أثار مقال الخبير الاقتصادي أ.د عبد الحسين العنبكي موضوعًا مهمًا وهو يحاكي واقع تحديات الأزمة الصحية – المالية التي يمر بها العالم بصورة عامة والعراق على وجه الخصوص وكيفية سد النقص الحاصل بالايراد النفطي العراقي بعد تهاوي سعر النفط عالميًا.
إلا أنَّه لديَّ بعض الملاحظات أود أن أبينها بتواضع وإختصار، خصوصًا وأنَّ السيد الخبير الاقتصادي (أ.د. عبد الحسين العنبكي) ليس لديه ممارسة تجريبية في البنك المركزي العراقي وقد تكون فاتته بعض الجوانب الهامة.
أولًا/
فيما يخص مصطلحي (اصدار نقد جديد) و (الاصدار النقدي الجديد) بصورة عامة لا فرق بينهما، لكن طريقة الطرح في مقال السيد الخبير الاقتصادي هي التي خلقت هذا الفرق وبإعتقادي لا تستحق الإشارة. لكن المهم فهم ماهية الاصدار النقدي.
فالاصدار النقدي، هي عملية إنشاء دينار، مقابل أصول ائتمانية، سواء كانت دينار نقدي أو ودائعي، بعبارةٍ أخرى يعني اخراج النقد الموجود في خزينة البنك المركزي ليصبح ضمن الكتلة النقدية، بعد أن كان خارج الاخيرة – أي إنشاء مطلوبات على البنك المركزي- مقابل حصوله على تلك الاصول الائتمانية في جانب الموجودات.
كما أنَّ السيد الخبير الاقتصادي ذكر أن الاصدار النقدي يُعد أحد الأدوات للسياسة النقدية، بينما هو ليس كذلك بل هو من مهام البنوك المركزية، فأدوات السياسة النقدية سواء كانت تقليدية أم غير تقليدية معروفة في الادبيات، ويمكن القول أنَّ الاصدار النقدي عملية أساسية ترافق تنفيذ أدوات السياسة النقدية، والهدف من كل ذلك إدارة عرض النقود.
ثانيًا/
ذكر السيد الخبير الاقتصادي في مقاله أنَّ هنالك خيارين أمام المركزي العراقي (أما تقلص الغطاء أو توسع المغطى) وفسر تقلص الغطاء أو تآكله بـ (انخفاض الاحتياطيات الأجنبية نتيجة ضخ الدولار من خلال اقراض الحكومة مقابل سندات حكومية).
وهذا أمر غير دقيق لأنَّ الاقراض الداخلي للحكومة يتم بعملة السياسة النقدية (الدينار)، وليس من الاحتياطيات الأجنبية لأنَّ الأخيرة لها وظائف محددة وهي تصحيح اختلال ميزان المدفوعات، والدفاع عن قيمة العملة، ولا يجوز اقراض الحكومة منها.
إذ خصم البنك المركزي الاوراق المالية الحكومية خلال الصدمة السابقة بالسوق الثانوي لصالح الخاصم الأولي(الرافدين او الرشيد او TBI) وهذا يجيزه قانون البنك المركزي، بينما يحظر الاقراض المباشر للحكومة.
أما تراجع الاحتياطيات الاجنبية الذي أشار له السيد الخبير بـ ( تآكل الغطاء) إبّان سنوات الصدمة المزدوجة، كان سببه بانخفاض تدفق العملة الأجنبية (أي تراجع التنقيد بسبب تراجع الايراد النفطي) (جانب حقن للاحتياطيات)، وبقاء نافذة بيع العملة الأجنبية (جانب تسرب من الاحتياطيات) ممولة للاستيرادات طالما الانفاق العام التشغيلي بقيَ على حاله يمول من الاقتراض الداخلي الديناري.
ثالثًا/
جاء في مقال السيد الخبير “لماذا يضطر المركزي للتحايل واخذ السندات مقابل الاصدار النقدي”، وكأنَّه غاب عن السيد الخبير أنَّ الاصدار النقدي الجديد من قبل البنوك المركزية يكون مقابل أصول ائتمانية (تساوي القيمة الاسمية للاصدار النقدي) ايداع نقدي أو ودائعي.
وهذا ما يجري أيضًا في سياسات التيسير الكمي للبنك الاحتياطي الفدرالي، والمركزي الاوربي، إذ يجري شراء الأصول الائتمانية مقابل ضخ السيولة أي شراء السندات والاوراق المالية بأشكالها المختلفة. وليس اصدار دون مقابل.
وحتى حزم الانقاذ التي اطلقها ترامب لمواجهة فيروس كورونا وتأثيراته كانت من الخزانة الامريكية وليست من البنك الاحتياطي الفيدرالي، (وحتى لو مكنه الاحتياطي الفيدرالي منها كما يقول السيد الخبير عن طريق الاصدار النقدي الجديد) فإنَّ هذا الاصدار جاء مقابل أصول ائتمانية، بالتالي فهو دين داخلي على الخزانة الامريكية لصالح لاحتياطي الفيدرالي، وكذلك الحال للبنك المركزي الاوربي والصيني.
رابعًا/
كذلك أشار السيد الخبير إلى أنَّ سندات المقاولين خُصمت من البنك المركزي العراقي، لكن الحال أنَّها ليست كذلك فهي خُصمت لدى المصارف الحكومية (الرافدين، الرشيد، TBI)، وبالتالي فخصم هذه السندات لا يزيد من عرض النقود كما يقول، لأنَّها ليست اضافة صافية للاساس النقدي أو القاعدة النقدية أو النقد الاحتياطي بل هي داخل دورة عرض النقود.
خامسًا/
أشار المقال إلا أنَّ البنك سياسته النقدية مشددة، إلا أنَّ هذا الطرح كان غير دقيق، حيث أنَّ مكونات عرض النقود الضيق شهدت توسعًأ ملحوظًا في السنتين الأخيرتين، حيث بلغت العملة بالتداول ما يقرب (40.3، 40.5، 47.6) ترليون دينار للسنوات ( 2017 و 2018 و2019) على التوالي، بينما تطورت الودائع ضمن عرض النقود الضيق بما يقرب (36.6، 37.3، 39.1) ترليون دينار للمدة ذاتها.
أما على مستوى عرض النقد الواسع فبلغ عام 2019 ما يقرب 103.4 ترليون دينار بعدما كان عام 2018 بمقدار 95.4 ترليون دينار تقريبًا اي ارتفع بنسبة 8.4%، وبالتالي فأين التشدد في السياسة النقدية للبنك المركزي؟.
(*) باحث اقتصادي متخصص في السياسة النقدية في البنك المركزي العراقي
حقوق النشر محفوظة لشبكة الاقتصاديين العراقيين. يسمح بأعادة النشر بشرط الاشارة الى المصدر. 3 نيسان 2020
لتحميل المقال كملف بي دي أف انقر على الرابط التالي
تعليق على مقال الدكتور العنبكي
[…] الدينار الذي كان نائماً في خزينة البنك المركزي. أنظر مقال الخبير في السياسة النقدية والباحث في البنك المركز… والجدل مع المستشار الحكومي الاقتصادي د. عبد الحسن […]
بالحقيقة لم اكن بصدد الرد على البنك المركزي ولكن كي اوضح الصورة امام القارئ غير المختص اما المختص فهو يعلم ما قصدته في مقالي عن التمويل التضخمي،
صحيح اني لم اعمل في البنك المركزي ولكن انا استاذ الاقتصاد الكلي والنظرية النقدية لسنوات الا اذا كان البنك المركزي يعمل وفق سياقات غير علمية لا تنسجم مع ما درسناه ،فضلا عن اني على مدى ١٥ سنة الاخيرة أقوم بتقييم ووضع الرأي على كل تقارير البنك المركزي التي تأتي الى رئاسة الوزراء بحكم عملي الاستشاري، كما ان مقالي لا يهتم بالأمور الإجرائية والإدارية والميزانية العمومية والقيود المحاسبية للبنك المركزي ، وإنما أتكلم عن سياسات والتركيز على الأثر للإصدار النقدي على الاقتصاد الكلي في وضع الركود وهو هدف الورقة ، وعليه او ان اوضح الامور الآتية :
اولا: ليس مسؤوليتي اذا كان الاخ حسين لا يفرق بين إصدار نقد جديد وإصدار نقدي جديد ،فنحن معاشر الاقتصاديين واضحة لدينا الصورة كما ذكرتها في مقالي.
ثانيا: مؤكد ان الإصدار النقدي بل ان اَي دينار موجود خارج البنك المركزي هو في جانب المطلوبات وحق لحامله على من اصدره ولا ادري لماذا يورد هذه البديهية ، اما انه يصدر النقود مقابل ودائع لدى البنك المركزي فهذه الآلية الطبيعية للتحكم في عرض النقد وليست هي المقصودة في مقالنا ، لان المقصود في المقال هو إصدار نقدي (يفوق ) متطلبات عرض النقد الاعتيادية ، ولذلك تكون مربوطة بمتطلبات السياسة النقدية للتأثير في الاقتصاد الكلي جراء حصول أزمة كساد فيعمد البنك المركزي الى جعل التدفق النقدي اكبر من التدفق السلعي اَي اكبر من حجم المعاملات فيخلق بذلك تمويل تضخمي كي يساهم بسياسته النقدية مع السياسة المالية في تخليص الاقتصاد من الركود اَي خلق ضغوط تضخمية من خلال زيادة عرض النقد
ثالثا: اذا كان الإصدار النقدي الجديد سوف يخلق ضغوط تضخمية لإخراج الاقتصاد من الركود فكيف يقول ان هذا الإجراء لا يعد اداة من أدوات السياسة النقدية اليست أدوات السياسة النقدية تستعمل لأغراض اعادة الاستقرار الاقتصادي جراء اختلاله في الازمات.
رابعا: اذا اقرض البنك المركزي الحكومة اَي اشترى سنداتها فو دفع دينار للحكومة بقيمة القرض وهذا يعني ان الدينار الميت في المركزي سوف يحيى ويعني ان عرض النقد ازداد وهذا يعني ان المغطى توسع حتما وليس تقلص الغطاء ولكن الأثر للاجرائين على الاقتصاد هو ذاته.
خامسا:من المؤسف ان يقول رجل اقتصادي ان البنك المركزي خصم سندات الحكومة لصالح المصارف الحكومية التي هي بدورها خصمتها لصالح المقاولين في الأزمة السابقة ٢٠١٤ وفق قانونه وأنا لا اهتم بقانونه انا أتكلم عن النتيجة والأثر ، ولا ادري ما الفرق فيما ذكرته انا لان النتيجة على عرض النقد هي ذاتها فالنقود لدى الجمهور ولدى المصارف هي جزء من عرض النقد بمعناه الواسع وطالما خصم السندات للمصارف او خصمها مباشرة للمقاولين فالأمر سيان سوف يؤدي بالنتيجة الى اثار تمويل تضخمي حتما .
سادسا: حزم الإنقاذ التي قامت بها الدول انا ايضا ذكرت انها من خلال الموازنات العامة للدول ولكن كيف مول العجز حتما من خلال توافق سياسة مالية توسعية مع سياسة نقدية توسعية حيث سعت البنوك المركزية لاصدار نقدي فامريكا الان تطبع ٣ ترليون دولار ، ولا افهم لماذا يرد في نفس النقطة بمفردات اخرى.
رغم إني أشدتُ بما طرحه السيد الخبير (عبد الحسين العنبكي) لكني وُجهت بالأسف وإعلان التخصص ومقولة لم ارغب بالرد.
بتواضع شديد أنا باحث أريد التوضيح بهدف المناقشة العلمية ولا أُشخصن، بالتالي يمكنني القول أنَّ الاكاديمية مهمة، لكن الممارسة التجريبية تضيف للاكاديمية الكثير، وتوضح تفاصيل العمل الميداني على مستوى صنع السياسة النقدية.
أولًا/ فيما يخص الفرق بين مصطلحي (إصدار نقد جديد، والاصدار النقدي الجديد) لا زلت عند قناعتي بأنَّ لا فرق بينهما بصورة عامة ، وطريقة الطرح هي التي ولدت الاختلاف.
ودليلي، طالما أنَّ الانجلوسكسون هم أصحاب هذا العلم، فأطلب من الاستاذ عبد الحسين العنبكي أن يدلني على المصطلحين باللغة الانكليزية ومصدرهما ليتسنى لي التعلم، فالمصطلح المعروف Money Creation. ولا وجود للفرق الذي إشار إليه إطلاقًا.
ثانيًا/ أليس خصم حوالات الخزينة للمالية عبر السوق الثانوي يُعد إصدار نقدي جديد Money Creation يرفع من عرض النقود وهذا ما جرى في الازمة السابقة، والا ما هو تفسير ارتفاع العملة في التداول عام 2016 إلى حوالي 45.2 ترليون دينار بعدما كانت تقارب 38.5 ترليون عام 2015، وبالتالي ارتفاع عرض النقود. هذا يدل على أنَّ البنك المركزي ضخ ما يقرب 6.7 ترليون دينار إصدار نقدي جديد خلال سنة واحدة. وهذا هو ما يسميه السيد الخبير (إصدار نقدي يفوق متطلبات عرض النقد الاعتيادية)، وهو ليس بجديد على اليساسة النقدية.
ثالثًا/ فيما يخص سندات المقاولين فلم أقل أنَّ البنك خصم سندات المقاولين للمصارف والمصارف خصمتها للمقاولين كما جاء في رد السيد الخبير، بل قلت أنَّ سندات المقاولين خصمتها المصارف الحكومية للمقاولين، أي بتعبير آخر هي دين للمصارف على الخزانة العامة (المالية)، وبالتالي لم تؤثر في عرض النقود طالما النقود داخل الدورة أصلًا.
فالدين الداخلي جزء منه كان من عرض نقود داخل الدورة Money in circulation (مثل سندات المقاولين والفلاحين، وحوالات خزانة خُصمت مباشرة من قبل المصارف الحكومية)، والجزء الآخر كان إصدارًا نقديًا جديدًا (تمثل بخصم حوالات الخزينة من قبل المركزي للخاصم الاولي المصارف الحكومية).
وهذا نص ماقلته في تعليقي على المقال بخصوص هذه الفقرة ” كذلك أشار السيد الخبير إلى أنَّ سندات المقاولين خُصمت من البنك المركزي العراقي، لكن الحال أنَّها ليست كذلك فهي خُصمت لدى المصارف الحكومية (الرافدين، الرشيد، TBI)، وبالتالي فخصم هذه السندات لا يزيد من عرض النقود كما يقول، لأنَّها ليست إضافة صافية للاساس النقدي أو القاعدة النقدية أو النقد الاحتياطي بل هي داخل دورة عرض النقود”.