النفط والغاز والطاقةقوانين وتشريعات اقتصادية

القانون رقم (80) لسنة 1961: قانون تعيين مناطق الاستثمار لشركات النفط

لتنزيل نسخة سهلة الطباعة انقر هنا

الديباجة

1 – لقد كان نفط العراق بعد الحرب العالمية الاولى مطمح انظار الطامعين من المستعمرين وموضوع تنافس شديد بين حكومات دول الحلفاء في تلك الحرب وشركاتهم الكبرى ومن ثم موضع الاتفاق والترابط بين هذه الشركات لاحتكار هذا النفط لهم دون غيرهم ولاستغلاله باسوأ الشروط وابخس الاثمان دون الالتفات الى مصلحة الشعب في العراق المحتل فادى كل ذلك الى تأخر استثمار هذه الثروة الطبيعية المهمة وحرمان اصحابها الاصليين من الفوائد العادلة المرجوة منها في قطر كان ولا يزال باشد الحاجة الى الموارد الكثيرة لاعماره وانتشال شعبه الذي عانى من الفقر والبؤس مدى اجيال عديدة ولقد جرى هذا التعسف بحق العراق في عهد لم يكن فيه يملك زمام امره كدولة مستقلة متحررة من النفوذ الاستعماري بل كان العراق تحت الانتداب البريطاني المباشر او النفوذ البريطاني بسبب المعاهدات غير المتكافئة والقواعد العسكرية الى جانب شتى وسائل الضغط السياسي واستغلال الازمات الاقتصادية والعجز في الميزانية العامة.
لقد منح الامتياز الاول لاستثمار النفط في العراق الى شركة النفط التركية (التي بدل اسمها الى شركة نفط العراق في سنة 1928) باتفاق مباشر بين الحكومة العراقية الخاضعة آنذاك للانتداب البريطاني المباشر وبين تلك الشركة دون ان يسبق ذلك عرض على الشركات العالمية الاخرى بحجة وجود وعد غامض منح لشركة النفط التركية من قبل الحكومة العثمانية قبل الحرب العالمية الاولى في حين انه لولا الحكم البريطاني المباشر في العراق حينذاك لم تكن اية حكومة ذات سيادة لتعترف بمثل هذا الحق الغامض لتلك الشركة وتمنحها امتيازا هاما باتفاق مباشر دون الحصول على عروض اخرى من جهات مختلفة.
ومن هنا، من هذا العمل غير الشرعي بدأ دخول شركات النفط الاحتكارية الى العراق حيث امتدت سيطرتها تدريجيا الى جميع اراضيه.
ان ذلك الامتياز بالرغم من فقدان شرعيته وبالرغم من وجود الغبن والاجحاف في شروطه واحكامه الاساسية بالنسبة لمصلحة العراق فانه قد تضمن ناحية واحدة تلائم القاعدة الاعتيادية المتبعة في كيفية منح منطقة الامتياز لاستثمار النفط. وهي ان يكون التحري عن النفط واستثماره محصورا بقطع صغيرة لكل شركة من الشركات المختلفة التي تلتزم بالتزامات معينة فيما يخص مقادير الحفر والمدة التي يجري فيها وغير ذلك من الالتزامات التي تضمن الاسراع في التحري والاستثمار والتي ان لم تقم بها الشركات تصبح امتيازاتها عرضة للالغاء، وعلى هذا الاساس منحت شركات نفط العراق حق التحري والاستثمار في (24) قطعة مستطيلة مساحة كل منها (8) اميال مربعة اي كان مجموع مساحة منطقة التحري والاستثمار (192) ميلا مربعا فقط على ان تقوم خلال مدة محددة بالحفر بمقياس لا يقل عن كميات سنوية معينة كحد ادنى وان لم تفعل يصبح الامتياز ملغيا.
على ان الشركة لم تقم بتنفيذ حتى هذه الشروط التي تميل قليلا الى جانب ضمان حق العراق ولم تف بجميع التزاماتها فيما يتعلق باختيار القطع المستطيلة وكميات الحفر وحينما اوشك امتيازها ان يكون عرضة للالغاء استطاعت بما لدى حكومتها البريطانية من نفوذ انذاك ان تحصل على تمديد للمدة المحددة لتنفيذ التزاماتها سنة اخرى ثم استطاعت للسبب المذكور نفسه ان تغير شروط الامتياز الاساسية بحيث رفعت منه قاعدة تحديد التحري والاستثمار بقطع صغيرة ورفعت منه الالتزامات التي تعهدت بها الشركة فيما يخص المدد وكميات الحفر ورفع منه حق العراق الغاء الامتياز عند عدم ايفاء الشركة بتلك الالتزامات واصبح حق الاستثمار والتحري يسري حتى نهاية مدة الامتياز الى مساحة قدرها 91 الف كيلومتر مربع بدلا من نحو 497 كيلومتر مربع اي ما يعادل (192 ميل مربع) دون ان تتنازل عن اي قسم منها في كل فترة من الزمن كما هو المعتاد ودون ان تكون هناك اية ضمانات فيما يتعلق بسرعة التحري وكميات الحفر.
ان الحكومة العراقية انذاك كانت قد منحت شركة اجنبية اخرى هي شركة استثمار النفط البريطانية (بي. او. دي) امتيازا اخر يضم كذلك منطقة واسعة تبلغ مساحتها نحوا من (107000) كيلومتر مر بع تقع الى غربي دجلة وشمال خط عرض 33 للتحري عن النفط واستثماره بقصد ادخال عنصر جديد ينافس شركة نفط العراق غير ان هذا القصد بالذات اقلق اصحاب شركة نفط العراق فعملت على احباطه بقيام اصحاب شركة نفط العراق بشراء جميع اسهم شركة استثمار النفط البريطانية واستولوا على امتيازها ايضا بهذه الوسيلة وغيروا اسمها الى (شركة نفط الموصل) التي يمتلكها اصحاب شركة نفط العراق بالنسب نفسها التي يمتلكون بها اسهم شركة نفط العراق.
وفي سنة 1938 منحت شركة نفط البصرة وهي شركة يمتلكها ايضا المساهمون انفسهم في شركة نفط العراق امتيازا واسعا يضم ما تبقى من الاراضي العراقية التي لم تكن مشمولة بامتياز ما في ذلك الحين للتحري عن النفط واستثماره بشروط مشابهة للامتيازين الاخرين وتبلغ مساحة المنطقة المشمولة بهذا الامتياز (226000) كيلومتر مربع وبذلك اصبحت جميع مساحة العراق البالغة نحوا من (450.000) كيلومتر مربع (ما عدا منطقة صغيرة تقع عند الحدود الايرانية كانت قد منحت لشركة نفط خانقين التي كانت تمتلكها شركة النفط الانكلو ايرانية) بعهدة جماعة واحدة من الشركات الاحتكارية الكبرى وفقا لامتيازات متشابهة يمتد امدها الى ما بعد سنة 2000 ميلادية دون اي تنازل عن الاراضي غير المستثمرة ودون اي ضمان للتحري عن النفط خلال مدة معينة في هذه الاراضي الشاسعة التي تضم مساحة العراق باكملها في حين ان الشركات تأخذ من هذه المناطق احتياطا مجمدا دائميا يدعم مكانتها النفطية في العالم ويهدد بالخذلان مساعي البلدان التي تتوق لاستثمار مواردها النفطية وفق ما تمليه عليها المصلحة الوطنية.

2 – مما لا ريب فيه ان خضوع حكومات العهد المباد للنفوذ البريطاني وتوجيهاته وتساهلها مع شركات النفط الاحتكارية من جهة واتفاق هذه الشركات على اقتسام حصص الشركات التي تحصل على امتيازات استثمار النفط في العراق بنسب معينة وعلى الامتناع عن منافسة بعضها البعض في الحصول على مثل هذه الامتيازات في العراق وفي منطقة الدولة العثمانية السابقة من جهة اخرى ساعد كثيرا على الوصول الى هذه النتيجة السيئة التي حصرت حقوق التحري عن النفط واستثماره في اراضي العراق جميعها بجماعة واحدة من الشركات الاحتكارية لقاء ثمن بخس ووفق شروط يسوده الغبن والاجحاف مما ادى الى تأخر عمليات التحري عن النفط واستثماره في العراق واوقع بمصلحة العراق ضررا بالغا من وجوه عديدة.
فمنذ بدء شركات النفط باعمالها في العراق في سنة 1925 لم تقم بالحفر الا بمعدل (56268) قدما سنويا حتى نهاية سنة 1957 ولكنها مند قيام ثورة 14 تموز في سنة 1958 ومفاتحة الشركات على اثر ذلك بضرورة تنازلها عن الاراضي غير المستثمرة قامت بالحفر بمعدل (157783) قدما سنويا وكان مقدار الحفر الذي قامت به في سنة 1960 مبعثه فقدان الامكانيات اللازمة لذلك او اية عوامل فنية او اقتصادية اخرى بل كان مبعثه عوامل تتصل بمصالح الشركات التي لم تكن لترغب في توجيه نشاطها في استثمار النفط الى هذه البلاد وبسبب ذلك لم تقم الشركات في استثمار النفط في العراق بالمقياس الذي يتناسب مع مقدار الثروة الطبيعية في بلادنا. فمنذ اكتشاف النفط في سنة 1927 حتى سنة 1950 لم يزد الانتاج السنوي عن 6.5 ملايين طن ولم يأخذ بالنمو بعد ذلك الا ببطء وتحت ضغط بعض الشركات المساهمة وهو حتى في هذا الوقت لا يتناسب مع كميات الاحتياطي الثابت والاستثمار المعقول.

3 – ازاء هذا الوضع المجحف بمصلحة الشعب وازاء كثير من عوامل الغبن في احكام الامتيازات وتطبيقها بما يضمن ويحقق مصلحة الشركات على حساب مصلحة العراق نتيجة لتساهل وتهاون حكومات العهد المباد بحقوق الشعب فان حكومة الثورة جعلت من اول مهامها معالجة هذا الوضع فبدأت بمفاوضة الشركات منذ خريف سنة 1958 لتصحيح هذه الامور بما يضمن مصلحة الشعب ومصالح الشركات المشروعة. غير ان الشركات لم تستجب لمطالب العراق العادلة بالرغم من امتداد المفاوضات مدة تزيد على ثلاث سنوات تحلت الحكومة العراقية خلالها بالصبر والاناة بقصد الوصول الى اتفاق مرض مع الشركات غير ان هذه الشركات لم تكن لتدرك تطور الاوضاع والظروف السياسية والاجتماعية في العراق وفي العالم اجمع سواء كان في شؤون النفط او في الشؤون العامة الاخرى مما يجعل احكام تلك الامتيازات غير ذات موضوع بالنسبة لهذه الظروف والاوضاع كما يجعل الحكومة العراقية بمركز يخولها شرعا تصحيح تلك الاحكام بوجه يضمن رفع الغبن والاجحاف منها ويكفل للشعب العراقي حقوقه العادلة ولهذا فقد اضطرت وزارة النفط بتاريخ 10/4/1961 بعد انقطاع المفاوضات على اصدار البيان التالي:

اولا – كان من اهداف ثورة 14 تموز الخالدة انقاذ الشعب من براثن الاستعمار وانتزاع حقوقه كاملة غير منقوصة والتخلص من كل امر يمس باستقلال العراق السياسي والاقتصادي ورفع الغبن الذي لحق بالوطن نتيجة لتساهل حكام العهد المباد في حقوق الوطن وفي ثروات البلاد وفي عقد الاتفاقيات الجائرة ومنح امتياز النفط للاجنبي جزافا وتخاذل حكام العهد المباد امام الشركات صاحبة الامتياز بحيث لم يقتصر الغبن على طبيعة الامتيازات بل شمل تطبيقها الامر الذي فرط بحق الشعب في الاستفادة العادلة من ثروته النفطية واضاع الحق الطبيعي للعراق وبعد قيام الثورة المباركة في 14 تموز 1958 قامت حكومة الثورة التي تعمل لمصلحة الشعب بدراسات مستفيضة لاحكام الامتيازات الجائرة لشركات النفط والمشاكل الناجمة عن تطبيقها وقد توصلت الى القضايا التي ينبغي حلها مع الشركات بالمداولات بشكل يؤمن مصلحة الوطن ولا يفرط بحقوق الشعب وحددت هذه القضايا كما يلي:-

1 – احتساب كلفة انتاج النفط والعناصر التي تتألف منها لضمان حق العراق.
2 – طريقة تعيين الاسعار التي تحتسب بموجبها عوائد العراق من النفط.
3 – الغاء الخصم الذي تتقاضاه الشركات.
4 – تعيين المدراء العراقيين واشراكهم في مجالس ادارة الشركات في لندن واشراف الحكومة العراقية على مصاريف الشركات بما يضمن مصلحة العراق.
5 – تعريق وظائف الشركات تدريجيا.
6 – تخلي الشركات عن الأراضي غير المستثمرة تمهيداً لاستفادة العراق منها.
7 – تنازل الشركات عن الغاز الطبيعي الفائض عن حاجة الحقول النفطية وحقول الغاز الاخرى والحيلولة دون قيام الشركات جزافا بالاستمرار على حرق الغاز مع علمها بضياع ثروة العراق بدون مقابل.
8 – ضمان استخدام الناقلات العراقية في نقل النفط العراقي.
9- وجوب مساهمة العراق فعلا في راس مال الشركات بنسبة لا تقل عن 20٪ من المجموع العام.
10 – وجوب زيادة حصة العراق من عوائد النفط.
11 – دفع العوائد بعملة قابلة للتحويل تضمن مصلحة العراق.
12 – رفع الغبن والضرر الذي اصاب الجانب العراقي بسبب جور الاتفاقيات ونصوصها غير الواضحة التفسير.

ثانيا – ولما كانت حكومة الثورة راغبة في حل مشاكلها مع الشركات واستخلاص حقوق الشعب منها بصورة سلمية وودية وبنية طيبة من جانبها فقد بادرت بدعوة ممثلي شركات النفط منذ تاريخ 20/8/1958 الى التفاوض وايجاد حل عادل للخلافات القائمة ورفع الغبن الذي تضمنته امتيازاتها.
وقد استمرت المفاوضات ولم تنقطع بين الطرفين رغم تعنت الشركات حوالي الثلاث سنوات عقد خلالها (28) اجتماعا مع مقابلات اخرى غيرها حيث تبين بنتيجتها ان شركات النفط لا زالت تفكر بنفس العقلية التعسفية الاحتكارية التي دأبت على التفكير بها منذ حصلت على امتيازاتها في العهد المباد ولم تزل غير مدركة لتطور الوضع في العراق او تقدم صناعة النفط نفسها وغير مدركة لحقوق الشعب العادلة. ولقد اتسم موقف الوفد المفاوض العراقي ازاء ذلك بروح من الصبر والحكمة والحلم وطول الاناة وبالنيات الطيبة في سير المفاوضات ولكن ذلك لم يجد نفعا مع الشركات ولم يحملها على تغيير موقفها رغم الجهود المضنية التي بذلها الجانب العراقي في تبادل وجهات النظر لاقناع الشركات بوجوب الاعتراف بحق العراق العادل وتذليل العقبات التي كانت تعترض سبيل المفاوضات. لقد اشرف سيادة الزعيم الامين عبد الكريم قاسم رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة على الاجتماع الذي عقد بين الوفدين المتفاوضين بتاريخ 19/12/1960 في مقره بوزارة الدفاع واوضح سيادته لوفد الشركات المفاوض وجهات النظر العادلة النهائية لحكومة الثورة التي جاءت لخدمة الشعب بشأن المواضيع التي يجري بحثها وطلب سيادة الزعيم الامين من الوفد الاجابة عنها وعدم اطالة المفاوضات ولكن وفد الشركات التمس امهاله بالرجوع الى مجالس اداراتهم ووعد بالعودة بالردود المطلوبة بعد فترة وجيزة.

ثالثا – وعند عودة الوفد واستئناف المفاوضات الاخيرة تبين بصورة واضحة وجلية بان موقف الشركات من هذه القضايا لم يزل متعسفا بحق العراق وانها تتعمد المماطلة والتسويف بقصد كسب الوقت للتحري وللاستثمار بالمناطق الغنية بالنفط ولتنفيذ اغراضها دون الالتفات لمصلحة الشعب او لوجهة النظر العادلة التي ابداها الجانب العراقي مرارا وتكرارا وكانما هي صاحبة الحق في الاستفادة من ثروات العراق دون اهل البلاد فهي لا تبدي استعدادا للاستجابة للمطالب المشروعة العادلة التي تقدمت بها الحكومة العراقية. ونظرا لهذا التعمد في اطالة المفاوضات دون دوى ولموقف الشركات المتعسف الذي يضر بمصلحة العراق فقد اخبر سيادة الزعيم الامين عبد الكريم قاسم وفد الشركات المفاوض في اجتماع يوم 6/4/1961 بان الشركات لا يمكنها بعد الان التفريط بحقوق الشعب في العراق ولا يمكنها التلاعب بمقدراته وعليها ان توقف عمليات التحري والحفر خارج مناطق النفط المستثمرة فعليا حتى يتم التوصل الى اتفاق عادل بين الطرفين يضمن حق الشعب ويوقف الشركات عن الاستغلال والاحتكار غير المشروع ولقد انذر سيادة الزعيم الامين الشركات في الوقت نفسه بعدم المساس من قبلها بانتاج النفط او تقليله او بتطويره في الحقول المستثمرة حاليا باية صورة كانت وبعكس ذلك تقوم حكومة الثورة باتخاذ اجراءات اخرى لضمان مصلحة الجمهورية الخالدة وسوف تذاع وتنشر محاضر الجلسات على ابناء الشعب ليطلع عليها ويقف بنفسه على مدى تعسف الشركات واصرارها على المضي في احتكارها وتجاهلها حق العراق المشروع الذي طالب به الوفد العراقي في سير المفاوضات بنيات طيبة وبكثير من الحلم والصبر لضمان حق العراق الذي لا يضيع مطلقا.

رابعا – وتود الحكومة العراقية ان تعلن بهذه المناسبة بانها تلتزم بالعهود والمواثيق ولكن وفق مصلحة الوطن وانها تأسف للموقف المتعسف المخجل من قبل شركات النفط الاحتكارية وتماديها مدة ثلاث سنوات في المراوغة واطالة المفاوضات دون جدوى واصرارها على ضياع حق العراق رغم النيات الطيبة والصبر والحكمة وطول الاناة التي ابداها الجانب العراقي صاحب الحق المشروع في المفاوضات وتود الحكومة العراقية ان تعلن بان الشركات سوف تكون هي الخاسرة اذا اصرت على عدم الاستجابة الى مطالب العراق العادلة.
وما لم تبدل هذه الشركات موقفها التعسفي وتنصاع الى الحق المشروع فان حكومة الثورة المباركة سوف تضطر لمعالجة الامور بما يضمن حق الشعب الذي تحرر بثورة 14 تموز المباركة ولن يغمط حقه بعد الثورة الخالدة مطلقا وقد صممت الجمهورية العراقية الخالدة على الدفاع عن حقوقها وعلى ضمان سلامتها وحريتها والتغلب على الاستعمار وكيد الكائدين.

4 – وبالرغم من هذا فقد استؤنفت المفاوضات مرة اخرى بين الجانب العراقي وبين الشركات بناء على طلب من الشركات باستئنافها وموافقة الجانب العراقي على ذلك غير ان الشركات في هذه المرة كذلك تجاهلت مطاليب العراق العادلة وتعمدت قطع المفاوضات الامر الذي اضطر وزارة النفط الى اصدار بيانها المؤرخ 17/10/1961 عن مفاوضات النفط وكما يلي:

اولا – كانت هذه الوزارة قد اوضحت في بيانها الصادر بتاريخ 10/4/1961 المطاليب العادلة التي تقدم بها الجانب العراقي خلال المفاوضات التي جرت مع ممثلي شركات النفط العاملة في العراق بعد قيام الثورة المباركة في 14 تموز 1958 كما اوضحت بان موقف الشركات التعسفي لم يتبدل وان الشركات تعمدت التسويف والمماطلة بقصد كسب الوقت للتحري والاستئثار بالمناطق الغنية بالنفط ولتنفيذ اغراضها دون الالتفات لمصلحة الشعب ودون مراعاة وجهات النظر العادلة التي ابداها الجانب العراقي.
وبالنظر للتعمد في اطالة المفاوضات دون جدوى ولموقف الشركات المتعسف الذي يضر بمصلحة العراق ضررا بليغا فقد اخبر سيادة الزعيم الامين عبد الكريم قاسم الشركات بتاريخ 6/4/1961 بان الشركات لا يمكنها الاستمرار على التفريط او التلاعب بحقوق الشعب بعد الان وان عليها ان توقف عمليات التحري والحفر خارج مناطق النفط المستثمرة فعليا حتى يتم التوصل الى اتفاق عادل بين الطرفين يضمن حق الشعب ويوقف الشركات عن الاحتكار والاستغلال غير المشروع.

ثانيا – وفي شهر حزيران الماضي تقدمت الشركات بطلب لاستئناف المفاوضات واشارت الى انها قد اتخذت الاجراءات اللازمة لتغيير اعضاء وفدها المفاوض وان هذا الوفد سيكون مزودا بصلاحيات واسعة تمكنه من التوصل الى اتفاق مع الحكومة العراقية وحسم المواضيع الموقوفة جميعا وعلى هذا الاساس فقد استؤنفت المفاوضات بين الطرفين بتاريخ 24/8/1961 وعقدت ثلاثة اجتماعات وقد طلب وفد الشركات في الاجتماع الثالث المنعقد بتاريخ 28/8/1961 اعطاءه مهلة تتراوح بين الثلاثة والاربعة اسابيع ليتسنى له العودة الى لندن لدراسة مطاليب الحكومة النهائية مع المعنيين هناك ثم اعداد مذكرات تتضمن شرح وضع الصناعة النفطية تمهيدا لعودة الوفد الى بغداد لاستئناف المفاوضات ثانية مشيرين الى انهم يأملون ان تلبي مذكراتهم طلبات الحكومة.
وبتاريخ 28/9/1961 استؤنفت المرحلة النهائية من المفاوضات وتقدمت الشركات بمذكراتها التي لم تتضمن سوى ابراز وجهة نظرها في عدم تلبية طلبات الحكومة العادلة متذرعة بمعاذير واهية لا يمكن الاخذ بها نظرا لما تضمنته من مماطلات وادعاءات لا تنطلي على المفاوض العراقي الذي صبر طويلا بقصد التوصل الى نتيجة عادلة واستخلاص حق الشعب. وبعد ان عقدت ثلاثة اجتماعات في المفاوضات الاخيرة كان اخرها الاجتماع المنعقد مساء يوم الاربعاء الموافق 11/10/1961 تبين اصرار وفد الشركات على عدم الاستجابة لمطاليب العراق العادلة وبصورة خاصة الامور الرئيسية منها كمساهمة العراق بحصة 20٪ مع الشركات وكزيادة العوائد للعراق من الارباح باكثر من 50٪ وان الشركة ترى ان التسليم بذلك هو ضرب من المستحيلات كما ترى ان هذين المطلبين الرئيسيين ليسا من الحقوق المشروعة اي ان مشاركة العراق بالحصص مع الشركات وزيادة عوائد الارباح التي تصيب العراق لا يمكن التسليم بها مطلقا مع ان الشركة بذلك تخالف نصوص الاتفاقيات التي تضمن حق العراق كما هو واضح من نص المادة الثامنة من اتفاقية سان ريمو 1920 التي جاء فيها تحت عنوان “ما بين الرافدين” ما يلي “لقد تم الاتفاق بانه في حالة تكوين شركة نفط خاصة بالشكل المار الذكر فانه سيسمح للحكومة الوطنية او المصالح الاخرى – اذا رغبت في ذلك – في ان تساهم بنسبة 20٪ من المال الخاص بتلك الشركة”. وقد نص على هذه المشاركة كذلك في طلب اتفاقية الامتيازات المعقودة بين العراق والشركات المعنية. وان المطلب الثاني (وهو زيادة عوائد العراق من الارباح) اصبح قاعدة اساسية في الامتيازات التي تعقدها الشركات في جميع انحاء العالم بالنظر لتطور الزمن ووعي الشعوب ومطالبتها بحقوقها المشروعة ولكن الشركات الاحتكارية تنكر على العراق هذا الحق ايضا وهي ترغب ان تستمر باساليب المراوغة في مفاوضاتها وعدم التسليم باي مطلب رئيسي مشروع للعراق الامر الذي تسبب عنه انقطاع هذه المفاوضات وتوقفها دون التوصل الى نتيجة مرضية.

ثالثا – ان الحكومة العراقية تعلن بانها تتمسك بحق العراق المشروع ولا يمكنها التنازل عن هذا الحق مطلقا وانها ازاء موقف الشركات التعسفي الذي يضر بمصلحة الشعب في الجمهورية العراقية الخالدة ترى نفسها بعد هذه المفاوضات الطويلة ملزمة باتخاذ الخطوات الشرعية الكفيلة بضمان مصلحة العراق وفقا للقوانين دون الاضرار بمصلحة الشركات المقبولة.
5 – لقد اعلنت حكومة الثورة مرارا منذ سنة 1958 عن حرصها على ضمان سلامة استخراج النفط وتجهيزه للاسواق التي يباع فيها كما اعلنت بانها في الوقت نفسه ستعمل على حماية مصالحها القومية العليا واستمرار هذا المرفق الحيوي لمنفعة الاقتصاد الوطني والدولي معا على اساس المنافع المتبادلة والتمكافئة مع ذوي العلاقة.
ونظرا لعدم استجابة الشركات لحق العراق الشرعي العادل عن طريق المفاوضات المباشرة معها ونظرا لاصرارها على التمسك ببنود جائرة هي اشبه بعقود اذعان فرضها الاستعمار والاستغلال على بلدنا عن طريق رجال العهد المباد.
ولهذا فان حكومة الثورة بعد مفاوضات دامت اكثر من ثلاث سنوات ترى نفسها ملزمة باتباع الطرق الشرعية الاخرى لحماية حق الشعب في وطنه وفي نفطه وثروته وبطريقة عادلة وبعد ان درست بدقة موضوع المناطق المشمولة بالامتياز قررت ان تبدأ في هذه المرحلة برفع الغبن والاجحاف الذي يتضمنه هذا الموضوع وقد لاحظت بانه لو سبق ان اتبعت بمقاولات الامتياز الاحكام الاعتيادية المبنية على العدل والتكافؤ بالنص على التنازل عن الاراضي المشمولة بمنطقة الامتياز تدريجيا خلال فترات متعاقبة فان الشركات صاحبة الامتياز بعد ان مر على امتيازاتها مدة طويلة تتراوح بين 23 – 36 سنة ما كان لها ان تحتفظ الان بغير المناطق المستثمرة التي يصدر منها النفط فعلا وعليه يجب الاخذ بهذا المبدا فهو حق شرعي للعراق اذ ان استمرار الشركات على الاحتفاظ بمساحات شاسعة دون ان يجري التحري فيها ودون ان يستثمر نفطها فعلا يتضمن غبنا فاحشا يجب ازالته وان للعراق كل الحق بازالته وذلك بتصحيح وضع المناطق التي للشركات ان تعمل فيها كما لو كانت قد اتبعت بشأنها قواعد التنازل العادلة اي بتحديدها بالمناطق المستثمرة من قبلها والمصدرة للنفط فعلا وهي مناطق تحتوي على احتياطي عظيم من النفط يؤمن للشركات استمرار انتاجها الحالي كما يؤمن لها النمو والتوسع في هذا الانتاج بنسبة كبيرة جدا ولمدة طويلة.
ولذلك فقد شرع هذا القانون الذي يحقق مطلبا هاما وعادلا من مطاليب ابناء الشعب في الجمهورية العراقية الخالدة فيما يتعلق بالثروة النفطية دون الاضرار بمصلحة الشركات المقبولة.
نص القانون رقم (80) لسنة 1961
قانون تعيين مناطق الاستثمار لشركات النفط

باسم الشعب
مجلس السيادة
بعد الاطلاع على الدستور المؤقت وبناء على ما عرضه رئيس الوزراء ووافق عليه مجلس الوزراء.
صدق القانون الآتي:

المادة الاولى

– يراد بالكلمات والعبارات الآتية المعاني المبينة ازاءها:
الشركات: شركة نفط العراق المحدودة وشركة نفط الموصل المحدودة وشركة نفط البصرة المحدودة.
المناطق المحدودة: هي الاراضي التي يحق لكل شركة من الشركات القيام فيها بعملياتها. الاراضي: اية ارض مغمورة بالماء او غير مغمورة.

المادة الثانية

– تكون المنطقة المحدودة لكل شركة من الشركات معينة وفق الجدول الملحق بهذا القانون.

المادة الثالثة

– لحكومة الجمهورية العراقية اذا ارتأت تخصيص اراضٍ اخرى لتكون احتياطاً للشركات على ان لا تزيد على مساحة المنطقة المحدودة لكل شركة.

المادة الرابعة

– تكون الاراضي التي لا يسري عليها حكم المادتين الثانية والثالثة من هذا القانون خالية من جميع الحقوق التي ترتبت عليها للشركات وتكون الترتيبات اللازمة لضخ النفط ونقله عبر هذه الاراضي معمولاً بها بشرط ان لا يخل ذلك باي استعمال للارض قانوني او معقول.

المادة الخامسة

– 1- على الشركات ان تقدم خلال ثلاثة اشهر من تاريخ نفاذ هذا القانون الى الحكومة مجاناً جميع المواد والمعلومات والجيوفيزيائية وجميع المعلومات والامور المتعلقة بالهندسة النفطية الخاصة بالاراضي المشمولة بحكم المادة الرابعة من هذا القانون.
-2- اذا امتنعت أي شركة عن تقديم المعلومات المطلوبة بالفقرة الاولى من هذه المادة فتكون ملزمة بتعويض الحكومة عما لحقها من ضرر وما فاتها من كسب نتيجة لهذا التأخير او بسببه.
المادة السادسة– ينفذ هذا القانون اعتباراً من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية.
المادة السابعة – على الوزراء تنفيذ هذا القانون.

الاراء المطروحة في جميع الدراسات والابحاث والمقالات المنشورة على موقع الشبكة لاتعكس بالضرورة وجهة نظر هيئة تحرير الموقع ولا تتحمل شبكة الاقتصاديين العراقيين المسؤولية العلمية والقانونية عن محتواها وانما المؤلف حصريا. لاينشر اي تعليق يتضمن اساءة شخصية الى المؤلف او عبارات الكراهية الى مكون اجتماعي وطائفة دينية أو الى اي شخصية أو مؤسسة رسمية او دينية

تعليقات (1)

  1. Avatar
    كريم جباره:

    أقسم بعد عثوري على الموضوع من باب الصدفة نتيجة البحث على كيفية ربط شبكة الابار النفطية في العراق لبعض الحقول القريبة من بعضها البعض للاستفادة من كمية الغازات التي يتم حرقها منذ عقود من دون الاستفادة منها وهي ثروة مهدورة والعراق يأن من وجع وعجز الطاقة الكهربائية لتغطية احتياجاته فهل بأمكاننا الاستفادة من هذه الغازات المهدورة والملوثة للبيئة نتيجة الحرق المستمر منذ عقود مضت بعد تجميعا عبر شبكة انابيب في ما بينها في اماكن وسطية اماكن تجميع للحصول على الضغوط الطلوبة لتشغيل وحدات الغاز تورباينات ( كاز تورباين ) من خلال عمل دراسة جدوى لهذة العملية من قبل بعض المختصين المخلصن علما اننا في حقل غازي تم جلب وحدات الكاز تورباين فيه وهي تعمل الان على الغاز العراقي بعد تنقيته وتحليته وفصله وستزود المشروع بطاقة ما يقارب لثنا عشر ميكا واط ولكنها مخصصة لخدمة المشروع وتزويده بالطاقة فهل يمكننا ان نفعل ذلك في اماكن تجميع تلك الغازات اقصد المحطات الوسطية للتجميع عبر شبكة الانابيب مثل هذه المحطات للتنقية والتحلية والفصل لمجموعة الغازات والاستفادة منها بالدرجة الاولى لدعم شبكة الطاقة الكهربائية ثم الاستفادة من مجموعة الغازات الاخرى لاغراض اخرى بعد ان اكد لي بعض الخبراء الذين اعمل معهم من امكانية عمل ذلك لفتح مشاريع تعمل فيها الشباب ويستفيد منها البلد وتغطية احتياجته من الطاقة واستغلال ثروتنا على الوجه الامثل وتقليص ديون الاستجداء من هنا وهناك من بعض البلدان المجاورة لفتح افق جديد ورؤية جديدة للنهوض بالواقع المتردي في هذا البلد الجريح والذي اتجمعت عليه الذئاب من كل حدب وصوب وعذرا على الاطالة ولكني استغرب من عدم وجود التعليقات على هذا الموضوع الجدير بالاهتمام والمتابعة لفهم تلك الحقبة من الزمن الجميل من تاريخ العراق المشرف والحقبة المتوجة بعمل المخلصين والتي لا تعرف عنها الاجيال اللاحقة من القرن المنصرم الا ومضات بسيطة وافكار ورؤى متضاربة من هنا وهناك لا تمت الى الحقيقة بصلة فالتأريخ دوما يكتب بيد الاقوياء

التعليق هنا

%d مدونون معجبون بهذه: