الاقتصاد العراقي الكليالرئيسية

د. حسن عبد الله بدر*: الإنفاق الحكومي الاستثماري والفئات الميسورة**

تمهيد:

بعد الغزو الامريكي 2003، صار بإمكان العراق، من بين أمور أخرى، أن يقوم بتصدير كميات أكبر من النفط وبالتالي الحصول على عوائد مالية تتيح له تحسين مستواه المعيشي، بما في ذلك زيادة الانفاق على السلع والخدمات الانتاجية (أو السلع الاستثمارية، تمييزاً لها عن السلع الاستهلاكية) التي تتمثل في الآلات والمعدات، ووسائل النقل، والابنية بمختلف أنواعها كالمباني السكنية وغير السكنية وكذلك المنشآت التي هي من قبيل البنية التحتية كالطرق والموانئ والمطارات والكهرباء والماء ومتعلقات الصرف الصحي وما شابه. ويصب هذا الانفاق مباشرةً في بناء، أو توسيع، الطاقات الانتاجية المتاحة للبلد بهدف إنتاج ما يحتاجه من سلع وخدمات أو قسم ملموس منها. وبهذا المعنى، فإن هذه الاستثمارات، التي تحمل تسمية أخرى معبِّرة وهي تكوين رأس المال الثابت، تشكل السياسة أو الأداة الرئيسية للتنمية الاقتصادية، وبخاصة في بداياتها.

الفكرة الرئيسة التي أود إبرازها أن الانفاق الحكومي الاستثماري، أو، باختصار، الاستثمارات (سوية مع الانفاقات الأخرى) التي كان يجري تحقيقها بعد عام 2003، والتي تضطلع الدولة بحصة الاسد في تمويلها، كما كان هو الحال منذ بداية الخمسينات، هي منبت أو بداية تكوِّن الفئات “الطفيلية” في المجتمع العراقي. ولعل هذه الفكرة هي مجرد تعبير عن قناعة يكاد يُجمع عليها جمهور الاقتصاديين العراقيين، على اختلافهم، وهي أن ما تقوم به الدولة من إنفاق هو المحرِّك لكل النشاط الاقتصادي في العراق، الحكومي والخاص، وهو أيضاً باعث حركة المجتمع نفسه بفئاته وطبقاته المختلفة، وذلك منذ بداية الخمسينات بشكل خاص.

وستُقدم هذه الفكرة من خلال 3 نقاط: (1) زبدة التخصيصات الاستثمارية وتنفيذها خلال تلك الفترة؛ (2) محاولة تسمية، قدر الامكان، العمليات أو الفئات التي اقتنصت تلك المبالغ (وكذلك الانفاقات الاخرى، غير الاستثمارية، للدولة) أو أي جزء منها، وكيف آلت إليها بغير وجه حق؛ (3) ما يمكن استخلاصه من هاتين النقطتيْن على صعيد بنية المجتمع.

لمواصلة القراءة انقر على الرابط التالي لتحميل ملف بي دي أف

الإنفاق الحكومي الاستثماري والفئات الميسورة-محررة- حسن بدر

الاراء المطروحة في جميع الدراسات والابحاث والمقالات المنشورة على موقع الشبكة لاتعكس بالضرورة وجهة نظر هيئة تحرير الموقع ولا تتحمل شبكة الاقتصاديين العراقيين المسؤولية العلمية والقانونية عن محتواها وانما المؤلف حصريا. لاينشر اي تعليق يتضمن اساءة شخصية الى المؤلف او عبارات الكراهية الى مكون اجتماعي وطائفة دينية أو الى اي شخصية أو مؤسسة رسمية او دينية

تعليقات (2)

  1. همام مسكوني
    همام مسكوني:

    تعليقات على مقال د. حسن عبد الله بدر الموسوم “الإنفاق الحكومي الاستثماري والفئات الميسورة” المنشور على موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين في 14 آيار 2021

    يطرق مقال د. بدر مسألة في غاية الأهمية في عراق ما بعد 2003: أن الإنفاق الحكومي الاستثماري الذي مولته الدولة كان منبت أو بداية تكوِّن الفئات “الطفيلية” في المجتمع العراقي وحاول، قدر الإمكان، تبيان العمليات أو الفئات التي اقتنصت تلك المبالغ (وكذلك الاتفاقات الأخرى، غير الاستثمارية، للدولة) أو أي جزء منها، وكيف آلت إليها بغير وجه حق. وهذه قضية شائكة بحق، يستلزم البحث فيها الكثير من الجرأة والبحث. إلا أني أشكل على د. بدر استناده إلى معطيات وردت في مصادر تفتقد إلى الدقة، بدون أن يحقق ويدقق في صحة وموثوقية تلك المعطيات، مما أخل، إلى حد ما، بما أورده المقال من تحليلات وما توصل إليه من استنتاجات. وسأورد في أدناه تعليقين على مضمون المقال فضلا عن ملاحظة شكلية. لكن هذين التعليقين لا يقللان، بأي حال، من أهمية المقال وما تضمنه من تحليلات واستنتاجات.

    1. نقل المقال عن بيانات اللجنة المالية النيابية وتصريحات متكررة لرئيستها السابقة د. ماجدة التميمي (الحاشية 2) القول “فمصادر مجلس النواب تقدر مجموع مدخولات الحكومة منذ 2003 (مدخولاتها من تصدير النفط، والإيرادات الأخرى كالضرائب والكمارك، وكذلك الهبات والقروض) بـ 855 بليون دولار. ونظراً لوجود بيانات موثقة رسمياً عن مشروعات كثيرة جداً تم إنفاق 284 بليون دولار عليها دون أن تكتمل، فمعنى ذلك أن التخصيصات الاستثمارية وحدها أخذت أكثر 30 بالمائة مما كان بحوزة الحكومة من أموال، علماً بأن ذلك لا يشمل المخصص للاستثمار في قطاع النفط وإقليم كردستان. وهذه النسبة تعتبر عالية حتى بمقاييس الدول الغربية المتطورة اقتصادياً”.

    لا يشير المقال إلى مصدر محدد لإجمالي المدخولات (855 مليار دولار) وما أنفق على المشاريع الاستثمارية (284 مليار دولار). وبافتراض دقة التصريح والاقتباس، أرى أن هذه المعلومة، سواء صدرت عن اللجنة المالية أو عن د. التميمي، غير صحيح إطلاقا. فالـ 284 بليون دولار المشار إليها تشكل إجمالي ما خصص للاستثمار في الموازنات الإتحادية وليس مقدار ما أنفق فعلا، والفرق بين الإثنين جسيم. أيضا، لا يحدد المقال الأمد الزمني الذي أنفقت فيه الـ 284 مليار دولار، أي لغاية 2018 أو 2019 مثلا.

    استنادا إلى وثائق وزارة التخطيط وديوان الرقابة المالية الاتحادي، ما زادت نسبة الأداء المالي لتنفيذ المشاريع المدرجة على الموازنات الاستثمارية وبرنامج تنمية الأقاليم (عدا إقليم كردستان) على مدى 14 عاما (2005 – 2019) لم تزد عن 53% وبمعدل موزون يقل عن 35%. أنظر مثلا المقال المعنون Iraq’s Capital Budget and Regional Development Fund: Review and Comments on Execution Capacity and Implications المنشور عام 2008، والجدول (8) من مقال د. علي مرزا المعنون “قضايا اقتصادية في العراق 2003-2020: الهيكل الإنتاجي، السياسات المتبعة والأزمات الحالية” المنشور عام 2020 فضلا عن تقرير ديوان الرقابة المالية الاتحادي المعنون “نتائج تنفيذ الموازنة العامة للدولة بشقيها (الجارية والاستثمارية) للفترة من 1/1/2019 ولغاية 30/9/2019”. ففي عام 2007 كان الأداء المالي (نسبة ما أنفق من ما خصص) 63,2%، تراجعت منذ ذلك الحين إلى ما يتراوح بين 41 – 48% وبمعدل 45% لغاية عام 2018، في حين أن تقرير ديوان الرقابة المالية الاتحادي المشار إليه بين أن الأداء المالي للفترة كانون الثاني – أيلول 2019 كان 28,4%.

    لنفترض جدلا أن المعدل الموزون للأداء المالي على مدى 14 عاما فضلا عن عام 2019 جزئيا كان زهاء نصف ما جرى تخصيصه، وأن الإنفاق الفعلي كما نقله د. بدر عن اللجنة المالية ود. التميمي كان 284 مليار دولار، فهذا يعني أن مجمل تخصيصات الموازنة الاستثمارية للأمد الزمني المبين يجب أن لا يقل عن 535 بليون دولار، أي نحو 62% من مجمل الإيرادات النفطية وغير النفطية، فهل هذا منطقي ومعقول؟ إن الـ 284 مليار دولار تمثل، على الأرجح، مقدار ما خصص للموازنات الاستثمارية وليس ما أنفق، فال 284 مليار دولار تشكل نحو 33% من الـ 855 مليار دولار التي تمثل مجمل المدخولات، وهذه النسبة قريبة من معدل التخصيصات السنوية للنفقات الاستثمارية على الموازنات الإتحادية منذ 2003.

    أما أين تذهب الأموال المخصصة على الموازنة الاستثمارية التي لم تنفق في سنة مالية معينة، فالجواب بسيط: التدوير إلى السنة المالية التالية، ليخصص أغلبها للموازنة الجارية. وهذا كان ديدن الحكومات المتعاقبة منذ عام 2006!
    2. قال د. بدر في المقال “المناقلة بين البنود المختلفة في ميزانية الدولة هي صورة أخرى لتحويل التخصيصات الاستثمارية إلى استعمالات أخرى تشغيلية أو استهلاكية ولأناس أو جهات قد لا تكون في محلها مثل الرواتب لموظفين أو جنود (وربما “وهميين”) أو تقديم الأرزاق (الطعام والشراب) داخل الجيش والشرطة والأمن بتكاليف تفوق التكاليف الحقيقية”. وهذ الكلام لا صحة له، فقوانين الموازنة الإتحادية تمنع منعا باتا المناقلة من تخصيصات النفقات الرأسمالية (بضمنها نفقات المشاريع الاستثمارية والموجودات الثابتة والمتح والقروض التنموية) إلى النفقات الجارية (انظر مثلا المادة 4 – ثانيا من قانون الموازنة العامة الاتحادية لجمهورية العراق للسنة المالية 2021. لذا، فهكذا مناقلات غير ممكنة قانونا، ولا يمكن أن تقرها وزارة التخطيط ووزارة المالية، وإن حدثت، وهذا أمر مستبعد، فتعد مخالفة للقانون.

    أما الملاحظة الشكلية فتخص الرابط الذي أورده د. بدر في الهامش (4) والذي يفترض أن يشير إلى مقال د. احمد ابريهي علي الموسوم “الاقتصاد العراقي وآفاق المستقبل القريب”. فالرابط الوارد في المقال غير صحيح، إذ يقود إلى الصفحة الشخصية لـ د. إبريهي على موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين، وهذا الرابط الصحيح للمقال المشار إليه:
    http://iraqieconomists.net/ar/2011/07/07/%D8%AF-%D8%A7%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D8%A7%D8%A8%D8%B1%D9%8A%D9%87%D9%8A-%D8%B9%D9%84%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%82%D8%AA%D8%B5%D8%A7%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D9%82%D9%8A-%D9%88%D8%A2/

    شكرا ودمتم…

    • ¨DR. Hassan A. Badir
      ¨DR. Hassan A. Badir:

      كل الشكر والتقدير للأستاذ همام مسكوني لإهتمامه بالموضوع وتقديم ملاحظات محددة عنه، ولسوفَ أحاول الاستفاده منها مستقبلاً قدر الامكان. كما أعتذرُ عن عدم إنتباهي للتعقيب المشكور، وبالتالي تأخر الرد.
      1) مع التسليم بدرجة ما من عدم الدقة في البيانات (وهي تتباين من باحث إلى آخر) فإن جوهر الأمر، في نظري، هو: من موارد البلد المالية (وأهمها وأكبرها وأخطرها النفط) المقدَّرة ب 855 مليار دولار، ذهبَ للاستثمار حوالي 284 مليار دولار (والتي قد تزيد أو تنقص إلى حد ما)، بحسب مصادر اللجنة المالية النيابية، وذلك قبل سنة 2016 (وهي سنة مهمة لأن الفترة اللاحقة شهدت تدني الانتاج النفطي والعوائد المالية منه، وكذلك زيادة الانفاق على الحرب بعد دخول داعش). ويشير هذا المبلغ إلى مبالغ صُرفت على مشروعات استثمارية (أو أُعلن عن ذلك)، ولكن دون أن تنتج عن ذلك مشروعاتُ مكتملة قادرة على الانتاج أو توسيعه، وهو الغرض أصلاً من الاستثمار، وهنا كل بيت القصيد، من زاوية أثر الاستثمار على الناتج، وعلى البنية الاجتماعية.
      الانفاق أو الأداء المالي ليس دليلاُ مؤكداً على بناء واكتمال مشروعات بحيث تبدأ في الانتاج، وهي مشروعات يسمّونها “المتلكئة”.
      وحتى الانفاق الفعلي البعيد عن الفساد، ولكن غير المكتمل، لا يؤدي إلى تحقيق الغرض من الاستثمار وهو الانتاج. كما أنه لا يستبعد شبهة الهدر أو الفساد المالي، في ظل دولة تنقصها حتى أبسط المقومات، وذلك بسبب من ارتكازها على المحاصصة.
      2) ولعلَ في سؤال الأستاذ همام، في نهاية ملاحظته الأولى: أما أين تذهب الأموال المخصصة على الموازنة الاستثمارية التي لم تنفق في سنة مالية معينة، وكذلك جوابه هو نفسه عليه: التدوير إلى السنة المالية التالية، وليُخصص أغلبها للموازنة الجارية: فها هنا جوهر ما أرادتْ المقالة المتواضعة إيصاله: وهو ضياع أو تضييع الأموال العراقية بين سوء التصرف والهدر من ناحية، والفساد المالي من الناحية الأخرى. فمصير الأموال المخصصة للموازنة الجارية ليس بأفضل من مصير الموازنة الاستثمارية، وللسبب نفسه: غياب الدولة التنموية.
      3) مسألة المناقلة، بحسب علمي المتواضع (والذي قد لا يكون صحيحاً)، موجودة؛ كما أنني أشرتُ إلى مصدرٍ يدعمها (ص 4 من المقالة). وهذه المسألة، في حالة وجود دولة عادية في البلد، قد تكون أمراً ضرورياً أحياناً: فإذا تعرضَ البلد إلى وضع طاريء ولم بتم بعد الانفاق على مشروع ما استثماري، فلا بأس من تحويل المخصَّص له لأغراض أخرى بحسب متطلبات الوضع. ولكن هذا الأمر لا ينبغي خلطه بموضوع العاملين “الوهميين” أو الفضائيين”. فهذا الأمر لا تنكره حتى الكثير من الجهات الرسمية. وفي المقلة ذكرُ لهذه الجهات.
      4) أخيراً، وبعيداً عن المقالة، فإن مبادرة الاستاذ همام تشجعني على التوجه لزملائي الأعزاء بالاهتمام بما أسميته، في المقالة، “القنوات” التي يتسرب منها المال العام إلى غير مقاصده، وكذلك “الصور أو الأشكال” التي تتكون بها فئاتُ اجتماعية معينة (أو أفراد) تضع يدها على أموال بغير وجه حق، ووفق قنوات لم أستطع إدراكها بعد بالتأكيد.
      كل إمتناني وإحتراماتي وتقديري.

      أخوكم حسن عبد الله بدر

التعليق هنا

%d مدونون معجبون بهذه: