مقدمة :
——-
تحاول هذه الدراسة تعريض الفرضيات التي تقوم عليها السياسة النقدية للاختبار في ضوء التجربة والتحليل الكمي . وتركز ، خاصة ، على سياسات استهداف التضخم التي اعتمدت على نطاق واسع في العالم . وايضا” إجراءات التدخل المعتمدة في انسجامها وتناقضها .
لا شك إن البنوك المركزية تتخذ من سعر الفائدة هدفا” عملياتيا” وسيطا” للتأثير في التضخم وهو الغاية . وتستخدم ترتيبات إعادة الشراء وإعادة الشراء العكسي وعمليات السوق المفتوحة لتأمين انسجام عرض النقد مع سعر الفائدة المطلوب . واتخذت بعض البلدان سعر الصرف مثبتا” نقديا” ، ولكنها فشلت في تثبيت سعر الصرف الحقيقي ، وهو الاكثر اهمية من زاوية التوازن الخارجي وترصين القدرة التنافسية الدولية للبلد . وبلدان اخرى من التي واجهت تدفقات رأسمالية كبيرة حاولت ايضا” تعقيم اثر زيادة المعروض من العملة الاجنبية بمراكمة احتياطيات دولية فوق الحاجة الاعتيادية ، مع زيادة السيولة المحلية للحيلولة دون ارتفاع قيمة العملة المحلية . وفي حالات اخرى حصل العكس ، اذ تعمدت السلطات النقدية رفع قيمة العملة المحلية اعتمادا” على ما لديها من وفرة في العملة الاجنبية لمساندة سياسة استهداف التضخم بخفض اسعار المستوردات .
وخلاصة التجربة ان استهداف التضخم قد يتسق مع نتائج التدخل في سوق الصرف في حالة رفع قيمة العملة ، لكن الأخيرة تتناقض مع اهداف اقتصادية غاية في الاهمية ومنها متطلبات النمو والتشغيل ، وقد تضعف مقومات استدامة السيطرة على التضخم في الامد الابعد . وفي البلدان التي لم تصل الى عمق مالي كافي لا يؤثر سعر الفائدة الا في نطاق محدود . اما الفهم النقودي لاستهداف التضخم عن طريق التقنين المباشر لعرض النقد فقد انحسر نفوذه، خاصة مع تزايد ألانفتاح المالي واستمرار ظاهرة إحلال العملات ، وعدم الثبات النسبي لمكونات ألأساس النقدي في بلد مثل العراق وضعف علاقته بالمجاميع النقدية ألأوسع ،إضافة على عدم استقرار سرعة تداول النقود أصلا” ، مما زاد من غموض العلاقة بين المجاميع النقدية والمستوى العام للاسعار .
ثم ان تعريف الاستقرار بثبات المستوى العام للاسعار ، او معدل التضخم المنخفض ، قد لا يمكن الدفاع عنه بعد الازمة الاخيرة والتي بدأت مع معدلات واطئة للتضخم . وتؤيد التجربة عموما” ضرورة اعتماد تعريف للاستقرار ينسجم مع شروط أداء النظام للوظائف المطلوبة لادامة الحياة الاقتصادية السليمة ، والا فما معنى انخفاض التضخم عند انهيار السوق المالية والذي يعني اعنف اشكال عدم الاستقرار ، وحيث الأضرار واسعة وضخمة بالمقاييس الاقتصادية والانسانية ولا تحتاج الى تحليل قد يختلف عليه . وتبقى المفاضلة بين خفض التضخم في مقابل خفض البطالة ومداخلات عوامل التضخم الركودي من معضلات السياسة ألاقتصادية.
لقد أجرت هذه الدراسة تجارب في التحليل الكمي المتعارف عليه لبيانات العراق الشهرية في محاولة اختبار تفسير التضخم بالمتغيرات النقدية والتصورات المغايرة .
ولا تدعي الوصول الى نتائج حاسمة بسبب خصائص البيئة الاقتصادية والمالية في مرحلة الانتقال والاضطراب ، وربما لطبيعة البيانات ذاتها ، فيما يتعلق بالمستوى العام للاسعار ، واثر التدخل المتضمن في البيانات النقدية .
والخطوة المنطقية التالية هي التحول في بحث التضخم الى الاقتصاد الحقيقي ، اي البنية القطاعية والتكاليـف والاسعار النسبية ، والفجوة بين العرض والطلب في قطاع السلع والخدمات غير المتاجر بها .
والحمد لله رب العالمين
تشرين الثاني 2009
الاراء المطروحة في جميع الدراسات والابحاث والمقالات المنشورة على موقع الشبكة لاتعكس بالضرورة وجهة نظر هيئة تحرير الموقع ولا تتحمل شبكة الاقتصاديين العراقيين المسؤولية العلمية والقانونية عن محتواها وانما المؤلف حصريا. لاينشر اي تعليق يتضمن اساءة شخصية الى المؤلف او عبارات الكراهية الى مكون اجتماعي وطائفة دينية أو الى اي شخصية أو مؤسسة رسمية او دينية