نبين، في هذا المقال، ما أشرنا إليه سابقا ونعيد إلى الأذهان بأن الصندوق العراقي للتنمية لا يحيل، حتما، إلى الاحتياطي الفدرالي، وعلاقة أموال العراق بالأخير ليست بقرار من مجلس الأمن كي ننتظر الخروج من قيوده. نصوص القرارات واضحة، كما أن أهميتها في العلاقات الدولية للعراق وسياقها الفريد على المستويين الإقليمي والدولي ومعاناة ملايين الناس من قسوتها كلها تحتم الاتفاق على دلالاتها وما رتبت من التزامات. وقد سبق للباحث مراجعة تلك القرارات في ورقة منشورة عام 2010 ” تدويل العراق تحت الفصل السابع للميثاق” وتابعها لاحقا. وقد يجد القارئ معلومات ذات صلة في الفصل الرابع “اقتصاد العراق في الحرب والحصار والتدويل” الصفحات 123- 163 من كتاب اقتصاد العراق في دراسات للباحث (2013).
لمواصلة القارءة انقر على الرابط التالي
الدكتور أحمد إبريهي علي- عود على بدء- الاحتياطي الفدرالي لم يُذكَر في قرار مجلس الأمن 1483
تشكر شبكة الاقتصاديين العراقيين الزميل د. احمد ابريهي على جهوده المتواصلة في توضيح الكثير من المسائل الشائكة في علاقة العراق مع مجلس الامن والبنك الفدرالي الامريكي. نتفق معه بان لايوجد الزام قانوني للعراق في ايداع ايرادات النفط في البنك الفدرالي الامريكي. ولكن نحن نتسائل اليس هذا الازام هو تحصيل حاصل طالما ان الايرادت النفطية هي بالدولار ولا بد ان تمر عبر البنك الفدرالي الامريكي؟ نظريا يحق للعراق بعد ان تخصم التعويضات 5% تحويل ايراداته الدولارية الى عملة اخرى لنقل الى اليورو وينقلها الى احد المصارف المركزية في منطقة اليورو، ولكن ما هي الفائدة من ذلك، سيما وانه سوف يضطر الى تحويل قسم كبير منها الى الدولار لتمويل استيراداته من امريكا ومن معظم دول العالم. ماهي الفائدة العملية من كل هذه التعقيدات. اما احتياطيات البنك المركزي فهذا موضوع يختلف كليا عن صندوق العراق للتنمية المنحل . البنك المركزي يملك الحرية الكاملة في توزيع احتياطاته على مختلف البنوك المركزية في العالم. ولكن ولاسباب برغماتية يحتفظ بجزء كبير من الاحتياطي بالدولار لدى الفدرالي الامريكي.
وصلتني الرسالة التالية من د.احمد ابريهي علي على الخاص. د. بارق شبر
جزيل الشكر لجناب الدكتور بارق شبر لتعاونه المثمر في إضاءة علاقة العراق بالإحتياطي الفدرالي الأمريكي، واشعر بالإمتنان لكُتّاب وقراء الشبكة الأعزاء لإهتمامهم .
1- أخي العزيز كان مشروع مارشال لإعادة إعمار أوربا البداية المبكرة لوجود الدولار في اوربا. وأواخر خمسينات القرن الماضي، خافت الدول الإشتراكية من إحتمال تعرض إحتياطياتها للخطر في الولايات المتحدة فأخذت بإيداع أرصدتها الدولارية في أوربا عام 1960 أو نحو ذلك. فيما بعد صار Eurodollar إصطلاحا لا يعني فقط الدولار في اوربا بل خارج الولايات المتحدة في كل مكان. ولم يقتصر الأمر على الدولار بل توجد العملات الإحتياطية الدولية خارج أوطانها، ولذا ظهر مصطلح Eurocurrency .وتبعا لذلك يوجد إئتمان في أسواق العملات خارج أوطانها وأدوات دين سوقية أيضا، وفي بريطانيا بالذات هذه واضحة وفي ألمانيا وغيرها ، وفي كيانات تسمى الملاذات الضريبية أيضا. من المعروف ، لاحظ موسوعة Investopedia ، مثلا، ان الصيرفة بالدولار خارج الولايات المتحدة لا تخضع للضوابط التنظيمية Regulations للإحتياطي الفدرالي حتى لو كانت في فروع للمصارف الأمريكية هناك . موجودات سوق اليورو دولار ضخمة جدا تجاوزت 13 ترليون دولار منذ عام 2016 .
2- نافذة البنك المركزي تتعامل مع إحتياطياته وهذه وُضِعت وموجودة في العديد من الدول ويستطيع البنك المركزي، عمليا، التحويل من أي مكان إلى أي مكان آخر. والإحتياطي الفدرالي والحكومة الأمريكية لا يحق لهما ، ولم يعترضا فعلا، على نقل أية مبالغ للبنك المركزي من الإحتياطي الفدرالي إلى بنوك مركزية لدول أخرى. ومن الطبيعي يرغب الجانب الأمريكي ويشجع على إبقاء أموال جميع البنوك المركزية في الولايات المتحدة ، وينظر إلى هذا الأمر إيجابيا، لكن التنويع مبدأ ، لا يُجادَل، في الإستثمار المالي عموما وفي إدارة الإحتياطيات الدولية على وجه الخصوص. وعندما بدا البنك المركزي العراقي بالتنويع عام 2008 جرت العملية بسلاسة، وإنْ سمعتم من أحد غير هذا إسأله أن يبين بدليل يمكن التثبت منه، متى وأين وماهي المناسبة، لأن هذه العلاقات تحكمها ضوابط وتقاليد صارمة. ومن المعلوم أن البنوك المركزية وعلاقاتها الدولية حساسة، ومجتمع الشبكة يراعي هذه الحقائق، وكنتُ طيلة السنوات الماضية أتجنب، تماما، الإقتراب من العالم الداخلي للبنك المركزي في الإعلام والصحافة والمنتديات.
3- هل تُصرّ الصين، مثلا، على دفع قيم مستورداتها من نفط العراق بالدولار، وان تودع تلك المبالغ التي تدفعها الصين، في الإحتياطي الفدرالي حصرا، وقس على هذا بقية التصورات المتداولة.
4- صفقات إستيراد العراق لا تُعقد ولا تدفع جميعها بالدولار بل بعملات أخرى. والتاجر الذي يشتري الدولار يحوله عبر المصرف المراسل إلى عملة الصفقة. وصرح البنك المركزي أنه يحول للمصارف العراقية مباشرة بالعملة الصينية بمجرد وجود مصارف مراسلة هناك. واعلن البنك المركزي على إتفاق مع مصرف J P Morgan لتحويل الدولارات إلى العملة الصينية لتسديد أقيام المستوردات باليوان الصيني وليس بالدولار.
5- ما مقدار إستيرادات القطاع الخاص العراقي من الولايات المتحدة الأمريكية، تقريبا لا شيء.
6- إعلان سعر الصرف بالدولار لا يعني، رسميا، أن سوق الصرف في العراق يجب أن يقتصر على الدولار بل الطبيعي وجود عملات أجنبية أخرى. ولا يوجد قانون او تعليمات ترغم المصارف على حصر تعاملاتها بالدولار، بل العكس هو الصحيح.
7- لا يفهم من جميع ما كتبت إقتراح نقل موجودات البنك المركزي، كلها، خارج الولايات المتحدة الأمريكية، أو التوقف عن إستخدام الدولار في سوق الصرف. بل أطلب تأكيد حق العراق في إدارة إحتياطياته الدولية بحرية تامة، واطالب جميع الإقتصاديين وأهل الإختصاص القانوني تأكيد هذا الحق دون تحفظ. اما الإجرآت فهذه مسائل تفصيلية ولها مضامين فنية لا تُعرف إلا بالممارسة، وتوجد سعة ، تقريبا لا نهائية، في أساليب إدارة تحويل الأموال عبر الحدود.
8- اعترض على إدانة مصارف العراق، وتجاره والمستثمرين، إستنادا إلى حجج تَدخّل وزارة الخزانة الأمريكية بالعلاقة بين البنك المركزي والإحتياطي الفدرالي. وأطلب من الشبكة وكتابها من العراقيين إعتماد معاييرهم ، هم، في تقييم أداء الجهاز المصرفي العراقي والمتعاملين في سوق الصرف..
9- هل يخفى على كتاب الشبكة ان الولايات المتحدة لم تقاطع أو تقيد تعاملاتها المالية والتجارية مع أية دولة بسبب الفساد المالي أو تعثر التنمية الاقتصادية ، أو لأن القطاع الخاص في تلك الدولة أسرف في نقل الأموال إلى الخارج لإستثمارها هناك. دائرة السيطرة على الموجودات الأجنبية في وزارة الخزانة الأمريكية مختصرها OFAC مرتبطة بوكيل الوزراة لشؤون الأرهاب والإستخبارات المالية. وتدخلها الأخير في العراق لتنفيذ مقاطعتها لإيران وحلفائها. دول المنطقة ، بما فيها تركيا والأمارات وغيرها، تناور بنجاح على هذه القيود. لأن المقاطعة التجارية والمالية موقف عدائي، وينطوي على مخاطر كبيرة بين الدول المتجاورة ، فضلا عن مضامينه الإنسانية. وحتى الولايات المتحدة لم تتشدد دائما في محاصرة إيران ، فهي تحاصرها لأهداف سياسية وليس لدوافع فاشية . مادلين أولبرايت التي أيدت محاصرة العراق بتطرف، عادت فيما بعد تنتقد تلك التجربة وتقول بفشلها ، فاقترحت المقاطعة الإنتقائية Selective sanctions .
10- مهما كانت المواقف تجاه الحكومة والمجموعات الحاكمة لا يحسن بالإقتصاديين العراقيين تأييد، او تبرير، المقاطعة والحصار. الحكومة قد تضطر إلى مجاراة الولايات المتحدة الأمريكية، لكن ما هي علة إضطرار الأقتصاديين لهذا.
11- لا يليق بهذه المجموعة المزايدة على بعضهم البعض بالخبرة والحصافة السياسية والحكمة. وأدعو الأخ العزيز دكتور بارق شبر أن يتأمل، منفردا مع عقله وضميره، أيهما افضل للعراق وجود مواقف وأصوات ترفع خارج الحكومة ترفض تدخل الخزانة الأمريكية في البنك المركزي أم لا.
مع كل التقدير والإحترام
أحمد إبريهي