الاقتصاد العراقي الكلي

د. كامل العضاض: النهوض من تحت الرماد – دراسة تحليلية إقتصادية ومالية ونقدية للإقتصاد العراقي، خلال ما يقرب من نصف قرن من الزمن، 1950- 1997، مع تركيز على االحقبة الصدامية، قبل سقوطها في عام 2003

مقدمةلهذهالطبعةالمعادة:

 

         أصدرنا هذا الكتيب في عام 1998، أي قبل ما يقرب من سبعة عشر سنة على شكل كراس تثقيفي للقوى العراقية المعارضة لنظام صدام الديكتاتوري, في خارج العراق وداخله, إن أمكن. وحينما أريد تسريبه الى داخل العراق, عن طريق الشمال, في عام 1999, إبان الحكم الصدامي آنذاك, أعيد طبعه ككراس صغير, قابل للإخفاء, تحت أسم مستعار؛ ” د. كمبت الغفاري”. وعليه، فإن هذا الكتيب كان قد أعدّ في الخارج, قبل خمس سنوات من سقوط نظام صدام، وتحت تأثيرات وتصورات فكرية وسياسية وعاطفية أو وطنية مختلفة، الى حد ما، عما آلت إليه الأمور بعد سقوط النظام فعلا في عام 2003م. ولابد من القول بأن هذا الكتيب صدر، أيضا، ككراس تثقيفي عن حركة الوفاق الوطني المعارضة في عام 2000م، بدون تسمية الكاتب، وبدون أن يكون هذا الأخير منتسبا لهذه الحركة أصلا.

       والآن وبعد مرور ما يزيد قليلا على أحد عشر عام على سقوط النظام، وستة عشر سنوات منذ إعداد الكتيب، هل جاء حساب ” البيدر مختلفا عن حساب الحقل “؟ في حيثيات وطروحات هذا الكتيب؟ السؤال وجيه، فالطروحات والأفكار والإفتراضات الواردة فيه كانت ” حالمة ” الى حد ما، ولم يرد فيها تصور واقعي لما يمكن أن تكون عليه حدّة التوظيف الطائفي لتدمير ” الحلم الإنساني ” الذي زخرت به موضوعات الكتيب. ومع ذلك، فإن الخطاب العام في الكتيب كان، في جانبه الأعظم، يتناول توصيف وتحليل للمشاكل والكوارث الإقتصادية التي حلّت بالإقتصاد العراقي، خصوصا منذ تولي صدام حسين السلطة بصورة مطلقة، وخصوصا بعد عام 1979. وقد إستند التحليل, كما هو جلي في تفاصيله، الى البيانات والمؤشرات الإحصائية، (ومعظمها رسمي تماما )، وعلى مدى يقرب من نصف قرن من الزمان. ولعلّ البراهين والأسانيد العلمية والموضوعية التي وردت فيه لا تزال حيّة وموثوقة؛ فهي تلقي أضواءا قياسية كميّة، لا لبس فيها، للكشف عن فداحة خسائر الإقتصاد العراقي منذ عام 1980 ولحين قبيل سقوطه. وقد حرص الكاتب، إمعانا بالموضوعية، الى تصنيف المشاكل التي جابهت الإقنصاد العراقي الى صنفين أساسيين؛ الأول منها، المشاكل المزمنة التي صاحبت الإقتصاد العراقي, منذ ما قبل وما بعد عام 1950، على وجه الخصوص, ولم تحلّ حلا عقلانيا، والصنف الثاني هي المشاكل، أو ما سميته بالكوارث الإضافية، منذ صعود صدام للسلطة المطلقة في عام 1979. ولكن، كما سيرى كل لبيب، بأن ما أسميته أنا بالكوارث المضافة، لم تعد، الآن شيئا مذكورا أمام هول الأحداث والدمارات اللاحقة بعد سقوط النظام الصدامي, حتى اليوم،. إذ لم يخطر ببالي, حتى في أسوأ تجلياتي, أن يبلغ الدمار والقتل الطائفي والذبح اليومي, والتخريب الممنهج, لما تبقى من ركائز الإقتصاد العراقي, ما بلغه ويبلغه اليوم. فإذا كنت, في دراستي, حينذاك, أحذر من إحتمال ضياع فرصة إعادة بناء الإقتصاد العراقي, بعد حروب وحصارات طويلة, فماذا عسّاي أن أقول الآن حول فرص إعادة البناء والنهوض من تحت الرماد والركام, في ضؤ ما يجري, ألآن أمام أعيننا من دمارات إنتحارية تفوق التصور الإنساني الطبيعي؟ وكنا قد ناقشنا العوامل والأسباب, بمقالات عديدة منذ سقوط النظام حتى الآن.

     لم نؤيد إسقاط النظام عن طريق الغزو الأجنبي الذي كان صدام قد خلق شروطه بإمتياز، إنما كنا ندعو القوى المعارضة للعمل على بناء إمكانية التغيير لتنبع من الداخل, أي بوسائل نضالية وطنية محلية, ولكن صوتنا كان صوتا مستقلا وصغيرا, مقابل أصوات الجهات المرتبطة والمتعاونة مع جهات أجنبية, لها أجنداتها الخاصة.

    وإحساسا من هذا الكاتب بالخطر المحدق الذي كان يتشكل من خلال التوظيف الطائفي والعرقي, من خلال بروز تكوينات طائفية مذهبية وأثنية ذات تطلعات عرقية وفئوية؛ تكوينات أبدت تعاونها وتوافقها مع الترتيبات الجارية، آنذاك، لغزو العراق بقيادة الولايات المتحدة، وذلك قبل أشهر من إسقاط النظام، وتحديدا, خلال مؤتمر المعارضة في لندن في عام 2002، فقد أعدّدنا كراسا آخر تحت مسمى، ” أي حزب نريد, في عراق ديمقراطي جديد؟ “، الذي جرى توزيعه في العراق، على نطاق واسع بعيد سقوط النظام بأسابيع قليله. لقد كان الكراس يطرح مشروعا لبناء حياة سياسية ديمقراطية مسؤولة بعيدة عن الإنقسامات والتوظيفات الطائفية المدمّرة، ولكن أحدا لم يلتفت لذلك الخطاب العقلاني، لاسيما وإن المحتل كان ولا يزال أحد المسخّرين لهذه الإنقسامات بهدف إضعاف الجميع, لحين الحصول على نظام سياسي يلبي متطلبات أجندته التي قاتل وبذل الدماء والمال في سبيلها. كما كان لدول الجوار من جميع الجهات مراميها ومصالحها لتوظيف العامل الطائفي أيضا، ناهيك عن العقم السياسي والتمترس الطائفي والعرقي والمصلحي لمعظم قادة العملية السياسية في عراق اليوم المنكوب.

      والآن وبعد مرور إحدى عشر سنة على الغزو الأجنبي, وبعد ما أريقت دماء غزيرة طاهرة وبريئة, وبعدما حلّت دمارات لا تعوض, ليس في الثروة والبنى الإرتكازية وسبل العيش فحسب, إنما أيضا في نسيج المجتمع وكيانه وأخلاقه وقيمه ووحدته, رأى بعض الأخوة العراقيين الوطنيين الأطهار أنه لابد من إعادة طبع هدا الكتيب, للإفادة منه في تعميق صرخات الوعي, ولتشديد النداء الحر من أجل تدعيم الوحدة الوطنية, ولرمي الطائفية بوجه المحتل, لنعيد بناء وطننا، العراق الديمقراطي العلماني الموحد. ويا ليتها تكون صرخات موجّهه للضمائر, وليست مطلقة في واد جديب!!    

د. كامل العضاض- مستشار إقليمي سابق في الأمم المتحدة

23- كانون أول- 2014 – لبنان.

لتنزيل النص الكامل للدراسة كملف بي دي أف انقر هنا

الاراء المطروحة في جميع الدراسات والابحاث والمقالات المنشورة على موقع الشبكة لاتعكس بالضرورة وجهة نظر هيئة تحرير الموقع ولا تتحمل شبكة الاقتصاديين العراقيين المسؤولية العلمية والقانونية عن محتواها وانما المؤلف حصريا. لاينشر اي تعليق يتضمن اساءة شخصية الى المؤلف او عبارات الكراهية الى مكون اجتماعي وطائفة دينية أو الى اي شخصية أو مؤسسة رسمية او دينية

تعليقات (3)

  1. Avatar
    محمد سعيد العضب:

    راجعت بإمعان هذه الدراسة القيمة واهنئكم التمكن في متابعه قضايا الاقتصاد العراقي عبر تاريخه الحديث المعقد والشائك . باعتباركم من خبراء الحسابات القومية اود ان اطرح بعض التساؤلات حول ظاهرتان مستعصية وكيف يمكن لا حصاء الحسابات القومية التصدي لها وهي :
    اولا قطاع استخراج النفط
    يدور حوار مستمر حول كيفيه التخلص من تبعيه قطاع استخراج النفط وحتميه التنويع , لكننا لحد الان لا نعلم يقينا الاثر الفعلي ( عدا التحليلات الوصفية الراقية ) لهذا القطاع علي مسيره حركه التطور الاقتصادي والاجتماعي والحضاري كما ظل الجميع في تحليلاته يحوم في مجهول ضائع, لان حسابات الناتج المحلي المسيسة بنيت علي تعليمات وارشا دات الامم المتحدة , التي ربما تكون صحيحه.لذا يبقي السؤال الازلي هل تنطبق هذه التعليمات علي اوضاع العراق الذي يلعب فيها قطاع ريعي وحيد النفط “هبه الطبيعة ” الدور الوحيد والحاسم في حركه نشاطه وتجميع او تشظيظ ابناءه , ام علينا ابتداع طرق إحصائية رصينة يمكن عبرها العزل الحقيقي لهذا القطاع واعتبار موارده المالية المتدفقة علي خزينه الدولة مجرد هبه او اعانه اضافيه لدعم خزينه الدولة وبالتالي قياس أثارها الواسعة في مجال الاستهلاك العام والخاص او نشاط الاستثمار وتكوين رأسمال والتراكم الاجتماعي اي مدياات ابعادها علي الحركة الاحقه لمجمل النشاطات الاقتصادية والاجتماعية في البلاد , لهذا فالمشكلة لا تكمن فقط في عوائد او اموال تتدفق في الميزانية العامة او جيوب المواطن العادي, كما يجب ان تتجاوز شعارات التذكير الدائم بان الموازنة تعتمد علي 90% او غيرها من ارقام او مؤشرات رقميه دعائية غير موثوقة , , كله قد يكون من المناسب استبعاد هذا قطاع استخراج النفط من حساب الناتج الفعلي المحلي بكافه ابعاده المباشرة وغير المباشرة , وجعل قطاع استخراج النفط مجرد قطاع مستقل , بالتالي تخليص الناتج المحلي الاجمالي والحسابات القوميه إحصائيا من تأثيرته المباشرة وغير المباشرة علي حركه الفعاليات والنشاطات الاقتصادية الفعلية, بحيث يمكن وضع صوره خالصه لحركه الاقتصاد من دون قطاع استخراج النفط ( وهنا لا اعني فقط اجراء الفصل العشواني بين حسابات الناتج المحلي الاجمالي مع النفط او بدونه) حيث ان دمج قطاع النفط في الناتج المحلي الاجمالي ” هبه الطبيعة ” يضخم حجم الاقتصاد بالتالي القصور في تحديد الكفاءه والاداء الفعلي للقطاعات والنشاطات المختلفه في الاقتصاد الوطني . وهنا يثار تساؤل كيف عالجت النرويج هذه القضية ؟ انها بلا شك مشكله بحثيه قد تحتاج الي جهود وتاسيس وحده بحث متخصصه لمعالجه هذه القضيه , تتجاوز الاماني لدعوات فك التبعية والارتباط بفطاع النفط من دون معرفه حقيقه عن ابعاده وتاثيراته الحقيقه .
    ثانيا الاقتصاد الموازي او السري
    كما معلوم يلعب التهريب والسوق السوداء وظواهر سرقه المال العام وتهريب رأسمال المال المادي والبشري من القضايا الصعبة التي تواجه صعوبة تكمميها احصائيا , لكنها تظل ضرورية في اخذها بنظر الاعتبار لرسم افاق مسيره الاقتصاد العراقي مستقبلا , عليه لابد من ايجاد معالم إحصائية لاحتواء هذه الظاهرة التي نشكل حسب اعتقادنا اكثر من 25% من مجمل النشاط الاقتصاد العراقي .من هنا يتطلب من الحسابات القومية ان تولي ذلك اهميه قصوي وترفق الحسابات بدراسات تبرز حجم هذه المشكلة وابعادها علي حركه الاقتصاد ,غيره نظل نحوم ايضا في مجهول .
    مع ذلك يظل البحث مبادرة جيده نامل ان يساهم الكثر في ترقيه ابعاده المختلفة . من هنا اود ان لا تفهم يااخي العزيز ان طرح تساؤلاتي هذه حول مرجعيه الحسابات القومية المشكوك فيها او ان الناتج المحلي الاجمالي المحتسب مشكوك في حجمه , سواء تعجيزا او قصورا في المعالجات المطروحة والجهد الراقي المبذول الذي اعطانا صوره رائعة عن ماضي غير معلوم ا

    • dr.schuber
      dr.schuber:

      Test

    • Avatar
      كامل العضاض:

      أشكر الزميل الفاضل الدكتور محمد العضب على تعقيبه الرصين، وعملا بروح الحوار أود التعليق على أهم ملاحظتين تضمنها تعقيبه:
      أولا: يدعو.التساؤل الأول للدكتور العضب الى إسبعاد إحتساب قطاع إستخراج النفط وعوائده من الحسابات القومية، لإنها هبة طبيعية وليست ناشئة عن إنتاج سلعي يدخل ضمن حسابات الناتج المحلي الإجمالي، وبهذا نتخلص من التشويه في معرفة حجم الناتج المحلي الحقيقي بجهود الشعب العراقي. وللرد على هذا التساؤل أو الإقتراح لتغيير منهجية حسابات الناتج المحلي المستمدة من النظام الدولي للحسابات القومية، أود، بإيجاز وربما بتبسيط أن أبين الآتي:
      1. أن النفط الخام هو مورد طبيعي ويصبح سلعة إقتصادية قابل للتجارة الخارجية والإستهلاك المحلي من خلال تصفيته، وأن عوائده، سواء كانت خارجية نتيجة تصديره أو معالجته وإستهلاكه محليا تصبح منتجات تولد إشباعا وعوائدها تدخل ضمن الدخل القومي العراقي، بغض النظر عن كون هذه السلعة ناضبة وإنها لم تُصنع بل تستخرج؛ فالإستخراج يضيف قيمة مضافة تحققها هذه المادة المستخرجة، فالإستخراج هو فعالية إنتاجية إقتصادية، سواء كانت المادة المستخرجة ناضبة أو متجددة، ولكن الموارد الطبيعية، كالنفط الخام هي غير متجددة.
      2. حتى ولو إستبعدنا الإستخراج، هل يمكن إسبعاد عوائد النفط المصدر من حساب الدخل القومي؟ كلا، لإن هذه العوائد تفعل مفعولها لرفد موازنة الدولة بدخل يساعدها على تقديم خدمات وبناء إستثمارات، مما يعني أنها ستزيد الدخول المدفوعة، كإجور ورواتب للمشتغلين، وكذلك ستزيد من مستوى الإستهلاك الذي يدخل في حسابات الإنفاق القومي الذي يشكل الدخل القومي مرة أخرى، على وفق تقديره بموجب حسابات الدخل بطريقة الإنفاق التي يجب أن تتساوى مع طريقتي الإحتساب بطريقتي الدخل والقيمة المضافة.
      3. ثم كون النفط مورد ناضب لا يعني أنه لا يزيد من حزمة البضائع والخدمات والدخول والإنفاق القوميين. وإذا مانضب هذا المصدر، طبعا سينخفض الناتج والدخل والإنفاق القومي تباعا، فما المشكلة في ذلك؟ عندما ينتكس الإنتاج نتيجة حروب وعدم إستقرار وأزمات إقتصادية بسبب تضخم هيكلي أو كوارث طبيعية، أو غير ذلك، لماذا لانستبعد آثارها من حساب الدخل القومي لإنها طارئة أو غير دائمة؟
      4. وطبعا من أجل إستبعاد تكميم الإقتصاد بحالته الريعية، يمكن إستبعاد عوائد النفط أو حتى نشاطات الإستخراج للوصول الى تصور كمي عن حجم وقيمة النشاطات الإقتصادية بدون حساب نشاطات إستخراج النفط الخام وليس معالجته وتصنيعه. فلماذا الإعتراض على هذه المعالجة؟ علما بأن إستبعاد نتائج عمليات إستخراج وتصدير النفط الخام مستحيل، ذلك لإن عوائده، حالما تخصص لتمويل الإستثمار تصبح جزءا من تكوين رأس المال الذي هو جزء لا يتجزء من الناتج المحلي الذي الذي يُحسب بطريقة الإنفاق المساوي للناتج المحلي المحسوب بطريقتي القيمة المضافة والدخل.
      ثانيا،،أخيرا وليس آخرا، لماذا يجب إستبعاد الهبات والمنح الخارجية من حسابات الإنتاج والإستهلاك والإنفاق، طالما هي تحدث آثارا إقتصادية ومالية ونقدية حقيقية في الإقتصاد العراقي، او اي إقتصاد آخر؟؟
      ثانيا، على وفق منهجية الحسابات القومية الواردة في التوصيات الدولية تُحسب نشاطات القطاع غير الرسمي، informal sector and illegal economic activities، تدخل هذه النشاطات ضمن حسابات الناتج المحلي لإنها تُزيد من القيمة المضافة للبضائع والخدمات، حتى ولو كان بعضها ضار، كالمخدرات،.. الخ، ولكن إحتسابها صعب ويتطلب بحوث إحصائية ميدانية لقطاع الأسر المعيشية والريف والأسواق السرية وغير ذلك، أي انها تتطلب جهودا كبيرة، ولذلك قد تُستخدم أساليب التقدير الإستنباطي بدلالة مؤشرات عديدة لا يمكن تفصيلها iهنا، إذ لا يتسع المجال لتفصيل أساليب التقدير الفنية، على وفق التوصيات الدولية والممارسات التطبيقية في دول العالم ومنها العراق.
      وختاما، اشكر الدكتور العضب على إثارة هذه الأسئلة المفيدة، مما يساعد على الوضوح المنهجي، مع شكري العميق.
      كامل العضاض

التعليق هنا

%d مدونون معجبون بهذه: