أكد الخبير الاقتصادي علي ميرزا أن اللجوء الى استخدام الاحتياطات المالية يزيد من احتمالية مواجهة الازمات الاقتصادية والتضخم ضمن مهام موازنة الجهاز المصرفي العراقي ، وذلك لآن آلية تنفيذ الوظيفة الأساسية المبينة للاحتياطيات الدولية ، انما تتم من خلال عملية موازنة مستمرة بين موجودات والتزامات الجهاز المصرفي، وإن الإخلال بهذه الموازنة يمكن أن يؤدي إلى تبعات خطيرة. فالاحتياطيات الدولية هي موجودات تقابلها بالكامل التزامات عليها بحيث إن إحداث نقص فيها بدون تخفيض جانب الالتزامات بقيمة مساوية يؤدي إلى انكشاف نظام المدفوعات الخارجية وتأثر سوق الصرف سلبا وبالنتيجة زيادة احتمال تعرض الاقتصاد لأزمات أبرزها التضخم.
وقال ميرزا لـ ( المدى) إن اهم وظيفة للاحتياطيات المالية الدولية كما هو معروف هي استخدامها حالا في تعديل الاختلال في ميزان المدفوعات في حال حدوثها,بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر من خلال التدخل في سوق الصرف للتأثير في سعر الصرف، وبالرغم من وضوح هذه الوظيفة الأساسية, هناك دعوات إلى استخدام الاحتياطيات بممارسة تتناقض معها وتختلف عن الممارسات السائدة في بقية دول العالم بخصوص طريقة التعامل مع الاحتياطيات الدولية في دراسة هذه القضية, ومعرفة إن كانت هناك حاجة في أن يجري تعديل قانون البنك المركزي, بحيث يتيح الحصول على نسب وضوابط معينة واستخدام جزء من الاحتياطي في التنمية، مع دعوات إلى استخدام الاحتياطيات الدولية في استثمارات خارجية للحصول على عائد يفوق ما تحصل عليه الاحتياطيات الدولية.
صورة الموازنة
وأضاف: لو تفحصنا صورة هذه الموازنة المتحققة في نهاية كل سنة خلال الفترة 2007-2010, لوجدنا أن التوازن أو المساواة بين جانبي الموجودات والالتزامات/المطلوبات فيما يماثل (الميزانية العمومية – balance sheet ) ، هو من أهم أسس التعامل مع واستخدام الاحتياطيات الدولية في تنفيذ وظيفتها الأساسية، وفي استعراض البدائل التي تنطوي عليها الدعوات المختلفة لما أثير عن استخدام الاحتياطيات الدولية لدى البنك المركزي مؤخرا والتبعات التي تترتب عليها، ولنفترض أن قانون البنك المركزي عُدِّل (في عام 2010) بحيث أتاح للسلطة التنفيذية في وزارة المالية استخدام أو اقتطاع نسبة مئوية محددة بدون مقابل من الاحتياطيات الدولية في الاستيراد مباشرة من الخارج لغرض (تنموي).
واشار ميرزا الى ان افتراض إنشاء هيئة حكومية تابعة لوزارة المالية (أو أي جهة حكومية) يكون واجبها تنظيم استيراد المعدات والآلات الاستثمارية الممولة من هذه النسبة (المتقطعة) وتوزيعها على الجهات المعنية،وبما أن الاحتياطيات الدولية لدى البنك المركزي تبلغ 57.2 تريليون دينار (في نهاية سنة 2010), الأمر الذي يعني استخدام او اقتطاع 11.4 تريليون دينار (20%×57.2) منها، وبهذا تنخفض الاحتياطيات الدولية من 57.2 إلى 45.8 تريليون دينار, بعد الاقتطاع ، أي أن صافي الموجودات الأجنبية للجهاز المصرفي سينخفض من 68.1 تريليون دينار إلى 56.7 تريليون دينار.
ولفت الى أن بقية المطلوبات أو الالتزامات على صافي الموجودات الأجنبية للجهاز المصرفي بما فيها (البنك المركزي) بقيت كما هي عند 68.1 تريليون دينار، وهو مؤشر لاختلال واضح، الذي يثير تساؤل حول كيفية مقدرة الجهاز المصرفي الإيفاء بالتزاماته في حال إذا كانت المطلوبات أو الالتزامات تزداد عليه بمقارنة ما لديه من موجودات أجنبية، وكيف يستطيع إشباع طلب تحويل نقود محلية (من حسابات الحكومة أو من العملة أو من الودائع) بحجم يزيد لما لديه من عملة أجنبية.
سعر الصرف السائد
والمح إلى أن الجواب هو أنه لا يستطيع القيام بذلك بسعر الصرف السائد وان تمكن من القيام بذلك ينبغي اعادة التساوي بين جانبي الموجودات والالتزامات التي تقاس بالدينار، لذلك سيضطر البنك المركزي إلى تخفيض سعر صرف الدينار (تجاه الدولار)، حتى ترتفع قيمة صافي الأصول الأجنبية للجهاز المصرفي بالقياس بالدينار إلى مستواها قبل اقتطاع 20 % من الاحتياطيات الدولية.
وبين انه حتى تتساوى قيمة مجموع صافي الموجودات الأجنبية للجهاز المصرفي التي تحسب بالدينار, قبل وبعد الاقتطاع (عند 68.1 تريليون دينار), ينبغي أن يخفض سعر صرف الدينار تجاه الدولار أو يرتفع الدولار من 1,170 دينار إلى 1,406 دينار. اي ان يرتفع سعر الدولار امام الدينار بحوالي 20 % ، أما إذا زادت نسبة الاقتطاع من الاحتياطيات الدولية عن 20 بالمئة فإن معدل زيادة سعر الدولار تجاه الدينار ينبغي أن يكون أعلى من نسبة الاقتطاع، اي على سبيل المثال, لو أن نسبة الاقتطاع أو الاستخدام من دون مقابل بلغت 30% لتطلب الأمر زيادة سعر الدولار من 1,170 دينار إلى 1,564 دينار. أي بمعدل زيادة 34 %. ولو كانت نسبة الاقتطاع بدون مقابل 40 % لتطلب الأمر زيادة سعر الدولار من 1,170 دينار إلى 1,761 دينار, أي زيادة سعر الدولار بمعدل 51 %.
وأوضح ميرزا إن التساوي التقريبي لنسبة الاقتطاع ومعدل زيادة سعر الدولار عند 20%اقتطاع ثم تخطي معدل زيادة سعر الدولار لهذه النسبة بعد ذلك, يعود إلى توزيع صافي الموجودات الأجنبية بين البنك المركزي والمصارف التجارية قبل الاقتطاع وتناقص الأهمية النسبية لما لدى البنك المركزي من هذه الموجودات (الاحتياطيات الدولية) بعد الاقتطاع، إذ كلما زادت نسبة الاقتطاع تطلب الأمر تصاعد سعر الدولار بأسرع من نسبة الاقتطاع لإعادة قيمة صافي الموجودات الأجنبية مقارنة بالدينار, لمجموع الجهاز المصرفي لما كانت عليه قبل الاقتطاع.
وقال إن ارتفاع سعر الدولار تجاه الدينار سيؤدي إلى ارتفاع معدل أسعار الواردات مقيمة بالدينار، وتبعا لنسبة الاقتطاع فإن الزيادة في أسعار الواردات ستكون حوالي 20 % عندما تكون نسبة الاقتطاع 20 % وتكون الزيادة في أسعار الواردات 34% عندما تكون نسبة الاقتطاع 30% وتكون الزيادة في أسعار الواردات 51%عندما تكون نسبة الاقتطاع 40%.
والمح الى ان معدل التضخم الداخلي سيتخطى معدل الزيادة في أسعار الواردات بفارق ملموس والذي ينبع من عوامل تتعلق فقدان ثقة المتعاملين الداخلية والخارجية وبالنتيجة ارتفاع كلف الاستيراد والتوقعات التضخمية، وذلك لأن تدخل الجهاز التنفيذي من خلال التصرف بالاحتياطيات الدولية يقود إلى انخفاض الثقة حول مستوى الاحتياطي والمؤسسات المالية والنقدية، كما إن مستوى الاحتياطي فوق حد حرج معين ومدى مصداقية وشفافية واستقلالية السياسة النقدية يستخدمان في الوقت الحاضر من ضمن مؤشرات الثقة بالاقتصاد من قبل المتعاملين في الداخل والخارج.وينطبق ذات الأمر على موقف العديد من المؤسسات الدولية, بما فيها الوكالات المتخصصة بتقييم الائتمان ومنه تقييم الائتمان السيادي (sovereign credit rating) الذي يجري تحديثه بشكل مستمر لمعظم دول العالم، حيث أن تدخل السلطة التنفيذية وانخفاض مستوى الاحتياطي سيقود إلى تخفيض الدرجة التي تحصل عليها الدولة في مؤشرات التقييم، وسيؤدي تراجع الثقة وتخفيض درجة التقييم إلى زيادة تكاليف الاستيراد والائتمان الخارجي، أما في الداخل فقد تتسع الأسواق الموازية للعملة لتقود إلى تخفيض متعاقب لسعر صرف الدينار فيها توقعا لاقتطاع الاحتياطيات الدولية ومن ثم توقع تخفيض سعر الصرف الرسمي للدينار في المستقبل، وكل هذه العوامل وتداعياتها المتصلة ستقود إلى معدلات للتضخم في الداخل أكبر من الآثار السابقة للاقتطاع من أسعار الواردات.
المدى العدد (2658) 26/11/2012
بغداد/ علي الكاتب
لتنزيل الملف بصيغة بي دي أف
الاراء المطروحة في جميع الدراسات والابحاث والمقالات المنشورة على موقع الشبكة لاتعكس بالضرورة وجهة نظر هيئة تحرير الموقع ولا تتحمل شبكة الاقتصاديين العراقيين المسؤولية العلمية والقانونية عن محتواها وانما المؤلف حصريا. لاينشر اي تعليق يتضمن اساءة شخصية الى المؤلف او عبارات الكراهية الى مكون اجتماعي وطائفة دينية أو الى اي شخصية أو مؤسسة رسمية او دينية