هذا النوع من الأسئلة وغيرها تطرح نفسها بين الحين والآخر في ظل التغيرات الاقتصادية والتحديات التي يواجهها الاقتصاد العراقي، الذي لم تنجح حكوماته المتعاقبة في ترسيخ دعائم اقتصاد حيوي ومتنوع. في الظاهر قد تبدو الأمور في الاقتصاد العراقي جيدة بناءً على بعض المؤشرات التي شهدت تطورًا إيجابيًا، كما أشار لذلك التقرير الأخير الذي قدمه صندوق النقد الدولي (IMF)— منها انخفاض التضخم، من 7.5% في يناير 2023 إلى 4% بحلول نهاية العام، وارتفاع احتياطي النقد الأجنبي إلى 12.5 مليار دولار، وكذلك ارتفاع معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي للعراق بنحو 6٪ في عام 2023، بعد فترة من الركود في عام 2022. إيجابية تعكس تحسنًا، ولكن في الوقت نفسه، ما زالت الأزمات الهيكلية عميقة وتستدعي التدابير الشاملة للتغلب عليها.
إذا نظرنا إلى الأرقام والبيانات، سنجد أن هناك جوانب كثيرة في الوضع الاقتصادي تشير إلى أن الأمور ليست بالإيجابية التي يُصوّرها البعض، وهناك عوامل كثيرة قد تجعل الاقتصاد يبدو بخير في السطح، ولكن هناك تحديات خفية قد تظهر في وقت لاحق.
إذن ما هي أهم التحديات التي تواجه الاقتصاد العراقي؟
أولاً – تضخم الإنفاق العام التشغيلي
على مدى العشرين سنة الماضية، شهد الإنفاق العام في العراق توجهاً متزايداً نحو تخصيص الجزء الأكبر من موازنته للنفقات التشغيلية. معظم هذا الإنفاق كان في شكل مرتبات وأجور ودعم ونفقات أخرى لا تتصف بالكفاءة ولم تتحسن في ظلها الخدمات العامة، ولم ترتفع معها معدلات تشغيل القوة العاملة باستثناء التوظيف بدون فرص عمل حقيقية في القطاع العام. فقد استحوذت النفقات التشغيلية على نسبة لا تقل عن 75% كمعدل من مخصصات الموازنة في العراق، وبلغت أوجها خلال الفترة 2020-2023 كما هو واضح في الجدول رقم (1) في الملحق.
إن هذا الارتفاع في الإنفاق يؤشر إلى إن الاقتصاد العراقي ينمو بشكل غير مستدام، مدفوعًا بالاستهلاك وذلك من خلال استمرار النهج الريعي للحكومات المتعاقبة والمتمثل بارتفاع النفقات التشغيلية، إذ ان تخصيص هذه النسب العالية من الموازنة للنفقات التشغيلية يعني تخفيض الإنفاق الاستثماري الذي يُعدُّ الركيزة الأساسية لتحقيق التراكم الرأسمالي وبالتالي يؤدي ذلك إلى انخفاض الطاقة الإنتاجية ومن ثم ضعف القدرة على إنتاج المزيد من السلع والخدمات مما يترتب على ذلك انخفاض في الدخل القومي الحقيقي للمجتمع وبالتالي تنخفض قدرة الاقتصاد على خلق فرص العمل وقدرة الاقتصاد الذاتية على التطور.
إن ارتفاع النفقات التشغيلية في العراق يرجع إلى عدة أسباب رئيسية:
لمواصلة القراءة انقر على الرابط التالي
دكتوراه في الاقتصاد الدولي، المدرسة العليا للإحصاء والتخطيط، وارشو، بولندا. تقيم حالياً في المغرب
الاراء المطروحة في جميع الدراسات والابحاث والمقالات المنشورة على موقع الشبكة لاتعكس بالضرورة وجهة نظر هيئة تحرير الموقع ولا تتحمل شبكة الاقتصاديين العراقيين المسؤولية العلمية والقانونية عن محتواها وانما المؤلف حصريا. لاينشر اي تعليق يتضمن اساءة شخصية الى المؤلف او عبارات الكراهية الى مكون اجتماعي وطائفة دينية أو الى اي شخصية أو مؤسسة رسمية او دينية