لا شك أن وباء كورونا يجتاح العالم بأسره، وخلّف وسيخلف كوارث بشرية حيث حصد آلاف الأرواح وحجر الناس في منازلهم مما أدى إلى تداعي مختلف اقتصاديات العالم من بينها التأمين وبشكل غير مسبوق حيث فاقت أضراره حتى ما خلفه الكساد الاقتصادي الذي اجتاح العالم سنة 1928.
إن ما يهمنا هو التداعيات الاقتصادية لهذا الوباء على قطاع التأمين وكيف يتم التعامل معها.[1] ومن أهم هذه التداعيات ما يلي:
أولاً- انخفاض أجمالي أقساط التأمين وأقساط إعادة التأمين بسبب انخفاض عدد طلبات التأمين الجديدة إضافة إلى ما سيتحقق من أقساط تأمين مرجعة نتيجة لتعديل الأغطية الاعتيادية السارية لتتطابق مع حالة توقف الأنشطة المفروضة بسبب الحجر المنزلي ومنع التجول، سيحصل انخفاض شديد في دخل أقساط التأمين عما هو مخطط له لدى شركات التأمين، مع بقاء المصاريف الإدارية دون تخفيض يذكر. وهذا ما يشكل حالة سلبية على نتائج العمل.
ومع ذلك يتوجب على المؤمنين الحرص على تغيير الأغطية السارية في حالة توقف الأنشطة لصالح كل أطراف عقود التأمين السارية أو تلك التي قد يتم طلبها أثناء فترة الحجر، وفقاً لشروط كل عقد من عقود التأمين، الصريحة والضمنية منها.
إن طرق تغيير أغطية التأمين لتتلاءم مع حالة توقف الأنشطة معروفة وتتم مزاولتها من قبل المختصين (المكتتبين) بالظروف الاعتيادية بشكل طبيعي وبنطاق ضيق وكلما استجد ظرف يستدعي ذلك. ولكن نحن الآن أمام حالة عامة لها خصوصية تتطلب الاهتمام والمرونة والشفافية التامة من قبل المؤمنين, لما لهذه المعالجات في هذا الظرف الحساس من تأثير مستقبلي على قطاع التأمين، يتجلى في تعزيز ثقة المؤمن لهم بشركة التأمين.
ومن الأسس العامة التي يجب الالتزام بها عند تنفيذ هذه المعالجات ما يلي:
1– متى ما استحق قسط مرجع عن عملية تغيير الغطاء أو إنهائه، يتوجب أن يتم احتسابه بالطريقة النسبية (pro-rata basis) بغض النظر عن شرط الإنهاء، وهو حق وعدل باعتبار أن إنهاء سريان التأمين أو تخفيض سعر أو مبلغ التأمين لم يكن بإرادة المؤمن له إنما جاء بسبب هذا الظرف القاهر ((force majeure.
2- تاريخ إنهاء أو استبدال غطاء التأمين يتم من التأريخ الفعلي لتوقف وغلق محل العمل بغض النظر عن طلب المؤمن له باعتبار أن الحالة السائدة يفترض فيها العلم العام أولاً وأن الخطورة قد انخفضت من التأريخ الفعلي لتغير هذا الظرف.
3- في حالة وجود حادث وقع خلال فترة التأمين المعنية ترتب عليه تعويض مدفوع أو قابل للدفع، لا قسط مرجع يستحق للمؤمن له بشرط أن يزيد مبلغ التعويض/التعويضات على نسبة محددة من قسط التأمين (70% مثلاً).
4- إعادة جدولة تسديد أقساط التأمين مستحقة الدفع وعدم التمسك بشرط دفع قسط التأمين.
فيما يلي بعض المعالجات لعدد من أنواع التأمين على سبيل المثال وليس الحصر:
1- التأمين من الحريق
وثيقة التأمين من الحريق تتضمن شرطاً يقضي بتوقف التأمين إذا تُرك البناء المؤمن و/أو محتوياته لمدة معينة (30 يوماً مثلاً) بشكل مستمر، ولكن بقدر تعلق الأمر بتوقف العملية الإنتاجية في المصانع والأنشطة الأخرى فإن خطر الحريق وعدد من الأخطار الملحقة بوثيقة التأمين من الحريق تتراجع فرص تحققها أو يتلاشى تحقق البعض من الأخطار الملحقة، فبدلاً من إنهاء التأمين بشكل تام يمكن استبدال الغطاء الاعتيادي الساري بغطاء يتناسب مع حالة التوقف هذه يدعى بغطاء الخطر الساكن (silent risk) ويطبق سعر تأمين مناسب حسب تقدير المكتتب يحتسب بموجبه قسط التأمين المرجع للمؤمن له بالطريقة النسبية. ونص هذا التعديل بسيط حيث يتم الاتفاق على أن العملية الإنتاجية في محل التأمين متوقفة تماماً ولا تجري فيه أي من عمليات الصيانة وعلى أن تتوفر حراسة مستمرة طيلة فترة التوقف.
2– التامين على السيارات
بقدر تعلق الأمر بالغطاء الشامل من كافة الأخطار (comprehensive cover) عند توقف العجلة عن الاستخدام يمكن بدلاً من إنهاء التأمين بالكامل أن يستبدل الغطاء ليشمل أضرار العجلة وهي في حالة توقف ((laid up cover حيث سيترتب قسط مرجع يتناسب مع هذه الحالة يحتسب طيلة فترة التوقف. أما غطاء الشخص الثالث والحريق والسرقة فيعدل ليقتصر على خطري الحريق والسرقة فقط دون أضرار الشخص الثالث ويعاد إلى المؤمن له القسط المرجع المستحق. وبالنسبة لوثائق التأمين الخاصة بغطاء المسؤولية تجاه الشخص الثالث، يمكن إنهائها أو أن يتم تعليق سريان التامين خلال فترة عدم الاستخدام ومن ثم، بعد بدء استخدام العجلة، تمدد فترة التأمين بمقدار فترة التوقف دون قسط إضافي.
3- التأمين الهندسي
وثيقتي التأمين الهندسي، الإنشاءات من كافة الأخطار ((CAR-Construction All Risks والنصب من كافة الأخطار (EAR-Erection All Risks) يتضمنان استثناءً يقضي بتوقف التأمين إذا توقف العمل ((cessation of works في الموقع لمدة معينة تزيد على (لنفرض 60) يوماً بشكل مستمر، إلاّ إذا تم إعلام المؤمن ويتخذ هذا الأخير إجراًء، بموافقة المؤمن له، يقضي باستمرار سريان التأمين ولكن بعد استبدال الغطاء الشامل من كافة الأخطار بغطاء آخر يعرف بـ (stand still cover) يشمل أُخطاراً مسماة أهمها أخطار الطبيعة (Acts of God)، والحريق و…الخ ويعالج قسط التأمين وفقاً لطبيعة كل موقع.
4- تأمين خسارة الأرباح
عقد تأمين خسارة الأرباح يعامل كما تعامل وثيقة الخسائر المادية الملحق بها وثيقة تأمين خسارة الأرباح بقدر تعلق الأمر بسعة غطاء التأمين وسعر التأمين وكذلك شمول التعويض من عدمه.
وعلى هذا المنوال تعالج أغطية عقود التأمين الأخرى التي تتأثر بهذا الوباء بأن يتم تعديلها لتتطابق مع الخطورة المُستَجدة, وفقاً لشروط كل عقد واستناداً لمبادئ التأمين. ففي تأمين الطيران مثلاً يمكن أن تستبدل الأغطية الاعتيادية بغطاء يشمل الحوادث والطائرة على الأرض في حظائرها ((gr0und risks .
ثانياً- ومن التداعيات الأخرى على قطاع التأمين إضافة إلى أقساط التأمين التي ربما سيكون ضررها أكبر, انخفاض عائد الاستثمار الذي سيتفاوت من شركة إلى أخرى حسب نوع وطبيعة هذا الاستثمار إذ من المعروف أن شركات التأمين وشركات إعادة التأمين تعتمد وبشكل كبير على عائد استثماراتها وتراجع هذا العائد له تأثير سلبي يفوق في أحيان كثيرة تأثير انخفاض أقساط التأمين.
تسوية التعويضات
مع ملاحظة أن تسوية التعويضات في هذه الظروف يجب أن تتم استناداً لشروط واستثناءات كل عقد، وفي حال أي خلاف بين المؤمن والمؤمن له يجب الاستمرار بحله بالطرق الودية الاعتيادية أو بالتحكيم أو المحاكم إن أقتضى الأمر. وكلٌ ينال ما يترتب عليه من الجائحة التي تعصف بالكل دون تفريق. أما الجهات الرسمية وغير الرسمية التي ترغب بإبداء العون والمساعدة، وهو من واجبات الحكومات والدول، فعليها مساعدة الأنشطة المتضررة من احتياطياتها، لا أن تنقل هذا العبء إلى جهات ربما هي الأخرى تحتاج إلى مساندة كما هو الحال بالنسبة لشركات التأمين وشركات إعادة التأمين.
(*) خبير في قضايا التأمين
حقوق النشر محفوظة لشبكة الاقتصاديين العراقيين. يسمح بإعادة النشر بشرط الإشارة إلى المصدر 29 نيسان 2020 .
نشرت الورقة أصلاً في النشرة الإلكترونية للاتحاد العام العربي للتأمين: www.gaif-1.org/userfiles/file/newsletter/27-04.pdf
لتحميل المقال كملف بي دي أف انقر على الرابط التالي
تأثير فيروس كورونا-محررة- منعم الخفاجي
الاراء المطروحة في جميع الدراسات والابحاث والمقالات المنشورة على موقع الشبكة لاتعكس بالضرورة وجهة نظر هيئة تحرير الموقع ولا تتحمل شبكة الاقتصاديين العراقيين المسؤولية العلمية والقانونية عن محتواها وانما المؤلف حصريا. لاينشر اي تعليق يتضمن اساءة شخصية الى المؤلف او عبارات الكراهية الى مكون اجتماعي وطائفة دينية أو الى اي شخصية أو مؤسسة رسمية او دينية