مصباح كمال
استذكار الشخصيات العراقية التي كان لها دورها في مجال التأمين في العراق وتركت أثراً يمكن الاقتداء بأهم مفرداته، مهمة مطلوبة منا للحفاظ على شيء من إرث التأمين في العراق لينهل منه جيل الشباب أفضل ما فيه. وهذا ما حاولت أن أقوم به بإصدار كتيبات نشرتها ضمن مطبوعات مكتبة التأمين العراقي الإلكترونية (ويجد القراء اسماء بعض من رحلوا من عالمنا في الصفحات الأخيرة من هذا الكراس). رغم وهن العمر وأوجاعه آمل أن أستطيع القيام بهذا العمل مقتفيًا في ذلك النشاط الفكري المستمر الذي قام به الدكتور مصطفى رجب في السنوات الأخيرة من حياته المفعمة بالعمل الدؤوب والاهتمام بتفاصيله. وهو بذلك كان، كما يقول الزميل تيسير التريكي، ملهمًا لنا ومنه استمددنا العزم لتحقيق بعض مشاريعنا الفكرية في رفد مكتبة التأمين العربية بما نقدر عليه من ترجمة وتأليف. فخلال خمس سنوات نشر الدكتور الكتب التالية:
حوار مع رائد في إعادة التأمين: الدكتور مصطفى رجب (2020)
حماية حقوق من لا ذنب لهم: أبحاث تأمينية ذات صلة (2022)
الخطأ الطبي والحادث الطبي دون خطأ: القانون لا يتوقف عند مدخل المستشفى (2024)
المسؤولية العشرية لمهندسي ومقاولي البناء والمنشآت الثابتة الأخرى والتأمين الإلزامي المزدوج (2025)
الكتب الثلاثة الأخيرة تُصنف كأطروحات متخصصة monograph تعنى بدراسة موضوع واحد أو جانبًا منه بشيء من التفصيل. هذه الأطروحات لم تلقَ عناية كافية في الكتابات التأمينية العربية.
عندما سألناه “ما الذي جعلك تستمر في العمل في ميدان التأمين وإعادة التأمين طيلة ستين عامًا ولا زلت مستمرًا في العمل بالرغم من تخطيك التسعين؟” أفادنا بجواب تفصيلي اكتفي باقتباس الكلمات التالية منه:
في علم ومهنة هذه صفاتهما، فإنك تواجه في كل يوم ما هو جديد، والجديد يفرض عليك أن تتجدد. وفي خضم الأحداث تكتشف أنك أمضيت عشرات السنين من دون أن تكلف نفسك بتعدادها.
ويخبرنا نجله أحمد أن والده كان يعمل على إكمال كتابة مؤلفه الجديد وهو راقد على سرير في مستشفى الشيخ خليفة في أبو ظبي مما يدلّ على قوة إرادته وإصراره وتفانيه في عمله. التفاني هي الكلمة التي تصف موقفه من العمل والتزامه بالأهداف. لقد كان صارمًا حتى مع نفسه. وكان أيضًا متشددًا إزاء الهراء من أي كان وبأي شأن.
هذا التقديم للكراس ليس بحثًا في القيمة التاريخية للدكتور الراحل ومكانته، والأعمال التي قام بها والأسس التي أدخلها لتطوير شركة إعادة التأمين العراقية. وما نعرضه ليس إلا مقاربة أولية سريعة ربما تستحث الغير على البحث والتقييم.
لم تنهض المناسبة لألتقي بالدكتور الراحل مصطفى رجب أثناء فترة عملي في شركة التأمين الوطنية في بغداد (1968-1977). وسيمرُّ عقدٌ قبل أن التقيه في طرابلس بمناسبة المشاركة في مؤتمر التأمين العربي الأول الذي نظمته شركة ليبيا للتأمين. وعندما كنت أعمل في شركة لوساطة التأمين وإعادة التأمين في لندن في ثمانينيات القرن الماضي تخاطبت معه لتقديم محاضرات في المسؤولية المدنية ومنها المسؤولية العشرية ─ وهو موضوع كتابه الأخير المسؤولية العشرية ─ في طرابلس، ليبيا بالتعاون مع شركة ليبيا للتأمين. فيما بعد كانت بيننا مخاطبات عديدة حول قضايا تأمينية عراقية كانت موضوعًا للنقاش وكذلك مقدمات كتبه الأربعة. بفضل هذه المخاطبات نشأت بيننا الفة فكرية حول قضايا معينة.
دخل الدكتور مصطفى رجب (20 حزيران 1928-15 حزيران 2025) ميدان التأمين مع تأسيس شركة إعادة التأمين العراقية، أي انه دخل الميدان دون أن يحمل معه خلفية مسبقة فكرية أو عملية في التأمين سوى علمه القانوني، الذي اكتسبه في العراق وبعدها سويسرا حيث حصل على شهادة الدكتوراه، وإدارته لدائرة مسجل الشركات مصحوبًا برؤية مرتبطة بالمساهمة في نهوض العراق بعد الحرب العالمية الثانية الذي شهد انطلاق جيل مهموم بالحداثة وتنمية العراق قي مختلف المجالات.
دخل هذا الميدان في أوائل ستينيات القرن الماضي عندما كلفته وزارة التجارة بتأسيس الشركة. لم يهجر هذا الميدان الذي كرّس له حياته العملية في العراق ولبنان ودولة الإمارات العربية المتحدة. وظلَّ لصيقًا بعالم التأمين من خلال التأليف إلى أن غادرنا.
لم يكن إداريًا عاديًا؛ بل كان شخصية بارزة في مجاله: إدارة شركة إعادة تأمين تابعة للدولة، يديرها ضمن ضوابط الكفاءة على مستوى الأداء ومستوى انتقاء الموظفين والتدريب المستمر. لقد كان، كما وصفناه في مكان آخر، صاحب مشروع لبناء شركة رصينة لإعادة التأمين يعمل فيها طاقم من الموظفين والموظفات انتقاهم بحرص ليكونوا أصحاب معارف ومهارات مناسبة للعمل من خلال إخضاعهم للتدريب بإشراف مباشر منه.
لمواصلة القراءة الرجاء الضغط على الرابط التالي:
Remebering Mustafa Rajab-2nd Ed

باحث وكاتب عراقي متخصص في قطاع التامين مقيم في المهجر
الاراء المطروحة في جميع الدراسات والابحاث والمقالات المنشورة على موقع الشبكة لاتعكس بالضرورة وجهة نظر هيئة تحرير الموقع ولا تتحمل شبكة الاقتصاديين العراقيين المسؤولية العلمية والقانونية عن محتواها وانما المؤلف حصريا. لاينشر اي تعليق يتضمن اساءة شخصية الى المؤلف او عبارات الكراهية الى مكون اجتماعي وطائفة دينية أو الى اي شخصية أو مؤسسة رسمية او دينية