Insurance, 8th Ed (New York: John Wiley & Sons, Inc., 1999), pp 485-489.

يمكن متابعة بعض جوانب السلوك الاقتصادي تجاه شراء تأمين الفيضان في:

Howard C. Kunreuther, Mark V. Pauly, Stacy McMorrow, Insurance & Behavioral Economics (New York: Cambridge University Press, 2013)
 

[7] The Global Reinsurance Forum, Global reinsurance: strengthening disaster risk resilience, September 2014 (Basle: The Forum)
http://grf.info/images/Publications/GRF2014-Global_reinsurance-strengthening_disaster_risk_resilience.pdf
 

[8] تجمع التعريفات المختلفة لإدارة الخطر المتكاملة (integrated risk management) التي تطبق على المؤسسات التجارية والمالية والصناعية وحتى الإدارات العامة الحكومية والبلدية، على أن ممارسة إدارة الأخطار بفعالية لا يمكن أن تتم في عزلة.  ولذلك تهدف إدارة المخاطر المتكاملة إلى تطوير إدارة الأخطار كعملية مستمرة، استباقية ومنهجية لفهم وإدارة المخاطر على نطاق المؤسسة بطريقة متماسكة ومتسقة والتواصل مع كل الأطراف في المؤسسة.  هذا المنهج في إدارة الخطر يقع في صلب عملية اتخاذ القرارات الاستراتيجية التي تساهم في تحقيق الأهداف العامة للمؤسسة.  ويتطلب تقييماً مستمراً للأخطار على كل المستويات وفي كل قسم من أقسام المؤسسة، وتجميع نتائج الرصد والتطبيق، واستخدام هذه النتائج المجمعة لتكون قاعدة معرفية لاتخاذ القرارات والممارسات والعمل داخل المؤسسة.

الاراء المطروحة في جميع الدراسات والابحاث والمقالات المنشورة على موقع الشبكة لاتعكس بالضرورة وجهة نظر هيئة تحرير الموقع ولا تتحمل شبكة الاقتصاديين العراقيين المسؤولية العلمية والقانونية عن محتواها وانما المؤلف حصريا. لاينشر اي تعليق يتضمن اساءة شخصية الى المؤلف او عبارات الكراهية الى مكون اجتماعي وطائفة دينية أو الى اي شخصية أو مؤسسة رسمية او دينية

تعليقات (4)

  1. مصباح كمال
    مصباح كمال:

    عزيزي كامل
    تحية طيبة
    أشكرك على قراءتك القيمة لمقالتي، وبيان أبعاد إضافية لمسألة التعامل مع خطر الفيضان. هذا المقترب الذي ذكرته في تعليقك هو موضوع يستحق النقاش ويمكن أن يتوسع ليشمل مجالات أخرى في الحياة الاقتصادية حيث تتحد موارد الدولة مع موارد القطاع الخاص لتحقيق منافع اجتماعية عامة بتكاليف اقتصادية مقبولة، مثلما يمكن الجمع بينهما في إدارة أخطار الفيضان، وغيرها من كوارث الطبيعة، حتى قبل التفكير بحل تأميني صرف.
    مصباح

  2. Avatar
    كامل العضاض:

    عزيزي مصباح
    بعد التحية
    قرأت مقالك الممتاز أعلاه، واثني على جهودكم الخبيرة والأمينة؛ إنه مقال هادف وموضوعي. الحقيقة في رأيّ هناك ثلات ابعاد للمسألة يمكن إبرازها توصيفا وتحليلا:
    1. للدولة أو الحكومة دور مسؤول في هذا المجال لتطوير البنى الإرتكازية ليس فقط الحامية من الفيضانت بل ايضا في توظيف مياه الفيضانات لإغراض بيئية وإقتصادية؛
    2. الدعم الحكومي بطريقة مؤسسية بالتعاون مع شركات التأمين ليس فقط لتعميق الوعي التأميني، إنما ايضا لتوفير رافعة مالية داعمة لتكاليف وثائق التامين من قبل طالبيها؛
    3. تطوير قطاع التأمين العام والخاص ليصبح فاعلا ومتناسقا مع مؤسسات إعادة التامين، وبهدف توسيع شمولية التأمين ضد الفيضانات وغيرها ولإستدناء التكاليف.
    شكرا لجهودك أخ مصباح مع التحيات
    كامل العضاض

  3. صباح قدوري
    صباح قدوري:

    الزميل العزيز الاستاذ مصباح كمال المحترم
    تحية طيبة
    يهدف بحثكم القيم بشكل معرفي وموضوعي الى فكرة ربط موضوع التعاون بين شركات التامين، العامة والخاصة، التي تهدف عادة الى تحقيق الربح من عملها والجانب الحكومي الذي يهدف الى تحقيق نفع العام ، لانشاء صندوق متضرري الفيضان في العراق.وتساعد هذه الفكرة الى المشاركة الفعالة في توفيرالخدمات للمواطنين ، ويجمع بين الهدف الاقتصادي الضروري والاهداف الاجتماعية. ان ميزة انشاء الصندوق هي، ان الهيئة التي ستشرف عليه تتمتع بالامركزية في الادارة واتخاذ القرارات بالسرعة وتخلص مسالة التعويضات من الادارة البيروقراطية التي تتمتع بها عادة الادارة الحكومية. وهذه الحالة تشبه الى حد ما الى موضوع الزام المصارف وخاصة الخاصة منها لاداع نسبة معينة من مدخرات المواطنين لدي البنك المركزي العراقي ، وذلك لضمان دفع بعض الاستحقاقات للمودعين وعدم ضياع حقهم في حالة افلاس المصرف.
    تتبع كثير من الدول الاوربية والدول الاسكندنافية هذه الصيغة التعاونية بين الشركات والحكومة ، التي ستكون بلا شك بمثابة الضمان لتطبيق مفهوم المسؤولية الاجتماعية والاخلاقية لدورالاقتصاد الجديد في الاقتصاد اللبرالي.
    مع المودة والاحترام والتقدير

    • مصباح كمال
      مصباح كمال:

      عزيزي د. صباح
      أشكرك على ملاحظاتك القيّمة. حقاً هناك مجالات عديدة لتأسيس وتطوير التعاون بين الدولة والقطاع الخاص في العراق خاصة في تلك المجالات التي يمكن فيها الجمع بين ما أسميتَه في ملاحظتك بالهدف الاقتصادي (القائم على تحقيق الربح) والأهداف الاجتماعية (القائمة على رعاية مصالح الناس، في مواجهة الكوارث، بغض النظر عن قدراتهم المالية). الأمل معقود على ممارسي التأمين في العراق وجمعيتهم للتفكير بشكل التعاون بين شركات التأمين العراقية، الخاصة والعامة، ومؤسسات الدولة المعنية بالكوارث الطبيعية واقتراح الحلول المناسبة دون انتظار “البرابرة” لتقديم الحلول.
      مع خالص التقدير والشكر على الاهتمام بالموضوع.

التعليق هنا

%d مدونون معجبون بهذه: