اقليم كردستان العراقالنفط والغاز والطاقة

كامل المهيدي: اتفاقية الثاني من كانون اول 2014 بين الحكومة الاتحادية وحكومة اقليم كردستان

في الثاني من كانون اول 2014, اعلن في بغداد عن اتفاقية نفطية, تم التوصل اليها بين مفاوضي الحكومة الاتحادية, برئاسة وزير النفط السيّد عادل عبد المهدي, ومفاوضي حكومة الاقليم برئاسة السيّد نجرفان برزاني رئيس الوزراء. وصدر بيان مقتضب يقول ان نفط العراق هو لكل العراقيين وان حكومة الاقليم  تقوم  بتوفير ما لا يقل عن 250 ألف برميل يوميا (ب ي) الى الحكومة الفدرالية لغرض التصدير. ويتضمن الاتفاق ايضا تصدير 300 ألف ب ي من قبل الحكومة الفدرالية من حقول محافظة كركوك النفطية. وتم الاتفاق ايضا على تخصيص نسبة من مخصصات القوات البرية الاتحادية الى البشمركة, بنسبة عدد السكان. ومن الواضح ان الاعلان اكتفى بذكرالخطوط العريضة للاتفاقية. اما نصها الكامل فلم ينشر لغاية الآن. ولكن من  التصريحات المسموعة والمنشورة, يمكن توضيح اهم نقاط الاتفاق كما يلي: ان الحكومة الاتحادية وافقت على اعادة اطلاق حصة الاقليم من الميزانية  الاتحادية السنوية والبالغة  17% من صافي الميزانية, اي بعد طرح مخصصات الامن والمشاريع  ذات النفع العام للعراق عموما. اضافة لذلك, وافقت الحكومة الاتحادية على اعفاء الاقليم من المصروفات السيادية, بمعنى ان حصته تكون 17% من اجمالي (وليس صافي) الميزانية السنوية. ووافقت ايضا على دفع رواتب ومخصصات جيش الاقليم (البيشمركة ), دون ان يكون مرتبطا بالقيادة الاتحادية. وبذا تكون حصة الاقليم الجديدة أكثر من حصته القديمة بمقدار 6%-7% من الميزانية الاجمالية. وعلى افتراض ميزانية سنوية قدرها 100 مليار دولار, فأن حصة الاقليم الجديدة تكون أكثر من القديمة بمقدار 6-7 مليار دولار. علما ان نسبة سكان الاقليم, حسب سجّلات وزارة التخطيط  تقدر بحوالي 12% من مجموع سكان العراق.

وفي المقابل, وافق الاقليم على انتاج  ونقل ما مجموعه (550) ألف برميل يوميا, منها (300) ألف برميل يوميا من حقول كركوك, وما لا يقل عن (250) الف برميل يوميا من حقول الاقليم, يتم نقلها الى ميناء جهان التركي عبر منظومة النقل في الاقليم وعبر الخط العراقي التركي, كي تقوم شركة سومو بتصديرها لحساب الحكومة الاتحادية.

ومن المقابلة التي اجرتها نشرة تقرير النفط العراقي (Iraq Oil Report)  مع السيد هوشيار زيباري, وزير المالية,  يمكننا اضافة ما يلي:

1-    ان المفاوض العراقي لم يثر موضوع ادارة نفط حقول كركوك, ولم يسأل ما اذا كانت ادارتها ستعود الى الحكومة الاتحادية ام لا؟ علما ان حقول كركوك هي من الحقول “الحالية”, وان ادارة الحقول “الحالية” هي من اختصاص الحكومة الاتحادية  بالتنسيق مع حكومة المحافظة المنتجة, حسب المادة (112 أولا) من الدستور.  وهذا ما كان عليه الوضع  لغاية ما احتل الجيش الكردي كركوك في تموز الماضي.

2-    لم يتم التطرق الى مصير النفط الذي يزيد عن المعدلات الملتزم بها . ولم يسأل المفاوض العراقي ما اذا كان هذا النفط  يسّلم الى الحكومة الاتحادية ام يصّدره الاقليم لحسابه؟ علما انه بموجب  تصريحات المسؤولين الكرد, من المتوقع ان ترتفع الطاقة التصديرية عبر تركيا تدريجيا الى مليون برميل يوميا في نهاية العام 2015. وان ما يصدره الاقليم, من  حقول كردستان وحقول كركوك, يقدر الآن بحوالي 350 ألف برميل يوميا, منها حوالي 250 ألف برميل يوميا تصدر للاسواق العالمية عبرالانابيب والموانئ التركية, و100 ألف برميل يوميا  تنقل بواسطة الشاحنات وتباع في تركيا, وربما في ايران ايضا. كذلك يقوم الاقليم حاليا بتكرير أكثر من 200 ألف ب ي, يباع الفائض منها في اسواق الدول المجاورة.

3-    سكت المفاوض العراقي (والسكوت من الرضا) عن واردات النفط المتراكمة من بيع النفط قبل هذه الاتفاقية, ولم يطالب بها مع انها تقدر بمليارات الدولارات. وتجاهل الاتفاقية الستراتيجية مع تركيا ولم يطالب بألغائها, كونها غير دستورية وتتعارض مع سيادة العراق.

4-    لا تتوفر معلومات عن الدعاوى التي اقامتها الحكومة الاتحادية ضد الاقليم: هل تم السكوت عنها أم تم الاتفاق على الغائها؟

وهكذا نلاحظ مما سبق, انه لم تكن هناك مفاوضات جادّة حول المشاكل الحقيقية بين الاقليم والمركز. وكل ما حصل هو اتفاق مرحلي, لا نعتقد بأنه يدوم طويلا, ويهدف الى خفض العجز في ميزانية عام 2015. ومن يعود الى تصريحات السيد عادل عبد المهدي في فيّنا بعد انتهاء اجتماع اوبك في 27 تشرين ثان 2014, لا يجد هذه التصريحات توحي بأكثر من ذلك. فهو قلل من شأن ما يتعلق بالمشاكل الاساسية, مثل احتلال كركوك وتصدير النفط, وركّز على تصديرالنفط  خلال العام القادم, وقال انّه سيكون بحدود 3,2 مليون ب ي. ولأن هذا المعدل لايمكن تحقيقه بدون  انتاج حوالي 500 ألف ب ي من  كركوك وكردستان, فذلك قد يدل على  ان المفاوضات الحقيقية  كانت  قد جرت خلال زيارة السيد عادل عبد المهدي لاربيل الشهر الماضي. وان اجتماعات بغداد في بداية هذا الشهر, لم تكن لغرض التفاوض الجدي لحل المشاكل  الشائكة بين المركز والاقليم, وانما كانت لوضع اللمسات الاخيرة على اتفاق اربيل بين السيدين عادل عبد المهدي ونجرفان برزاني.  وكان الاعلان الذي صدر في حينه عن تصدير 150 ألف ب ي من حقول كركوك لصالح الحكومة الاتحادية, مقابل 500 مليون دولار تدفعه بغداد للاقليم, يمثل المرحلة الاولى من ذلك الاتفاق.

وخلاصة القول أن الجانب العراقي الاتحادي لم يكن موّفقا في أدائه التفاوضي. فنظرته لم تذهب ابعد من ميزانية  عام 2015 . وهو التزم بتخصيص اموال اضافية للاقليم دون ان يأخذ بنظر الاعتبار مدى تأثير ذلك على وضع العراق في الامدين القريب والبعيد. وسكت (والسكوت من الرضا) عن المشاكل الحقيقية مع الاقليم, مثل أحتلال كركوك وادارة نفطها, وتفرد الاقليم بسياسته النفطية وخاصة ما يتعلق بالتصدير, واحتفاض الاقليم بالعائدات النفطية المتراكمة من تهريب النفط,  والمعاهدة الستراتيجية مع تركيا,  وغيرها. واذا كانت الحكومة الاتحادية ترى ان الظروف الحالية لا تسمح بالمجابهة مع الاقليم, فكان عليها التنويه لذلك في بيانها الصادر في الثاني من كانون أول, وتقول ان الخلافات الأخرى ستناقش وتحل في وقت لاحق وظروف افضل. . مع العلم انّي لا اعتقد بأن الأيّام  ستأتي  بظروف أفضل من ظروف الآن, ولا تأتي بأوراق تفاوضية اقوى مما نملكه   الآن.

(*) خبير وباحث نفطي عراقي

الاراء الواردة في كل المواد المنشورة على موقع شبكة الإقتصاديين العراقيين لاتعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير وانما عن رأي كاتبها فقط وهو الذي يتحمل المسؤولية العلمية والقانونية لوحده

الاراء المطروحة في جميع الدراسات والابحاث والمقالات المنشورة على موقع الشبكة لاتعكس بالضرورة وجهة نظر هيئة تحرير الموقع ولا تتحمل شبكة الاقتصاديين العراقيين المسؤولية العلمية والقانونية عن محتواها وانما المؤلف حصريا. لاينشر اي تعليق يتضمن اساءة شخصية الى المؤلف او عبارات الكراهية الى مكون اجتماعي وطائفة دينية أو الى اي شخصية أو مؤسسة رسمية او دينية

التعليق هنا

%d مدونون معجبون بهذه: