أولاً: مقدمــة**
تُثار بين حين وآخر اقتراحات إعادة مجلس الإعمار كما كان في خمسينيات القرن الماضي، أو بشكل معدل كما في مقترح قانون مجلس الإعمار المحال إلى مجلس النواب في أيلول/سبتمبر 2019. وتُثار وتُكرر هذه الاقتراحات، أساساً، نتيجة لتواضع جهود التنمية خلال العقدين الأخيرين، كما يدل عليه انخفاض حجم الاستثمارات العامة في الميزانية الإتحادية (بدوره نتيجة لغياب تبني منظور outlook وخطط للتنويع الاقتصادي) والذي ساهم في عدم الابتداء بمسار لنمو مستدام sustainable في الناتج غير النفطي، خلال هذين العقدين. أنظر مرزا (2018، 2022). وتؤطر أسباب معظم هذه الاقتراحات إلى ما انجزه مجلس الإعمار/وزارة الإعمار خلال فترة عمله القصيرة نسبياً 1951-1958، على سبيل المثال:
- الدراسات والتقارير التي أُعِدَّت خلال فترة المجلس، لا سيما من قبل البنك الدولي واستشاريين وخبراء أجانب معروفين، والتي غطت البنى الأساسية التي كان العراق بحاجة ماسة أليها من طرق وجسور وري/سدود ومستشفيات ومدارس، الخ، إضافة لصناعات طاقة وغيرها من الصناعات الاستهلاكية والإنشائية، الخ، التي ساهم بها القطاع العام. ولقد امتد أفق هذه الدراسات والتقارير في ما يخص حاجة العراق المستقبلية من البنى الأساسية لعقود من الزمن.
- تخصيص الجزء الأكبر من عوائد تصدير النفط إلى ميزانية مجلس الإعمار. ويحتل هذا التخصيص منزلة أساسية لتبرير معظم اقتراحات إعادة تكوين مجلس الإعمار.
- المشاريع العديدة التي نُفِّذَت خلال الفترة 1951-1958.
- المصداقية المهنية للعاملين في المجلس وغياب الفساد في أعماله ومشاريعه، عموماً.
- التوجهات الوطنية في توزيع المشاريع على كافة انحاء العراق.
- الخ.
وفعلاً بالرغم من الملاحظات التي أثيرت على أداء مجلس/وزارة الإعمار، اتسم مجلس/وزارة الإعمار بهذه الصفات والإنجازات. في المقابل، فأن مجلس/وزارة التخطيط الذي أعقب مجلس/وزارة الإعمار، والذي أثيرت على أداءه ملاحظات مماثلة (والتي سأشير لبعضها في ما يخص كلا المجلسين في الفقرة ثالثاً أدناه) كان خلال فترته، ضمن السنوات التي تغطيها هذه الورقة، يتسم بمعظم هذه الصفات والإنجازات، لا سيما المصداقية المهنية وغياب الفساد، عموماً، وتنفيذ المشاريع التنموية لتغطي كافة انحاء العراق. زيادة على ذلك، فأن الانفاق الاستثماري الفعلي، مقاساً بالأسعار الثابتة وكمتوسط حصة الشخص الواحد، في الخطط التنموية لمجلس/وزارة التخطيط تخطى حصته من الإنفاق الاستثماري الفعلي لبرامج/مناهج مجلس/وزارة الإعمار بنسب عالية، كما سيتبين في الفقرات التالية. هذا بالرغم من تخفيض نسبة العوائد النفطية المحددة/المخصصة للاستثمار العام بعد تغيير 1958 ثم إلغاءها بعد سنة 1964. وهذا الجانب الإنفاقي، وما رافقه من نسب النمو في الناتج المحلي الإجمالي ومدى استدامة sustainability النمو، خلال فترتي المجلسين، هي من ضمن المواضيع الرئيسة لهذه الورقة، التي سأتناولها في ما يلي من فقرات.
ومن المناسب الإشارة ابتداءً، إلى أنه نتيجة لاستخدام سلسلة بيانات “مستمرة” للسنوات 1951-1980، لا سيما للناتج المحلي الإجمالي والناتج غير النفطي والمخفضات الضمنية المتعلقة بهما، حسب الأنشطة الاقتصادية، في هذه النسخة المحدثة/الموسعة، فأن النتائج المستخلصة في النسخة الأولى من هذه الورقة تم تأكيدها بثقة إحصائية أكبر وبتفصيل أوسع. من جانب آخر، تبين هذه النسخة المحدثة/الموسعة أنه بالرغم من متوسط نسب النمو العالية للناتج المحلي الإجمالي (حوالي 8% سنوياً) والناتج غير النفطي (حوالي 6%-9% سنوياً) خلال ثلاثة عقود، تغطي فترتي المجلسين، غير أن هذا النمط من النمو لم يكن مستداما unsustainable بسبب اعتماده، بالجانب الأساس منه، على الفورات الإنشائية، لا سيما في البنى الأساسية، من ناحية، والتصنيع الموجه، أساساً، للسوق المحلية (تعويض الاستيرادات) وليس الخارجية، من ناحية أخرى.
ومن المناسب الإشارة أيضاً إلى أن سلسلة الناتج المحلي الإجمالي المشار أليها لا تقتصر على السنوات 1951-1980 وإنما تمتد إلى سنة 2020. وفي هذا السياق، قبل البدء بتناول مواضيع هذه الورقة، من الضروري التعرض، في الفقرة التالية، …
لمواصلة القراءة يرجى تحميل ملف ب د ف سهل القراءة والطباعة على الرابط التالي:
Merza-Growth-Sustainability-&-Dev-Boards
(*) باحث وكاتب اقتصادي.
(**) اشكر د. عمر الجميلي على ملاحظاته القيمة في تعقيب على النسخة الأولى لهذه الورقة التي نُشرت بعنوان “ملاحظات على الجهود التنموية ونتائجها لمجلسي الإعمار والتخطيط في العراق 1951-1980”. ولقد تم نشر النسخة الأولى والتعقيب في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين في 25 تموز/يوليو و18 آب/أغسطس، 2022، على التوالي. كما أشكر د. بارق شبر على قراءته تلك النسخة وإثارة ملاحظات عليها. وأشكر المشاركين، في مجموعة قرائية reading group عُرِضت فيها تلك النسخة من خلال Zoom، على ملاحظاتهم القيمة. وبالإضافة إلى أخذ جانب مهم من الملاحظات بالاعتبار، بما في ذلك تناول مسألة استدامة sustainability النمو، فلقد أنصب التحديث/التوسيع أيضاً على استخدام سلسلة بيانات “مستمرة” للناتج المحلي الإجمالي حسب الأنشطة الاقتصادية وبالأسعار الجارية والثابتة وكذلك في بعض جوانب تحويل قياس النفقات الاستثمارية العامة من الأسعار الجارية إلى الأسعار الثابتة؛ أنظر الفقرة ثانياً في المتن، أدناه.
حقوق النشر محفوظة لشبكة الاقتصاديين العراقيين. يسمح بإعادة النشر بشرط الإشارة إلى المصدر.
عزيزي د. عمر الجميلي المحترم،
شكراً جزيلاً على متابعتك الجدية ومداخلتك القيمة. صحيح، النفقات الاستثمارية هي أحد المؤشرات المهمة للمقارنة ولكن هناك مؤشرات عديدة أخرى، ذكرتها نفسي في الورقة، وأخرى أشرت لها أنت. وبالذات أتفق معك في أن الفترة 1959-1980 استفادت من تراكم الخبرة والموارد البشرية والمالية لاستمرار/تفعيل النمو بأكبر، عموماً، مما توفر لفترة 1951-1958، في نفس الوقت الذي كانت فيه التحديات أكبر في الفترة الثانية. وفي هذا السياق، هناك تبعات مهمة، في نظري، في ما أثرته، سأشير هنا إلى أثنين منها. الأولى هي شح البيانات والثانية الاستمرارية. في ما يخص الأولى، فأن ما ينبغي أن يتيسر من بيانات بحاجة إلى تجميع واتاحة ثم تطوير وتوسيع. وهذا يعتمد على جهود الاقتصاديين/الاحصائيين وغيرهم، وبالذات من الشباب، في متابعته وتوفيره، لا سيما وأن توثيق تلك الفترة المهمة من التاريخ الاقتصادي للعراق مهدد “بالتشرذم”. فجزء كبير من بيانات الفترة 1969-1980، على سبيل المثال، حجبته وأثرت في نوعيته “السرية” المفرطة في حينه، والجزء الآخر تعرض “للتآكل” بعد الحروب والعقوبات والاحتلال والنهب والسلب، الخ. وفي ما يخص التبعة الثانية، التي تترتب على ملاحظتك، هي أنه بالرغم من التغييرات/التحولات السياسية/المؤسسية، التي أعقبت تغيير 1958، وهي لم تكن قليلة، إلا أنها لم تتسبب في التحول من بنية اقتصادية/إدارة حكومية إلى أخرى مختلفة كثيراً بين الفترتين 1951-58 و1959-80. بل كانا، من وجهة نظري، أقرب إلى بنية اقتصادية/إدارة حكومية مستمرة continuum تعرضت لبعض التصدع/التغيير الذي لم يؤثر بدرجة جوهرية في اساسياتها. لذلك فأن دراستهما على هذا الأساس أكثر ثمرة من افتراض حصول انكسار هيكلي، بين الفترتين، في البنية الاقتصادية/الإدارية الحكومية، عموماً.
مع التقدير.
د. علي مرزا.
عزيزي دكتور علي المحترم
تحية طيبة وبعد…
اود ان احييكم على هذا الجهد المتميز والذي بذل في اعداد هذة الورقة ( المحدثة والموسعة)، واني على يقين بانها يتاخذ مكانها في المكتبة الاقتصادية العراقية كواحدة من الأعمال المهمة والتي تناولت تاربخ تجربة التنمية في العراق ولفترة زمنية تزيد عن ربع قرن.
ويهمني في الوقت نفسة ان أشير الى ان الانفاق الفعلي ( والذي اعتمدتة الورقة كمؤشر رئيس في المقارنة) يمثل مؤشر مهم للمقارنة بين فترة وأخرى، ولكنة لاياخذ بعين الاعتبار في الوقت نفسة تراكم الخبرةو َالتجربة العملية في ادارة عملية التنمية من جهة وارتفاع في اعداد المتخثصين في اعداد الخطط وتنفيذها ولاسيما بعد عودة اعداد كبيرة من المبتعثين في عقد يالخمسينات والستينات وبذلك وصل تكوين راس المال البشري الى ذرونة في السبعينات من العقد الماضي. فضلا عن حركة العمالة المستوردة َالتي ساعدت في تجاوز العديد من الاختناقات وخاصة في قطاع البناء والتشييد وايضا قطاع الخدمات .. وهو امر لم يكن متوفرًا في الخمسينات على سبيل المثال حيث كانت أوروبا نفسها لاتزال في مرحلة اعمار مادمرتة الحرب العالمية الثانية.
اهنئكم مرة أخرى على هذا الجهد العلمي ونحن على تواصل مستمر ان شاء الله.. مع كل المحبة والتقدير.
د. عمر الجميلي.