اقليم كردستان العراقالنفط والغاز والطاقة

مجموعة من المؤلفين: بغداد تستعيد السيطرة في نزاعات النفط – ترجمة سعد السعيدي

تستخدم حكومة المالكي أساليب قاسية لإعادة تأكيد نفسها ضد سياسة كردستان النفطية المستقلة على نحو متزايد ، في حين لا تزال الخلافات الأساسية بدون حل.

استعادت السلطات الحكومية العراقية اليد العليا في النزاع التي طال أمده مع حكومة إقليم كردستان حول النفط. فقبل بضعة أشهر، بدا ان حكومة الإقليم تستعد لترسيخ استقلال قطاعها النفطي عن طريق إرسال النفط الخام عبر خط أنابيب جديد لها إلى الحدود التركية. ولكن تلك الخطط قد تعقدت بعد ظهور فضائح تحوم حول رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان وظهور حكومة حازمة مجددآ في بغداد. وإذ يقبع حبيسآ في صهاريج التخزين في ميناء جيهان التركي اكثر من 1.3 مليون برميل من النفط الخام من إقليم كردستان غير المباع ، تقوم وزارة المالية العراقية باستنزاف شريان الحياة من اقتصاد كردستان عن طريق تأخير وتقليص الدفعات الشهرية من الميزانية الاتحادية. فمن دون الاحتياطيات النقدية – ومن دون القدرة على تعويض العائدات المفقودة من خلال الصادرات – غرقت حكومة إقليم كردستان في أزمة اقتصادية . عشية الانتخابات الوطنية في 30 نيسان ، لا يزال رئيس الوزراء نوري المالكي مصرآ على أن الحكومة الاتحادية هي التي يجب ان تكون صاحبة الكلمة الاخيرة في مبيعات النفط والتحكم بإيراداته ، وكان موقفه يلقى دعمآ شعبيآ واسعآ وسط قاعدته العربية الشيعية . وفي البرلمان تقوم كتلة شيعية موحدة بالضغط بقوة لتمرير ميزانية 2014 التي من شأنها أن تفرض مليارات من الدولارات من العقوبات المالية الإضافية على الأكراد ، الذين يبدون معزولين على نحو متزايد في بغداد. “لسوء الحظ ، يجري بيع النفط [ في كردستان ] دون ان يعرف أحد أين يذهب ريعه”، كما يقول حيدر العبادي ، عضو البرلمان والقيادي عن تحالف دولة القانون. ” وفي نفس الوقت ، فهم يأخذون نسبة 17 في المئة عن عائدات النفط العراقي الاخرى. لا أعتقد أن أي عاقل لديه ادنى حس من العدالة يمكن ان يقبل هذا “. وقد بدأت الحكومة الكردية تشعر فعليآ بالتأثير المؤلم للتكتيكات القاسية من بغداد. فوفقآ لقانون الموازنة العراقية لعام 2013 ، والذي لا يزال ساريآ حتى يتم تمرير الميزانية الجديدة لهذا العام ، من المفترض أن تتلقى حكومة كردستان حوالي مليار دولار شهريا. لكن سفين ديازي المتحدث باسم حكومة الإقليم قال إن الإقليم لم يتلق سوى جزء من مخصصاته لهذا العام. في ردهم على الأزمة ، يقوم الزعماء الأكراد بمعاودة الكلام عن تاريخ قمع الإقليم على يد الأنظمة في بغداد. ” لدينا هنا شخص واحد يمكنه أن يقرر خفض الرواتب , اي أن يأخذ الطعام والخبز من شعب إقليم كردستان” ، يقول نيجيرفان بارزاني رئيس وزراء حكومة إقليم كردستان خلال خطاب علني يوم 4 آذار/ مارس.” هذا ما كنا دائما نتخوف من حدوثه ، وها هو يتحقق الآن.”

وقد برر القادة في بغداد التخفيضات مشيرين إلى أن حكومة إقليم كردستان تأخذ المال من الخزينة الاتحادية دون المساهمة بعوائدها النفطية فيها ، على الرغم من وجود اشتراط في ميزانية 2013 على ان تقوم حكومة إقليم كردستان بتصدير 250,000 ب/ي (برميل باليوم) من خلال قنوات الحكومة الاتحادية.
“هناك مادة في الميزانية تشير الى انه إن لم تقم حكومة الإقليم بتسليم كمية الخام المحددة , فيتوجب عليها التعويض عن الأضرار التي ستلحق بالاقتصاد العراقي ، ” كما اشار رئيس الوزراء نوري المالكي في مقابلة تلفزيونية يوم 7 آذار/ مارس. “هذا هو القانون. لم تقم حكومة إقليم كردستان بتصدير ولا حتى برميل واحد من النفط ( من خلال القنوات الاتحادية عام 2013 ). ومع ذلك فقد استلموا حصة ال 17 في المئة من الميزانية.”
وكان تحالفآ نفطيآ متنام مع تركيا قد بدا وكأنه يوفر لحكومة إقليم كردستان في السابق ورقة رابحة للعب ضد هذه التكتيكات المتشددة من بغداد . ففي إطار سلسلة من الاتفاقات الثنائية مع أنقرة ، قامت حكومة إقليم كردستان بمد خط أنابيب إلى الحدود التركية مباشرة ، وأمنت استخدام البنية التحتية اللازمة في تركيا ، وتلقت تأكيدات بأن ناتج عائدات النفط يمكن أن يصب في حساب يسيطر عليه الأكراد في تركيا. مع مثل هذه الضمانات ، يمكن أن تهدد القيادات الكردية بتصدير النفط لتصل في نهاية المطاف الى حالة الاكتفاء الذاتي ماليآ.
إلا انه لا تزال الصادرات المستقلة بطريق خطوط الأنابيب تواجه عددا من العقبات السياسية والقانونية والتقنية. فقد ضخت حكومة إقليم كردستان ما يقرب من 1.3 مليون برميل من النفط إلى تركيا ، بحسب وزير الطاقة التركي تانر يلدز ومسؤولي صناعة النفط في أربيل ، ولكن لم يتم حتى الآن بيع ايآ من ذلك النفط.

سياسات الربح والخسارة
وقد حسب القادة الأكراد بتفاؤل بانهم سيقومون بتطوير مليون برميل يوميا من الإنتاج بحلول عام 2015 ، والتي يمكن أن توفر أكثر مما يكفي من الإيرادات لجعل الإقليم مساهما صاف للميزانية الوطنية للعراق. وهذا من شأنه تحقيق الاكتفاء المالي لحكومة كردستان بشكل مستقل ، ولسوف تقلب الموازين السياسية لصالحها.
ولكن هذا النوع من قدرات تغيير قواعد اللعبة يتطلب تطوير ما قيمته المليارات من الدولارات للبنية التحتية للإنتاج والنقل. بالنظر إلى أنه لا يتوفر لحكومة إقليم كردستان المال اللازم ، فيجب أن يأتي هذا الاستثمار من الشركات العالمية. وهذه ستعطي مثل هذه الالتزامات المالية الضخمة فقط إن توفرت لديهم الثقة بان النفط سيتدفق للبيع عبر خط أنابيب موثوق به إلى الأسواق الدولية.
وبالتالي فإن حكومة الإقليم بحاجة ماسة لإثبات قدرتها على بيع النفط عبر خط أنابيب تحت سيطرتها. وفقا لذلك ، فبينما كانت القيادات الكردية تضع صفقة النفط مع تركيا ، فإنهم اتفقوا على أن مؤسسة محتملة لتسويق نفط كردستان ( كومو ) ستكون مسؤولة عن تسويق النفط الخام ، وأنه يمكن لمؤسسة تسويق النفط الحكومية ( سومو) أن تعمل فقط بصفة مراقب. وهذه سابقة من شأنها أن تؤكد على استقلالية القطاع النفطي لحكومة إقليم كردستان.

كذلك قد تم شحن قضية التعامل مع الإيرادات بتداعيات سياسية. ففي كانون الاول/ديسمبر ، قال هورامي ان عائدات حكومة الإقليم من النفط ستستخدم لدفع اجور شركات النفط وشراء الوقود المكرر من تركيا لتلبية الاحتياجات المحلية، وسيذهب ما يزيد منها إلى حساب لحكومة الإقليم في بنك هالكبانك في تركيا. مرة أخرى يشكل ذلك سابقة في السيطرة الكردية على الموارد.
بتصور هورامي ، فان الرصيد المتراكم في الحساب المصرفي سيكون مشترك في نهاية المطاف مع الحكومة العراقية ، ريثما يتم التوصل إلى اتفاق لتقاسم العائدات الوطنية. في ظل هذه الشروط، فسيكون لحكومة إقليم كردستان نفوذآ مضاعفآ في أية مفاوضات ، لأن مصير الحساب سيكون بعيدآ عن سلطة بغداد.
تستند هذه الخطة على افتراضين سياسيين : أولا، أن أردوغان سيقدم دعمآ جيوسياسيآ قويآ ردآ على أي اعتراضات من بغداد أو من حلفائها. وثانيآ ، ان المالكي سيكون ضعيفآ للغاية قبل الانتخابات العراقية في 30 نيسان/أبريل للمخاطرة باستعداء الأكراد.

انقلاب الاوضاع وتغيرها
منذ عام واحد فقط ، بدت تلك الافتراضات آمنة. فعندما سافر البارزاني الى انقرة لوضع اللمسات الأخيرة على شروط التحالف النفطي ، كان رئيس الوزراء التركي يهيمن على الساحة السياسية الداخلية وكان يتبع سياسة خارجية عدائية ليس فقط في العراق ولكن أيضا في أماكن أخرى في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ، ولا سيما سوريا ومصر.
كان هناك أيضا القليل عن الغموض عمن يكون مسؤولا عن اتخاذ القرارات النهائية لتركيا حول كردستان : ففي عشرات المقابلات، أوضح مسؤولون في الحكومة التركية ان اردوغان وحده يمكن أن يأذن بالصفقة التي ضمنت له تعزيز قوته الصاعدة. ليس من شأن الصفقة فقط أن تضمن وصول الطاقة الرخيصة لتغذية المزيد من النمو الاقتصادي ، لكن ستكون أيضا استكمالا لجهود أردوغان للمصالحة مع السكان الأكراد في تركيا ، وبنفس الوقت توجه ضربة لحكومة معادية في بغداد.
في العراق ، كان ضعف المالكي واضحا : فالكتل السياسية الشيعية المنافسة برئاسة عمار الحكيم و مقتدى الصدر استخدمت ارتفاع نفوذها للسيطرة على حكومات محلية مهمة في انتخابات مجالس المحافظات في 2013. بالنظر إلى التحدي الواضح من قاعدته الخاصة ، بدا ان أفضل أمل لرئيس الوزراء للفوز بولاية ثالثة في 2014 يتوقف على قدرته على تكوين ائتلاف عريض يشمل الأكراد الذين كان لكتلتهم البرلمانية الكبيرة في بغداد دور مفصلي في تشكيل الحكومة.
في حزيران عام 2013، قام المالكي بمبادرة لاظهار الاحترام عندما سافر إلى أربيل للاجتماع مع رئيس حكومة إقليم كردستان مسعود بارزاني. وخلال مؤتمر مشترك استخدم المالكي لغة تصالح حول حل النزاعات القائمة حول الحدود والنفط الإقليمية.
على الرغم من ذلك فقد انقلبت الظروف السياسية الآن في كل من تركيا والعراق.
ففي تركيا فإن انقسامآ داخل حزب أردوغان حزب العدالة والتنمية – بما في ذلك ظهور صراعآ حادآ بين رئيس الوزراء والحركة التي يقودها الزعيم الديني فتح الله غولن – قد أدى إلى تفشي اتهامات بالفساد واسعة النطاق. وقد ادت أيضا إلى بدء تحقيق قضائي في شبكة أردوغان من اصحاب المال وعلاقاته مع رجال الاعمال. البعض من هؤلاء هم ممن يمكن ان يربح ماديآ من جوانب من اتفاق النفط مع كردستان.
لم يعط القادة الأتراك اية اشارة تجاه إلغاء الصفقة ، لكنهم لم يزلوا غير راغبين في إبداء نواياهم بشكل علني. ففي تصريحات علنية ، كرر وزير الطاقة تانر يلدز مؤخرا موقفا متناقضا بشكل محسوب. فقال بان تركيا تفضل أن ترى حكومة اقليم كردستان تصدر النفط بموافقة بغداد.
في غضون ذلك في العراق ، تقمص المالكي شخصية زعيم حرب وسط العديد من شيعة العراق ، كما انه حشد الجيش لمحاربة دولة العراق الإسلامية والشام ، وهي جماعة منشقة من تنظيم القاعدة الذي ارتكب اعمال عنف مروعة واحكم السيطرة على بعض المناطق ذات الغالبية السنية بما في ذلك مدينة الفلوجة. في هذا الجو من الخوف والطائفية ، اكتسب المالكي سيطرة أكثر حزما على قاعدته الانتخابية.
انه قد لا يزال يحتاج في نهاية المطاف إلى تشكيل تحالف سياسي مع الأكراد ، فلئن وصل لهذه اللحظة ، فستكون من خلال مفاوضات تشكيل الحكومة الجديدة التي يعتقد حتى السياسيين العراقيين الأكثر تفاؤلا بانها ستستمر خلال فصل الصيف. ولأن المالكي يريد دخول تلك المرحلة من المساومات السياسية بمعية قاعدة واسعة من الدعم الشيعي – وبالنظر لأن قاعدته هذه تميل الى النظر الى الطموحات النفطية لحكومة إقليم كردستان باستياء – فيكون لدى المالكي كل حافز لاتخاذ موقف متشدد ضد كردستان حتى الانتخابات على الأقل.

الحرب الاقتصادية
في كانون الثاني/يناير سلمت وزارة المالية الاتحادية 588,000,000,000 دينار عراقي فقط ( 490,000,000 دولار ) إلى فروع البنك المركزي في كردستان العراق ، فقط ما يكفي من المال لدفع مرتبات موظفي الخدمة المدنية وفقا لسفين ديازي . وبعد تأخير أكثر من شهر واحد – وضغط كبير من الدبلوماسيين الامريكيين – حولت بغداد 548,000,000,000 دينارآ اخرى ( 457,000,000,000 دولار ) لشهر شباط/ فبراير.
وقد أبرزت الأزمة الناتجة ليس فقط قوة بغداد ولكن أيضا الضعف الهيكلي لاقتصاد كردستان .
إذ تحتفظ حكومة إقليم كردستان بنظام رواتب حكومي ضخم لنحو 700,000 موظف. وتوفر دعم مكلف للخدمات الأساسية. حيث سحب كل ميزانية الإقليم منذ عام 2010 نحو العجز المالي. علاوة على ذلك فإن حكومة إقليم كردستان ليس لديها إلا عائدات ضئيلة سواء من الضرائب أو من اية مصادر أخرى بمعزل عن التخصيصات السنوية الاتحادية.
مع هبوط التخصيصات الاتحادية إلى مستوى ضئيل غير كاف ، قامت حكومة إقليم كردستان بتأجيل دفع رواتب القطاع العام ، مما دفع العديد من الموظفين للقيام ببيع ممتلكاتهم كيلا يقعوا تحت طائلة العوز. وقد قام المعلمون وعمال البلدية بالعديد من الاضرابات , حتى ان شرطيآ في سوق السليمانية الرئيسي ممن لم يتقاضوا رواتبهم منذ شهرين يقول انه لم يعد يعبأ بالقبض على اللصوص. عندما امسك بهم فاني آخذ منهم نصف المال المسروق ثم اتركهم يذهبون. واضاف “لا قيمة تبقى للامساك باللصوص عندما لا يصلك الراتب”.
كما تم تخفيض رواتب الرعاية الاجتماعية والمنح للمنظمات غير الحكومية بشكل كبير. وشكا المقاولون أنهم اضطروا لتسريح الموظفين مع إشهار افلاسهم بسبب عدم استلامهم اجور المشاريع الحكومية.
ردا على ذلك، شكلت حكومة الإقليم فريق خاص للقيام بجولة على الوزارات في محاولة لتشخيص إمكانيات التوفير وزيادة الإيرادات وتخفيض التبذير , كما يقول ديازي.
وقد اتخذت حكومة إقليم كردستان أيضا تدابير استثنائية أكثر للحفاظ على السيولة النقدية. فلجأت لتملق أثرياء الأكراد للمساعدة في توفير السيولة للبنوك المحلية ، وناشد المسؤولين الأكراد بهدوء كل من الحكومات الأجنبية و البنوك العالمية للحصول على قروض ، وفقا لمسؤولين حكوميين جرى إطلاعهم على تلك الجهود.
ولجأت حكومة اقليم كردستان أيضا الى التعكز على القطاع الخاص وفقا لمسؤولي الاخير. فقد طلب من معامل الاسمنت الدفع المقدم لاثمان مرتفعة لزيت الوقود المستخدم لمدة تصل إلى سنة. وطلب من تجار النفط مزيد من الدفع المقدم لشراء النفط الخام من حقول النفط في الإقليم، ولقد تعرضت شركات النفط لضغوط لدفع الفواتير المستحقة لحكومة إقليم كردستان للمنتجات المكررة ولشرطة النفط فيه.
وقال بارزاني رئيس وزراء حكومة إقليم كردستان بان بمقدور الإقليم دفع رواتب آذار/مارس من موارده الخاصة. لكن من غير الواضح كيف يستطيع الإقليم أن يقوم بذلك أو اية أموال إضافية توجد تحت تصرفه ، وذلك لأن حكومته لا تنشر ميزانيات الوزارات. فالعديد من التدابير الطارئة التي تتخذها حكومة إقليم كردستان – مثل الدعوة على الدفع المقدم – لا يمكن أن تجري إلا مرة واحدة.

الحواجز التي تحول دون التصدير
في لقاء جرى اواخر شباط/ فبراير مع نواب من وفد برلماني كردي ، قال نيجيرفان البارزاني رئيس الوزراء ان حكومة إقليم كردستان ستقوم بتصدير النفط بشكل مستقل بمعونة تركيا ، إذا ما استمرت بغداد في قطع موارد ميزانيتنا ، وفقا لشخصين من الحضور.
لكن صادرات أنبوب النفط كانت لا تزال تواجه عقبات رئيسية. فابعد من التعقيدات السياسية الناجمة عن الاضطرابات الداخلية في تركيا ، توجد هناك حواجز قانونية وتقنية على حد سواء.
فقد استأجرت الحكومة العراقية اثنتان من شركات المحاماة الأمريكية ، هما كليري غوتليب ستين ، وهاميلتون آند فينسن آند الكينز، للمساعدة على تثبيط صادرات النفط المستقلة لحكومة إقليم كردستان. وقد أصدر محامو بغداد تحذيرات لشركة الأنابيب التركية المملوكة للدولة بوتاش وكذلك للمشترين المحتملين لنفط إقليم كردستان.
ليس من الواضح كيف ستتطور هذه الإجراءات القانونية أو من سينتصر في النهاية ، فهذه القضايا ثانوية. فالاهتمام الارأس للمشترين المحتملين وشركات تأمين شحنات النفط الخام هو التصور كحد أدنى، بان بمقدور بغداد رفع دعوى ذات مصداقية كافية للحصول على أوامر وقف الناقلات ، وتجميد الحسابات المصرفية أو لمنع المعاملات التي في توصيف بغداد ، تسهل تهريب الأصول السيادية خارج البلاد. فلن تكون حكومة الإقليم قادرة على البيع إن لم يكن التجار راغبين في الشراء.
وثمة مشكلة أخرى وهي خط الانابيب نفسه. فعلى الرغم من أن اشتي هورامي وزير الموارد الطبيعية في حكومة إقليم كردستان قد اعلن انه كامل ومهيأ للاستخدام منذ كانون الاول/ ديسمبر ، لم يكن الخط قادرآ على نقل كميات كبيرة من النفط الخام إلى الحدود التركية سواء من حقل طق طق أو خورمالة ، اثنين من الثلاثة التي تشكل العمود الفقري لحقول نفط إقليم كردستان .
بعد اعمال التصليح الأخيرة، فالانبوب الآن مهيأ لنقل 88,000 برميل يوميا من طق طق ، وفقا لإعلانات الشركة ومسؤول الصناعة الاستخراجية في كردستان المطلع على تفاصيل البنية التحتية التصديرية. ومع انتاج حقل طاوكي ، يمكن هذا أن يرفع صادرات خط أنابيب إقليم كردستان إلى 187,000 ب/ي. وهي كمية من شأنها أن توفر لحكومة الإقليم ربحآ صافيآ يشكل جزءآ صغيرآ من الإيرادات التي تحصل عادة من بغداد .
ويمكن أيضا أن تقيد الصادرات بسبب القدرة الإنتاجية المحدودة وفقا لتحليل تقرير نفط العراق بناء على إعلانات الشركة وبيانات حكومة إقليم كردستان والمعلومات المقدمة من مسؤولي الصناعة الاستخراجية.
تنتج كردستان حاليا 243,000 ب/ي : يذهب حوالي 120,000 برميل إلى المصافي الإقليمية ، في حين يتم نقل 60,000 ب/ي إلى تركيا بالشاحنات ، ويباع الباقي في السوق المحلية. إما للتجهيز في مصاف غير مرخصة أو للتصدير بالصهاريج عبر ايران. بينما يحتفظ ب 150,000 ب/ي أخرى من المنتج حاليا في باطن الارض.
إذا كانت حكومة إقليم كردستان قادرة على التغلب على العوائق السياسية والقانونية للصادرات بخط الأنابيب ، فإنها ستكون قادرة على استغلال هذه الطاقة الفائضة ، ليصل الرقم الإجمالي لصادراتها إلى 215,000 ب/ي ، وفقا لتحليل تقرير نفط العراق. بحلول نهاية عام 2014 ، فإنها يمكن أن تبيع أكثر من 450,000 ب/ي ، بما في ذلك الصادرات بواسطة الشاحنات.
ولكن بعد دفع تكاليف الإنتاج والأرباح المستحقة للشركات فضلا عن رسوم الترانزيت ، لن يكون الإيراد الجديد قريبآ من إمكانية استبدال الأموال التي تأتي عادة من بغداد.

مفاوضات صعبة
منذ كانون الثاني/ يناير ، التقى كبار القادة في أربيل وبغداد عدة مرات للتفاوض على شروط اتفاق بدء صادرات حكومة الإقليم من خلال خط أنابيب تركيا.
وقال مسؤولون شاركوا في المفاوضات بان الأميركيون كانوا ضالعين بشكل كبير ليس فقط في دفع الجانبين للاستمرار في التفاوض ، ولكن أيضا في المساعدة على رسم التفاصيل التقنية لسيناريوهات التسوية المحتملة.
بشكل سطحي ، قدم نائب رئيس الوزراء لشؤون الطاقة حسين الشهرستاني موقف تصالحي بشكل اثار الدهشة. فمهندس السياسة النفطية المركزية في بغداد اكد دائمآ أنه ليس لحكومة إقليم كردستان سلطة توقيع العقود ، وأن صفقاتها النفطية غير قانونية. إلا انه وضع هذا الاعتراض جانبآ في الوقت الراهن.
” هذه هي الخلافات بيننا والتي قد تستغرق وقتا طويلا في المناقشة ” , قال الشهرستاني في مقابلة مع صحفيين في شباط/ فبراير في بغداد. ” لذا فلنؤجل هذه المسألة “.
ولكن عندما تأتي الأمور للقضايا الأساسية المتعلقة بسلطة التصدير ، لم يتزحزح عن موقفه. إذ يرفض قادة بغداد على وجه التحديد احتمال حصول صادرات نفطية كردية بشكل مستقل إلى تركيا – وتدفق الإيرادات في حساب مصرفي تركي – باعتباره انتهاكا للسيادة العراقية .
” يجب أن تكون الصادرات من خلال سومو ، الشركة الوطنية المسؤولة عن تسويق جميع النفط العراقي ، ” قال الشهرستاني في شباط/ فبراير. ” ثم بيعه وفقا للأسعار العالمية ، بالأسعار التي وضعتها سومو – بالضبط مثلما يحدث لكل النفط العراقي “.
كذلك فقد أصر أيضا أن تذهب جميع عائدات حكومة إقليم كردستان إلى صندوق تنمية العراق (DFI) ، الحساب العراقي في بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك ، والذي جمع كل عائدات النفط العراقية على مدى العقد الماضي .
لم يرفض مفاوضوا كردستان برئاسة رئيس الوزراء بارزاني مقترحات الشهرستاني بشكل صريح. إلا انهم ، خلافا لتقارير وسائل الاعلام المحلية ، لم يلتزموا بالتصدير عبر سومو ايضآ. بدلا من ذلك ، فقد بحثوا عن سبل لقبول رأي بغداد حينا وفي نفس الوقت تعديل التفاصيل بطريقة من شأنها أن تمنح حكومة الإقليم امكانية التصرف باستقلالية فعلية بالصادرات.
على سبيل المثال ، وفقا لمسؤولين أكراد اطلعوا على المفاوضات ، أعرب بعض قادة حكومة إقليم كردستان عن استعداد مبدئي للسماح لسومو لبيع خام الإقليم ، ولكن فقط إذا تمت إعادة هيكلة الشركة بشكل أساسي لضمان قدر من السيطرة الكردية.
لقد اهتم كلا الجانبين أيضا بفكرة إنشاء آلية من شأنها أن تنقل عائدات نفط حكومة الإقليم تلقائيا إلى الحساب الفرعي الكردي من ضمن صندوق تنمية العراق. من الناحية النظرية ، يمكن هذا العراق من جمع أموال النفط مركزيا وأيضا مع ضمان حصول كردستان على عائدات النفط من دون تدخل سياسي من بغداد.
تتوق الشركات المنتجة للنفط في كردستان أيضا لرؤية حصول صفقة. أنهم يهتمون بضمانات الدفع أكثر بكثير من اهتمامهم بمدى استقلالية إقليم كردستان – خاصة الآن بعد ان وضع الشهرستاني اعتراضه الأساس على شرعية عقودهم.
يتضمن مشروع قانون ميزانية 2014 على مبلغ 2,000,000,000 دولار مخصص كأجور شركات النفط العاملة في إقليم كردستان. في السنوات الماضية ، كانت تأتي هذه المخصصات من النفقات السيادية للدولة ، ولكن هذا العام تم وضعها في حصة ال 17 في المئة المقررة لكردستان ، والتي يمكن أن تساعد في إبعاد هذه المدفوعات عن التدخل السياسي في بغداد.
وفي الوقت نفسه ، كانت الولايات المتحدة تعمل على تخفيف تأثير تركيا التي ابدت انزعاجها من احتمال حصول تغييرات أساسية لاتفاق الطاقة مع كردستان ، بما في ذلك احتمال وضع عائدات نفط حكومة الإقليم في أمريكا في نهاية المطاف بدلا من البنك التركي. وقد أثار الرئيس أوباما هذه القضية خلال مكالمة هاتفية مع أردوغان في 19 شباط/ فبراير ناقش خلالها ” أهمية تشجيع بغداد وأربيل على إيجاد أرضية مشتركة بشأن قضايا الطاقة ودعم الاتفاق الذي تحقق “، وفقا لبيان البيت الأبيض .
حتى الان يبدو احتمال التوصل لاي اتفاق بعيدآ. وذلك أساسآ بسبب ان الصراع الأساسي على السلطة بين بغداد وأربيل لا زال دون حل. وقد أثبتت الخلافات السياسية بانها عصية كونها تتعلق بتوزيع السلطات بين الحكومة الاتحادية والإقليم.
بغداد مستمرة باصرار على أن سومو هي المصدر الشرعي الوحيد في العراق ، حسب القوانين العراقية. بينما تقول حكومة إقليم كردستان أن قانون النفط الخاص بها الذي يستند على الفيدرالية في الدستور العراقي ، يلغي الاعاءات بتفرد سومو. ونظرا لتلك المواقف المتعارضة ، يبدو إن أية إعادة هيكلة رئيسية لسومو غير محتملة الحدوث في أي وقت قريب.
وفي الوقت نفسه، فكلا الجانبين لديهم شكوك حول الحساب الفرعي في صندوق تنمية العراق
DFI. فحتى لو كانت هناك آلية تضمن نزول المدفوعات فيه بالكامل تلقائيا ، يمكن لحكومة إقليم كردستان أن تشك بشكل محق بأن الحكومة العراقية ، كونها صاحبة السيادة على الحساب ، يمكنها إزالة تلك الآلية في أي وقت بشكل احادي. وفقا لذلك ، طلبت حكومة إقليم كردستان بحساب مشابه لآلية صندوق تنمية العراق ولكن تحت السيطرة الكاملة لحكومة إقليم كردستان. وهو اقتراح قوبل بالرفض من بغداد.
علاوة على ذلك ، فالشهرستاني هو على استعداد لدعم الدفعات التلقائية فقط إذا تم احتسابها في الميزانية. وأحد الخيارات التي كان يجري مناقشتها هو ان يتم جمع كل الإيرادات من صادرات الإقليم في صندوق تنمية العراق ومن ثم يعاد توزيعها لحكومة الإقليم ، وستقوم وزارة المالية باستقطاع مبلغ مساو من تخصيصات حكومة الإقليم الشهرية. في هذه الحالة ، لا تزال لدى بغداد سلطة احتساب كمية المال الوارد الى كردستان ، ويمكن أن تستمر بممارسة هذه السلطة لتهديد اقتصاد حكومة كردستان.

معارك حول الميزانية
ترتبط مفاوضات النفط ارتباطا وثيقا بميزانية 2014. ومع حكومة إقليم كردستان التي تتبعه بإلحاح ، يضغط المالكي لتحقيق مصالحه مع مشروع قانون الموازنة التي من شأنها توفير أساس قانوني لإجراء المزيد من التخفيضات في تخصيصات حكومة كردستان .
فالقانون يدعو كردستان للمساهمة بما قيمته 400,000 ب/ي من عائدات التصدير إلى الخزينة الاتحادية في عام 2014. وهو رقم مأخوذ من التقديرات المعلنة بتفاؤل في الماضي من قبل حكومة الإقليم. فإن عجزت الاخيرة عن تحقيق هذا الهدف ، ستكون الحكومة الاتحادية مخولة بإجراء تخفيضات متناسبة من حصة الإقليم.
في الواقع، إذا رفضت حكومة إقليم كردستان تصدير النفط بشروط بغداد ، فإن هذا القانون يوفر الأسس القانونية لإلغاء كل تخصيصات ميزانية كردستان عام 2014 تقريبا ، والبالغة 16.5 مليار دولار.
وحتى لو رضخ الأكراد لكل مطالب بغداد ، فلا تزال ميزانية كردستان في خطر. ووفقا لتحليل تقرير نفط العراق ، إذا كان لكردستان ان تصدر أكبر قدر ممكن من النفط في بداية نيسان/ابريل فإنها ستبيع بمتوسط ​-;-​-;-سنوي قدره 284,000 ب/ي فقط. ووفق أحكام قانون الموازنة ، سيكون لبغداد اساس لحجب ما يقرب من 7 مليار دولار أمريكي نتيجة لهذا النقص.
مرر حلفاء المالكي في البرلمان ميزانية 2013 رغم مقاطعة الاكراد ، ويبدو ان لرئيس الوزراء القدرة المطلوبة مرة أخرى هذا العام. في 16 آذار/ مارس، اصطفت الكتلة الشيعية بأكملها تقريبا في البرلمان في جبهة موحدة وأجبرت على إنهاء القراءة الأولى للقانون على الرغم من مقاطعة الوفد الكردي وعدد من الأحزاب السنية. وكان عرضا رائعا للتضامن خلال موسم الانتخابات ، عندما يكون السياسيون الشيعة المنقسمون في العادة مترددون في منح المالكي انتصارا في البرلمان.
قبل أن يتم عرض القانون للتصويت ، يجب أن تكون هناك قراءة ثانية حيث أثناءه وبعده سيناقش المشرعون التغييرات المحتملة للمشروع. في الوقت الحاضر ، قام أسامة النجيفي رئيس البرلمان واحد خصوم المالكي الرئيسين ، بوضع القانون في الانتظار.
وكان النجيفي قد قام أيضا بتعيين لجنة من ثلاثة أشخاص ، تتضمن زعيم التحالف الكردستاني فؤاد معصوم وزعيم القائمة العراقية رئيس لجنة الطاقة عدنان الجنابي ، ورئيس اللجنة المالية رئيس كتلة دولة القانون حيدر العبادي في محاولة للتفاوض. إلا ان تلك المحادثات فشلت في كسر الجمود.
في اجتماع في البرلمان يوم الثلاثاء ، التقى نواب الكتلة الشيعية لتأكيد عزمهم على تمرير الميزانية. وهددت أنها أيضا ستقاطع جميع جلسات البرلمان حتى يتم التصويت على الميزانية. وهي مناورة تسلط الضغط على النجيفي للسماح بتقدم التشريع.
” مطلبنا هو أن تقوم حكومة إقليم كردستان بتصدير النفط وأن المال يجب ان يذهب الى صندوق تنمية العراق ” ، يقول العبادي. ” هناك طرف يعارض ذلك. انهم لا يريدون أن تقوم [ كردستان ] بالتصدير ، لكن يريدون حصة من الميزانية الاتحادية. هذا ليس عدلآ ، وهو انتهاك لوحدة العراق “.

*) بقلم بن فان هوفلن, باتريك اوزكود, رواز طاهر, واعضاء تحرير نشرة تقرير نفط العراق.

لتنزيل الملف بصيغة بي دي أف انقر هنا

 

الاراء المطروحة في جميع الدراسات والابحاث والمقالات المنشورة على موقع الشبكة لاتعكس بالضرورة وجهة نظر هيئة تحرير الموقع ولا تتحمل شبكة الاقتصاديين العراقيين المسؤولية العلمية والقانونية عن محتواها وانما المؤلف حصريا. لاينشر اي تعليق يتضمن اساءة شخصية الى المؤلف او عبارات الكراهية الى مكون اجتماعي وطائفة دينية أو الى اي شخصية أو مؤسسة رسمية او دينية

التعليق هنا

%d مدونون معجبون بهذه: