Peter Borscheid and Niels Viggo Haueter, editors, /World Insurance: The Evolution of a Global Risk Network/. Oxford: Oxford University Press, 2012. xvi + 729 pp. $180 (hardcover), ISBN: 978-0-19-65796-4.
Published by EH.Net (August 2013)
All EH.Net reviews are archived at http://www.eh.net/BookReview
عرض: جيفري كلارك، قسم التاريخ، جامعة ولاية نيويورك في بوتسدام
ترجمة: مصباح كمال
هذا الكتاب الضخم حول انتشار وتكامل خدمات التأمين على المستوى العالمي يأتي في أعقاب صدور مجموعتين من المقالات الأقل شمولاً بكثير حول عولمة التأمين خلال القرنين الماضيين.[1] الدراستين السابقتين كانتا واعيتين بكونهما جهوداً رائدة لرسم معالم مشهد تاريخي معقد ومترامي الاطراف والتي نادراً ما قام الباحثون بسبر أغوارها حتى الآن. ومع صدور التأمين العالمي: تطور شبكة الأخطار العالمية فإن تطور وانتشار التأمين في جميع أنحاء العالم قد تم تناوله بوضوح قاطع على الرغم من أنه ليس دراسة نهائية. ولأول مرة فإن المؤرخين، الذين يبحثون عبر مجموعة من الموضوعات تشمل المالية والتحديث الاقتصادي والرعاية الاجتماعية وحتى الدين، صار بإمكانهم الاستفادة من دراسة منهجية لكيفية تحويل صناعة التأمين لبيئة المخاطر التي يواجهها بلايين الناس في مختلف أنحاء العالم، وكيف أن هذه العملية قد جمعت معاً اقتصاديات وثروات المجتمعات والثقافات النائية.
وبرغم هذا القول فإن قلة من القراء لديها المثابرة لقراءة هذا الكتاب من أوله إلى آخره، وهو ما توقعه المحررين بحكمة من خلال عرضهما لموضوعه. فقد قدّم بيتر بورشايد ملخصاً موجزاً رائعاً للمواضيع الأساسية في مقدمة عامة، متبوعاً بستة أقسام مخصصة تباعاً لتغطية التطورات في أوروبا وأمريكا الشمالية وأفريقيا جنوب الصحراء الكبرى والشرق الأوسط وشمال أفريقيا والشرق الأقصى والمحيط الهادئ وأمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي. كل إقليم من هذه الأقاليم يخضع لنظرة تمهيدية عامة بقلم بورشايد، تليها عدد من المقالات تركز على بلدان معينة.
هذا التنظيم في عرض المقالات يسمح بسهولة للقراء لتكوين صورة للميزات العريضة لأعمال التأمين العالمية أو الغوص في تجربة منطقة معينة أو أمة واحدة. التغطية الجغرافية ليست موحدة – وربما لا يمكن أن تكون كذلك في ضوء حقيقة أن خدمات التأمين في العصر الحديث انطلقت إلى حد كبير من المملكة المتحدة وتم تبنيها أولاً وبقوة في أوروبا وأمريكا الشمالية. وتنعكس الفروق الشاسعة في الثروات على مستوى العالم والاختراق التأميني الذي لا يزال مستمراً حتى وقتنا الحاضر في سرد يتوزع في ثمانية فصول تغطي الدول الأوروبية على انفراد بينما يتناول فصل واحد فقط التاريخ الوطني للدول الأفريقية الواقعة جنوب الصحراء الكبرى، وهي الحالة الاستثنائية جداً لجنوب أفريقيا. وتتضح هذه الفجوة أيضاً في الملاحظة المذهلة لبورشايد أنه (لو تركنا جنوب أفريقيا جانباً) فإن مجموع أقساط التأمين المدفوعة حالياً في جميع بلدان أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى يعادل مجرد 1.5 مرة من أقساط التأمين المنفقة في إمارة ليختنشتاين الصغيرة (ص 324).
أحد المواضيع المحورية الذي ينتظم المقالات في كتاب التأمين العالمي، ويجادل بورشايد بقوة بشأنه، هو أن انتشار التأمين في جميع أنحاء العالم ارتبط ارتباطاً وثيقاً بهجرة الأوروبيين أنفسهم بدلاً من مجرد تصدير فكرة التأمين وحدها.[1] فقد تركزت خدمات التأمين في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين أساساً على الممتلكات وأرواح الأوروبيين الذين استقروا في الخارج. وحتى عام 1950، للاستشهاد بمثال صارخ في هذا الوقت المتأخر، فإن 99 في المائة من حاملي وثائق التأمين في إثيوبيا كانوا من المقيمين الأجانب (ص 316). وتُقدم هذه المقالات عدة تفسيرات للاعتماد البطيء لعادة التأمين من قبل السكان الأصليين. فانتشار الفقر على نطاق واسع في العديد من المناطق جعلت من شراء بوالص التأمين ببساطة أمراً بالغ الصعوبة، في حين أن استمرار الشبكات المجتمعية والقرابية للمساعدات المتبادلة قلّلت الحاجة إلى التسهيلات التي توفرها مرافق التأمين على النمط الأوروبي.
من ناحية أخرى، وكما يشير بالاچاندران، فإن الأحكام الاستعمارية المسبقة دفعت شركات التأمين الغربية إلى أن تكون حذرة من مد مظلة الحماية التأمينية للسكان الأصليين. واحدة من مجلات التأمين الصادرة في عام 1891 اعترضت بأن الهنود يشكلون مخاطر [تأمينية] سيئة لأنهم عرضة للموت المبكر وأنه من الصعب تشخيصهم بشكل إيجابي، وأن هذه الحقيقة تشجع على الاحتيال لأن “سكان البلد الأصليين، كقاعدة عامة، … ينقصهم الحس الأخلاقي في مسألة إقرار الحقيقة” (ص 447). وفي الختام، فإن الوازع الديني قد حال أحياناً دون قبول التأمين، وخاصة في شبه الجزيرة العربية المحافظة، وذلك لأن الشريعة الإسلامية لا تعترف بعقود التأمين وتحظر المضاربة على حياة الإنسان. وفي خطوة تذكرنا بالمحاولات الأوروبية السابقة للتحايل على الحظر المفروض على الربا، فإن شركات التأمين في البلاد الإسلامية ابتكرت التكافل، وهو شكل من أشكال التأمين التبادلي يتوافق مع الشريعة الإسلامية.[2]
على الرغم من أن أحد الأهداف المعلنة لكتاب التأمين العالمي هو توفير السياق الثقافي لسرعة انتشار التأمين في جميع أنحاء العالم (ص 1)، إلا أن الانتباه يتركز على الأبعاد الاقتصادية والسياسية لهذا التطور. وقد تم تدشين الموجة الأولى لعولمة التأمين في عصر الليبرالية مع قيام القوى الأوروبية بإنشاء المرافق الاكتتابية في الجيوب الاستيطانية ومن ثم بدأت بتطوير السوق المحلية لتأمين أخطار الحريق، والممتلكات والحوادث، وإلى حد أقل بكثير، التأمين على الحياة.
نحو نهاية القرن التاسع عشر بدأت الدول الأوروبية بإقامة حواجز حمائية ضد شركات التأمين الأجنبية، وهي خطوة تم تكرارها في العقود التالية في بلدان آسيا، وأفريقيا، وأمريكا اللاتينية، التي فرضت قيوداً مختلفة على [مستوى] الاحتياطيات التي يجب الاحتفاظ بها، والعملة، والضرائب التمييزية على الشركات الأجنبية، لمنع تدفق رأس المال نحو الخارج، وتعزيز صناعات التأمين المحلية. وفي كثير من الحالات نجحت هذه الجهود في تطوير السوق المحلية، لكن ذلك كان على حساب أشياء أخرى: فالعديد من الشركات التي دخلت في هذه الأسواق الناشئة كانت دون رسملة كافية وكانت سيئة في الإدارة، مما دفع الحكومات في أوروبا وحول العالم للبدء بغربلة تنظيمية دورية للشركات الضعيفة.
وعلى أي حال، فإلى أي مدى يمكن حقاً أن تكون أسواق التأمين الوطنية معزولة عن الاقتصاد العالمي كان مقيداً بفائض المخاطر [وهي المخاطر التي تزيد عن القدرات المالية للشركات المحلية لاستيعابها لحسابها الخاص] المسندة من قبل شركات التأمين المحلية إلى شركات إعادة التأمين الدولية مثل الشركة السويسرية لإعادة التأمين (وليس من قبيل الصدفة، أن هذه الشركة هي الراعية لهذه الدراسة التاريخية حول تدويل التأمين). لقد وصل هذا العصر الحمائي إلى نهايته في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي مع ما تصفه هيرونيا بونز بتدشين الموجة الثانية من عولمة التأمين، التي انطوت على تخفيف القيود على شركات التأمين الأجنبية؛ وسلسلة من عمليات الاندماج والاستحواذ؛ وإنشاء شركات تابعة أجنبية؛ وتحقيق مزيد من الكفاءة نتيجة المنافسة القوية.
تقلبت فرص انتشار التأمين أيضاً مع المد والجزر في برامج خصخصة التأمين أو تحويله لملكية المجتمع. ويوفر إنشاء الاتحاد السوفياتي وجمهورية الصين الشعبية أكثر الأمثلة إثارة لتحويل ملكية خدمات التأمين [من القطاع الخاص] لسيطرة الدولة. ولكن سواء تم تحويل الملكية باسم الاشتراكية أو الفاشية أو الديمقراطية الاجتماعية أو القومية المناهضة للاستعمار، فإن تسنم الدولة مسؤولية توفير الرعاية الصحية والمعاشات التقاعدية، أو التعويض عن الخسائر الناجمة عن الحرائق والفيضانات، أو الخسائر في الأرواح، كل ذلك قلّص من أو قضى على حرية القيام بأعمال التأمين العابرة للحدود الوطنية.[1]
إن العودة مؤخراً إلى التركيز على المشاريع الخاصة الأقل خضوعاً للرقابة في توفير غطاء التأمين، فضلاً عن تقديم الخدمات المالية الأكثر تكاملاً والتي تجسدت في التأمين عبر المصارف (bancassurance)، هو مجرد أحدث تأرجح للبندول في اتجاه سيطرة القطاع الخاص، متمثلاً الآن بسلطة الشركات متعددة الجنسية وأيديولوجية الليبرالية الجديدة. وفيما إذا كانت الكارثة المالية بعد عام 2008 ستدفع باتجاه العودة إلى بيئة رقابية أكثر صرامة وإلى نمط جديد من نهج الدولتية في مجال التأمين هو السؤال الذي يجب أن ينتظر تكملة لكتاب التأمين العالمي لبورشايد وهويتر الفخم الذي وضع معايير البحث في مجاله.
ملاحظة:
Note:
1. Peter Borscheid and Robin Pearson, editors, Internationalisation and Globalisation of the Insurance Industry in the 19th and 20th Centuries (Marburg: Philipps-University, 2007).
Robin Pearson, editor, The Development of International Insurance (London: Pickering & Chatto, 2010).
Geoffrey Clark is Professor of History at the State University of New York at Potsdam. He is the author of Betting on Lives: The Culture of Life Insurance in England, 1695-1775 and co-editor of The Appeal of Insurance. He is working on a study of slavery insurance in the late medieval Mediterranean.
[1] ارتبطت بعض موجات الهجرة بالتوسع الاستعماري “فخلال المرحلة العاصفة من العولمة في أوائل القرن العشرين أثبتت التجارة والهجرة كونهما الوكيلين الأكثر كفاءة لصناعة التأمين. ففي عصر الإمبريالية الأوروبية … احتل التجار كل ركن من أركان الكرة الأرضية يعد بالربح، وجاء التأمين في اعقابه.” (ص 62). [المترجم]
[2] يرد في الكتاب (ص 85) أن الجماعة الإسماعلية، وقائدها الروحي آغا خان الثالث، قامت عام 1937 بتأسيس شركة تأمين في ميناء مومباسا، وهي أول شركة تأمين أفريقية وطنية، فتحت فروعاً لها في دار السلام، وكمبالا، وزنجبار، وموريشيوس، وبومباي، وكراتشي. ويعلل بيتر بورشايد اهتمام هذه الجماعة الإسلامية بالتأمين بالقول انها أكثر ليبرالية في إيمانها من غيرها، وتسمح بالتفسير الفردي للقرآن، وهي بذلك، خلافاً لغالبية المسلمين، لم ترى في تسديد شركات التأمين للفوائد سبباً لرفض التأمين. [المترجم]
[1] تنصب الإشارة إلى حرية العمل عبر الحدود على حرية شركات التأمين الغربية، دون الاهتمام بالتوجهات المحلية لتطوير الصناعات والخدمات الوطنية ومنا تكوين وتطوير سوق وطني للتأمين. كما أن تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية لم يكن دائماً موضوعاً للتساؤل، والكتاب الحالي يعرض هذا الدور فيما يخص الخدمات التأمينية وتأسيس دولة الرفاهية الاجتماعية (ص 93-96) [المترجم]
باحث وكاتب عراقي متخصص في قطاع التامين مقيم في المهجر
الاراء المطروحة في جميع الدراسات والابحاث والمقالات المنشورة على موقع الشبكة لاتعكس بالضرورة وجهة نظر هيئة تحرير الموقع ولا تتحمل شبكة الاقتصاديين العراقيين المسؤولية العلمية والقانونية عن محتواها وانما المؤلف حصريا. لاينشر اي تعليق يتضمن اساءة شخصية الى المؤلف او عبارات الكراهية الى مكون اجتماعي وطائفة دينية أو الى اي شخصية أو مؤسسة رسمية او دينية