اقتصادات الشرق الاوسط وشمال افريقياالرئيسية

يزيد صايغ *: رأس الحربة الاقتصادیة لحرّاس النظام: دور المؤسّسة العسكرية في تطَوُّرِ رأْسمالية الدولة 3.0 في مصر

 

يزيد صايغ *: رأس الحربة الاقتصادیة لحرّاس النظام: دور المؤسّسة العسكرية في تطَوُّرِ رأْسمالية الدولة 3.0 في مصر

أدّى التدخّل العسكري في الاقتصاد المصري إلى ظُهورِ نسخةٍ جديدةٍ من رَأْسماليّة الدولة التي تسْعى إلى الاستثمار في القطاع الخاصّ، لكن وِفقًا لشُرُوطها الخاصّة، وتوسّع النشاط الاقتصادي العسكري، وتُعزّز أيضًا قُدرة الدولة على الإمساكِ بزمام الأمور بدلاً من تعزيز سياسة الأسواق الحرَّة.

مُلخّص

أدّى التدخّل العسكريّ في الاقتصاد المصريّ إلى ظُهورِ نسْخَةٍ جديدةٍ من رَأْسْماليّة الدولة. مَدْفوعةً بالاشتراكيّةِ العربيّةِ في ستّينيات القرن الماضي وسياسة الخَصْخَصة الّتي أُعِيدت بَلْوَرَتُها في التِسْعِينيات، سعت الدولة في عهد الرئيس عبد الفتّاح السيسي إلى مُوَاءَمَة القطاعِ الخاصّ لاستراتيجيّتها الاستثماريّة الرأسماليّة مع الاستمرار في إعلان الالتزام باقتصاديّات السوق الحُرّة. إذْ تسْعى إدارتُه إلى الاستثمار في القطاع الخاصّ، لكنْ وِفْقًا لشُرُوطها الخاصّة فقط. ويتجلّى ذلك من خلال توسيع وتحويل النشاط الاقتصاديّ العسكريّ في خمسةِ قطاعاتٍ هي: التطويرُ العقاريُّ وإنشاءُ محاور للصناعة والنقل، والأنشطة الريْعِيّة أو الاستخراجيّة المُتعلّقة بالموارد الطبيعيّة، والعلاقات مع القطاع الخاصّ والجهود المبذولة لزيادة كفاءة الدولة الماليّة مع السعي وراء الاستثمار الخاصّ للمُساعدة في دعم رَسْمَلَةِ القطاع العامّ. قد يُولّد هذا النهج نُمُوًّا اقتصاديًّا على المُستوى العامّ ويُحسّن كفاءة الماليّة العموميّة، لكنّه سيُعزّز أيضًا قُدرة الدولة على الإمساكِ بزمامِ الأمُورِ بدلاً من تعزيز سياسة الأسْواق الحُرَّة. يُعَدّ الاستثمارُ في اقتصاد القطاع الخاصّ اليَوْمَ أقلّ ممّا كان عليه في المرحلة الاشْتِرَاكِيّة الّتي ميّزت ستّينيات القرن الماضي.

 

كما ورد في تفاصيل دِرَاسَتِي: “أولياء الجمهوريّة: تشريح الاقتصاد العسكريّ المصريّ، 1 فإن مُشاركة القُوّات المُسلّحة المصريّة في توفير السلع والخدمات العامّة (أو العموميّة) وتوليد المداخيل، قد خضع إلى تحوُّلٍ كبيرٍ على مُسْتوى الإمكانيّات والمقاييس في عهد الرئيس عبد الفتّاح السيسي مُقارنةً بعهد الرئيس حُسْني مُبارك. 2 في حين أنّ هذه النتيجة مُتَوَقَّعةٌ جُزئيًّا نظرًا للبُروزِ السياسيّ للقُوّات المُسلّحة المصريّة مُنْذ استيلائها على السُلْطة في العام2013 ، إلّا أنّها تَعْكِسُ بدرجةٍ أكبر كيفيّة قيام السيسي بالمُهِمَّتَيْن المُزْدَوَجَتيْن المُتمثِّلتيْنِ في تنشيط الاقتصادِ الوطنيّ والماليّة العموميّة، مُنْذ تولّيه الرئاسة في العام2014 .

 

لكن السيسي لا يمْلك مُخَطّطًا اقتصاديًّا واضِحًا أو فهْمًا سليمًا لديناميّاتِ السُوق، لكنّ سعْيَهُ الحثيثَ لتوليد رأس المال – مع الحفاظ على منطق صيانة النظام الّذي دَعَمَ الإدارات المُتَعاقبة منذ إنشاء الجمهوريّة في العام 1953 ساهم في الارتقاء إلى نُسْخةٍ جديدة من رأسماليّة الدولة في مصر.

 

قطعت مصر شوطًا طويلاً منذ أنْ أسّس الرئيس جمال عبد الناصر النموذج الرأسماليّ للدولة، الخاصّ بها في أوائل ستّينيات القرن الماضي والّذي غالبًا ما أُطْلِق عليه “الاشتراكيّة العربيّة”. بعد إصلاح الأراضي وتمصير” القطاع الخاصّ في خمسينيات القرن الماضي، حوَّلت النُسْخة 1.0 (الأولى) من رأسماليّة الدولة العلاقات الاجتماعيّة و تحصيل رأس المال، بشكلٍ حاسمٍ، تحت سيطرة الدولة. ونَتَجت النُسخة  2.0عن مَوْجَتَيْن رئيستيْن من الخَصْخَصَةِ في عهد الرئيس حُسْني مبارك. وكان ذلك بين عاميْ 1991  2009 ، ما أدّى إلى اِنْخفاضٍ كبيرٍ في ملكيّة الدولة للأصول ونصيبِها من إجماليّ إنتاج السلع والخدمات. ومع ذلك، كان أبرز ما في هذه النسخة من رأسماليّة الدولة المصريّة مُتَمثّلاً في مركزيّة “الترَابُط” السياسيّ مع رِبْحِيّةِ كُلٍّ من شركاتِ القِطاعيْن الخاصّ والعامّ. وجاء هذا كما أوضح الاقتصاديّون: إسحاق ديوان وفيليب كيفر ومارك شيفباور. 3

 

يقوم السيسي النموذج مرّة أخرى حيث يستعيد مَرْكَزِيَّة الدولة في وضْعِ المَعَايِير لصُنْع القرار من قبل جميع الفاعلين الاقتصاديّين وتطويع القطاع الخاصّ لاستراتيجيّة الاستثمار الرأسماليّ، حتّى وهي تواصل إعلان الالتزام الرسميّ باقتصاد السوق الحرّة. وكان النموذج 2.0 من رأسماليّة الدولة ملحوظًا بشكل خاصٍّ في شراكات المحْسُوبيّةِ الّتي شُكّلت بين الرئيس ونجليه والأعضاء الأساسيّين في الحزب الوطنيّ الديمقراطي الحاكم ورجال أعمال القطاع الخاصّ المتنفّذين. في المُقابل، فإنّ الإدارة الحاكمة الّتي تشكّلت بعد استيلاء القُوَّاتِ المُسلّحةِ على السلطة في تمّوز/يوليو 2013 استبعدت المقرّبين السابقين لمُبارك، وخاصّة بعد تولّي السيسي الرئاسة في أيار/مايو 2014 . كما أنّها لم تُكوّن مُنتفعين جُدُدًا من بين رجال الأعمال الكبار المُسْتقلّين، علمًا أنّ زُمْرة من رجال الأعمال الأصغر المُفضّلين آخذة بالظهور، والّذين يتمثّل قاسِمُهُم المُشْتركُ في روابطهم بالرئاسة والمُؤسّسة العسْكريّة أو بامتداداتهما المحليّة كالمُحافِظِين، على سبيل المثال.

 

مع ذلك، فإنّ نموذج رأسماليّة الدولة 3.0 بعيد كلّ البُعْد عن كوْنه ارْتِدادًا إلى النموذج الّذي وضعه جمال عبد الناصر، سواء على المُسْتوى الاجتماعيّ أو الاقتصاديّ. ويعود ذلك من ناحية إلى اتّباع عبد الناصر نهج إعادة توزيع الثروة وتغيير العلاقات الاجتماعيّة وخصوصًا من خلال توسيع ملكيّة الفلاّحين للأراضي وتوسيع وتمكين الطبقة العاملة والطبقة المُتوسّطة الجديدة الكبيرة من خلال التصنيع المُمَوّل من الدولة، والتعليم والرعاية الصحيّة المجانيّيْن للجميع، والتوظيفَ في الجهاز البيروقراطيّ للدولة بعد بلوغه حجمًا ضخمًا. في المُقابل، تميّز عهدُ السيسي بسياساتٍ ماليّةٍ رِجْعِيّة وما ينتج عنها من تَفَاوُتٍ حادّ في الدخل بين الفئات المُجْتمعيّة المُختلفة، ما ينْعكس في تعميق الفقر وانكماش الطبقة الوُسْطى وتركيزِ الثرْوَة والامْتيازاتِ لدى الشريحة العليا 4. وعلى الرغم من أنّ الإنْفاق الكبير يكمن في قلب رأسماليّةِ الدولة 3.0 كما كان الحالُ في عهد عبد الناصر، إلّا أنّ هذا النموذج المُنقّح في عهد السيسي يتّخذ من النشاط العقاريّ والإنشاءات مُحرّكًا رئيسًا من إصدار السندات الحُكوميّة مصدرًا رئيسًا لرأس المال الأجنبيّ، بدلاً من الصناعة التحويليّة والإنْفاق المُتّصل بالقاعدة التحتيّة الصِنَاعيّة وباكْتساب التكنولوجيا المُتطوّرة. 5

 

بيد أنّ أوْجُه التشابُه الأكثر لفتًا للانتباه هي الكائنة بين النموذج الاقتصاديّ الناشئِ في ظلّ إدارة السيسي والّذي يتَّبعه أقرب حُلَفائه في الخليج مثل الإمارات العربيّة المُتّحدة والمملكة العربيّة السعُوديّة. هذا ليس من قبيل الصُدْفة، إذ أنّه يُحَاكِيها بوَعْيٍ. في كِلْتَا الحالتيْن، فإنّ تحقيق كفاءة أكبر داخل القطاعات الحكوميّة وتعزيزِ توليد الإيرادات من خلال تسويق الأصول المملوكة للدولة، بما فيها الأراضي والموارد الطبيعيّة الأخرى (بدلاً من توسيع الضرائب المُباشرة) مُكَوّنات رئيسة لهذه السياسة. ونظرًا إلى افتقارها إلى الثروة القائمة على النفط والغاز، الّتي من شأنها أن تسمح للأنظمة الملكيّة الخليجيّة الحفاظ على الاقْتِصاداتِ الريْعيّةِ، تُعيد رأسماليّة الدولة المصريّة 3.0 اعتماد سياسة استخراج رأس المال الطُفَيْليّ من الاقتصاد الأوسع. ولأنّ الإيرادات الضريبيّة للدولة آخذة في الانْخِفاض – وذلك بسببِ رُكود الأعمال وتقلُّص المداخيل ورأس المال المُتاح لمُعْظم المصْريّين، وحتّى قبل جائحة كورونا – فإنّ النمط الاستخراجيّ يدفع الحاجة إلى مزيدٍ من الاستخراج. ولا يُبطئ هذا المسار التنازليّ سوى الضخّ المُسْتمرّ لرأس المال من الشُركاء الأجانب،  إلى جانب جهود السيسي لترشيد الاستخْراج من قِطَاعَيْ الأعمال المحليّة العامّ والخاصّ. 6

 

ويتمثّل اختلاف جوْهريّ آخر بين اقتصاد مصر واقتصاداتِ دُوَلِ مجلس التعاون الخليجيّ في دَوْر المُؤسّسة العسْكريّة في تحوّل النشاطيْن الاقتصاديّ والتجاريّ في عهد السيسي. وحسب ادِّعائه، تُوظّف المؤسّسة العسْكريّة المِصْريّة خمسة ملايين شخص، الغالبيّة العُظْمى منهم يعملون في مشاريع الأشغال العامّة المُخْتلفة الّتي تَضْطلع بها لصالح الحكومة. 7 فِعْليّا، يُوَظَّفُ جميعهم تقريبًا من قبل مُقاولي القطاع الخاصّ الّذين يعملون لصالح المُؤسّسة العسْكريّة، ويبعث الرقم المذكور إلى قدرٍ كبير من الشكّ (كما هو الحال في طريقة احْتِسابه)، لكنّه يدلّ على التوجّه العامّ.

 

كما تُبْرز هذه الدراسة، يعتمد السيسي بشكلٍ مُتزايِدٍ على المُؤسّسة العسكريّة لقيادة تطوّر رأسماليّة الدولة 3.0 . وقد يُساعد نهْجُه هذا في تحقيق نُموٍّ اقتصاديٍّ على المُسْتوى العامّ وتحسين كفاءة الماليّة العامّة على المدى القصير، ولكنّ نَتَائِجَهُ الرئيسة تكْمُن في تعزيزِ وإدامة قبضة الدولة المِصْريّة، بدلاً من إنشاء ودعْم اقتصاد السوق الحرّة، وفي تعميق نقْص رأس المال في مصر.

 

تتجلّى هذه الاتّجاهات من خلال توسيع وتحويل النشاط الاقتصاديّ العسكريّ في خمسة قطاعاتٍ تخدم النموذج المُتطوّر لرأسماليّة الدولة تحت إدارة السيسي، وهي: التطوير العقاريّ، وإنشاء محاور الصناعة والنقل، والأنشطة الريْعِيّة أو الاستخراجيّة المُتعلّقة بالموارد الطبيعيّة، والعلاقات مع القطاع الخاصّ، والجهود المَبْذُولة لزيادة الكفاءة الماليّة للدولة مع السعي وراء الاستثمارِ الخاصّ للمُساعدة في رَسْمَلَةِ القطاعِ العامِّ. تُعيدُ القطاعاتُ الثلاثةُ الأولى إنتاجَ ومُراجعةَ بعض جوانب الاقتصاد الريْعيِّ في عهد مُبارك، لكنّ القطاعَيْن الأخيريْن يُعدّلان ويجمعان تلك الجوانب بطُرق قد تُفضي إلى تحوّلٍ أهمّ وأشمل. وتُنَاقِشُ الأقسام التالية المَنْطِق الّذي يقود رأسماليّة الدولة 3.0 قبل الاِنْتقال إلى توضيح كُلٍّ من هذه القطاعات الخمسة. ثمّ تسْتعرض الدراسة إثر ذلك “لعبة الكثبان” في أسلوب تمويلِ رأسماليّة الدولة 3.0 ومركزيّةِ المُؤسّسة العسْكريّة في النموذج برُمّته، لتُخْتَتَمَ بتقييمِ تبعاتِ جُهود السيسي في الحفاظِ على اقتصادٍ سياسيٍّ ريْعِيٍّ في ظلّ عدم توفّر الريع الكافي.

 

رأسماليّة الدولة 3.0

إذَا عُرّفت رأسماليّة الدولة على أنها نظام اقْتِصادي يتمّ فيه تعديل الرأْسْماليّة الخاصّة بدرجاتٍ مُتفاوتةٍ من مِلْكيّة الحكومة وسيْطرتها، فإنّها لم تَخْتفِ أبدًا في مصر. وعلى الرغم من حدوث نسبة هامّة من الخَصْخَصة الكاملة والجُزئيّة، تُواصل الشركات المملوكة للدولة القيام بنشاطٍ تجاريٍّ هامّ. وقد تنخَفض حِصّتُها بشكل أكبر إذا تمّ في نهاية الأمر تنفيذُ خُطّة بيع المزيد من الشركات (ولو جُزْئيّاً) والّتي توقّفت منذ عام 2018 ، إلاّ أنّ رأسماليّة الدولة المصريّة قد لا تتراجعُ بشكلٍ كبيرٍ. وكما لاحظ خالد إكرام، المُدير السابق لدائرة مصر للبنك الدُوليّ في وقت قريب، فإنّ التدخّلات الحُكُوميّة من خلال القوانين واللوائح في العديد من القطاعات الاقتصاديّة لا تزال واسعةَ الانتشارِ لدرجة أنّها تُحَدِّدُ فعليًّا مُسْتوى ومُكوّنات الناتج الاقتصاديّ، رغم أنّ هذه القطاعات تقع رَسْميًّا تحت سيطرة صُنّاع القرار في القطاع الخاصّ. 8 فيظلّ “أثر” قدم الحكومة في الاِقْتصاد المصريّ أكثر شمولاً ممّا يُمْكن اسْتنتاجه من المعايير التقليديّة، كنسبة الإنفاق الحكوميّ في الناتج المحليّ الإجماليّ. وأكّد تقريرٌ للبنك الدوليّ، صدر في كانون الأوّل/ديسمبر  2020على “أنّ وُجود الشركات المَمْلوكة للدولة في كلّ قطاعٍ تقريبًا من شأنه أن يُغذّيَ تصوّرًا باتّساع نطاق نشاطه، وحتّى الإفراط فيه، في حين أنّ العديد من الأُطُر والقوانين الناظمة الحاكمة للملكيّة الّتي تعمل بمُوجبها يجعل التعرّف عليها صعْبًا ومُعَقّدًا” 9.

 

إنّ القيمة الصافية للملكيّة العسْكريّة أو السيطرة على الأصول الاقتصاديّة والدخل من بيع السلع والخدمات الّتي تُنْتِجُها أو تحصُل عليها الهيئات العسكريّة المُخْتلفة أقلُّ بكثيرٍ ممّا يتصَوّرُه كثيرون، على الرغم من أنّها باتت الآن أهمّ بكثير ممّا كانت عليه عشيّة الإطاحة بمُبارك قبل عقدٍ من الزمن. ومع ذلك، فإنّ نُموّ الأموال التقديريّة الّتي تُسيطر عليها وزارة الدفاع يُتيح لها الكثير. فتسْمح هذه الأموال للمُؤسّسة العسكريّة زيادة الامتيازاتِ الإضافيّةِ وتعْزيزِ الولاء لها من قبل جُنود الصفّ وتكوين صندوق احتياطيّ يُمْكن من خلاله تمويل وتطوير البنية التحتيّة العسكريّة واقتناء الأسلحة (حيْثما لا يُمكن تمويلها من خلال المُساعدات الخارجيّة) والاستحواذ على وسائل إعلام مُختارة وتحفيز التبرّع إلى هيئاتٍ مُخْتلفةٍ من تحيا مصر، صندوق للرعاية الاجتماعيّة والتنمية.

 

هذا لا يعني أنّ عناصر مُقاربة السيسي مُرْتبطة ببعضها البعض ضمن استراتيجيّة مُتكاملة ومُتناسقةٍ. بالأحرى، إنّ ما تتشارك فيه هو أنّها برُمّتها مدفوعة بتصميمه على تأمين رأس المال، واقتناعه بأنّ توظيف القدرات المُركّزة للدولة يُشكّل الاستراتيجيّة الأكثر كفاءةً لتحقيق ذلك، واستخدامه للمؤسّسة العسكريّة (كرأس حربة) لهذا المسار. في الواقع، فإنّ تلاشي جُلّ مصادر رأس المال، يجعل من الاندفاع إلى توليده ضرورة مُطْلقة للسيسي إذا كان سيُحافظ على ائتلافه الحاكم وسيْطرته على مُؤسّسات الدولة، وليس مُجرّد خيار. والنتيجة الحيويّة الإضافيّة هي أنّ رأسماليّة الدولة3.0  في مصر مُنْحصرة في مسار تعميم دور المؤسّسة العسكريّة في الإدارة الاقتصاديّة وفي توليد الإيرادات، ليس بسبب أيّ وعي اقتصاديّ أو فطنة تجاريّة قد تدّعيها، بل لأنّها المُؤسّسة الأكثر مَوْثوقيّة سياسيًّا في الدولة وأقوى أجهزتها العسكريّة. ومن المُفارقاتِ أنّ النتيجة الرئيسة هي زيادة أوجه القصور الهيكليّة للاقتصاد ودفْعِ دوامّة تَقَهْقُرِه.

 

إعادة الإنتاج والمُراجعة

التطوير العقاريّ

تَكْمُن إحدى الركائز الرئيسة في مُقاربة السيسي في الاسْتثمار الحُكُومِيّ الضَخْم في مجال خلق القيمة العقاريّة. في الواقع، يُضاهي دور القطاع العقاريّ الآن دور قطاع الصناعات الثقيلة في عهد جمال عبد الناصر، كمُسْتقطبٍ أساسيّ للاستثمار العامّ وأداةٍ لتوليدِ الإيراداتِ ودفْع النموّ الاقتصاديّ وجذْب مُسْتثمري القطاع الخاصّ. ويُدَارُ قسط  كبير من هذا المجهود من قبل الهيئة الهندسيّة وإدارة المشاريع الكبرى للقوّات المُسلّحة بالتنسيق مع هيئة المُجْتمعات العُمْرانيّة الجديدة، الّتي تضمّ عددًا لا بأس به من المُتقاعدين  العسكريّين. ويشمل ذلك بناء ثلاث مُدُن “ذكيّة” (تُطْلَقُ عليها هذه التسمية لأنّها تستخدم التكنولوجيا الرقميّة لتحسين كفاءة استخدام الطاقة وتوفير المُرَاقبة الدائمة لتوفير الخدمات وحفظ الأمْن والنظام) ستسْتهدف شرائح الطبقة المُتوسّطة ذات الدخل المُرْتفع عبر عرض المَساكن الفاخرة والمرافق مع واجهاتٍ على الشاطئ، مُقَلِّدةً بذلك نموذج دُبَيْ. أمّا المشاريعُ الحضريّة الأخرى فهي مُخصّصة لعائلاتِ الطبقة المُتَوسطة الأقلِّ تَرَفًا، والبعض الآخر كمُدن سكنيّة للعاملين في المناطق الصناعيّة الجديدة الّتي يتمّ إنْشاؤُها في منطقة قناة السويس وفي مواقع اسْتصلاح الأراضي الّتي تُديرها المُؤسّسة العسْكريّة في مُحافظات الصعيد.

 

إنّ التكلفة الدقيقة لهذه المُخطّطات الحضريّة المُخْتلفة غيرُ واضحةٍ، لكنّها تُمثّل جُزْءًا من شريحة “المشروعات القوميّة” الضخْمة الّتي تلقّت 4 تريليون جنيه مصريّ (أي أكثر من 200 مليار دولار) من التمويل الحُكوميّ في السنوات الأرْبَعِ أو الخَمْس الّتي سبقت تشرين الثاني/نوفمبر2019 ، وذلك حسب ما صرّح به السيسي. 10 وأخذت أعمال المرحلة الأولى للعاصمة الإداريّة الجديدة الّتي يتمّ بناؤُها شرق القاهرة، بمُفْردها، حصّة 10 في المئة من إجماليّ الإنفاق العامّ، أي 300 مليار جنيه مصريّ (أو ما يُعادل 19.05  مليار دولار أمريكيّ) بحلول كانون الثاني/يناير 2020 . 11 يأتي هذا المشروع الضخم الّذي تُديره المُؤسّسة العسْكريّة بتكلفة مُتَوَقَّعةٍ تُناهزُ58  مليار دولار على امتداد خمسِ سنواتٍ حتّى عام .2022 12

 

إنّ الاختلاف في الحجم الهائل للمشروعات القوميّة في عهد السيسي وتعلّقه بمشاريع “الصُرُوح” يُميّزُه عن مُبارك. 13 ومع ذلك، تُظْهِرُ الأرقام الرسْميّة أن البنْية التحتيّة لم تستهلك في الواقع القسط الأكبر من الاستثمارات الحكوميّة في الفترة المُمتدّة من 2013 إلى 2018. وكما أوْضَحْتُ في دراسة أخرى، 14 بلغ مُتوسّط ​​إجماليّ الاستثمارات الحكوميّة حوالى 312 مليار جنيه سنويًّا في هذه الفترة، بينما لم يتجاوز الإنفاق على البنية التحْتيّة مُسْتوى الـ 60 مليار جنيه سنويًّا، ممّا يوحي بأنّ قطاع الإسْكان نال حصة الأسد من المشروعات القوميّة المُمَوّلة من الدولة. 15 علاوةً على ذلك، فإنّ حصّة كبيرة جدًّا من الإنفاق على هذا القطاع اتّصلت على وجه الخصوص بمشاريع البناء الحَضَرِيّة الكبرى وبالمشاريع الاستعراضيّة الّتي تُجسّد الاندفاع نحو إنْشَاءِ سوق عقارات عالي القيمة.

 

وما يُميّز السيسي عن غيره أيضًا مُحاولته توجيه سوق العقارات من كونها مُضاربة بلا قيود يُشارك فيها المسؤولون الحُكوميّون الفاسدون للمُتاجرة بالأراضي الّتي تعرضها الدولة، كما كان الحالُ في عهد مُبارك. وهذا لا يعني إطلاقًا أنّ المُضاربة من قبل المحسوبين وهيئات الدولة والمسؤولين قد انتهت، بل هو تأكيدٌ على التحوّل إلى مُقَامَرَةٍ اسْتثماريّةٍ كُبرى تجْعل من الدولة المُسَاهِم الرئيس. مع ذلك، على الرغم من أن الأدلّة المَرْويّة تُشير إلى وجود طلب كبير على الشُقَق في المُدُن الجديدة المُطلّة على الشاطئ، فمن غير الواضح ما إذا كانت الدولة ستُعَوّض فِعْلِيًّا التكاليف. ويعود ذلك إلى كَوْنِ نسبة تتراوح بين 50 و 60 في المئة من السكّان تعيشُ الآن على خطِّ الفَقْر أو تحته، في ظلّ تقلّص الطبقة الوُسْطى ونُدرة الزبائن الأجانب أو المُغْترِبِين أو غيابهم تمامًا.

 

إنّ حقيقة أنّ الاستثمارات يُمْكنها أن تتمّ بحجم غير مسْبوقٍ في المشاريع الجوفاء (أيْ مشاريع تزيد تكاليفها الإنشائيّة والتشغيليّة عن عائداتها الفعليّة ونفعها) والمشاريع الاستعراضيّة تعكس الطُمُوح المُفْرَط لرئيسٍ يحْتَقِر علانيّةً دراسات الجدوى الاقتصاديّة، وأيضًا حاجته إلى كسْب ولاء الدوائر المُؤسّساتيّة للائتلاف الحاكم الّذي يرأسه. 16 وبالتالي، تمضي المؤسّسة العسْكريّةُ قُدُمًا بمشاريعِ  العاصمة الإداريّة الجديدة، على الرغم من عدم معرفتها كيف ستمدّها بالمياه الكافية لتلبية احتياجات سبعة ملايين نَسَمَة يُفترض أن يقْطُنوا فيها رغم تصاعُد كُلفتها. ولكن، هناك أيضًا أوْجُه تشابُه مُلفتة مع المشاريع العقاريّة والمُدُن “الذكيّة” لحُلفاء مصر في الخليج. ويُمْكن القول إنّ العاصمة الإداريّة الجديدة هي المثالُ الأوّل على هذه المُحاكاة، على الرغم من أنّ مدينة المَنْصورة الجديدة في  ساحل الدلتا تُحاكي أيضًا الواجهة البَحْريّة لجُزُرِ النخيل الاصْطناعيّة في دُبَيْ. 17

 

من الواضِحِ أنّ مصر تَفْتقرُ إلى رأس المال الّذي لدى نظيراتِها الخليجيّة. ولكن حتّى رُوّاد الاستثمارات الضخْمة في المُدُنِ الجديدة  –  مثل مدينة نيوم المُسْتقبليّة في المملكة العربيّة السعوديّة – يُواجهون مَشَاكِل مُمَاثِلة، حتّى وإنْ كانوا أكْثَر ثراءً. لكن، بدلاً من تغيير المسار، ردّت إدارة السيسي من خلال مُضاعفة جهدها. ففي أيلول/سبتمبر2020 ، على سبيل المثال، أعلن رئيس الوزراء المصريّ مصطفى مدبولي أنّه تمّ التخطيط لعشرينَ مدينةٍ جديدةٍ على غرار العاصمة الإداريّة الجديدة، بهَدَفِ استيعاب النموّ السُكّانيّ. 18فكانت المُفارقة أنّ تكاليف الإسْكان في هذه المشاريع أعلى بكثيرٍ من دخل الطبقة المُتوسّطة، وأنّ حوالى 30 مدينة جديدة كانت قد شُيّدت بحُلُولِ عام 2017 لم تجذب أكثر من 3.8 في المئة فقط من الزيادة السُكّانيّة السنويّة في مصر، أو ما يُقارب ثُلُث المُعدّل المطْلوب لبَدْء تراجُع الاكتظاظ في وادي النيل. 19 والمُفارقةُ الصادمةُ الثانية هي أنّ التشديد على العقارات قد دفع المُسْتثمرين إلى المُضاربة، ما أدّى إلى إغْراقِ السوق بـ 12.8 مليون شقّة قيْد الإنشاء أو شاغرة في عام 2018 ، وفقًا لتقديراتِ الجهاز المركزيّ للتعبئة العامّة والإحْصَاء المصريّ. 20

 

البنيةُ التحتيّةُ

يُشكّل إنشاء محاور رئيسة للصناعة والنقل والخدمات الركيزةَ الثانية لرأسماليّة الدولة الناشئة الّتي تلعب فيها الهيئات العسكريّة مرّة أخرى دور رأس الحربة. وتتركّز هذه المحاور في منطقة قناة السويس بمُحاذاة ساحل البحر الأحمر، حيث تُنشأُ تحت الإدارة العسكريّة عدّة تجمّعات من المناطق الصناعيّة والموانئ والطُرُقات السريعة المُرْتَبِطة بها، والمُدُن العُمّاليّة ومدينة ذكيّة واحدة على الأقلّ مُوَجّهة لذوي الدخل المُرتفع والصناعات الكيميائيّة .

 

إنّ الدور العسْكريّ البارز في هذه المنطقة الواسعة أمْرٌ حتميّ تقريبًا، إذْ تُولي القُوّات المُسلّحة المصْريّة قناةَ السويس وشبه جزيرة سيناء المُجاورة لها أهميّةً قُصْوى للدفاع الوطنيّ، وتُعَامِلُهُما كمحميّة اقتصاديّة حصْريّة لها. بالإضافة إلى ذلك، يُسيطر مُتقاعدو القوّات المُسلّحة على إدارات المحافظات والهيئات الرئيسة كهيئة قناة السويس والشركات المملوكة للدولة التابعة لها، وكذلك جميع هيئات الموانئ تقريبًا. كما أنّ الهيئات العسكريّة أدارت نصف الإنفاق الـبالغ600  مليار جنيه والّذي خصّصته الحُكُومة للتنمية في سيناء حتّى نيسان/أبريل 2020 . 21 كما يمتلك جهاز مشروعات الخدمة الوطنية، التابع لوزارة الدفاع، العديد من مواقع الإنْتاج في سيناء وعلى ساحل البحر الأحمر، الّذي تمّ تحديد أجزاء منه رسْميًا على أنها “مناطق استراتيجيّة ذات أهميّة عسْكريّة”.

 

يتناسب تطوير هذه المحاور مع الاستفادة من مزايا مصر المُتمثّلة في موقعها على طريقٍ تِجاريٍّ عالميّ بالغِ الأهميّة وفي تقديمِ خدمات للسفن العابرة عبر قناة السويس. إنّ الاسْتثمار المُكَثّفَ في البنية التحْتيّة الأساسيّة لهذه المنطقة أمر منطقيّ اقتصاديًّا أيضًا لأنّه يدلّ على التصميم على جذب النشاط التجاريّ. لكنّ الأهداف والأولويّات والوتيرة تُحَدَّدُ جميعًا من قبل هيئاتِ الدولةِ. علاوةً على ذلك، الوزراء المدنيّون وكبارُ مُوظّفي الخدمة المدنيّة في المقام الثاني في وزارة الدفاع خلف المُتقاعدين العسكريّين الّذين يرأسون الهيئات العاملة في المنطقة والّتي تَخْضَعُ، اسميّا، لسيطرة الحكومة، لكنّها في الواقع تعمل بشكل وثيق مع المُؤَسّسة العسْكريّة ورئيس الجمهوريّة.

 

يُولّد هذا مشكلات عدة، إذْ يتمّ تصوُّر المشاريع وتنفيذها رُوتينيًّا بأحجام ضخمة في حِينَ أنّ المُخطّطات التجريبيّة الأصغر ستكون مُناسبة أكثر لاختبار شهيّة المسْتثمرين، ولإتاحة المُرُونة والتكيّف، ولتقييم الآثار البيئيّة. وتفترض مشاريع الإسكان الضخمة أنّ أعدادًا كبيرة من المصريّين سوف تتدفّق إلى مُدُن عُمّاليّة جديدة وإلى تجمُّعات لريادة الأعمال من أنحاءٍأُخْرى من البلاد، على الرغم من أنّ عددًا محْدودًا فحسب ممّا يُسمّى “المُدُن الصحْراويّة” السبعة والعشرين الّتي شُيّدت على مدى العُقود الأربعة الماضية حقّقت أهدافها السُكّانيّة. إنّ تقديم محاور تنمويّة جديدة كوسيلة لمُعالجة البطالة في المناطق الفقيرة كـالصعيد، كما زعم السيسي، يتجاهل حقيقة أنها لا يُمْكن أن تَنْجح إلاّ من خلال جذب العمالة الماهرة من تِلْك المناطقِ، ما سيزيدُ فعليّا من إفقارها.

 

إلى حدٍّ كبير، تَنمّ هذه المشاكلات عن الافتقار إلى دراسات الجدوى والتخطيط الاقتصاديّ المُسْتقبليّ، والّذي يعود إلى الغطْرسة الرئاسيّة. يُقدّم مشروعُ توسيع قناة السويس مثالاً فاضحًا على تلك العواقب الوخيمة. لقد أُطلِق  المشروع من طرف السيسي في عام 2014 تحت إدارة وزارة الدفاع، وكان مصْحوبًا بتَأْكيداتٍ واثقة بكَوْنِه سيُضَاعِفُ الأرباح من رُسُوم الشحن العابر إلى 13.5 مليار دولار بحلول عام 2023 . مع ذلك، فقد تمّ تَجَاهُل رُكُود التجارة العالميّة الّذي كان واضِحًا بالفعل، وتراجُع صادرات النفط إلى الغرب، وتحديث قناة بَنَمَا، وفتْح طريق القُطْب الشماليّ البديل نتيجة الاحْتباسِ الحراريِّ.

 

يُؤكّد حجْمُ مشاريع العقارات والبنية التحتيّة أهميّة سيطرة الدولة على الأراضي والموارد الطبيعيّة الأخرى كالمياه، في اقتصادٍ لا يزالُ رَيْعِيًّا بالأَسَاسِ. كما أنّه يُساعد في تفسير الثقة (إن لم نقُل الإفراط في الثقة) الّتي أظهرها كُلّ من الرئيس والحكومة عبر إطلاق المشاريع ذات الكثافة الرأسماليّة الّتي تتطلّب حصولًا واسعَ النطاقِ على الأراضي. إنّ النشاط الاقتصاديّ الريْعيّ ليس جديدًا على الإطْلاق، لكنّ تكْثيفه تحت الإدارة العسْكريّة يُشكّل سِمَةً ثالثة لتطوّر رأسْماليّة الدولة في ظلّ رئاسة السيسي. بالإضافة إلى سلطتها الغالبة في تخصيص الأراضي في المناطق الاستراتيجيّ المُحدّدة، تتمتّع وزارة الدفاع بأشكالٍ مُباشرةٍ وغير مُباشرةٍ من السيطرة القانونيّة على اسْتخدام جميع أراضي الدولة، والّتي قُدّرت في عام 2006 بنسبةٍ تتراوح بين 90 و95 في المئة من إجماليّ مساحة مصر 22 يعتبر كلٌّ من البنك الدوليّ وصُندوق النقد الدوليّ أنّ هذا أحد أهمّ المُعَوّقات أمام نشاط القطاع الخاصّ، إلاّ أنّ السلطات المصريّة تُقاوم إصلاح هذا الوضع. 23

 

للمُؤسّسة العسْكريّة مزايا أخرى تتعلّق بالأراضي. فقد اسْتَخْدَمَ السيسي سلطته على تصنيف أيّ جزء من الأراضي المصريّة كمنطقة استراتيجيّة، لإنْشاء 21 طريقًا سريعًا تصل بين المُدُن، وشريطًا بعَرْض كيلومترين اثنين على جانبيها تحت السيطرة العسْكريّة، ما منْحِ وزارة الدفاع حقّ الانْتِفاع الاقْتِصاديّ الكامل بها. ويُمكّنها ذلك من فرْضِ رسومِ المُرور وتشغيل أو منْح الامتيازات التجاريّة (بما في ذلك الخدمات على جانب الطريق والإعْلانات)، وربّما وضع ومُراقبة شبكات الاتّصالات السِلكيّة واللاّسلكيّة (بما في ذلك كابلات الألياف البصريّة). وكانت الوِزارة قد سعت بالفعل إلى الهيمنة على هذا القطاع منذ عام2014 ، حين قدّمت مُناقصةً لتشكيلِ شركةٍ احتكاريّة للبنية التحتيّة بالاشتراك مع مُؤسّسات حُكوميّةٍ أخرى، تمتلك فيها حصّة 51 في المئة ولكن فشلت في ذلك. 23وبالتالي، قد تُوفّر السيطرة القانونيّة الدائمة على الطُرُق القوميّة مَدخلًا خفيًّا للهيمنة الّتي تسعى إليها. علاوةً على ذلك، فإنّ الجرائم أو الحوادث أو النزاعات التجاريّة الّتي تحْدُث على هذه الطُرق أو تتّصل بها تخْضَعُ إلى الاختصاصِ الحصريّ للمحاكمِ العسْكريّة، كما هو الحال بالنسبة لجميع المناطق والمنشآت العسكريّة.

 

القطاعات الاستخراجيّة

إنّ تسريع استصلاحِ الأراضي والمشاريع الزراعيّة الّتي يَمْتَلِكُها أو تُديرُها المُؤسّسة العسكريّة منذ أن تَولّى السيسي الرئاسة، يُسلّط الضوء على كيفيّة استفادة هيئات الدولة من هذه المزايا لتتقدّم على حساب القطاع الخاصّ. لقد أقام جهاز  مشروعات الخدمة الوطنيّة   بعْضًا من أقدم نشاطاته في اسْتصلاح الأراضي في المناطق العسْكريّة جنوب البلاد في تسعينيّات القرن الماضي، لكنّه بَعَثَ بمشاريعَ ضَخمةٍ كـالصوب الزراعيّة واستزراع الأسماك في المناطق الأكثر كثافةً سُكانيّةً منذ عام 2014. علاوًة على ذلك، يستخدم الجهاز المجنّدين العسْكريّينَ كعَمالَةٍ في ما هو في واقع الأمر مزارع شاسعة مَمْلوكة للدولة، في ما يُفْتَرَضُ أنّه اقتصاد السوق الحرّ. وأبْرَزَ السيسي مَغزَى ذلك خلال افتتاحه لصوب زراعيّة جديدة لجهاز مشروعات الخدمة الوطنيّة في آب/أغسطس 2019 ، مُتوَقِّعًا أن يُوفّر إنتاج الغذاء في المشاريع الزراعيّة الّتي تُديرها المُؤسّسة العسْكريّة نسبةً تترواحُ بين  10 و 15 في المئة من احتياجات السُوق. 24 و ظهر وزير قطاع الأعمال العامّ، هشام توفيق، وكأنّه يُؤكّد الاتّجاه إلى تركيز السوق حين اشتكى بعد ذلك ببضعة أشهر بأنّ قطاع الألبان يُعاني من التفتّت الشديد وأنّه ”يحتاج إلى مشروع عملاق لتفادي أيّ أزمة تحدث إذا ما قَرَّرَ الأفراد التخلّي عن تربية أبقارهم”. 25

 

إنّ مصر، حقًّا، تحت عتبة الشُحّ المائيّ وتتّجه نحو نُدرة مياهٍ مُطْلقة بحلول عام 2025 ، ما دفع الحكومة إلى تقييد زراعة الأرز من قبل المُزارعين المدنيّين في دلتا النيل. لكنّ المُؤسّسة العسكريّة تتمتّع بالوصول غير المُقيّد إلى مصادر المياه للمشاريع المموّلة من قبل الحكومة ولمشاريعها هي. وإلى جانب المُدُنِ الجديدة الّتي يتمّ بناؤها تحت الإدارة العسْكريّة، تحصل مشاريع جهاز مشروعات الخدمة الوطنيّة على المياه المستخرجة من الأحواض الجوْفيّة أو المنقولة عبر قنوات من بحيرة ناصر أو نهر النيل. إنّ هذه العمليّة عالية الاستخدام للطاقة ومُكْلفة جدًّا، لكنّ المُؤسّسة العسْكريّة قادرة على القيام بها من دون مُراعاة الجدوى الاقتصاديّة أو الآثار البيئيّة. وقد مكّن ذلك الشركات الزراعيّة الّتي أنْشأها مُسْتثمرون خليجيّون في بعض مناطق استصلاح الأراضي من الحصول على المياه بأقلّ من التكلفة الحقيقيّة للسوق، ما سمح لها، حرفيّا، بتصدير المياه. 26 لا تستهلك المزارع السمكيّة التابعة لجهاز مشْروعات الخدمة الوطنيّة المياه العذْبة فحسب، بل أُنْشِئت في مواقع مرغوبة: بُحَيْرات الدلتا المُكْتظّة بالسُكّان والمزْروعة وكذلك شمال سيناء، وعلى امتداد تفريعة قناة السويس الجديدة الّتي شُيّدت تحت الإدارة العسكريّة في 2014 – 2015.

 

توسّع التركيز على الأنشطة الريْعِيّة في عهد السيسي ليَشمل المُشَاركة العسكريّة في استخراج الموارد الطبيعيّة وتَسْوِيقِها. حتّى عام 2014  كان التدخّل العسكريّ غير مُبَاشر وغير رسميّ إلى حدّ كبير، وشمل ذلك في الغالب الرشاوى والرسوم غير القانونية الّتي يُطالب بها مُتقاعِدُو القُوّات المُسلّحة (وكذلك المسؤولون المدنيّون) العامِلُونَ في إدارات الحكومة المحليّة لإصدار تراخيصِ المحاجر والمناجم لمُقاولي القطاع الخاصّ. لم تَجْنِ وزارة الدفاع مداخيلَ، حتى عام 2015، حين صدر مرسوم حكوميّ يستوجب مُوافقة  الوزارة على اسْتخراج الثروات المعدنيّة في أيّ مكان من البلاد وفوّضها جباية الرسوم على جميع ما يتمّ استخراجُه في مواقع الإنتاج. 27علاوة على ذلك، حصلت وزارة الدفاع على حقوقٍ حَصْرِيّة من عائدات استخراج ومُعالجة الموادّ الخام من المناجم والمحاجر الموجودة في الأراضي الّتي تُسيطر عليها القُوّات المُسلّحة. 28

 

ومنذ ذلك الحين، قام جهاز مشروعات الخدمة الوطنيّة ببناء مصانع للرخام والغرانيت بقُدْرة إنتاجيّة تفوق إجماليّ الإنتاج الحاليّ للبلاد، ما يَضَعُها في موقع احتكاريّ مُحْتَمَلٍ. 29وفي عام 2016، اسْتَحْوَذَت على أغلبيّة في الشركة العامّة الّتي تُسَيْطر على موقع الرمال السوداء الوحيد في مصر، والّذي يُنتج المعادن الثقيلة كالتيتانيوم والزركونيوم بقيمة تصديريّة مُتَوَقَّعَة تبلغ 176 مليون دولار سنويًّا. 30كما اسْتَحَوَذت على حصّةٍ في التنقيب عن الذهب، والّتي تُمثّل لوحدها 1 في المئة من الناتج المحلّي الإجماليّ، وزادت من دورها في إنتاج وتسويق الفُوسْفات والأسْمدة. 31وتقع الغالبيّة العُظْمى من مواقع الاسْتخراج في المناطق الخاضعة للسيطرة العسكريّة، والّتي من خلالها تقود المُؤسّسة العسْكريّة وتوسّع حصّة الدولة في هذه القطاعات، وتُقحم نَفْسها في التجارةِ الخارجيّةِ في آن.

 

إخْضَاعُ القطاعِ الخاص

يشَكّل التوسُّع العسْكريّ في بعض هذه القطاعات الاستخراجيّة على الأقل تحدّيًا مُباشِرًا للشركات الخاصّة. ويعكس هذا السمة الرابعة للطبيعة المُتطوّرة لرأسماليّة الدولة في ظلّ رئاسة السيسي، وهي إعادة توجيه العلاقات مع القطاع الخاصّ وإعادة تنظيمِها. وعلى الرغم من مسؤوليّة القطاع الخاصّ على 70 – 75 في المئة من الناتج المحليّ الإجماليّ ومن الوظائف، تظلّ الدولة إلى حدٍّ كبير في موقع القيادة على مُستوى تحديد الأهداف والأولوّيات الاقتصاديّة، وهي المُسْتثمرُ الوحيدُ في البنية التحْتيّة العامّة. إذ قُدّر الإنفاق الحكوميّ بنسبة 31 في المئة من الناتج المحليّ الإجماليّ في عام 2016، كما أنّ الدولة هي أيْضًا مصْدر حصّةٍ كُبْرى من دورةِ رأسِ المال في القطاعِ الخاصّ، وخاصّة بالنسبة للشركات الكُبْرى والمُتوسّطة، 32وفي رأي عمرو عدلي، هذا هو التفسير المُؤسّساتيّ لغياب اندماج القطاع الخاصّ في السوق وضعف تطوّره الّذي أدّى إلى ظُهور ما يُسمّيه الرأسْماليّة “المشْقُوقة” في مصر. 33

 

من المُحْتَمَل أن تكون الزيادة الضخمة في الإنْفاق العامّ على الإسكان والبنْية التحتيّة منذ أواخر عام 2013 قد زادت من حصّة الأعمال الّتي تستمِدُّها الشركات الخاصّة من الدولة، نظرًا إلى كوْنها هي الّتي تقوم بتنفيذها فِعْليًّا. وقد أدّى ذلك أيْضًا إلى تضْخيم مركزيّة الروابط السياسيّة والمحْسوبيّة في تأمين العُقُود العامّة، خاصّة بالنسبة للمُؤَسّسة العسْكريّة، الّتي تتمتّع بالسُلْطة القانونيّة لمنح عقود المشاريع الّتي تُديرها بواسطة “الأمر المباشر” أو “الإسناد المباشر”، أي المُناقصة غير التنافسيّة. لقد وظّفت الهيئات العسْكريّة قُدْرتها على منح العقود أو حَجْبها من أجل استخراج هوامش ربْحيّة أكثر من المُعتاد، بينما تُجْبر الشركات الخاصّة على القبول بهوامش ربحيّة أصغر بكثير أو معدومة في مشاريع الأشغال العامّة التي تُديرها. ويبلغ حجم هذه المشاريع حوالى رُبْع الإجماليّ بين عامي 2014 و2018، ما يُشير إلى تحويلٍ كبير لرأس المال الخاصّر- على شكلِ الحرمان من الأرباح أو التحمّل الفرعيّ لنفقات الدولة – لغرض تأمين تكاليف المُخطّطات الحُكوميّة وزيادة ودائع الصناديق العسكريّة .

 

يصوّر السيسي، مرارًا، استثمار الدولة في البنية التحتيّة على كَوْنه ذا مَنْفَعةٍ للشركات الخاصّة، الّتي ستتخلّص بذلك من إنفاق أموالها على إنشاء المُجمّعات الصناعيّة وما شابه. لكنّ الشركات الخاصّة أظْهرت شهيّة محْدودة نِسْبيًّا للانتقال إلى المناطق الّتي تتلقّى حصّة الأسد من التمويل. يبدو أنّ هذا هو النتيجة والسبب في آن لتفضيل الرئيس والمُؤسّسة العسْكريّة منح الامتياز للمُسْتثمرين الأجانب في المنطقة الاقتصاديّة لقناة السويس. ويعود ذلك جُزْئيًّا إلى قُدْرتهم (أي المستثمرين الأجانب) على جذب الائْتمان والتكنولوجيا الدوليّيْن. هذا ويمثّل الغموض المُسْتَمِرّ في الأطُر القانونيّة والتنظيميّة الّتي تُقَنِّن الاستثمار في المشاريع المُنْشأة بالاشتراك مع الهيئات العسْكريّة أو في المناطق الاستراتيجية الّتي تُسيْطر عليها وزارة الدفاع، رادِعًاٍ إضافيًّا يحول دون استثمار الشركات المحليّة هُنَاكَ .

 

إنّ الاسْتثناء الكامل للمُؤسّسة العسْكريّة من اختصاصِ المحاكم المدنيّة يعني أنّه لا يُمْكن إحالة النِزاعات التِجاريّة المُتعلّقة بها إلى التحكيم. كما أنّ ضُعْف إنْفاذ العُقُود والمخاوف بشأن المزايا الضريبيّة للمُؤسّسة العسْكريّة يُثْنيان الشركات الأجنبيّة عن الاستثمار في مصر. 34 لكن من المرجّح أن تنظر الشركات من البلدان الّتي لِحُكُومَاتِها علاقاتٌ سياسيّة جيّدة مع إدارة السيسي – مثل الصين وروسيا وإيطاليا – إلى المجازفة القانونيّة بقلق أقلّ. وحتّى عندما تحْرص الشركات المصريّة الخاصّة الأكبر حَجْمًا والتي تحظى بعلاقات جيّدة، على المُشارِكة في مشاريع مَدْعُومة عسْكريًّا، قد تحتاج سنوات للحُصول على المُوَافقة، كما كان الحال بالنسبة لاسْتِثمار شركة كاربون هولدينغس في مجمع التحرير للبتروكيماويّات الهائل في خليج السويس. وهذا ما جَعَلَ ديوان وكيفر وشيفباور يُلقّبون المُؤسّسة العسكريّة بـ”قائدة محسوبيّة كبرى للسوق”، على الأقلّ في ما يتعلّقُ بالمشاريع الّتي تديرها وتمنح عقودها. ويبرز بحثهم أنّ قطاع الأعمال العامّ والشركات الخاصّة المُرْتبطة سياسيًّا تتلقّى الحصص الأكبر من سوق المُقاولاتِ الفرعيّة فيما يتولّى عدد أكبر بكثير من الشركات الصُغْرى الأقلّ إنتاجيّة والّتي تسْتَخْدمُ التكنولوجيا المتقادمة وتَخْدِمُ احتياجات ضيّقة في السُوقِ المحليّة بقيّة العقود. 35

 

تُؤكّد حقيقة أنّ الرئاسة قد سمحت بمرور ستّة أعوام منذ إطلاقها مشاريعها الضخمة من دون توفير إطار قانونيّ مُناسب، مدى قُوّةَ المصالح العسْكريّة ونَظْرَةَ السيسي العامّة للتنمية الاقتصاديّة على أنها في المقام الأوّل شأنٌ تقُودُه الدولة. نظريًّا، يُمْكِنُ لاستثمارات الدولة أنْ تُوفّر رأس المال لفتح وتطوير قطاعاتٍ اقتصاديّةٍ جديدةٍ واِمْتصاصِ المجازفة فيها، بغية تسليمها إثر ذلك إلى الشركات الخاصّة. كان هذا بالتأكيد هو المنطق الّذي قدّمه السيسي في نيسان/أبريل 2020 للمشاريع الضّخمة الّتي تُديرها المُؤسّسة العسكريّة في منطقة شرق بورسعيد التنمويّة، على سبيل المثال. 36 لكنّه كشف أكثر عن نبرته الحقيقيّة حين وجّه اللوم إلى القطاع الخاصّ لفَشَلِهِ في الاستثمار في سيناء، متَجَاهِلاً، من دون اكتراث، العقبات، الّتي تَحُولُ دون ذلك. 37 وبالمثل، تجَنَّب تفسير لماذا يعتقد أنّ الشركات الخاصة ستستثمر في المشاريع الّتي يتمّ تصميمها من دون التشاوُر معها، والّتي تفتقرُ إلى دِراساتِ الجدْوى، بل صرّح أنّ “العوائد من مشروعات البنْية الأساسيّة هي عوائد أمْن قوميّ. الأمن القوميّ لا يقدّر بمال”. 38من الواضح إذًا أنّ مصر تَنْحَرِفُ بشدّة عن نموذج دُول شرق آسيا لرأسماليّة الدولة أو لرَأْسْمَاليّة مزعومة من الدولة، على سبيل المثال، حيث حفّزت حُكُومَاتُها نُموّ القطاع الخاصّ المُدْهش من خلال تصدّر الاستثمار في أنشطةٍ اقتصاديّةٍ مُحدّدة، وإنشاء صناديق للتنمية الصناعيّة، وتوفير حوافز تشجيعيّة إيجابيّةٍ أخرى، ولا سِيَّمَا توفير الأراضي للشركات الخاصّة .

 

بعيدًا عن فتح آفاق جديدة، توسّعت الشركات العسْكريّة بقوّة في عدد من قطاعات السلع القابلة للتداول الّتي يُهيْمن عليها القطاع الخاصّ. وكانت المُؤسّسة العسكريّة تتجنّب هذه القطاعات في السابق، لكن بناءً على حثّ السيسي استحوذت على شركات خاصّة مُتعثّرة أو أنْشأت شركات جديدة في مجالات إنْتَاج الإسمنت والصلب والفوسفات والأسمدة – وكُلّها قطاعات تتمتّع بحمايةٍ تجاريّة مُكثّفة. حينئذ، وبما أنّ هذه الأسواق كانت أكثر من مُشبعة أصلًا، فقد ألحق ولوج المُؤسّسة العسْكريّة إليها خسائر فادحة لمُنتجي القطاع الخاصّ الّذين اضْطَرُّوا إلى تقليص استخدام السعة الإنتاجيّة وتخزين الموادّ والمنتجات غير المُستخدمة. في السابق، استفادت الشركاتُ الخاصّة من الانضمام إلى نظيراتِها العامّة في القطاعات المَحْمِيّة. لكنّ تدخّل الشركات العسْكريّة في نفس القطاعات بمُوجب شُروطٍ تسْمح لها بتحديد سعر السوق – أي بصفتها المُزدَوَجة كبائِعٍ ومُشْترٍ – غيّر الصُورة.

 

يُؤدّي انتقال حِصَصِ متزايدة في هذه الأسواق إلى الشركات العسْكريّة، بدَوْرِه، إلى زيادة تكاليف مُشَارَكَةِ الشركات الخاصّة، الّتي تُثْقل تباعًا كاهِل الحكومة بمُطالباتِ الدعم الماليّ تعْويضًا. بحلول أيلول/سبتمبر 2020، بلغ فائض السعة الإنتاجيّة لدى الشركات غير العسْكريّة 40 في المئة. 39وأدّت جائحةِ كورونا إلى اِنْخِفاض الطلب في السوق، ولكن كان التراجع الحادّ قد بدأ فعليّا في عام 2018 عندما بدأ تشغيلُ مَصْنَعِ الإسمنت الجديد الضخم في بني سويف. 40 وكانت شركات القطاع العامّ أيضًا من بين الأكثر تضرُّرًا. على سبيل المثال، تكبّدت شركة الحديد والصلب دُيُون ومُتأخّرات تصل إلى9.1  مليار جنيه وخسائر تُقدّرُ بـ 783.8 مليون جنيه بحلول آذار/مارس 2020 (أي بخسارة بلغت نسبة 410 في المئة إلى رأسِ المال). 41

 

يَكْشِفُ الاسْتِحْواذ المذكور أعلاه على شركة حديد المصريّين عن وجه آخر لرأسماليّة الدولة 3.0، وهو استعداد المؤسّسة العسكريّة أو الأجهزة الأخرى المُرْتَبِطة سياسيًّا لاستغلال المشاكل المالية – والّتي كانت التدخّلات العسكريّة هي سببها أو سبب تفاقمها أصلًا – الّتي تُعاني منها الشركات الخاصّة من أجل الاستيلاء على حصّتها في السوق أو الاستحواذ عليها. علَنِيًّا، برّرت المُؤسّسة العسْكريّة قرَارَاتِها الاسْتثماريّة بحجّة منع الاحْتِكاراتِ وتأمين الإمداد والأسعار في الأسواق. 42لكنّ العامل الأكثر وُضوحًا هو أنّ المُؤسّسة العسكريّة ترى أنّه يمكنها التصرّف بهذه الطريقة لأنّ الأشغال العامّة الّتي تُديرها والمُؤسّسات الّتي تمْلِكُها تُوفّر لها سُوقًا مضمونًا لإنْتَاجِهَا. وطبّقت وزارة الإنتاج الحربيّ منْهَجًا مُشَابِهًا منذ عام 2013، باسْتِخْدام نُفُوذِها السياسيّ المُسْتَحْدث لتصيُّد عُقُود المُشْتَرَيات العامّة من الوزارات الأخرى الّتي كانت ستذهب عادة إلى المُنَافِسِين المَدَنِيّين (من القطاعيْن العامّ والخاصّ على حدٍّ سواء)، وبالتالي ضمان سُوق أسير لشركاتها في غالب الأحْيان. 42

 

إنّ المكانة السياسيّة القويّة للمُؤسّسة العسْكريّة – وللأجهزة الأمْنيّة الرئيسة كمُديريّة المُخابراتِ العامّة، الّتي يعمل فيها عدد كبير من ضبّاط القُوّات المُسلّحة – والانتشار الأخطبوطيّ للمُتقاعدين العسكريّين في جميع أركان مُؤسّسات الدولة – ما يُضيف طبقة أخرى من السُلطة البيروقراطيّة – تُعزّز نفوذها إلى حدّ كبير. 43 وتُرْجِمَ هذا على أرض الواقع بعمليّات شراء (في أحيان كثيرة بالإكراه) لمجموعةٍ من شركات الإنتاج والبثّ الإعلاميّ الخاصّة منذ عام2014 ، ويُمْكن أن يصِل ذلك إلى ابتزاز عُضويّة مجالس الإدارة أو حصص في الملكيّة من الشركات الرياديّة الناشئة الخاصّة مُقَابِل إصدار التراخيص والأذونات اللاّزِمة بتسْجيلها. كما سمحت هذه المكانة لجهاز مشروعات الخدمة الوطنيّة في عام 2017 بإقصاءِ الشركاتِ الخاصّةِ من خلال زيادة سعتها الإنتاجيّة من الرخام والغرانيت لتبلغ 80 في المئة من إجماليّ الإنتاج المصريّ، ثمّ إطلاق مُجمّع مَصَانِعَ للفوسفات والأسمدة في عام 2019 بسعة إنْتاجيّةٍ أكبر من إجماليّ الإنتاج المصْريّ. 44

 

يتمّ تَبْريرُ السُلُوكِ الافترائيّ وتمكينه على حدّ سواء بفضل إعْطاء السيسي الأولويّة لتوليد المداخيل بأيّ ثمن، على ما يبدو. لقد غذّى الرئيس هذا التوجُّه من خلال الترخيص القانونيّ لقائمة مُتَنامية من الهيئات العسكريّة (والأمنيّة) لإنشاء مشاريع تجاريّة خاصّة بها. علاوة على ذلك، أصدر في كانون الأوّل/ديسمبر 2015 مرْسومًا يُفوّض أيِّ جهةٍ حُكُوميّةٍ بتأسيسِ شركات مُساهمة محدودة بعد الحصول على مُوافقة مجلس الوزراء، ما يمهّد الطريق لكُلٍّ من الهيئات المدنيّة على حدّ سواء لتوسّعها على حساب حصّة القطاع الخاصّ في الأسواق المُخْتلفة. 45وخَطَتْ الحُكومة خُطْوَةً أخرى في أيلول/سبتمبر2020 ، عندما فَسَخَت عَقْدًا ساري المفعول لـ50 عامًا سبق مَنْحُه إلى شركة ناشطةٍ في القطاع الخاصّ تُدْعى كاتو للاستثمار في عام 1999 لبناء وتشغيل مطار العلمين الدوليّ، لتُعيد منح العقد بدلاً عن ذلك إلى وزارة الدفاع. 46

 

تسعى إدارة السيسي للحصول على استثمارات القطاع الخاصّ، ولكن حصْرًا بشُرُوطِها هي. وتَرَى أنّ توليد المداخيل وتوفير السِلَع بأسعارٍ معْقُولةٍ لحاضنات مُخْتارةٍ يتّسمان بأهميّة قُصْوى من الناحية السياسيّة، وتنظر إلى تعْطِيل العلاقات مع رجال الأعمال على أنّه كلفة مقبولة. من الواضح أنّ سيطرة الدولة على الأراضي والتجارة الخارجيّة والموارد الطبيعيّة عواملُ يتمّ توظيفها لتحقيق هذه الغايات. إذْ تفسّر أولويّات السيسي السياسيّة تأييده لقيام وزارة الدفاع وجهاز مشروعات الخدمة الوطنيّة في إغراق الأسواق المحليّة بكميّاتٍ كبيرة من الدجاج واللحوم المُسْتوردة الرخيصة لصالح الفئات ذات الدخل المُنْخفض وعرض سلع أقلّ سِعْرًا من سلعِ المُنْتجين المحليّين في القطاع الخاصّ وإلحاق الضرر بهم. وبالمِثْلِ، في عام 2018، انضمّ جهازُ مشروعات الخدمة الوطنيّة إلى ثلاث شركات أُخْرى مَمْلُوكة للدولة في تشكيل شركة هدفها أن يَكُون “الوكيل التجاريّ الحصريّ لجميع مُنْتجي الفوسفات في مصر”، علمًا أنّ اثنتيْ عشرة شركة خاصّة كبرى تعمل فعليًّا في هذا القطاع. 47

 

وفي العام التالي، وَضَعَ السيسي الأراضي المُحيطة بالمُنْتجع السياحيّ الرئيس في الغَرْدقة و 47جزيرة موجودة في البحر الأحمر الّتي يَسْتخْدمها مُنظمّو الرحلات السياحيّة الخاصّة تحت السيطرة العسْكريّة. 48 ولمّح وزير الآثار والسياحة في وقت لاحق إلى تبرير ذلك، مُتّهِمًا الشركات السياحيّة الخاصّة بـ”عدم وضع في دعم السياحة”. 49

 

تمرير رأسماليّة الدولة

تُجَسّد هذه التطوّرات المُخْتلفة السِمَةَ الخَامسة المُميّزة لنُسْخة رأسماليّة الدولة الآخذة في التطوّر في عهد السيسي وهي: السعْي إلى ترشيد الإنْفاق العامّ وزيادة كفاءة الدولة الماليّة، مع تحويل جُزْءٍ من عبء الأنْشطة ذات الكثافة الرأسماليّة الّتي تقودها الدولة إلى كاهل مُسْتثمري القطاع الخاصّ. يسعى السيسي، عمليّا، إلى ترشيد الريع وإعادة تَخْصِيصِه، مُسْتعينًا بالمُؤسّسة العسْكريّة لتكون رأس الحربة العمليّة وضامنتها.

 

خفّضت الحُكُومة المصريّة بشكل كبير الإنْفاق على دعم الطاقة والغذاء مُنْذُ أن تولّى السيسي الرئاسةَ، كما خفّضت من الحجم الإجماليّ للأجور في القطاع العامّ من مُعدّلها التاريخيّ المتراوح بين 7 و8 في المئة من الناتج المحليّ الإجْماليّ إلى  5في المئة. كما انْخَفَضَت نسبة القروض المُتعثّرة في القطاع المصْرفيّ إلى أدْنى مُسْتوياتها منذ أن حقّقت حجمًا قياسيًّا في عام2005 ، والّتي تتحمّل البنوك الحُكُوميّة جُزْءًا كبيرًا منها إذ تستثمر فتشتري ديونها في المُؤسّسات العامّة الأخرى فعليّا. 50 وفي أيلول/سبتمبر 2020 ، صَادَقَ السيسي على القانون رقم 185 لسنة  2020(المُعَدِّل للقانون رقم 203 لسنة 1991 الّذي أَنْشَأ قطاع الأعمال العامّ)، ما ينُصّ على تَصْفِيَةِ الشركات الممْلوكة من قبل الدولة والّتي تَتَكبَّدُ خَسَائِرَ تتجاوز نصف رأس مَالِها والسماح بوضع شركات القطاع العامّ تحت إدارة القطاع الخاصّ (بينما تظلّ مملوكة للدولة). 51

 

هذا بالإضافة إلى الخطّة الشاملة لإصلاحٍ 127 شركة في القطاع العامّ، تُعاني مُجْتمعةً من ديون تزيد عن 45 مليار جنيه مصريّ حسب التقارير الرسميّة (علمًا أنّ شركات النسيج المَمْلوكة للدولة تكبّدت لوحدها حوالى 49 مليار جنيه مصري من الخسائر والديون) لضَخِّ دماءٍ جديدةٍ في إدارات الشركاتِ. 52

 

تُعدّ إعادة هيْكلة قطاع الأعمال العامّة المُتبقّي خُطْوةً جريئةً، لأنّها تُمثّل إضْعافًا للحاضنة الاجتماعيّة الأساسيّة الّتي استندت إليها كُلّ إدارة رئاسية منذ عهد جمال عبد الناصر وسَعَت إلى كَسْب رِضَاهَا. وجاء ذلك بعد عاميْن من المُحاولات الفاشلة من قبل الحُكومة لخصْخصة شركاتها الخاسرة، والّتي قوبِلَت بمُقَاومة شديدة من طرف كُلٍّ من المُدراء والعامِلين. في أواخر عام2020 ، دفع القانون الجديد بعدد من الشركات المَمْلوكة للدولة إلى محاولة الهروب عبر مُغادرة وزارة قطاع الأعمال العامّ وإيجادِ مأوى من الإجراءات الجديدة تحت إشراف وزاراتٍ أخرى. 53

 

يُبدي السيسي حرصًا أكثر في التعامل مع ركيزة هامّة أخرى من ركائز حاضنته في القطاع العامّ ومصلحة مُؤسّساتيّة راسخة رئيسة ألا وهي “الصناديق الخاصّة” التقديريّة الّتي تحْتفظ بها العديد من الوزارات والهيئات الحُكوميّة. بلغ عدد هذه “الصناديق السوداء”، وهو لقبها الشائع والشيء البسيط، 6061 في عام 2013، وتمّ تقدير موجوداتها بعد سنة من ذلك بـ9.4 مليارات دولار، وهو مبلغ لا يظهر في ميزانيّة الدولة العامّة. 54

 

وبناءً على توجيه السيسي، فرضت خزينة الدولة ضريبةً سنويّة تبلُغ 10 في المئة على الصناديق الخاصّة منذ عام2014 ، ثمّ ارتفعت الجباية إلى 25 في المئة في عام 2016. لكن لم تتغيّر حقيقة كَوْنها فعليّا “ليست سوى شركة تتبع للجهة الحكوميّة الّتي تمتلك الصندوق”. 55 ويبدو أنّ الرئيس يشعر أنّه لا يقدر على تفكيك الصناديق واستعادةِ ودائِعِها بالكامل، الأمر الّذي يؤكّده إعفاء الصناديق الخاصّة العسْكريّة من الجباية. وبدلاً من ذلك، قام بتوجيه الوزارات الحُكوميّة إلى “الاكتفاء ذاتيًّا، وعدم السحب من البنك المركزيّ “على المكشوف””. 56

 

بيد أنّ هذه الإجْرَاءَات المُخْتَلفة لم تكف لزيادة إيرادات الدولة أو لتوليد رأس مال بالمقدار الّذي يسْعى الرئيسُ إلى تحقيقه، ما أجبر الحكومة على الاقتراضِ بكثافةٍ. ونتيجة لذلك، ازدادت نسبة الدّيْن العامّ إلى الناتج المحليّ الإجماليّ 90.3 في المئة بحلول حزيران/يونيو2019 ، بينما ارتفع الدّيْن الخارجيّ إلى 112.7 مليار دولار بحلول شهر كانون الأوّل/ديسمبر. 57 إنّ حجم الاقتراض هو في حدّ ذاته انعكاسٌ لسُلْطة الدولة المُفرطة، ممّا يعني أنّ إدارة السيسي يُمْكن أن تراكم دُيونًا سياديّةً بأيّ حجم تريد تقريبًا، في سعْيِها الحثيث لتحقيق مروحة متعاظمة باستمرار من المشروعات القوميّة. 58

 

يَعْكِسُ اللُجُوءُ إلى الاقْتراضِ فَشَل مسعى السيسي بالسماح المُوازي لجذب تمويل القطاع الخاصّ للمشاريع الّتي تقودها الدولة، وعند فشله، السماح للمُؤسّسة العسكريّة ومُؤسّسات حكوميّة أخرى مُختارة بالاستحواذ على جزء من الحصّة السوقيّة للقطاع الخاصّ (كما هو مُوَضّح في الجُزء السابق من الدراسة). لقد أعطى منهج السيسي أُكْله في البداية. فاِسْتَثْمَر المُودِعُون في البنوك المحليّة 32 مليار جنيه استجابةً لدَعْوَتِه الرامية إلى تمويل مشروع توسعة قناة السويس الّذي أطلقه في عام 2014، بالكامل من الموارد المصريّةٍ. 59 وعلى الرغم من ذلك، ما كانت الحُكُومة لتتمكّن غالبًا من سداد سندات الاسْتثمار في الوقت المُحدّد في عام2019 ، لولا تخفيض قيمة الجنيه المصريّ بنسبة 50 في المئة في هذه الأثناء – ما يُشير إلى تقليص القيمة المُعادة إلى المودعين بنسبة 50  في المئة تقريبًا عند حسابها بالدولار. ولم تَكُنْ هناك مُحاولاتٌ مُمَاثلةٌ منذ ذلك الحين لتمويل البنية التحتيّة العامّة حصريّا برأس المال الخاصّ.

 

يُوَضِّح بناء عاصمة إداريّة جديدة بالكامل ما سبق. فعِنْد الإعلان عن المشروع في عام 2015 ، تباهى رئيس الوزراء بكَوْنِه لن يُكلّف الدولة المصريّة “ملّيمًا واحدًا”، حيث سيتمّ تأمين تمويل تجاريٍّ له بالشراكة مع شركاتٍ خاصّةٍ ومُسْتثْمرينَ أجانِبَ. 60 وحافظت شركة العاصمة الإداريّة للتنمية العُمْرانيّة، الّتي تُدير المشروع والممْلوكة بشكل مُشْترك لوزارة الدفاع وجهاز مشروعات الخدمة الوطنيّة وهيئة المُجْتمعات العُمْرانيّة الجديدة، على هذا الوهم من خلال الادّعاء بأنّها تُموِّل البناء بإيرادات من بيع أو تأجير أراضي الدولة – والّتي هي بالطبع مورد وطنيّ تملكُهُ الدولة. في الواقع، يُعدّ الاقتراض مَصْدرًا هامًّا لجمع رؤوس الأموال (كما كان الحال في مشروع توسيع قناة السويس)، لكنّ هذا مُعرّضٌ للخطر بشكلٍ مُتزايدٍ.

 

وقد دفعتْ المخاوفُ بشأنِ جدوى المشروع شركات إماراتيّة كبرى إلى الانْسحاب، وتعليق قرضٍ صينيّ بقيمة 3 مليارات دولار بسبب مخاوف بشأن السداد، وفَشَلِ المُحَادَثَاتِ بشأن استثمارٍ صينيٍّ بقيمة 20 مليار دولار. 61 وبحلولِ أيار/مايو2019 ، لم يزد حجم الاستثمارات من الخارج عن 20 في المئة. 62

 

يُلقي الاقتراح الّذي روّج له السيسي منذ آب/أغسطس 2018 والداعي إلى تعويمِ الشركات العسْكريّة في البورصة المِصْريّة مزيدًا من الضوء على مقاربته إلى التمويل. وقد عرض الاقتراح وكأنّه يقدّم فُرْصة سَخِيَّة لحُصول القطاع الخاصّ على حِصَصٍ في المؤسسات العامّة الناجحة، ولكنّه في الواقع يُشكّل محاولة لتعْويض تكلفة دَعْمِها مع تمكينها من التوسّع بشكل إضافي في القطاعات المدنيّة. 63 وعلى غير عادة، ظهر تردّد وزراء الحكومة جليّا تجاه تبنّي الفكرة. فعلّق السيسي الفكرة في نهاية الأمد، ربّما لأنّ التعويم سيتطلّب إفْصَاحًا ماليًّا وسيُشكّل خَطَرًا مُحْتَمَلاً يتمثّلُ في فِقْدَان السيطرة على الشركات العسْكريّة لصالح المُسَاهِمِين من القطاع الخاصّ. 64

 

وبدلاً من ذلك، برز الصندوق السياديّ المصْريُّ (ثراء) كأداةٍ مُفَضَّلة للرئيس لجلب الاسْتثمار الخاصّ إلى الهيئات والمشاريع العامّة، مع ترك السيطرة في يد الدولة، أو بشكل أدقّ بيد الرئيس. 41 ومَنَحَ القانون رقم 177 لسنة 2018، بشأن إنشاء الصندوق السياديِّ، الرئيسَ سُلطةَ نقلِ ملكيّة الأصول الحُكوميّة غير المُسْتخدمة إليه، مع استثناء قراراته من الاسْتئنافِ القضائيِّ. 65ووافقَ مجلس الشعب لاحقًا على تعديل القانون في تمّوز/يوليو 2020 يضع أصول الدولة “المُسْتغلّة” أيضًا ضمن الأصول الّتي يحقّ للرئيس نقلها إلى الصندوق. 66

 

يُسلّط هذا الضوء على التبايُن مع صناديق الثروة السياديّة في البلدان الأخرى الّتي لديها مُدَّخَراتٌ محليّة كبيرة وفوائض هامّة في الحساب الجاري، تفتقر مصر إلى كليهما. على عكس الصناديق المُمَاثلة له، يعتمد ثراء في واقع الأمر على تغيير مظهر السعة أو الموارد غير المُسْتغلّة كليّا والشركات ذات الكفاءة المتدنّية. ومن المُفْترض أن يلعب دور “المُسَرِّع” لوضع أصول حُكوميّة مُختارةٍ تحت سيطرة خاصّة جُزئيّة، حسب ما قالت وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصاديّة هالة السعيد. 67 لكن في رأي أحد مُحلّلي السوق، فإنّ هذا يجعل من ثراء “شركة سياديّة قابضة” وليس صندوق ثروة سياديّ. 68

 

إنّ الخاصيّة الثانية الهامّة الّتي تُميّز صندوق ثراء عن العديد من الصناديق السياديّة النظيرة هي أنّه يُوفّر للسيسي وسيلة لتجنّب النظم واللوائح المُتعلّقة بالأموال العامّة. ويمتدّ هذا ليشْمَلَ الرقابة أيضًا.

 

وتقلص دورُ الجهاز المركزيّ للمُحاسبات – الّذي قام السيسي بتقليص سُلُطاتِه واستقلاليّته بشكلٍ مُطْرَدٍ منذ عام 2015 – من المُرَاجَعة والتدقيق الماليّ – أي تقييم السلامة الماليّة ونزاهة الإنْفاق – إلى مُجرّد تقديم البيانات الماليّة الشامِلَةِ وتقاريرِ النشاط إلى الرئيس ومجلس الشعب. 69 كما أنّه ليس من الواضح أنّ ثراء يخْضَعُ للمُراجعة من قبل هيئة الرقابة الإداريّة، الّتي يرأسها ويحتلّ أغلبيّة ساحقة من وظائفها ضُبّاط في الخدمة أو متقاعدو القوّات المُسلّحة، والّتي تُعدّ الآن أقْوى هيئة تدقيقٍ في مصر. 70

 

في هذا الصدد، يُعدّ ثراء نسخةً مُتطوّرةً لصُنْدوق تحيا مصر الّذي أنْشأهُ السيسي في عام 2014. يختصّ هذا الصندوق بدعم التنمية الاجتماعيّةِ والاقتصاديّةِ لفُقراء المناطق الحَضَرِيّة والريفيّة، ويتمَوَّلُ بواسطة تَبَرُّعَاتِ من الشركات العامّة والخاصّة والهيئات الحكوميّة، ولا يندرج ذلك ضمن ميزانيّةِ الدولة. لقد نصّ تعديلٌ قانونيّ في تمّوز/يوليو 2020 على أن يُحدّد رئيس الجمهوريّة بقرار منه أساليب الإشراف على الصندوق وإدارته وتصريف شؤونه الماليّة والإداريّة، وذلك بما يتّفق مع طبيعة ونشاط الصندوق يمكّنه من تحقيق رسالته ومن دون التقيّد بالنظم الحُكوميّة المنصوص عليها في أيّ قانون آخر. 71 لقد اِسْتُخْدِم هذا النموذج في أماكن أخرى – يتبادر إلى الذهن الصندوق الوطنيّ التونسيّ للتضامُن الاجتماعيّ الّذي أنْشَأه الرئيس السابق زين العابدين بن علي – لكنّ الأمر الملفت هو أنّه يتمّ تَطْبِيقُهُ الآن في حالة ثراء أيضًا.

 

مرّة أخرى، تقوم المُؤسّسة العسْكريّة بدور رأس الحربة في مقاربة السيسي تجاه إدارة الأموال والأصول. وفي نيْسان/أبريل 2015، قام رئيس الوزراء آنذاك إبراهيم محلب بتعْيينِ رئيس لهيئة الشؤون الماليّة بوزارة الدفاع كأمينٍ لصُنْدُوق تحيا مصر وعميد في القوات المُسلّحة كمُديرٍ ماليٍّ لهُ. 72ليس من المستغرب، إذن، أن يكون مُسْتشار الرئيس للشُؤون الماليّة لِوَاءًا في القُوَّاتِ المُسلّحةِ أيْضًا. 73 كما ويُؤَدّي تداخُل الأدْوار العسْكريّة والإداريّة إلى مزيدٍ من التآزُر. في شباط/فبراير 2020، كشفت الشركة الّتي تُدير العاصمة الإداريّة الجديدة أنها ستنقل ملكيّة أصول بقيمة 50 مليار جنيه إلى صندوق ثراء. 74 وسيَضْمنُ هذا للهيئات العسْكريّة ذات الصلة أرْبَاحًا مُسْتقبليّة من مبيعاتِ وتأجيرِ العقارات. بالإضافة إلى ذلك، مُنِحَتْ شركة العاصمة الإداريّة الجديدة ملكيّة المباني وَسَطَ القاهرة الّتي ستخليها الوزاراتِ إثْرَ انْتِقَالِها إلى العاصمةِ الجديدةِ، ما سيمْنحُها المزيد من العقارات في مَوْقِعٍ مُتَمَيّزٍ. 75وفي نفس الشهر، وافق صندوق ثراء أيضًا على ضمّ عَشْرِ شركاتٍ من جهازِ مشروعاتِ الخدمة الوطنيّة في مِحْفظةٍ أصول للتسويق والاسْتثمار. وفي كانون الأوّل/ديسمبر، أعْلَنَ أنّ شركتين باتتا جاهِزتيْنِ للاِكْتِتَاب العامّ. 76

 

يَظْهَرُ الصندوق السياديّ المصريّ كأداةٍ لجَذْب المُسْتَثْمرينَ من القطاع الخاصّ بفضل الأرْباح المضمونة، بطُرق تُحَافِظُ في آن على سيطرة الدولة على الأصول وعلى عدم شفافيّة مواردها الماليّة الحقيقيّة. ولمزيدٍ من التأكيد على غموض مصادر التمويل وكيفيّة إنْفَاقِه، فقد تعرّض رجال أعمال من القطاع الخاصّ إلى ضُغوطات مُسْتمرّة للتَبَرُّع إلى صُندوق تحيا مصر، وهو ضغط باتت تتعرّض إليه أيضًا شركات أصغر، كالفنادق في الوجْهات السياحيّة المعروفة، والّتي من المُتَوقَّعِ أنْ تُقَدّمَ تبرّعاتٍ شهريّة إلى الصندوق. 77وتدلّ حقيقةُ أنّ السيسي قدْ بَذَلَ قُصَارَى جُهْدِهِ لطَمْأَنَةِ رجال الأعمال البارزين في كانون الأوّل/ديسمبر 2015 بأنّ عدم التبرّع لـصندوق تحيا مصر لن يُؤدّي إلى تأميم أو مُصادرة شركاتهم، على طبيعة العلاقة الّتي تجمع الطرفيْن، بقدْرِ ما تدلّ أيضًا على مدى احتياج إدارته لرأْس المال الخاصّ وعلى ضآلته. 78

 

لعبة “كثبان” مألوفة

في أيلول/سبتمبر2020، وافقت الحُكُومة المصريّة على إنشاء وكالةٍ جديدةٍ تابعةٍ لوزارة الماليّة يكون لها الاختصاصُ القانونيُّ لإدارةِ الأُصُولِ والأمْوالِ الّتي تَسْترِدُّها الدولة لاسْتثْمَارِها خارِجَ الميزانيّةِ العامّة، على أن تعود الأرْبَاحٍ إلى خزينةِ الدولةِ. 79 وتشْمَلُ هذه الأصول والأموال الّتي يتمّ استردادها من حالات الاختلاس المَوْضُوعة تحت الحراسة الحُكوميّة أو المُؤمّمة أو حتّى غير المستغلّة استغلالًا كاملًا. وفي حين أنّ زيادة كفاءة موارد الدولة أمْرٌ منطقيّ، إلاّ أنّه بات من المُعْتَاد في عهد السيسي أنْ تقوم الوزارات والهيئات المُخْتلفة بالنسخ على نفس المنوال للقيام بأنْشطةٍ مُمَاثِلَةِ بغضّ النظر عمّا إذا كانت الأفضلَ تجهيزًا للقيام بذلك أمْ لاَ. في هذه الحالة، ستقوم وزارة الماليّة، إلى حَدٍّ مَا على الأقلّ، بنَفْسِ ما كان مُنْتَظَرًا من صُنْدُوقِ ثراء.

 

الأهمّ من ذلك أنّ أدوات الاستثمار هذه لا تُضِيفُ سوى القليل حتّى الآن إلى القيمة الاقْتِصاديّة من خلال توفير رأس المال الرياديّ ليقوم القطاع الخاصّ بإحداث تحوّلات في الصناعة التحويليّة أو في دَمْجِ التكنولوجيا أو ترقية الخدمات وزيادة الصادرات من السلع. بدلاً من ذلك، تبدو هذه الأدوات الاستثماريّة وكأنّها نوع من المضاربة. ويجعل ذلك فعليّا من نموذج السيسي من رأْسْماليّة الدولة مجرّد شكْل مُخْتَلِف نَوْعًا ما لأُلْعوبةٍ كثبان مأْلوفةٍ: فهْي تنقل رأس المال من القطاع الخاصّ إلى الدولة، ومن كِليهما إلى المُؤَسَّسات الّتي يُنشؤها أو يُفضّلُها- وأبْرَزُها صندوقا تحيا مصر وثراء والمُؤسّسة العسْكريّة. تقدّم مقاربته كفاءة أعلى، لكنّها لا تزال تعتمد بشكل حرج على الاقتراض والمُساعدات الخارجيّة ذات الدوافع السياسيّة للتعويض عن أوجه القُصُور الاقتصاديّة الأساسيّة الّتي عَجِزَت مُقاربته الاقتصاديّة عن مُعالجتها، ناهيك عن حلّها. ومنها اِنْخفاض الإنتاجيّة وتراجع الاِسْتثمار وتَفَاقُمَ الدَيْنَيْنِ العامّ والخارجيّ، وفَوْقَ كُلّ ذلك، العجْز المُزْمن في الإيرادات ورُؤوس الأموال المحليّة.

 

لم تتمكّن إدارة السيسي من جَذْب أكثر من وتيرة “خاملة” من الاسْتِثْمار الأجنبيّ المُباشر حسب وصف البنك الدوليّ، وذلك بعد مُضيّ سبْع سنواتٍ من الإنْفاق العامّ الاستعراضيّ على الإسْكان والبنية التحتيّة وعلى مشاريع الصُرُوح الضَخْمة مثل توْسِعة قناة السويس والعاصمة الإداريّة الجديدة. والملحوظ أنّ هذا الاستثمار لم يقتصر فحسب على قطاعٍ واحدٍ، أَلاَ وَهْوَ الطاقةُ، بل أنّه انْخفض أيضًا بشكلٍ حادٍّ منذ عام2017 . 80 وتُرِكَت القطاعات الإنتاجيّة الأخرى في مصر تعاني من تراجع مُسْتَوَيَات الاستثمار الخاصّ، المحليّ والأجنبيّ، على حدّ سواء. وفي ضوء عدم القُدْرة على توليد رأس المال فائض من هذه القطاعات، يُصْبِحُ التركيز على الاسْتِثْمارِ العقاريّ أكثر وُضُوحًا كمشروع “بونزي” ضخم، ما أطلق عليه كلّ من ديوان وكيفر وشيفباور لقب “الرأْسْماليّة الهرَمِيّة”.

 

كما لم يُظْهر أداء الشركات – الخاصّة والعامّة على حدّ سواءٍ – بَوَادِرَ للتحسُّن المُسْتمرّ على الرغم من أنّ مصر لديها واحدة من أعلى وتائر الحواجز التجاريّة غير التعرفيّة في العالم حتّى عام 2010 على الأقلّ. 81 في الواقع، بل وتَكْشفُ الحملات الّتي يُطْلقها السيسي ويُردّدها باستمرارٍ المسؤولون الحُكوميّون وقادة الشركات العسْكريّةِ على غرار “اِشْتِرِي مِصْريّ” و”توطين” التكنولوجيا والمعرفة الصناعيّة التحويليّة في مصر عن الإخفاقاتِ المُسْتمرّة لنموذج الاقتصاد السياسيّ الّذي ظلّت الإدارات الرئاسيّة المُتَعَاقِبة تُقاوم بإصرار إعادة هَيْكَلَتِهِ. يتمّ وَصْف التوطين على أنّه وسيلة لتقليل الواردات وتوفير العُمْلَةِ الصعبة وزيادة المحتوى المحليّ والقيمة المُضافة الاقتصاديّة، ولكنّه لم يُعالجْ أيًّا من أَوْجُه القُصُور الّتي أفشلت استراتيجيّات إحلال الواردات في عَهْد جمال عبد الناصر، وبقي مُجَرّد شعارٍ. وتأكيدًا على ذلك، تُخَصِّصُ المَشَارِيع المُشْتَرَكَةُ جُزْءًا هامّا (إن لم نَقُل الكُلّ) من عمليّات التصنيع أو البناء الفعليّة في المشاريع ذات التكنولوجيا المكثّفة إلى الشُركاء الأجانب، فيما تقوم الشركات العامّة المصريّة فقط بتأمين التصاريح البيروقراطيّة اللاّزمة لتوفير أراضي الدولة كمساهمتها في رأس المال، وبتجْميع المُعِدّات أو العربات الّتي تسْتَخْدِم رُزم مكوّنات التجميع المُوَرَّدة من الخارج.

 

انعكاسًا لهذه الحقائق الصعبة، احتلّت مصر المرتبة 140 عالميًّا في مُؤشّر العولمة الاقتصاديّة لعام2017 ، بعد أنْ تراجعت من الحدّ الأقصى منذ عام  1970الّذي حقّقته والبالغ 62.93 نُقْطة في عام 2007، إلى 45.63 نُقْطة، وذلك مُقارَنَةً بالمُعدّل ​​العالميّ لـ188 دولة البالغ59.06  نُقْطة في نفس العام. 82وبعد ثلاث سنواتٍ، وضعت جائحةُ كُورُونَا نَمُوذَج الاقتصاد السياسيّ المصريّ تحت ضغطٍ أكْبَرَ. في بعض النواحي، لا تَخْتَلف الحِماية التجاريّة والصِناعيّة المصريّة عن الاتّجاه العالميّ، لكنّها بعيدة كلّ البُعْد عن تسْخِير التشغيل الآليّ والنشاط عبر الإنترنت وإحداث الملكيّة الفكريّة المُتقدّمة وإنشاءِ “مُسْتَوْدَعَات البيانات” الّتي ستُحدّد أيّا من الاقتصاداتِ عالميّا ستتعافى مجدّدًا بعد الجائحة. 83 ومن المُؤَشّرات الهامّة بمكان في هذا السياق، نَذْكُرُ أنّ الاسْتِثمار الرأسماليّ المصريّ (المُتمثّل في اقتناء المصانع والمُعدّات الجديدة من قبل الشركات الّتي ستُؤدّي إلى زيادة الإنتاجيّة مُستقبلًا قد توقّف عند نسبة  16.66في المئة فقط من الناتج المحليّ الإجماليّ في عام 2018، مُقارنةً بالمُعدَّل ​​العالميّ البالغ  24.54في المئة من مجموع 157  دولة. 84

 

الإدارةُ الجديدةُ

تحتلّ المُؤسّسة العسْكريّة موقعًا مركزيّا في رأسمالية الدولة 3.0، وفي تثبيت الاتّجاهات السياسيّة والاجتماعيّة المُرْتَبطة بها. لقد سلّط باحثون ابتداءً من أنور عبد الملك وصولاً إلى زينب أبو المجد الضَوْءَ على دور القوّات المسلّحة في الدولة والمُجْتمع المصريّين منذ خمسينيّات القرن الماضي، لكنّ انصهار قُوّتها البيروقراطيّة والاقتصاديّة والعقائديّة وتضييق قاعدتها الاجتماعية يميّزان رأسماليّة الدولة3.0  بشكل خاصّ. 85 نجح وزير الدفاع عبد الحكيم عامر بمنازعة سيطرة جمال عبد الناصر الرئاسيّة على القُوّات المُسلّحة، بينما حقّق خلفه أنور السادات علاقةً أكْثرَ توازُنًا، في حين أمّن مُبارك وَلاَءَ القُوّات المُسلّحة ورُضُوخَهَا السياسيّ من خلال السماح لها بالحُصول على اقطاعيّات اقْتِصاديّةٍ وبيرُوقراطيّة أطْلقتُ عليها في دراسةٍ أخْرى تَسْمِيَة “جُمْهُوريّة الضُبَّاطِ”. 86 في المُقابل، تظهرُ المُؤسّسة العسْكريّةُ في عهد السيسي كشريكٍ كامل له في إعادة تشكيل الدولة الرَيْعِيّة على صعيد إدِارَتِها السياسيّة والبيروقراطيّة والاقْتصاديّة. وفي رأي هبة خليل و برَايَانْ دِيلْ، فإنّ المُؤسّسة العسْكريّة هي دعامة “نموذج يبدو مُتضاربًا لنيوليبراليّة الدولة، الّتي تسعى جُزْئيًّا إلى إنجاز إصلاحات نيُوليبراليّة، بينما تُعزّز سيْطرةُ الدولة المَرْكَزِيّةَ على الاقتصاد”. 87

 

يتولى ضُبّاطُ القُوّات المُسلّحة، سواء كانُوا في الخدمة أو مُتقاعدين، قيادة حَمْلَة السيسي النشطة لتوسيع رقعة سيْطرة الدولة في جميع الميادين، ويستفيدون من ذلك في الوقت ذاته. لا يتمّ الآن تنفيذ أيّ مُبادرة حُكُوميّة مركزيّة أو محليّة لاسْتصلاح الأراضي أو توسيع الزراعة أو بناء المُدُن الجديدة أو توسيع البنية التحتيّة المُتّصلة بها، من دُونَ قَدْرِ من التشاور الرسميّ مع الهيئات العسْكريّة، حتّى لو لم تكن تلك الهيئات مسؤولة مُباشرةً على التنفيذ. على أقلّ تقدير، يتطلّب الإذن باستخدام أراضي الدولة لأيٍّ من هذه الأغراض مُوَافقةَ كُلٍّ من وزارة الدفاع والمركز الوطنيّ لتخطيط استخداماتِ أراضي الدولة، الّذي عادة ما يكون رَئِيسُهُ ضَابِطًا عسْكَرِيًّا مُتقاعدًا. إنّ العديد من المُحافظين وكبار المسْؤُولِينَ على مُسْتوى الوزارات أو المحافظات، المُشاركين في المُوافقة على المشاريع ومنْح العقود وإصْدَارِ التصاريح، هم أيضًا مُتقَاعِدُون عسكريّون. كما أصبحت المُوافقةُ العسْكريّة إلزاميّةً مُنْذ عام 2014 في مجالاتٍ أُخْرى، مثل استخراج الثروة المَعْدنيّة من المَحَاجِرِ والمَنَاجِمِ في جميع أنحاء البلاد.

 

لا يقلّ دور المُؤسّسة العسكريّة أهميّة في مُحاولة إحياء وإعادة تشكيل استراتيجيّةٍ صناعيّةٍ لإحلال الواردات. ينعكس هذا بشكل بارز في أَمْرِ حُكوميّ صَدَر في حزيران/يونيو 2020 فرض على جميع مُؤسّسات الدولة الّتي تسْعى إلى استيراد سلع أو خدمات من الخارج، أن تحْصُل على مُوافقةٍ من الهيئة العامّة للتنمية الصناعيّة أو وزارة الإنتاج الحربيّ. 88

 

علاوة على ذلك، ترْأَسُ وزارة الإنتاج الحربيّ لجنة الإنتاجِ الرقْميِّ، وهي أيضًا عُضْوٌ في ائتلاف التحوّل الرقميّ، ممّا يجعلها قادرةً على التأثير في أيِّ استثمارٍ مُسْتقبليٍّ لرأس المال السياسيّ أو الماليّ عند الانْضِمام إلى ما يُسمّى بالثَوْرَةِ الصِنَاعِيّة 4.0 في مجال الصِنَاعَاتِ التحويليّة والصناعات المُتّصلة وفي خَلْقِ القيمة المُضافة. 89

 

وفي المقام الثاني، تَسْتَثْمِرُ الهيئاتُ العسْكريّة جُهُودًا كبيرة في إعادة إحْياء أو بِنَاء المصانع الممْلوكة للدولة، وخصوصًا، في قطاع النسيجِ، الّذي يُقدّر أنّه يُمثّل 17 في المئة من الناتج المحليّ الإجماليّ ويُوظِّف 1.2 مليون شخص 90 (هذا إلى جانب المصانع العسْكريّة في قطاعاتِ الإسْمنتِ والصلب والأسْمِدة، حيث استحوذت على حِصَصٍ قد تصل إلى رُبْع الطاقة الإنتاجيّة الوطنيّة). ويُعَدُّ جهاز مشروعات الخدمة الوطنيّة شريكًا رئيسًا في تطوير ما يُطْلق عليه بفخر واعتزاز، “أكبر شركة غزل قُطْن في العالم”، والّذي يقع بدوره في مجمّع صناعيّ رئيس جديد أنشأته الهيئة الهندسيّة للقُوّات المُسلّحة في منطقة الروبيكي، بالقرب من القاهرة. 91 وسَعْيًا منها لإعادة إحْياء عملاقٍ صناعيٍّ آخر من مخلّفات عهد جمال عبد الناصر، أَبْرَمَ العديد من الوزارات الحكوميّة والهيئات العسْكريّة عددًا كبيرًا من الاتّفاقيّات مع الشركات والحُكُومات الأجنبيّة لإنْشاءِ مشاريعَ تصْنيعيّة في قطاع السيّارات المصريّ، تشمل السيّارات والحافلات الكهربائيّة وقاطرات وعربات السكك الحديديّة والمركبات الصناعيّة والزراعيّة. وبات المُمَثّلون العسْكريّون يحضرون دوْريًّا الاجتماعات بين الوزراء الحُكوميّين لمُناقشة خُطَطِ توطين صناعة السيّارات وإعادة تعمير قطاع القُطْن والنسيج، ممّا يجْعَلُهُم (أي العسكريّين) أَقْرَبَ إلى وَضْع السِياسةِ والأهْدافِ الصِنَاعِيّة.ِ 92

 

تُشير بقوّة حقيقة عدم وجود سوى الجزء اليسير من قاعدة البحث والتطوير اللاّزمة لتحقيق نقل التكنولوجيا بشكل جادّ – إضافة إلى الافْتقَادِ إلى قِطَاعٍ خَاصٍّ قادِرٍ على تغذيةِ وتوسيع الأنشطة العَرَضِيّة المُتّصلة – إلى أنّ هذه الجهود تُضَاعِفُ التركيزَ على المشاريع الّتي تتطلّب رأس المال، دون مُعالجة المشاكل الأساسيّة طويلةِ الأجل، الّتي تحول دون تقدّم الاقْتِصاد. على سبيل المثال، في عام 2019، أشار جورج العبد، المُدير السابق لإدارةِ الشرق الأوسط وآسيا الوُسطى في صندوق النقد الدوليّ، إلى أنّ مصر تُنْفِقُ0.6 في المئة فقط من الناتج المحليّ الإجماليّ على البحث والتطوير مُقَابِلَ 4.3 في المئة في كوريا الجنوبية وإسرائيل و 2.2في المئة في سنغافورة و2 في المئة في الصين و 1.3في المئة في ماليزيا والبرازيل. 93 (من المُلفت أنّه لا توجد سوى حالات من الأنشطة الإنتاجيّة الدفاعيّة المصريّة اليوم لا تعتمد على التكنولوجيا والعمليّات التصنيعيّة الموروثة من عهدِ جمال عبد الناصر). 94

 

يُغَذّي الاسْتثمارُ المُتكرّر في المصانع والمناطقِ الصناعيةّ الجديدة الضخمة الخطاب القوميّ الّذي تُروّج له إدارةُ السيسي والمُؤسّسة العسَكريّة جاهِدتيْن في الفضاء العامّ، لكنّه يحْجِب العَقبات الّتي لا تزال تُعِيقُ اِنْدِماج مصر في سلسلة القيمة التصْنيعيّة العالميّة. علاوة على ذلك، فإنّ نموذج وقيادة الدولة للتوسّع الاقتصاديّ العسكريّ يختلف بشكل حاد عن الإنتاج الّذي توصّلت إليه دراسة للبنك الدولي بأنّ الشركات الكُبرى هي أكثر فعاليّة في تعزيز أهداف التنمية في البلدان ذات المداخيل المُنْخَفضة والمُتَوسّطة لكونها “أكثرُ سعْيًا نحو الابتكار والتصدير وتقديم التدريب وأكثر ترجيحًا لتتبنّى المعايير الدُوليّة للجودة”، علاوةً على مساهمات أخرى. ففي حالة مصر، لا يُؤدّي دور الدولة والمؤسّسة العسكريّة إلى فتح” الأسواق أمام مُنافسةٍ أهمّ …وكَسْرِ احتكارات القُلّة، وإزالة القيود غير الضروريّة على التجارة والاسْتثمار الدُوليّيْن، وإنشاء القوانين الصارمة لمنْع إساءة استغلال قوّة السوق”، ناهيك عن ضمان حيازة “الجهات الفاعلة الخاصّة على المهارات والتكنولوجيا والمعلومات الذكاء والبنية التحتيّة والتمويل اللاّزم لإنشاء المشاريع الكُبْرى”. 95 وعلى الرغم من أنّ تحويل قطاع النسيج من تركيزه السابق، المُتمثّل في إنتاج المواد الخامّ عالية الجودة، يتطلّب بناء صناعة ذات رأس مال مكثّف ويتّسم بالمنطق الاقتصاديّ السليم، إلاّ أنّ من يقوم بذلك هو إدارة رئاسيّة وشَرِيكها العَسْكريّ اللّذان يُركّزان على حجم الإنتاج والتسْليم، ممّا يُؤدّي إلى إحداث “تُخمة إنتاجيّة” لا تتطابقُ وَمُتطلّباتِ السوق أو مع ما يُمْكِن أنْ يَسْتَوْعِبَهُ. 96

 

خُلاصة: إدامة الريْعيّة في غِيَابِ الرَيْع

لا جِدالَ في أنّ مصر تُواجِه تحديّاتٍ هائِلة. لقد ساهمت التحوُّلات الهامّة في السياساتِ والاسْتِثماراتِ العامّة الضخمة في مجموعة من القطاعات منذ وصول السيسي إلى السلطة، في استقرار الاقتصاد الكُليّ. وهي تدعم توقعات صندوق النقد الدوليّ في تشرين الأوّل/أكتوبر 2020 بأنّ مصر ستتغلّب على جائحة كورونا بمُعدّل نُموّ فوق الصفر في عام 2021، وهي واحدة من اقتصاداتٍ قليلةٍ في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيَا ستكون على هذه الحالِ. 97

 

ولَم يَكُنْ ذَلِكَ ليتحقّق لوْلا تدفّق المُساعدات الخليجيّة الّتي بلغت قيمتُها حَوَالى 23 مليار دولار بين عامي 2013 و2015، وبرنامج صُنْدُوق النقد الدوليّ المُمتدّ بقيمة 12 مليار دولار بين عامي 2016 و2019، وقرضِ طوارئَ آخر وتَرْتِيبِ استعدادٍ ائتمانيٍّ من صُنْدوق النقد الدُوليّ بقيمةِ 8 مليارات دولار في عام2020 . لكنْ، بدلاً من اِغْتنام الفُرْصة لتنفيذ إصلاحاتٍ أعْمَقَ تُفَضِّلُ الانْفتاحَ في الأسواق وفي الحياة السياسيّة، وبالتالي تقليل تعرُّض البلاد المُسْتمرّ إلى الصدمات الخارجيّة والاتّكال الشديد على عمليّات ضخّ رأس المال المدفوعة سياسيًّا، دفعت إدارة السيسي الرهان على زيادة الاستثمار المُكثّف في رأسماليّة الدولة 3.0.

 

ومِنَ المُفارقاتِ أنّ الإعاناتِ الماليّةِ والدعم السياسيّ القادمة من الجهات المَانِحة الأجْنبيّة والمُؤسّسات الماليّة الدُوَلِيّة تُمكّن السيسي من تَجَنُّب مُعالجة التناقُضات الأساسيّة الّتي تُقوِّض جُهوده لمُراجعة وترشيد الدولة الرَيْعِيّة في مصر. إنّ ما يدلّ بشكل خاصٍّ على هذا الفشل الجماعيّ هو عدمُ زيادة مُدخلات القطاعِ الخاصّ المَحَلِيّ، سواء استجابة للفُرص الّتي أوْجَدَتْها المُبَادَرَاتُ الحُكوميّة وتدفُّقات رأس المال الأجْنبيّ أم للتحديّات الّتي تَتَصَدَّرُهَا جائحةُ كُورُونَا. 98 وبعد مضيّ حوالى سبع سنوات من إدارة السيسي الاقْتصاديّة، بلغ الاستثمارُ الخاصُّ 6 في المئة من الناتج المحليّ الإجماليّ، وهو أقلُّ ممّا كان عليْه خلال الحقبة الاشتراكيّة المزعومة لعبد الناصر. 99

 

لكنّ هذا ليس مُجرّد فشل في السياسة المُعْتمدة، سواء أَكَانَ خارجيًّا أم مِصْريًّا، بل تحتوي رأسماليّة الدولة 3.0 في صلبها تحوّلاً استراتيجيًّا في طبيعةِ التَحَالُفَاتِ الاجْتماعيّة والمُؤسّساتيّة الّتي تخدِمُها وتسْتنِدُ إليها. وكما يرى ستيفن هايدمان، فإنّ إدارة السيسي هي واحدةٌ من الأكثرِ تَقدُّمًا بين نظيراتها على المُستوى الإقليميّ، في مجال تعزيز ما يَصِفُهُ بـ”عقد اجتماعيّ قمْعِيٍّ – إقْصَائِيٍّ”. 100 ويُتابع: “إنّ المُسْتَفِيدِينَ الرئيسين من الاسْتراتيجيّاتِ السابقةِ للتشارُكيّة والتعْبئة الشُعْبَوِيّة المحصورة، أيّ الفئات الاجتماعيّة الّتي حقّقت قدْرًا من الحَرَاكيْن الاقتصاديّ والاجتماعيّ بفضل علاقاتِها المُتجذّرة في بيروقراطيّة الدولة وقطاع الإنتاج العامّ والأحزاب الحاكمة، وجدت نفْسها حديثًا مُعرّضةً لتقلّباتِ السُوق وغير آمنة، وهامشيّة الشأن بازدياد بالنسبة إلى النُخَبِ الحَاكِمَةِ. 101

 

يَفْرِضُ السيسي في الواقع حالة خطر اقتصاديّ دائمة على الطبقات المُتَوَسِّطة كوسيلةٍ لاِسْتخْراج الموارد الماليّة والحِفَاظِ على نظام حُكْمٍ أضْيَقَ بكثيرٍ، على عكس افتراض ذوي الحنين إلى عهد عبد الناصر بأنّه يستعيد العقد الاجتماعيّ القديم. وينعكس هذا في ارتفاع نسبة الفقر لأولئك الّذين يعيشون على أقلّ من 5.50 دولارات في اليوم وارْتِفاعِ نِسْبَتِهِم من 61.9 في المئة في عام 2015 إلى 70.4 في المئة في عام 2017 (مُقارنة بالمُعدّل ​العالميّ القائِم على 65 دولة والبالِغ نسبة 20.04). 102

 

وإذا أخذنا في عين الاعتبار أنّ 32.5 في المائة من المصريّين كانوا يعيشون تحت خطّ الفقر بمعدّل 1.50 دولار في اليوم بحُلُول مُنْتَصَفِ عام 2019 (بالإضافة إلى 6.2 في المئة من الّذين يعيشون في فقْرٍ مُدْقَعٍ)، فإنّ إفقار الطبقة المُتوسّطة في ظلّ حُكْمِ السيسي أمر مَلْحُوظٌ جدًّا. 103

 

إنّ المشَاكِلَ وأوجُه القُصُور الّتي تُواجِه مِصْرَ مَأْلُوفةٌ، غير أنّ ارتباطها بمُسْتوى من السلطة الاسْتِبْداديّة يتجاوز مُسْتوى أيّ إدارة رئاسيّة سابقة، هو ما يميّز رأسماليّة الدولة 3.0 في عهد السيسي عن كلّ ما سبق. 104ثمة احتمال أن تنتقل مصر تدريجيًّا وبشكل مُتقّطع، وحتّى عن غير قصْد، نحو وضْعٍ يُصْبِحُ فيه الحِفَاظُ على اقتصادٍ تُسَيْطر عليه الدولة أمْرًا غير مُمْكن. لكن في الوقت الحالي، لم يقم السيسي بشيء يغيّر كيف وَصَف تَقْرِيرُ صندوق النقد الدوليّ لعام 2019 مصر، بأنها “تُعاني مشاكل مزمنة تتمثّل في ضُعْف الحَوْكَمَة والبحث عن الريْع والتعرّض للفساد والحُضور المُكَثّف للدولة في الاقتصاد”. تحتلّ مصر الآن المرتبة 143 عالميًّا في مجال الحَوْكَمَة، حيث تَرَاجَعَت 25 مرْكزًا خلال العقد الماضي، فيما تراجعت مرتبتها بمعيار القيود على السلطة التَنْفِيذيّةِ من مرتبة 125 إلى160 ، وسِيَادَةِ القانون من 68 إلى100 ، ونَزَاهَةِ الحُكومة من 78 إلى116 ، خلال الفترة نفسها. 105

 

في عام1967 ، أدّت حَرْب كارثيّة مع إسرائيل إلى إضْعَافِ جمال عبد الناصر وسَمَحَت له في الوقت ذاته باحتواء المُؤسّسة العسْكريّة. ولكن الأرجح أن تأتِي اللحظة المشابهة للسيسي، وذلك إثْرَ اِنْفِجارٍ على المُسْتوييْنِ الاجْتماعيّ والاقْتِصاديّ ينجم عن التحوّلات في أعقاب جائحة كُورُونا في نماذج الأعمال والتجارة العالميّة على المديين المتوسّط والطويل.

 

ما لم تحدث قطيعة جوهريّة مع نمط تنظيم الحصول على الفرص والموارد الاقْتِصَادِيّة في مصر، سيظلّ السيسي وأيُّ خليفةٍ لَهُ في الرئاسة مُعَرّضين لتناقُضَاتِ دَوْلَتِهِ القَائِمَةِ على الاقْتصادِ الريْعِيّ وللبحث التنافسيّ عن الريع الّذي تقوم به أجهزة الدولة ذاتها الّتي تستند إليها سلطته.

 

لَمْحةٌ عن الكاتب: يزيد صايغ باحثٌ أول في مركزِ مالكوم كير-كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت، حيثُ يُشْرف على برنامج العلاقات العسكريّة المدنيّة في الدُولِ العربيّة. تُركّز أبحاثه على المُقارنة بين الأدوار السياسيّة والاقتصاديّة للقُوّات المُسلّحة العربيّة وللفاعلين غيرِ الحُكوميّين وكذلك على تأثير الحرب على الدُوَل والمُجْتمعاتِ وسياسات إعادة الإعمار ما بعد الحرب والتحَوُّلات الّتي شهدها القطاعُ الأمْنِيُّ خلال الانْتِقالاتِ السياسيّةِ العَرَبِيّةِ وظُهُور الاسْتِبْداد مُجدّدًا. صدر له مُؤلّف “أولياء الجمهوريّة: تشريح الاقتصاد العسكريّ المصريّ (2019)”.

 

شُكْر وتقدير: أنا مدينٌ بشُكْر خاصّ لروبرت سبرينغبورغ، وإسحاق ديوان، ونديم حوري، والمُشاركين في النقاش على تعليقاتهم. وحمل النقاش عُنْوان “هل يُعدّ الاقتصاد المصريّ الراهِن في مسارٍ قابل للحياة؟” ونَظَّمَته جامعة باريس للعلوم والآداب – قسم العالم العربي ومبادرة الإصلاح العربيّ في باريس”، في 26 شباط/فبراير 2020.

 

(*) يزيد صايغ باحث رئيسي في مركز مالكوم كير– كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت، حيث يتركّز عمله على الأزمة السورية، والدور السياسي للجيوش العربية، وتحوّل قطاع الأمن في المراحل الانتقالية العربية، إضافة إلى إعادة إنتاج السلطوية، والصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، وعملية السلام.

 

هوامش

1 Yezid Sayigh, ‘Owners of the Republic: An Anatomy of Egypt’s Military Economy’,Carnegie Middle East Center Report(2019), available at: https://bit.ly/3or9hRO (accessed 6 January 2021).

 

2 المصدر السابق.

 

3 Ishac Diwan, Philip Keefer, and Marc Schiffbauer, ‘Pyramid Capitalism: Cronyism, Regulation, and Firm Productivity in Egypt’, The Review of International Organizations 15/1 (2020), pp. 211–246.

 

4 دفعت هيمنة هذه الخاصيّة هبة خليل وبريان ديل إلى تسمية ذلك “نيوليبراليّة الدولة” ، اُنْظر ‘Negotiating Statist Neoliberalism:

The Political Economy of Post-revolution Egypt’, Review of African Political Economy 45/158 (2018), pp. 574-591.

 

5 يُلاحظ سامر عطا الله أنّ الاقتصاد المصريّ لا يزالُ يعتمد على الأنشطة الاقتصاديّة الريْعيّة. لم تتوسّع الصادرات غير النفطيّة خارج الأسواق التقليديّة ومازالت تعمل ضمن سلاسل قيميّة ضعيفة للغاية، ويقتصر الاستثمار الأجنبيّ على محفظة الاستثمار في أدوات الدّيْن الحُكوميّة. اُنْظُر:

‘COVID-19 in Egypt: The Return of Harsh Realities’ in Mirette F. Mabrouk (ed.), Rethinking Egypt’s Economy, Middle East Institute Policy Paper (2020) p. 6, available at: https://bit.ly/38oi4yt (accessed 6 January 2021).

في الواقع ، هذا هو السبب في أنّ مقاربة السيسي لا تُشكّل، بأيّ حال من الأحوال، إحْياءًا لنوع رأسماليّة الدولة الّذي دعت إليه ليندا مطر في

‘Twilight of ‘State Capitalism’ in Formerly ‘Socialist’ Arab States’, The Journal of North African Studies 18/3 (2013), pp. 416-430.

 

6 أنا مدين بهذه الفكرة وبالعديد غيرها الواردة هنا إلى روبرت سبرينغبورغ،مراسلة خاصّة بتاريخ 19 أيلول/سبتمبر 2020.

 

7 Military spokesperson Colonel Tamer el-Rifa’i, in a television interview with Amr Adib,Al-Hikayah, 2 September 2019, available at: https://bit.ly/3nxWPyi(accessed 6 January 2021).

 

8 Khalid Ikram, The Political Economy of Reforms in Egypt: Issues and Policymaking Since 1952 (London: I. B. Tauris, 2018), pp. 92–93.

 

9 ‘Creating Markets in Egypt: Realizing the Full Potential of a Productive Private Sector’, Country Private Sector Diagnostic, International Finance Corporation (2020) p.12, available at: https://bit.ly/3pZ0W8n (accessed 6 January 2021).

 

10 Mohamed al-Gali, Samir Hosni, and Mohsen al-Bideiwi, ‘President Sisi: We Have Implemented National Projects Worth $200 Billion in 5 Years’, Youm7, 26 November 2019, available at: https://bit.ly/39am6cP (accessed 6 January 2021).

وفي حديثه بعد عام تقريبًا، أكّد رئيس الوزراء مصطفى مدبولي أنّ الإنفاق الإجماليّ أكثرُ من 4 تريليون جنيه مصريّ

cited in Hadeel Hilal, ‘Madbuly: National Projects Exceeded LE4 Trillion’, al-Shorouk, 11 October 2020, available at: https://bit.ly/3bblkPm (accessed: 21 January 2020).

 

11 V L Srinivasan, ‘Egypt’s New Administrative Capital Inching Closer to Reality’, Aggregates Business Europe, 12 May 2020, available at: https://bit.ly/2XfVilQ(accessed 6 January 2021).

 

12 ‘First Phase of Egypt’s New Administrative Capital Attracts EGP 300bn Investments’, Mubasher, 29 January 2020, available at: https://bit.ly/2LD4uOp(accessed 9 January 2021).

 

13   تمّ تطبيق مُصْطَلح “عقدة الصروح” على الواقع المصريّ من قبل

John Waterbury;The Egypt of Nasser and Sadat: The Political Economy of Two Regimes (Princeton, NJ: Princeton University Press, 1983), p.81.

 

14 Sayigh, ‘Owners of the Republic’.

 

15 Figure 9, p. 241. Based on Heba Mahmoud al-Baz, ‘Measuring the Efficiency of Public Spending in Egypt and Proposals for Raising It’, National Planning Institute (2014), Table 2, p.43, https://bit.ly/2WlWuTB (link unavailable). See: The State General Budget official website, available at: https://bit.ly/2MQmVxn (accessed 1 January 2019). For 2013–2014, see: Kamal Amin al-Wassal, The Egyptian Economy Between Hammer and Anvil: The Crises of Public Debt and Deficit in the General Budget, the Search for an Exit (Cairo: Dar Ibn Rushd), p.129. For 2014–2015 (U.S. dollar values from source), ‘Egypt Addresses Major Transport Infrastructure Projects’, Oxford Business Group (2016), available at: https://bit.ly/2MU3Lqs (accessed 7 January 2021). For 2015–2016, Mohamed Ali, ‘Egypt Fortifies Itself Through Government Investment to Compensate for Private Sector Contraction’, al-Ain al-Akhbariyyah, 16 June 2016, available at: https://bit.ly/366mXsJ (accessed 7 January 2021).

 

16 Sisi comments in a speech to African leaders, posted as ‘Sisi: Feasibility Studies do not Deliver Achievements’, Youtube, 9 December 2018, https://www.youtube.com/watch?v=i4BwVZJASg8 (video unavailable).

 

17 Details from ‘Everything You Need to Know About the New Mansoura City’, Property Finder, 25 March 2019, available at: http://bit.ly/2mnw7hW (accessed 6 January 2021), and ‘Twenty Features of New Mansoura City’, Egypt Today, 12 August 2017, available at: https://bit.ly/3ojKNtA(accessed 7 January 2021).

 

18 Hadeel Hilal, ‘Madbouly: 20 New Cities Along Lines of Administrative Capital to Absorb Population Increase’, al-Shorouk, 19 September 2020, available at: https://bit.ly/39banur(accessed 6 January 2021).

 

19 حسب تقديرات مُسْتشار التخطيط العمرانيّ ديفيد سيمز، مُستخدما في ذلك الأرقام الّتي نشرها الجهاز المركزيّ للتعبئة العامّة والإحصاء المصريّ

cited in Leslie Cohen, ‘The Desert, a Resource Curse: Could Land Be Egypt’s Dutch Disease?’, Cairo Review of Global Affairs (Spring 2019).

 

20 ‘Egyptian Government Works to Address the Housing Deficit’, Oxford Business Group (2018), available at: https://bit.ly/3hUILxQ(accessed 6 January 2021).

 

21 ‘Sisi: Are There Businessmen Ready to Construct Roads and Tunnels in Sinai at a Cost of Billions?’ al-Masry al-Youm, 22 April 2020, available at: https://bit.ly/3oq1bsu (accessed 6 January 2021).

 

22 ‘Egypt Public Land Management Strategy’, Vol. I: Policy Note, Report No. 36520, World Bank, 15 June 2006, available at: https://bit.ly/2XlUrQK (accessed 6 January 2021).

 

23 ‘Arab Republic of Egypt: Fourth Review Under the Extended Arrangement Under the Extended Fund Facility-Press Release; Staff Report; and Statement by the Executive Director for the Arab Republic of Egypt’, Middle East and Central Asia Department, International Monetary Fund, 6 April 2019, available at: https://bit.ly/38liNjB (accessed 6 January 2021).

 

24 ‘Defence Ministry to Gain Ruling Share of Communications Infrastructure’, Daily News Egypt,15 October 2014, available at: https://bit.ly/39pO2tt(accessed 6 January 2021).

 

25 Mohsen Samikah, ‘Sisi at the Greenhouses Project: ‘We Will Not Side With Merchants Against the People’’, al-Masry al-Youm, 17 August 2019, available at: https://bit.ly/3s5SCoS(accessed 6 January 2021).

 

26 Ahmed Ashour, ‘Government Teams with Sovereign Fund to Counter Dominance of Small Cow Owners’, al-Mal, 17 November 2019, available at: https://bit.ly/38non5f (accessed 6 January 2021).

 

27 Nada Arafat and Saker El Nour, ‘How Egypt’s Water Feeds the Gulf’, Mada Masr, 15 May 2019, available at: https://bit.ly/2L1oOtd (accessed 6 January 2021).

 

28 Decree of Head of Council of Ministers 1657 of 2015, ManshuratQanuniah, available at: https://bit.ly/398rvB7 (accessed 6 January 2021).

 

29 Publication of Implementing Statutes of Law on Mineral Wealth, ManshuratQanuniah, available at: https://bit.ly/38k8lZQ (accessed 6 January 2021).

 

30 Ayat Al Tawy, ‘Sisi Inaugurates Mega Industrial Complex in Upper Egypt’s Beni Suef’, al-Ahram, 15 August 2018, available at; https://bit.ly/3nosB0G (accessed 6 January 2021).

تَمَحْوَر ذلك حول موقع صناعيّ جديد في بني سويف بدأ نشاطه في عام 2018، ولكن كما جاء في أواخر عام 2019 أعلن جهاز مشروعات الخدمة الوطنيّة عن تطوير ستّة مصانع إضافيّة في جنوب سيناء ومنطقة قناة السويس. وفقًا لمُدير جهاز مشروعات الخدمة الوطنيّة اللواء مصطفى أمين

cited in Mahmoud Mostafa and Mai Midhat, ‘Head of NSPO: World Companies Race to Import Granite from Egypt’, Masrawy, 5 November 2019, available at: https://bit.ly/35hbIio (accessed 6 January 2021).

 

31 Official company website, available at: http://www.nspo.com.eg/nspo/ebsc/ar/products.html (link no longer available, last accessed 14 October 2020). On expected export value, see: Mohamed Soleiman, ‘Start of Setting up Black Sands Projects with an Investment of One Million [Egyptian] Pounds’, Youm7, 4 January 2017, available at: https://bit.ly/35iDGu7 (accessed 6 January 2021).

 

32 Ra’fat Ibrahim, ‘Shalatin Mineral Wealth [Company]: 13 Gold Mines Start Experimental Production in 2017’, Youm7, 22 October 2016, available at: https://bit.ly/2LbLyqj (accessed 6 January 2021).

 

33 Public spending figure from George Abed, Chun Jin, and Boban Markovic, ‘Egypt: Good Progress to Date, but Sustainability Requires Deep, Transformational Change’, Institute of International Finance, 20 February 2019, p.4, available at: https://bit.ly/35jKZ4O (accessed 6 January 2021).

 

34 Cleft Capitalism: The Social Origins of Failed Market Making in Egypt (Stanford, CA: Stanford University Press, 2020).

 

35 ‘Special Report: From War Room to Boardroom. Military Firms Flourish in Sisi’s Egypt’, Reuters, 16 May 2018, available at: https://reut.rs/38lixkS (accessed 6 January 2021).

 

36 Diwan, Keefer, and Schiffbauer, ‘Pyramid Capitalism’, p. 232.

 

37 Mohamed al-Gali, Samir Hosni, and Mohsen al-Bideiwi, ‘President Sisi: We Have Implemented National Projects Worth $200 Billion in 5 Years’, Youm7, 26 November 2019, available at: https://bit.ly/2L2Y2kc (accessed 6 January 2021).

 

38 ‘Sisi: Are There Businessmen Ready to Construct Roads and Tunnels in Sinai at a Cost of Billions?’, al-Masry al-Youm, 22 April 2020, available at: https://bit.ly/3otDSy4 (accessed 6 January 2021).

 

39 Nour Rashwan, ‘President Sisi: We Have Spent 600 Billion [Egyptian] Pounds to Develop Sinai, National Security Does Not Have a Price Tag’, al-Shorouk, 22 April 2020, available at: https://www.shorouknews.com/news/view.aspx?cdate=22042020&id=f0cec522-5e07-40ee-b6ef-ca8df4458ed3 (accessed 6 January 2021).

 

40 هذه النسبة مُقدّمة من عضو مجلس إدارة شركة إسمنت سيناء ثامر مجدي،

cited in al-Morsi Izzat, ‘Sinai Cement Beseeches Government to Save Industry from Collapse’, al-Mal, 6 September 2020, available at: https://bit.ly/3hQdsEj (accessed 6 January 2021).

 

41 لمزيد من المعلومات حول اتّساع رُقْعة سيطرة المؤسّسة العسكريّة في قطاعيْ الإسْمنت والصُلْب والتأثيرات على المُصنّعين والأسواق المدنيّة، اُنْظر:

Sayigh, ‘Owners of the Republic’, pp. 212-216.

 

42 تفاقمت مشاكل الشركة بسبب اقتناع شركة حديد المصريّين، الّتي استحوذ عليها جهاز مشروعات الخدمة الوطنيّة في عام 2018، عن الوفاء بتعهّدها بشراء 230 ألف طن من خردة الحديد والصلب.

Confirmed in ‘Iron and Steel, All Possibilities Are Open’, Hapi Journal, 23 August 2020, available at: https://bit.ly/3bi6ma9 (accessed 6 January 2021).

 

43 For example, the statement by the head of the EAF Engineering Authority Major General Kamel al-Wazir, cited in Hani Abdelrahman, ‘Kamel al-Wazir: The President Instructed Us to Build a Steel Factory to Prevent a Monopoly’, al-Masry al-Youm, 9 April 2016, available at:https://bit.ly/2MIUW5f (accessed 6 January 2021).

 

44 The ministry’s poaching strategy is examined in detail in: Sayigh, ‘Owners of the Republic’, pp.56-58.

 

45 For a detailed analysis of their spread, see Yezid Sayigh, ‘Above the State: The Officers’ Republic in Egypt’, Carnegie Middle East Center Paper (2012), available at: https://bit.ly/3bkaAhQ (accessed 6 January 2021).

 

46 Jamal Boukhari, ‘Des Conscrits au Service du ComplexeMilitaro-industrielenÉgypte’,Orient XXI, 28 August 2017, available at:https://bit.ly/2XnIidK (accessed 6 January 2021).

On phosphate and fertilizer factory, ‘Sisi Inaugurates Largest Fertilizers Complex in Middle East at Ain al-Sukhna’,al-Masry al-Youm, 7 August 2019, available at:https://bit.ly/3nkjtKB (accessed 6 January 2021).On total national production: Sanaa Allam, ‘Chemical Exports Council: $4 Billion Worth of Exports Target for Sector by the End of This Year, Expect Number of Exporting Companies to Reach 1,000 by 2018’,Amwal al-Ghad, 9 December 2017, available at: https://bit.ly/2XjKGlR (accessed 6 January 2021).

 

47 For Law 127 of 2015, see: https://manshurat.org/node/14296 (accessed 8 January 2021).

 

48  حول العقد الأصليّ للبناء والتشغيل وإعادة الملك (BOT)، اُنظر:

Amirah Ibrahim, ‘Return to Al-Alamein’, al-Ahram Weekly, 2 June 2005, available at: https://bit.ly/2Lxt43k (accessed 8 January 2021).

حول قرار الحكومة بتحويل العقد، اُنْظُر:

Mohamed Napoleon, ‘Council of Ministers Agrees to Award Contract to Build and Operate Alamein International Airport to Ministry of Defence’, al-Shorouk, 24 September 2020, available at: https://www.shorouknews.com/news/view.aspx?cdate=24092020&id=b3c41394-edb3-4e0c-bffe-e625f0a2de5f (accessed 8 January 2021).

قد يعكس القرار مُنَافسة قويّة مع رئيس مجلس إدارة شركة كاتو للاستثمار إبراهيم كامل، وهو من رجال الأعمال المحسوبين في عهد مُبَارَك،

‘Court Unfreezes Assets of Mubarak Regime Strongman’ Ahram Online, 6 January 2013, available at: https://bit.ly/2MNixBR (accessed 8 January 2021).

 

49 Company Overview, Egyptian Marketing Company For Phosphate and Fertilizers, available at:https://bit.ly/2XlOV0a (accessed 8 January 2021).

 

50 ‘Presidental Resolution Allocating 47 Islands of State Land to the Armed Forces’, Official Gazette, 4 August 2019, reposted in Masrawy, 7 August 2020, available at: https://bit.ly/3hVMuLh (accessed 8 January 2021).

 

51 Yasmine Fawaz, ‘Minister of Antiquities to Parliament: The Private Sector Does Not Spend a Pound to Support Tourism’, al-Mal, 7 June 2020, available at: https://bit.ly/3ot6hEx (accessed 8 January 2021).

 

52 ‘Egypt Non Performing Loans Ratio, 2011-2020, Quarterly’,CEIC, available at: https://bit.ly/3oysNvS (accessed 8 January 2021).

 

53 أعفى القانون الأصليّ رقم 203 لسنة 1991 مؤسّسات القطاع العام (بما في ذلك الشركات التابعة للمُؤسّسة العسكريّة) من إجراءات المُشْتريات والعقود الحُكوميّة النظاميّة وجعلها على قدم المساواة مع شركات القطاع الخاصّ في ما يتعلّق بالرواتب والمزايا والمعاشات التقاعديّة والمُكافآت وما إلى ذلك. حول مرسوم السيسي للمُصادقة على القانون رقم 185 لسنة 2020، اُنْظر:

Mohamed al-Gali, ‘Sisi Ratifies Amendment of Public Business Sector Companies Law’, Youm7, 13 September 2020, available at: https://bit.ly/35qf0zU (accessed 8 January 2021).

 

54 Abdel-Halim Salem, ‘Public Sector Changes its Skin, Young Faces to Take Over Leadership of 60 Companies Within 3 Months’, Youm7, 20 September 2020, available at: https://bit.ly/2MLPjmR (accessed 8 January 2021).

خسائر وديون شركات النسيج بحسب مدير عام جهاز مشروعات الخدمة الوطنيّة اللواء “مصطفى أمين”،

cited in ‘National Services Projects Authority: Textiles Industry Capable of Achieving Significant Growth’, al-Shorouk, 28 July 2020, available at: https://www.shorouknews.com/news/view.aspx?cdate=28072020&id=cf206222-b7a1-4a50-9dcd-ea113f03b003 (accessed 8 January 2021).

 

55 For example, Abdel-Azim al-Qadi, ‘Nasr Fertilizers Calls for Transferring Chemical Industries Companies to Ministry of Petroleum’, al-Ommal, 9 October 2020, available at: https://bit.ly/3pYmZfl and Shaimaa Hafthi, ‘Misr Hotels Calls for Extraordinary General Assembly to Exit Public Enterprise Ministry’s Jurisdiction’, Masrawy, 8 October 2020, available at: https://bit.ly/3q6R1h3 (both accessed 8 January 2021).

 

56 Figure of $9.4 billion given in Nizar Manek and Jeremy Hodge, ‘An Interview on Egypt’s Slush Funds’, Sada, Carnegie Endowment for International Peace, 9 July 2015, available at: https://carnegieendowment.org/sada/60660 ; and in Nizar Manek and Jeremy Hodge, ‘Opening the Black Box of Egypt’s Slush Funds’, Africa Confidential, 26 May 2015 (link unavailable); and Eman el-Sherbiny, ‘Uncovering Egypt’sSlush Funds’, Business Today Egypt, August 2015, available at: https://bit.ly/3hUxn4V (accessed 8 January 2021).

 

57 Decree cited in ‘El-Sisi Appropriates 10% of ‘Special Funds’ Annual Revenues to 2014/15

Budget’, Ahram Online, 14 July 2014, available at: https://bit.ly/35mTufs (accessed 8 January 2021).

كما ورد عن اللواء “صفوت النحاس”، عُضْو لجنة الإصلاح الإداريّ المُشَكّلة حديثًا ، مأخوذ عن

Amira Mamdouh, ‘Administrative Reform Committee Rejects the Permanent Employment of Special Funds’ Contractors’, Dostor, 3 May 2017,retrieved from Akhbarak, available at: https://bit.ly/39eObje (accessed 8 January 2021).

 

58 حسب وزير النقل الفريق كامل الوزير. ومن المُفَارقات أنّ هذا يعني بالنسبة لوزارته رفع أسعار التذاكر لوسائل النقل الّتي يستخدمها بشكل حصريّ المصريّون ذوو الدخل المُنْخفض.

Cited in Hosam Emad, ‘Kamel al-Wazir: [Transport] Ministry’s Budget Deficit Stands at LE6 Billion, We Have Presidential Directive to Become Self-sufficient’, al-Shorouk, 29 June 2020, available at: https://www.shorouknews.com/news/view.aspx?cdate=29062020&id=87b0c5fc-cc47-45a2-a77c-51d4eaef2c3b(accessed 8 January 2021).

 

59 Public debt ratio according to the World Bank, available at:https://bit.ly/3hY2wEK (accessed 8 January 2021).

Amount of foreign debt from Sayyed Badr, ‘Foreign Debt Owed by Egypt Rises to $112.7 Billion by End of 2019’, al-Mal, 3 May 2020, available at: https://bit.ly/38qCiYk (accessed 8 January 2021).

 

60 أكّد وزير الماليّة محمّد معيّط ذلك بتباهيه في آب/أغسطس 2020، انّه بعد الاقتراض على مدى الخمسة عشر عامًا الماضية لدفع ثمن الطعام والشراب، أصبح الغرض من الاقتراض منذ عام 2017 هو تمويل المشاريع القوميّة، اُنْظر:

Maged Tamraz, ‘Finance Minister: Egypt Spent 15 Years Taking Out Loans to Pay for Food Imports, but Now Egypt Takes Out Loans for National Projects’, Youm7, 29 August 2020, available at: https://bit.ly/2L4dhJF (accessed 8 January 2021).

 

61حسب رئيس اتّحاد البنوك المصريّة هشام عزّ العرب، كما جاء في:

Abdel-Razeq Al-Shuweikhi, ‘Banks

Spent EP 1bn for Social Development Over Past 3 Years: FEB Chairman’, Daily News Egypt

23 September 2014, available at: https://bit.ly/2MKGPMO (accessed 8 January 2021).

 

62 Ayman Hamzah, ‘Housing Minister: The New Administrative Capital Will Not Cost the State a Single Millim’, al-Masry al-Youm, 29 September 2014, available at: https://bit.ly/35m1Zah (accessed 8 January 2021).

 

63 جاءت الإشارة إلى الانسحاب الإماراتيّ في:

Mirette Magdy, ‘Emaar’s Talks With Egypt Over New Capital City Project Stall’, Bloomberg, 30 December 2018, available at: https://bloom.bg/2XoqW0E (accessed 8 January 2021).

وتمّت الإشارة إلى تعليق القرض الصينيّ في:

Eric Knecht, ‘Egypt’s Capital Project Hits Latest Snag as Chinese Pull Out’, Reuters, 8 February 2017, available at: https://reut.rs/2XmgtTd(accessed 8 January 2021).حول الاستثمار الصينيّ، اُنظر, Mirette Magdy, ‘China’s $20 Billion New Egypt Capital Project Talks Fall Through’, Bloomberg, 17 December 2018, available at: https://bloom.bg/3oxNEzq (accessed 8 January 2021).

 

64 Aidan Lewis and Mohamed Abdellah, ‘Egypt’s New Desert Capital Faces Delays as it Battles for Funds’, Reuters, 13 May 2019, available at: https://reut.rs/3s6g1qn (accessed 8 January 2021).

تُظْهر الأدلّة المرويّة أنّ المُؤسّسة العسكريّة وحاشية الرئيس قد نجحوا، في إقناع أو إرغام بعض المُطوّرين العقّاريّين الخوّاص الأكثر شهرة في البلاد وعلى الاستثمار في العاصمة الجديدة وذلك على أمل بثّ الثقة وحَشْد المُشْترين، لدعم تمويل المراحل المُسْتقبليّة للمشاريع العقاريّة الّتي تَقُودُها الدولة.

 

65 Yezid Sayigh, ‘Will Egypt’s Military Companies Float?,’ Carnegie Middle East Centre Article, 7 April 2020, available at: https://bit.ly/35mTBrd (accessed 8 January 2021).

 

66 على سبيل المثال، كان وزير قطاع الأعمال العامّة “هشام توفيق” حَذِرًا، إنْ لم يكُنْ مُرَاوِغًا تمامًا، عندما سُئِل عن اقتراح السيسي في حوارعلى التلفزيون الوطنيّ:

Lamis al-Hadidi, 4 November 2019,al-Qahirah al ‘An, available at: https://bit.ly/3hSPng5 (last accessed 8 January 2021).

 

67 Patrick Werr, ‘Egypt’s New Sovereign Fund Cherry-picks Assets to Lure Investors – CEO’, Reuters, 11 December 2019, available at: https://reut.rs/3nrJvLG (accessed 8 January 2021).

 

68 ‘We Publish the Full Text of the Law Establishing the Egypt Fund After Parliament Approved It’, Youm716 July 2018, https://bit.ly/2Lyl4PL (accessed 8 January 2021).

 

69 Safa Isam-al-Din, Ismail al-Ashwal, and Ahmed Oweiss, ‘Parliament Approves Egypt Sovereign Fund, al-Shorouk, 20 July 2020, available at: https://www.shorouknews.com/mobile/news/view.aspx?cdate=20072020&id=3d607cc1-346a-4b3b-9881-350b294b18fe(accessed 8 January 2021).

 

70 Marc Champion, ‘New IMF Program Still Up in the Air as Egypt Primes Its Economy’, Bloomberg 21 January 2020, available at: https://bloom.bg/3bkAoKD(accessed 8 January 2021).

 

71 Mark Townsend, ‘Egypt Plans Sovereign Wealth Fund—Of A Kind’, The Magazine, 1 May 2018, available at: https://bit.ly/3q2YMEu (accessed 8 January 2021).

 

72 دور الجهاز المركزيّ للمُحاسبات في مصر، الّذي وصفه رامي جلال مُسْتشار وزير التخطيط في:

‘What Are the Mechanisms for Auditing the Sovereign Wealth Fund? Advisor to Planning Minister Responds’, Cairo24, 6 September 2020, available at: https://bit.ly/3bjHrTF (accessed 8 January 2021).

 

73 For discussion of the Authority’s role, Jessica Noll, ‘Fighting Corruption or Protecting the Regime? Egypt’s Administrative Control Authority’, Project on Middle East Democracy, 6 February 2019, available at:https://bit.ly/3nrQ3tZ (accessed 8 January 2021); Sayigh, ‘Owners of the Republic’, pp. 310-311.

 

74 BeesanKassab, ‘Tahya Masr: How Sisi Bypassed Auditing a Multi-billion Pound Fund’, Mada Masr, 6 April 2016,https://bit.ly/3s2CvJ3 (accessed 8 January 2021).

 

75 Hind Mokhtar, ‘Mehleb Appoints Major General Mohamed Nasr as Treasurer of the Long Live Egypt Fund’, Youm7, 17 April 2015, available at: https://bit.ly/35pKTIH (accessed 8 January 2021).

 

76 See: https://www.shorouknews.com/news/view.aspx?cdate=06102020&id=97c06502-4297-4e8a-b8c0-f0f3d3a6bd14, al-Shorouk, 6 October 2020 (accessed 9 January 2021).

 

77 Afaf Ammar, ‘Ahmed Abdin: Administrative Capital [Company] Contributes Around 50 Billion [Egyptian] Pounds to Sovereign Fund’, al-Shorouk, 9 February 2020, available at: https://www.shorouknews.com/news/view.aspx?cdate=09022020&id=d1f595b7-1770-45d5-8be0-6374eee7b6d3 (accessed 8 January 2021).

 

78 Ruth Michaelson, ‘‘Cairo has started to become ugly’: Why Egypt is Building a New Capital City’, The Guardian, 8 May 2018, available at: https://bit.ly/2XmicYC (accessed 8 January 2021).

 

79 Mirette Magdy, ‘Egypt to Put Army Firms on Offer, Dangling Full Ownership’, Bloomberg, 10 December 2020, available at: https://bloom.bg/3otF3xA (accessed 8 January 2021).

 

80 مقابلات أُجريت مع أشخاص تمّ إخفاء أسمائهم.

 

81 Amira Gad, ed., ‘Six Letters of Reassurance From Sisi to Businessmen, Most Importantly Reforming Fiscal Policy’, Tahrir News, 3 December 2015, available at: https://bit.ly/3pUwfRE (accessed 8 January 2021).

 

82 Hind Mokhtar, ‘Cabinet Approves Establishment of ‘Agency for Managing and Disposing of Reclaimed Funds’’, Youm7, 3 September 2020, available at: https://bit.ly/3q32FJA (accessed 8 January 2021).

 

83 Mostafa Eid, ‘Why Has Foreign Direct Investment Declined to its Lowest Level in 5 Years?’, Masrawy6 October 2020, available at: https://bit.ly/35pAAo9 (accessed 8 January 2021).

 

84 Diwan, Keefer, and Schiffbauer, ‘Pyramid Capitalism’.

 

85 مصدر النقاط القيميّة هو:

https://bit.ly/3pYJbpB and source for global rankings: https://bit.ly/38ryaqI (accessed on 9 January 2020).

 

86 هذا التقييم لمُؤشّرات الاختلاف في اقتصادات العالم مأخوذٌ من:

‘The Pandemic has Caused the World’s Economies to Diverge’, The Economist, 8 October 2020, available at: https://econ.st/38pM1On (accessed 6 January 2021). Application to Egypt is mine.

 

87 اُنظر:

https://bit.ly/2JZaP6A (accessed 8 January 2021).

 

88 Anouar Abdel-Malek, Egypt: Société Militaire (Paris: Editions de Seuil, 1962); and Zeinab Abul-Magd, Militarizing the Nation: The Army, Business, and Revolution in Egypt (NY: Columbia University Press, 2018).

 

89 Sayigh, ‘Above the State’.

 

90 Khalil and Dill, ‘Negotiating Statist Neoliberalism’p.588.

 

91 Iman Ali, ‘Government Plan to Raise Spending Efficiency and Increase Revenue Collection by 10 Points’, Youm7, 27 June2020, available at: https://bit.ly/2LsS5N8 (accessed 6 January 2021).

 

92 Ahmed al-Lahouni, ‘Achievements and Efforts of the Ministry of Military Production in Support of the State’, al-Mal, 25 June2020, available at:https://bit.ly/3nogAs1 (accessed 6 January 2021).

 

93 Percentage of GDP cited in ‘Armed Forces Engineering Authority: Robiky [Industrial Complex] is a New Hub for Textile, Weaving Industry in Egypt on a 430 Feddan Area’,Masrawy, 28 July 2020, available at:

https://bit.ly/3q0iGQz (accessed 6 January 2021). Employment figure given by NSPO director-general Major General Mostafa Amin, cited in ‘National Services Projects Authority: Textiles Industry Capable of Achieving Significant Growth’,al-Shorouk, 28 July 2020, available at: https://bit.ly/3nrJA2e (accessed 6 January 2021).

 

94 ‘NSPO: Spinning and Weaving Industry Capable of Attaining Sustained Growth’, al-Shorouk, 28 July 2020, available at: https://www.shorouknews.com/news/view.aspx?cdate=28072020&id=cf206222-b7a1-4a50-9dcd-ea113f03b003; and ‘Public Enterprise Minister: Inaugurating Largest Textile Factory in the World in Egypt in September 2021’, Youm7, 28 July 2020, available at: https://bit.ly/38tbRRQ (accessed 8 January 2021).

 

95 على سبيل المثال، الاجتماعُ الّذي شارك فيه رئيس الوزراء ووزراء قطاع الأعمال العامّ والتجارة والصناعة والمدير العامّ لجهاز مشروعات الخدمة الوطنيّة، حسب ما أفاد به المُتحدّث باسم رئيس جمهوريّة مصر، في 25 تمّوز/يوليو 2020،

available at: https://bit.ly/39fwhNi (accessed 8 January 2021).

 

96 George Abed, Chun Jin, and Boban Markovic, ‘Egypt: Good Progress to Date, but Sustainability Requires Deep, Transformational Change’, Institute of International Finance Report, 20 February 2019, p.8. available at: https://bit.ly/3s4FnVz (accessed 8 January 2021).

 

97 See, for example, this assessment in ‘Budget and Economy’, Egypt Country Profile, Tawazun: Index of Arab Civil-Military Relations, available at: https://bit.ly/38sfvLO (accessed 8 January 2021).

 

98 Andrea Ciani, Marie Caitriona Hyland, Nona Karalashvili, Jennifer L. Keller, Alexandros Ragoussis, and Trang Thu Tran, ‘Making It Big : ‘Why Developing Countries Need More Large Firms’, World Bank (2020), available at: https://bit.ly/3hTKymN (accessed 8 January 2021).

License: CC BY 3.0 IGO.

 

99 للحُصُول على تحليل قَيِّم ومُفِيد للتحديّات الّتي تُواجه قطاع صناعة النسيج المصريّ، اُنْظر:

Amirah El-Haddad, ‘Picking Winners: Identifying Leading Sectors for Egypt and Tunisia Using the Product Space Methodology’, Review of Middle East Economics and Finance, 16/1 (2020), available at: https://bit.ly/39tOpDl (accessed 8 January 2021). الاقتباس مأخوذ من مُقابلة أُجْرِيَت مع خبير في المشاريع التجاريّة المُشْتَركة يعمل في مصر حتّى عام 2019 (تمّ إخفاء اسمه).

 

100 ‘World Economic Outlook, October 2020: A Long and Difficult Ascent’, International Monetary Fund Report(2020); seetable A4, titled ‘Emerging Market and Developing Economies: Real GDP’, p.146, available at: https://bit.ly/3otJ7hk (accessed 8 January 2021).

 

101 تمّت مُناقشة نقص استجابة القطاع الخاصّ على مُستوى العَرْض، باسْتفاضة في:

Ishac Diwan, Nadim Houry, and Yezid Sayigh, ‘Egypt After the Coronavirus: Back to Square One’, Arab Reform Initiative Research PaperAugust 2020, available at: https://bit.ly/3nmjrl9 (accessed 6 January 2021).

 

102 المصدر السابق، ص11.

 

103 Steven Heydemann, ‘Rethinking Social Contracts in the MENA Region: Economic Governance, Contingent Citizenship, and State-society Relations After the Arab Uprisings’, World Development, Vol. 135, November 2020, p.3., available at: https://bit.ly/2LaE72F (accessed 6 January 2021).

 

104 Ibid, p.6.

 

105اُنظر:”Egypt: poverty at 5.50 USD per day, the Global Economy. Com, ” https://bit.ly/2Lw7RXq (accessed 22 September 2020).

 

106 بالنسبة لأرقام مُعدّلات الفقر للعام 2019، حسب رئيس الجهاز المركزيّ للتعبئة العامّة والإحْصاء (CAPMAS)،

Khairat Barakat, ‘32.5 Percent of Egyptians are Living Below the Poverty Line: CAPMAS’, Ahram Online, 30 July 2019, available at: https://bit.ly/38llzFJ (accessed 6 January 2021).

 

107  تعود الإشارة إلى “السلطة الاستبداديّة” من “مايكل مان”، كما جاء في:Toby Dodge, ‘Gramsci Goes to Baghdad; Understanding the Iraqi State Beyond Collapse, Failure or Hybridity’, Draft Paper, LSE Middle East Centre Workshop (Online), October 3, 2020.

 

108 ‘Economic Openness, Egypt Case Study, 2020’, Governance chapter draft, Draft v1.2, 21st September 2020, Legatum Institute, pp. 69, 76.

 

المصدر : مركز كارنغي للشرق الاوسط

Carnegie_yezidlsepaper_Spreads_AR_28.04.2021.pdf

 

 

الاراء المطروحة في جميع الدراسات والابحاث والمقالات المنشورة على موقع الشبكة لاتعكس بالضرورة وجهة نظر هيئة تحرير الموقع ولا تتحمل شبكة الاقتصاديين العراقيين المسؤولية العلمية والقانونية عن محتواها وانما المؤلف حصريا. لاينشر اي تعليق يتضمن اساءة شخصية الى المؤلف او عبارات الكراهية الى مكون اجتماعي وطائفة دينية أو الى اي شخصية أو مؤسسة رسمية او دينية

التعليق هنا

%d مدونون معجبون بهذه: