لتنزيل نسخة سهلة الطباعة بصيغة بي دي أف
أولاً: وضع جيوسياسي متغير
منذ بدء الاحتجاجات في محافظة الأنبار ومناطق أخرى في وسط العراق في أواخر 2012 وتحولها تدريجياً إلى تصعيد عسكري، توسع مسرح عمليات الجماعات المسلحة وخاصة داعش ضد القوات المركزية. وخرجت الفلوجة ثم أجزاء أخرى من الأنبار منذ أوائل 2014 عن السيطرة الحكومية لتصل منعطفاً خطيراً في 10 حزيران 2014 باحتلال الجماعات المسلحة لمدينة الموصل، بعد أن كانت تحت نفوذهم لفترة طويلة. ثم احتلت مدن ونواحي من محافظتي صلاح الدين والأنبار وأنحاء من محافظتي ديالى وكركوك (ISW, 2014). و”فُتِحت” الحدود مع شرق سوريا، في 29 حزيران. وبالنتيجة تحددت في العراق، من الناحية العسكرية، ثلاثة مناطق، تتغير تخوم وامتدادات ومواقع سيطرة اثنان منها مع/في المنطقة الوسطى حسب مجرى العمليات العسكرية:
(1) كردستان وأجزاء من محافظتي كركوك ونينوى بعد أن دخلت قوات البيشمركة مناطق “متنازع عليها” ومناطق أخرى بما فيها حقول نفط كركوك.
(2) المنطقة الوسطى شمال بغداد (نينوى، صلاح الدين، ديالى، الأنبار). وهي المسرح الاساس للعمليات العسكرية. ولا زالت اجزاء مهمة منها تحت سيطرة القوات الحكومية والمتطوعين أو/و العشائر الموالية والبيشمركة. ولقد تصاعدت جهودها في استجماع شملها وتنسيقها منذ أواخر آب لاستعادة السيطرة على الأجزاء الأخرى. ولكن من ناحية ثانية، فإن الجماعات المسلحة لا زالت تسيطر على مواقع استراتيجية ولوجستية فيها وامتداداتها إلى سوريا. ويقع ضمن مجالها خط أنبوب تصدير النفط من كركوك إلى جيهان/تركيا. كما قامت باستخراج النفط في بعض حقول منطقة حمرين كحقل عجيل، (Iraq Oil Report, 9 July, 2014).
(3) بغداد والمنطقة الجنوبية. وهي تحت سيطرة الحكومة المركزية، مع تكرر الهجمات الارهابية حول “حزام” بغداد وفي داخلها، (ISW, 2014).
ولقد أثارت ممارسات الجماعات المسلحة في التهجير والاضطهاد والقتل ضد الاقليات والخصوم في المنطقة الوسطى استنكاراً عالمياً واسعاً أعقبه إجراءات لمساعدات انسانية. ونتيجة لمهاجمة هذه الجماعات لمناطق محيطة بكردستان بما في ذلك سد الموصل وكذلك تهديد أربيل في أوائل آب، رافق الإسناد السياسي الدولي تكثيف القصف الجوي الأمريكي (ودول أخرى، فيما بعد) لمواقع هذه الجماعات في العراق. وقررت دول من الإتحاد الأوربي وحتى إيران تزويد كردستان بالسلاح. وفي خطابه في 10 أيلول أعلن الرئيس أوباما عن “استراتيجية لحلف دولي” لمكافحة الارهاب تقوم على توسيع القصف الجوي في العراق (وإمكانية امتداده إلى سوريا، الذي بدأ فعلاً في أواخر الشهر) بالإضافة لتدريب وإسناد القوات العراقية ووقف تدفق المتطوعين وتجفيف منابع تمويل داعش، وأخيراً تقديم مساعدات انسانية.
ثانياً: آثار اقتصادية
بالإضافة للانقسام الجغرافي فإن العمليات العسكرية الجارية تقسم العراق فعلياً إلى مناطق منعزلة اقتصادياً. وتبعاً لسير هذه العمليات ونتائجها ستزداد أو تنخفض درجة الانعزال بتأثير مجموعتين من العوامل، الأولى آنية، تثار نتيجة الانقسام الجغرافي والثانية آنية/بعيدة المدى، وتنبع من القوة النسبية للجماعات المختلفة في النظام السياسي وخارجه والشكل الذي سيتخذه النظام الإداري.
لقد كان لعدم الاستقرار في المنطقة الوسطى وتخومها خاصة خلال السنتين التي سبقت 10 حزيران تبعات جيوسياسية أثرت سلباً على النشاط الاقتصادي للقطاعين العام والخاص في هذه المنطقة وباقي المناطق. ومنذ 10 حزيران أدى التدمير الجاري، الذي تتعرض له البنية الأساسية والمؤسسية والإنتاجية والسكانية، في هذه المنطقة إلى آثار اقتصادية سلبية إضافية عليها وعلى باقي المناطق. من ناحية أخرى، كان يمكن التعرض لآثار اقتصادية أخرى أمكن تلافيها بحيث لم تؤثر جدياً على باقي المناطق، لحد الآن. وسوف نتطرق لهذين النوعين من الآثار، تباعاً. مع ملاحظة أن العرض والتحليل في هذه الورقة يعتمد على بيانات أولية أو جزئية/انطباعية وقد يؤدي ظهور بيانات اكثر دقة وشمول إلى تغيير النتائج والاستنتاجات.
(2-1) أهم الآثار الاقتصادية السلبية
لعل أهم اثار استمرار العمليات العسكرية، على مستوى الاقتصاد الكلي، بالإضافة لانعزال المناطق، يتمثل في عدم اليقين من نتائج العملية الاقتصادية. وينعكس ذلك على القرارات الاقتصادية المتعلقة بالمستقبل خاصة تأجيل أو تقليص أو إلغاء الإنفاق على المشاريع الاستثمارية وسلع الاستهلاك الدائم. وينطبق ذلك على النشاطين العام والخاص (المحلي والأجنبي). ومما ركز هذا الامر بالنسبة للنشاط العام عدم إقرار مشروع موازنة 2014 والاقتصار بدلاً من ذلك على قواعد إنفاق ترتبط بميزانية 2013 زائداً نفقات ضرورية أخرى خاصة المتعلقة بالجانب العسكري. وعلى مستوى النشاط الخاص تدل مؤشرات جزئية وانطباعية على انخفاض عام في الطلب الاستثماري والاستهلاكي الدائم (خاصة على السكن والأراضي). وسيستمر عدم اليقين هذا، ومن ثم عدم وضوح المنظور الاقتصادي المستقبلي، حتى تنتهي العمليات العسكرية وتنجلي صورة المستقبل.
وعلى المستويات الأخرى تتمثل أهم الآثار السلبية بما يلي:
(1) تهجير وهجرة السكان ومن ثم تركيز الانعزال الجغرافي والطائفي/الديني/الأثني. في أعقاب احتلال الموصل هاجر العديد منها، من مختلف الطوائف، إلى مناطق كردستان. وبعد تصاعد التشدد الديني للجماعات المسلحة وازدياد ممارساتها في القتل والتطهير الطائفي/الديني/الأثني في الموصل وتلعفر وسنجار وديالى وصلاح الدين ازدادت هجرة السكان نحو كردستان وكركوك ومناطق محافظات المنطقة الوسطى الخارجة عن سيطرة هذه الجماعات وحتى نحو الجنوب. ومن الصعوبة تحديد رقم لهجرة وتهجير السكان داخلياً حيث أن التقديرات تختلف باختلاف الجهات التي تعدها كما أن التهجير والهجرة عملية جارية وتتأثر بمجرى العمليات المسلحة. ويبين تقدير لوكالة تابعة للأمم المتحدة صدر في أيلول 2014 أن عدد المهجرين بلغ 1.8 مليون (جدول 1). ولكن في ضوء النص، في وثيقة هذا التقدير، على أن هذه أرقام مخططة “Planning Figures as at 6 September 2014” فإن من غير الواضح فيما إذا كان هذا الرقم يمثل عدد المهجرين الفعليين حتى أوائل أيلول أم أنه اسقاط الوكالة للرقم إلى نهاية 2014.
وتقود الهجرة والتهجير إلى فقدان الممتلكات ومصادر العيش مما يرتب عبئاً اقتصادياً واجتماعياً على العوائل المهجرة والمهاجرة وكذلك على الدولة والمجتمع. هذا بالإضافة لتبعات ذلك في تخفيض الطلب الكلي على السلع والخدمات. أما من ناحية العرض فإن النقص في اليد العاملة يقود إلى انخفاض إنتاج هذه السلع والخدمات. ويؤدي تفاعل جانبي الطلب والعرض (من خلال المضاعف) إلى انخفاض كلي في الدخول والإنتاج يفوق الانخفاض الأولي الناتج عن الهجرة والتهجير. كما يرتب المهجرون والمهاجرون، خاصة الفئات محدودة الدخل وهي الأغلبية، متطلبات اقتصادية وإنسانية على الحكومة المركزية وإقليم كردستان ومنظمات المجتمع المدني والمنظمات الدولية والسكان والبنى الأساسية والخدمية في المناطق المستلمة عموماً. من ناحية أخرى، فإن عمليات القتل والتطهير الطائفي/الديني/الأثني تزيد النقمة على الأوضاع العامة وفيما بين الطوائف المختلفة وانقسام المجتمع وانعزال مناطقه، مما ينذر باستمرار النزاع في المستقبل.
(2) تَوَقُف تصدير وانخفاض إنتاج النفط من كركوك والمنطقة الوسطى شمال بغداد. لقد تعرض تصدير النفط عبر انبوب التصدير العراقي-التركي إلى تقطع مستمر خلال السنوات الماضية، نتيجة لعمليات التخريب والسرقة من أجزاء من الأنبوب. وفي ضوء عدم امكانية تحويل التصدير إلى الجنوب، من ناحية، وتكرار التخريب والسرقة، من ناحية أخرى، انخفض التصدير تدريجياً من 470 ألف برميل/يوم، أ-ب-ي، في 2009 (من مجموع إنتاج كركوك والمنطقة الوسطى شمال بغداد بحوالي 672 أ-ب-ي) حتى وصل إلى 264 أ-ب-ي في 2013 (إنتاج 520 أ-ب-ي)[1] ليتوقف في 2 آذار 2014. وبالرغم من توقف التصدير فإن الإنتاج استمر لتزويد النفط الخام لمصافي بيجي والمصافي الأخرى ومحطات الكهرباء. ولكن تَوَقُف مصافي بيجي، بعد 10 حزيران، أدى إلى تقليل الإنتاج من 289 أ-ب-ي في أيار إلى حوالي 171 أ-ب-ي في حزيران وتموز. ومع امكانية استمرار الإنتاج بهذا المستوى أو حتى ارتفاعه لإشباع حاجة كردستان الداخلية أو تصديره من خلال أنبوب التصدير الكردستاني إلى تركيا وبالشاحنات، غير أن عدم التأكد من توجهات الجماعات المسلحة في مهاجمة تخوم الإقليم، التي تصاعدت في مطلع آب، وربما حتى حقول نفط كركوك، قد يقود إلى انخفاض الإنتاج إلى أقل من مستوى حزيران/تموز.
(3) تَوَقُف المصافي النفطية في بيجي. والمصافي المعنية هي مصفى صلاح الدين (بوحدتين متساويتين) بطاقة 140 أ-ب-ي ومصفى الشمال بطاقة 170 أ-ب-ي (مجموع 310 أ-ب-ي). ويؤلف مجموع الطاقات الإنتاجية لهذين المصفيين 37% من طاقة التكرير في العراق والتي بلغت حوالي 830 أ-ب-ي في 2013 (OPEC, 2014, P. 36). ويجهز هذا المصفى محطة كهرباء بيجي بالوقود ومعمل المنظفات (والعديد من الصناعات) الكيمياوية وحوالي 60% من البنزين المنتج في العراق (Olive Group, 2011). ومن الواضح أن مثل هذا التوقف يؤثر سلباً في مستخدمي الوقود كالطاقة الكهربائية والنقل والوحدات الإنتاجية والخدمية والمنزلية، الخ.
(4) نتيجة للعمليات العسكرية والتدمير الذي تتعرض له البنية الأساسية والمؤسسية والتهجير والهجرة والتحكم ببعض السدود المائية، تأثر الإنتاج الزراعي والصناعي والخدمي سلباً في المنطقة الوسطى بشكل ملموس مما سبب نقصاً في العرض السلعي والخدمي (حسب مؤشرات اعلامية جزئية). ويمكن الاستدلال على ما يمكن أن يكون عليه حجم هذا النقص وتبعاته من البيانات المتاحة حول مساهمة الإنتاج المحلي (والذي تساهم المنطقتان الوسطى والشمالية بنسبة ملموسة فيه) في إشباع الحاجة المحلية لسنة 2011 (وهي احدث بيانات في هذا الصدد). إذ يتبين، على سبيل المثال، أن الإنتاج المحلي من الشعير أشبع 100% من الحاجة المحلية ومن الحنطة (القمح) 51% ومن اللحوم الحمراء 48%. وساهم الإنتاج المحلي من السمنت العادي والمقاوم بحوالي 35% والسمنت الأبيض 100% والمشروبات الغازية 89%. وبالإشارة للنقطة السابقة، ساهمت مصافي النفط بإشباع ما يتراوح بين 63% من الحاجة المحلية للبنزين و88% لزيت الغاز وحوالي 100% لباقي المنتجات (عدا الغاز السائل).[2] وتشير هذه الأرقام إلى ما يمكن أن يحدثه نقص الإنتاج الزراعي والصناعي أو انقطاعه في المنطقتين الوسطى والشمالية على العرض المحلي فيهما وفي باقي المناطق ومن ثم انعكاس ذلك في زيادة الأسعار و/أو زيادة الاستيرادات، إذا لم يكن بالإمكان التعويض عنها من مصادر محلية أخرى.
(5) تكاليف إضافية للتسليح بما فيها تعويض ما فقده الجيش بعد 10 حزيران وتكاليف المتطوعين والحشد الشعبي ثم تكاليف إعادة الاعمار في المناطق المتضررة وإعادة التأهيل والتعويضات للمتضررين بعد انتهاء العمليات العسكرية. ولا شك أن هذه التكاليف الإضافية ستزاحم نفقات أساسية استهلاكية واستثمارية متزايدة في الميزانية العامة تقابلها موارد مالية محدودة والتي انعكست محصلتها في تصاعد العجز المخطط في السنوات الأخيرة وتحقق عجز فعلي في 2013 (IMF, 2014) ومتوقع لسنة 2014.
(6) تأثر حركة الطيران الدولية الجوية للعراق وارتفاع تكاليف النقل والتأمين. يقود الوضع المتوتر في العراق إلى تجنب شركات الطيران من الهبوط والإقلاع من العراق. لا بل أن العديد من هذه الشركات أخذ يتجنب الطيران في المجال الجوي العراقي في رحلاته إلى بلدان أخرى يقع العراق في طريقها (مدفوعاً بتصاعد العمليات العسكرية وكذلك حادثة سقوط الطائرة الماليزية فوق أوكرانيا في أواخر شهر تموز). وحتى الشركات التي ستستمر في الهبوط والإقلاع فإن رسوم التأمين قد ترتفع لتزيد كلفة السفر ونقل البضائع ولتزيد العزلة التاريخية التي وضع العراق بها نفسه طيلة العقود الخمسة الماضية.
(7) إن وقوع الإدارات الحكومية تحت سيطرة الجماعات المسلحة في المدن والنواحي المحتلة والعبث بسجلاتها ووثائقها قد يؤدي إلى ضياع بيانات إحصائية اقتصادية وديمغرافية وغيرها بما يقود إلى فجوات جدية في سلسلة هذه البيانات.
(2-2) ما لم يتأثر جدياً بالعمليات العسكرية
(1) لم يتأثر انتاج النفط والغاز في المنطقة الجنوبية (شركتي نفط الجنوب وميسان وحقول الأحدب وبدرة) بالعمليات العسكرية وإنما أرتفع من 2.73 م-ب-ي في الأشهر الخمسة الأولى من 2014 إلى حوالي 2.89 م-ب-ي في حزيران-آب. ولكن نتيجة لزيادة امدادات النفط الخام للمصافي الأخرى (لزيادة إنتاجها وذلك لتعويض النقص الحاصل من توقف مصافي بيجي) فإن كمية صادرات النفط الخام من الجنوب انخفضت تدريجياً من 2.58 م-ب-ي في أيار إلى2.37 م-ب-ي في آب (وإلى 2.25 م-ب-ي في أيلول). لذلك فإن عوائد تصدير النفط انخفضت تدريجياً من 8.1 مليار دولار في أيار إلى 7.2 مليار دولار في آب. ومن المرجح أن تعود كمية التصدير للزيادة استجابة لتوقع استمرار الإنتاج بالارتفاع وذلك نتيجة لتنفيذ مشاريع التطوير الجارية للحقول والبنية الأساسية للخزن والنقل والتصدير في المنطقة الجنوبية.[3]
(2) المرونة في تحويل منافذ الاستيراد. إن العراق بلد شبه مقفل بحرياً فيما عدا منفذه الوحيد على الخليج العربي. لذلك فإن منافذه البرية تساهم مساهمة مهمة في إيصال الاستيرادات ومن ثم إدامة العرض المحلي. لقد تأثرت أغلب المنافذ البرية بالعمليات العسكرية في الوسط والشمال. فلقد انفصلت المنافذ عبر كردستان عن باقي العراق وأعاقت العمليات العسكرية الحركة من منافذ ربيعة في الموصل والقائم والوليد (على الحدود السورية) وطريبيل (على الحدود الأردنية). ومع أن أغلب استيرادات العراق (72%) يمر عبر موانئ ومنافذ الجنوب ولكن المتبقي هو من الحجم بمكان مما قد يؤثر انقطاعه تأثيراً ملموساً في العرض السلعي وفي الأسعار.[4] غير أن المؤشرات الجزئية المتوفرة تبين أن العرض السلعي، خارج مناطق العمليات العسكرية (خاصة كركوك، نينوى، صلاح الدين، الأنبار)، لم يتأثر بشكل ملموس. إذ بدلاً من تحويلها نحو منافذ الجنوب فإن الاستيرادات من الاردن والى حد ما من سوريا استمرت عن طريق النخيب ومن إيران عن طريق المنذرية ومن السعودية عن طريق عرعر. ونتيجة لذلك أتسم المستوى العام للأسعار بالاستقرار عموماً. إذ يتبين أن الارتفاع في الرقم القياسي لأسعار المستهلك خلال الثلاثة أشهر الممتدة من حزيران حتى آب كان أقل من 1% شهرياً في كل من كردستان وبغداد/ديالى والجنوب، فيما عدا ارتفاع قدره 3% في تموز في كردستان لينخفض إلى 0.4% فقط في آب.[5] ومع ذلك فإن احتمال تعرض المنافذ البرية للانقطاع، نتيجة للعمليات العسكرية الجارية، قد يؤدي إلى شح ملموس في العرض السلعي.
(3) سوق الصرف. لم يشهد سوق صرف العملات الأجنبية تغييرات جوهرية خلال حزيران-أيلول 2014. فمعدل الفجوة بين سعر الصرف الرسمي وسعر السوق استمر بنفس مستواه تقريباً خلال حزيران-آب (4.0%) لينخفض إلى %3.2 في أيلول، وهو أقل من مستواه في أيار (4.8%). ويشير ذلك إلى حقيقة أن متوسط الطلب على العملة الأجنبية لا يفوق كثيراً ما يعرضه البنك المركزي في مزاده اليومي. وبهذا يمكن الاستنتاج أنه بالرغم من العمليات العسكرية لم يحدث اختلال ملموس في سوق الصرف، لحد الآن. ولقد ساهم في ذلك عاملان أساسيان في جانبي العرض والطلب. ففي جانب العرض ساعد استمرار تصدير النفط من الجنوب على استمرار رفد البنك المركزي بالعملة الأجنبية. وفي جانب الطلب فإن الانخفاض في الطلب الاستثماري ولسلع الاستهلاك الدائم (الذي أشير أليه في الفقرة 2-1، أعلاه) ربما ساعد على تقييد ارتفاع الطلب على العملة الأجنبية، الذي يحدث عادة في فترات تصاعد عدم اليقين. ويجد ذلك له انعكاساً أيضاً في الطلب على العملة الأجنبية بشكل نقد cash (والذي يبين، بجانب منه، الرغبة في خزن العملة الأجنبية تحسباً لظروف غير يقينية). فبالرغم من زيادة الطلب في المزاد، على النقد، من متوسط 55 مليون دولار يومياً (خلال 1-9 حزيران 2014) إلى 58 مليون دولار يومياً خلال المتبقي من حزيران وإلى 72 مليون دولار يومياً خلال تموز/آب فإنه عاد إلى 66 مليون دولار يومياً في أيلول وهو يكاد ينطبق على مستواه في أيار.[6] ولكن تبدل ظروف العرض من العملة الأجنبية والطلب عليها وتغير مجرى العمليات العسكرية قد يغير التوقعات.
ثالثاً: استنتاجات
- كان لعدم الاستقرار في المنطقة الوسطى وتخومها خاصة خلال السنتين التي سبقت 10 حزيران تبعات جيوسياسية أثرت سلباً على الأداء الاقتصادي للنشاطين العام والخاص في هذه المنطقة وباقي المناطق.
- · ومنذ 10 حزيران أدى التدمير، الذي تتعرض له البنية الأساسية والمؤسسية والإنتاجية والسكانية، واستمرار العمليات العسكرية في هذه المنطقة إلى آثار اقتصادية سلبية إضافية على باقي المناطق. وتمثلت الآثار السلبية على مستوى الاقتصاد الكلي بانعزال العراق إلى ثلاثة مناطق (كردستان، المنطقة الوسطى، بغداد/الجنوب) وتصاعد عدم اليقين من نتائج العملية الاقتصادية وانعكاس ذلك، في النشاطين العام والخاص، في تأجيل أو تقليص أو إلغاء الإنفاق على المشاريع الاستثمارية وسلع الاستهلاك الدائم. وتمثلت اهم الآثار الأخرى في زيادة أعداد المهجرين والتطهير الطائفي/الاثني وانخفاض الإنتاج الزراعي والصناعي والعمالة والدخول واستمرار توقف تصدير النفط عبر الخط التركي وتوقف مصافي بيجي في المنطقة الوسطى. هذا إضافة لتكاليف التسليح والمتطوعين والحشد الشعبي ثم تكاليف مستقبلية في إعادة الاعمار في المناطق المتضررة وإعادة التأهيل والتعويضات للمتضررين بعد انتهاء العمليات العسكرية.
- · من ناحية أخرى، لم يتأثر إنتاج النفط في المنطقة الجنوبية. كما أمكن تحويل منافذ الاستيرادات البرية بحيث لم يتأثر جدياً العرض السلعي والمستوى العام للأسعار في بقية العراق خارج نطاق العمليات العسكرية (في المنطقة الوسطى) ولم يحدث اختلال في سوق العملة الأجنبية.
- ونتيجة لزيادة امدادات النفط الخام للمصافي الأخرى (لتعويض نقص المنتجات الحاصل من توقف مصافي بيجي) فإن كمية صادرات النفط الخام من الجنوب أخذت بالانخفاض بالرغم من زيادة الإنتاج. ولكن من المرجح أن تعود للزيادة استجابة لتوقع استمرار الإنتاج بالارتفاع.
- غير أن استمرار العمليات العسكرية لفترة طويلة سيقود إلى آثار سلبية إضافية على باقي المناطق ربما لا يمكن تلافي جميع تبعاتها.
المصـادر
International Monetary Fund, IMF (2014) Statement by the IMF Mission at the Conclusion of a Staff Visit for Iraq, Press Release No. 14/124, March 25.
Institute for the Study of War, ISW (2014) Situation and Terrain Control Reports on Iraq: since January 2014, http://www.understandingwar.org/.
Lewis, J. (2014) The Islamic State: a Counter-Strategy for a Counter-State, Middle East Security Report 21, Institute for the Study of War (ISW), Washington DC, July.
Olive Group (2011): ‘A Look into the Security of Iraq’s Oil Industry’, http://www.olivegroup.com/cst_details.php?cstid=6.
OPEC (2014) Annual Statistical Bulletin 2014.
United Nations Office for the Coordination of Humanitarian Affairs, UNOCHA (2014) IRAQ: 3W Operational Presence as of 7 September 2014, United Nations, 7 September. http://www.uniraq.org/index.php?lang=en.
(*) باحث وكاتب اقتصادي، , October 2, 2014 merza.ali@gmail.com.
(**) أشكر السادة موفق حسن محمود وكامل المهيدي على ملاحظاتهم القيمة على مسودة أولية اوسع من هذه الورقة
حقوق النشر محفوظة لشبكة الإقتصاديين العراقيين. يسمح بإعادة النشر بشرط الإشارة إلى موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين.
http://iraqieconomists.net/ar/
الهوامش
[1] يساوي إنتاج حقول شركة نفط الشمال وشركة نفط الوسط ناقصاً إنتاج حقول الأحدب وبدرة وشرقي بغداد. الأرقام في هذه الفقرة من الموقع الإلكتروني لوزارة النفط، http://www.oil.gov.iq.
[2] مساهمة الإنتاج المحلي في إشباع الحاجة المحلية لسنة 2011 (وهي أحدث سنة تتوفر عنها البيانات) للمنتجات المذكورة في المتن محتسبة على أساس الأرقام الواردة في: الجهاز المركزي للإحصاء (2013) الموازين السلعية 2011، http://cosit.gov.iq/ar/national-accounts/balances. وتبدو أرقام استيراد الغاز السائل في هذه الموازين (كمية وقيمة) عالية بشكل غير معقول. لهذا استثنيت من الحساب.
[3]على سبيل المثال، نتيجة لزيادة الإنتاج في حقل حلفاية في أيلول ازداد الإنتاج في ميسان من 233 أ-ب-ي في تموز إلى 330 أ-ب-ي في أوائل ايلول (200 أ-ب-ي لحقل حلفاية و133 أ-ب-ي لحقول مجموعة-نيسان). وأعلنت وزارة النفط، في أواسط آب/أغسطس، عن بدء تدفق النفط من حقول مجموعة-ميسان وحلفاية، عبر انبوب جديد إلى الفاو بطاقة تصديرية تبلغ مليون برميل في اليوم. وتستوعب طاقة الانبوب الجديد الطاقة الإنتاجية المستهدفة لحقول مجموعة-ميسان وحلفاية والذي يبلغ مجموعها 985 أ-ب-ي، حسب عقود التراخيص النفطية (إنتاج الهضبة). وأعلنت الوزارة أيضاً عن بدء تدفق النفط لأول مرة عبر انبوب الصادرات النفطية الجديد من حقل بدرة (والذي يُستهدف أن يصل إنتاجه حسب عقد الترخيص إلى 170 أ-ب-ي) في محافظة واسط الى مستودعات الطوبا في البصرة. موقع وزارة النفط، www.oil.gov.iq، 19 آب، 2014 وقناة الحرة/عراق 6 ايلول 2014.
[4] اُحتسبت هذه النسبة من مذكرة ديوان الرقابة المالية لعينة من تقارير مزاد البنك المركزي التي تتعلق بالاستيراد الخاص في الأشهر الثمانية الأولى من 2012. ولقد بلغت قيمة وثائق الاستيراد في هذه العينة حوالي 2 مليار دولار وشملت المنافذ الحدودية: إبراهيم الخليل ودهوك/مرسين وأربيل والسليمانية وربيعة والوليد وطريبيل وصفوان ومينائي أم قصر وأبو فلوس.
[5] الجهاز المركزي للإحصاء: نشرات الأرقام القياسية لأسعار المستهلك 2014 لأشهر أيار، حزيران، تموز، آب. وتقسم النشرات العراق إلى ثلاثة مناطق: كردستان، الوسط (نينوى، صلاح الدين، ديالى، كركوك، الأنبار، بغداد)، الجنوب. وخلال حزيران-آب توقف جمع وشمول بيانات الاسعار لكركوك ونينوى وصلاح الدين والأنبار في منطقة الوسط. لذلك في هذه الأشهر تشمل هذه المنطقة بغداد وديالى فقط.
[6] تنقسم مبيعات العملة الأجنبية في مزاد البنك المركزي إلى نقد cash وتحويلات transfers. ولقد أرتفع مجموع المبيعات (نقد وتحويلات) من معدل 166 مليون دولار يومياً (خلال 1-9 حزيران 2014) إلى 212 مليون دولار يومياً خلال المتبقي من حزيران وإلى 232 مليون دولار يومياً خلال تموز/آب ولكنه عاد إلى 224 مليون دولار يومياً في أيلول، وهو أكثر بحوالي 10% من مستواه في أيار. مع العلم أن المعدل اليومي للمبيعات بلغ 202 مليون دولار خلال التسعة أشهر الأولى من 2014 مقارنة مع 188 مليون دولار خلال الفترة المقارنة من 2013. الارقام في المتن والهامش مستلة من: بيانات مزاد العملة اليومية (“أسعار الصرف”)، الموقع الإلكتروني للبنك المركزي العراقي. ومن الجدير بالذكر أن أرقام سعر صرف السوق (في مدينة بغداد) الصادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء قريبة جداً من أرقام سعر صرف السوق الصادرة عن البنك المركزي. وبالنتيجة فهي تبين ذات المستوى ونمط التغير في معدل الفجوة بين سعر المزاد وسعر السوق.
شكراً جزيلاً للدكتور العزيز الاستاذ علي مرزه على هذا التحليل الرائع لمسألة مهمة تناولت اوجه خطيرة في الاقتصاد السياسي للصراع والحرب الدائرة في غرب وشمال العراق.وتعقيب الاستاذ الفاضل محمد سعيد العضب وتساؤلاته المهمة والحساسة.
كما لفت انتباهي مداخلة الاستاذ العزيز الدكتور كامل العضاض المهمة حول مشكلات نقص العمالة في مناطق الحشد الشعبي الامنة نسبياً في سد احتياجات النشاط الانتاجي في مناطق العراق المختلفة….
فيمكنني القول ان ثمة تناقض حاصل اليوم في سوق العمل العراقية نفسها .فمعدلات البطالة الحالية في العراق ارتفعت من 12بالمئة الى 24بالمئة
وان المحافظات الخاضعة للعمليات الارهابية هي معطلة عن العمل بنسبة 90 بالمئة
ولاتوجد فرص عمل في المناطق الامنه من العراق سوى لبعض العمال الوافدين او المهجرين
فالعراق يعيش اليوم بظاهرة يمكن ان تسميها ظاهرة( شبه الفراغ في قوة العمل المنتجة) بين تعبئة مفاتلي الحشد الشعبي من جهة و عطالة القوى العاملة القصرية التي هي رهينة الارهاب قي مناطق العمليات من جهة اخرى اي
manpower vacuum
وهكذا امست سوق العمل مجزءة ومشوهة وغير مترابطة.
وان استمرار الحال سيشجع على نشوء ظاهرة الاحلال
بغية سد الفراغ الناجم عن فائض الطلب على قوة العمل في المناطق الامنة
ربما سيكون من خلال تقوية الهجرة الداخلية من مناطق الحرب الى مناطق السلام والتي قد تخلق ظروف عمل ومعطيات جغرافية عراقية جديدة صوب الاستقطاب المناطقي
ولايمكن التكهن بها على المدى القصير.
او انها ستشجيع العمالة الاجنبية الرخيصة التي اخذت علاماتها اليوم ظاهرة في بغداد وبعض مدن جنوب البلاد/دمتم
دراسة تشخيص حال وواقع, استنادا علي متابعه دقيقه لا وضاع البلد, اتسمت عموما بتصورات مشهوده استهدفت بالدرجة الاولي تسليط الضوء من اجل كيفيه فهم متغيرات الاقتصاد السياسي العراقي حاليا, وافاق تطوره مستقبلا وفي ضوء الحرب القائمة والنزاعات العسكرية الجارية .
انها بلاشك محاوله رائده , كما تشكل متابعه رصينة لما متوفر من احصاءات او معلومات موثقه وشبه موثقه, لتخرجنا من كهنوت الاحلام او المرتجى المطلوب.
مع ذلك تظل هناك تساؤلات تطرح منها:
*هل ان العمليات العسكرية الجارية ستعمق , بل ربما تعزز علي الامد المتوسط والبعيد ما تم طرحه من قبل الباحث الي استمرار تحول العراق الي ثلاث مناطق جيوسياسية وربما تغلف دبلوماسيا او” قانونيا ” لتصبح امر واقع بثلاث اقاليم, بالتالي تحقيق مشروع بادين الذي تم الترويج له منذ سنوات .
*هل يمكن التعايش بين هذه المناطق ان تحقق تكوين الاقاليم الفيدرالية او الكونفدرالية , بل سوف تستمر الحروب والنزاعات والصراعات الطائفية والأثنية فيما بينها , بخصوص توزيع الموارد المادية او البشرية ( المياه والنفط وغيرها ).
*هل فعلا ان العراق بعد هذه الاحداث يتميز بسمات اقتصاد كلي واحد وله سوق موحده؟ بل يبدو ان اقتصاده الهش اخذ في التشتت والانفصام ,بالتالي قد يصعب اعاده كينونة السوق والوحدة الاقتصادية, مما لكل ذلك من اثار سلبيه علي الامد البعيد والحد من فرص التطور التنموي الممكنة والمحتملة .
* هل سوف تتعمق التقاطعات بين قوي الارهاب المسيطرة علي مناطق جغرافية هامه وبين الأجهزة الإدارية المتواجدة سواء في مجال تسيير الحياه العادية او حفظ الامن والاستقرار
* تصاعدت مؤخرا مطالب من مجالس الادارات المحلية في المحافظات المحتلة, خصوصا محافظه الانبار الي التدخل الاميركي وقوي التحالف من اجل ارسال قوات بريه للمساعدة في القضاء علي داعش .. كيف يمكن تفسير ذلك , ومدي توافقه مع التصورات المركزية التي ترفض التدخل العسكري الاجنبي المباشر
* ما هي الملامح الأساسية للنشاطات الاقتصادية الفعلية خصوصا قطاع البناء والتشييد والزراعة والحرف ( الصيانة والتصليح) سواء في المناطق المحتلة او غيرها من المناطق , علما بان الحشد الشعبي قد ادي الي سحب قوي عامله قدرت بأكثر من مليون فرد
استاذى الفاضل الدكتور على مرزا المحترم
اولا- لم توضح للقارىْ المعنى الذى تقصده من عنوان مقالك ( وضع جيوسياسى متغير )
الجغرافية السياسية للعراق لم تتغير منذ تاسيس الدولة العراقية وتنصيب الامير فيصل ملكا على العراق ولحد الان
ثانيا- الاستنتاج الذى توصلت اليه بانعزال العراق الى ثلاث مناطق هى كردستان والمنطقة الوسطى وبغداد/الجنوب يحتاج الى ادلة او براهين قاطعة وليس كما تظن ( لعدم الاستقرار فى المنطقة الوسطى واستمرار العمليات العسكرية فى هذه المنطقة )
ثالثا – اذا كانت ( الجيوسياسية ) تعنى السيطرة على الارض وبسط نفوذ الدولة على اراضيها فهل استطاعت القوى المعادية للعراق استقطاع جزء او اجزاء من اراضيه لاقامة دولة اخرى داخل حدود العراق الجغرافية ؟
لم يحصل تغير جبوسياسى لحد الان كما يظن الباحث ولكن حصل تحالف دولى للدفاع عن العراق ارضا وشعبا وكل ما هو مطلوب وقوف العراقيين عربا واكرادا وتركمانا مسلمين و مسيحيين واقليات دينية صفا واحدا للدفاع عن العراق الحر الموحد