أبحاث نظرية في الفكر والتاريخ الإقتصادي

د. سلام سميسم: الخمس واعادة توزيع الدخل في آليات الإقتصاد الإسلامي

لتحميل نسخة بي دي أف سهلة الطباعة انقر هنا

المقدمة

وجه أحــد المؤمنين في العراق سؤالا إلى سماحة المرجع الأعلى السيد السيستاني “دام ظله الواراف ” جاء فيه :

لقد طرق سمعي أن سماحتكم قد إذنتم إذناً عاماً لأصحاب الحقوق الشرعية بصرف سهم الإمام (عليه السلام)، فهل تأذنون لنا بنقل ذلك

الإذن عن سماحتكم لمن يرغب به من أصحاب الحقوق الشرعية؟

===============

الجواب: قد إذن سماحة السيد ـ دام ظله ـ لإخواننا المؤمنين في العراق ـ والي اشعار آخر ـ بصرف ما عليهم من سهم الإمام (عليه السلام) مع مراعاة مايلي:

  1. صرفه في تأمين الحوائج الضرورية للمؤمنين المتدينين، واما صرفه في سائر موارد صرف هذا السهم المبارك فلابد من الاستيذان بشأنه.
  2. صرفه في نفس بلد المكلف فلا يخرجه الي بلد آخر.
  3. عدم أيكال صرفه الي الغير أياً كان.
  4. تقديم الاحوج علي غيره مع الإمكان [1]

الاستنتاج

ان الفتوى اعلاه تمثل انتقالة مهمة في الفكر الاقتصادي الاسلامي ” المدرسة الامامية” و ذلك من حيث تغيير الية التوزيع لهذا المصدر المالي من جهة ، و الثاني حول توسيع مساحة القاعدة المشمولة مع اختصار الطرق المتبعة ” التقليدية” و هذا الامر يؤدي الى الوصول الى اهداف السياسة التكافلية و بابعاد العدالة الاجتماعية المنشودة.

ان الاليات السابقة التي كانت بدون وجود علاقة مباشرة بين الشخص المكلف بالدفع و الشخص المستوجب للخمس و كانت عادة تتم بوجود وكلاء المرجع كوسطاء للدفع للمستحقين و اما الاشخاص الذين يسلمون اموال الخمس فكانت تسلم مباشرة الى مكاتب المراجع و ينتهي دور الشخص هنا، اذ تاخذ المرجعية من خلال وكلائها دورها في التوزيع و اعادة التوزيع وفق ضوابط شرعية موضوعة و مسنة و مقرة من قبل العالم الفقيه المجتهد.

هنا تتوضح اهمية الفتوى الاخيرة التي جعلت الصلة مباشرة بين الشخص المكلف بالخمس و بين المستحقين و اختزالا للحلقات و اعطاء الثقة اكبر بارجحية الحكم الشخصي للافراد لاختيار و توجيه اموال الخمس.

البحث

يحتل جانب التوزيع الحيز المهم والأساس في تفسير المشكلة الاقتصادية وتحليلها، ولا يندرج ذلك على الاقتصاد الإسلامي فحسب ، وإنما على مدارس الفكر الوضعي بشقيه الليبرالي والاشتراكي، فيعتقد الليبرالي بأن المشكلة الاقتصادية الأساسية سببها قلة الموارد الطبيعية نسبياً  نظراً لمحدودية الطبيعة ، فلا يمكن أن يزاد في كمية هذه الموارد (وهنا تبرز مشكلة الندرة Scarcity) لاسيما والحاجات الإنسانية في نمو مستمر وفقاً لقانون التقدم التقني ، وهو أمر يؤدي إلى اختلال العلاقة بين الحاجة والندرة ، فتبرز المشكلة الاقتصادية.

        أما الفكر الاشتراكي فيرى أن المشكلة الاقتصادية قائمة على مشكلة التناقض بين الملكية الخاصة والطابع الاجتماعي للإنتاج ، فمتى تم الوفاق بين ذلك الشكل وهذه العلاقات ساد الاستقرار في الحياة الاقتصادية ، لذلك يرون حتمية القدرة الاشتراكية بالقضاء على النظام الرأسمالي.

        ويرى الإسلام أن المشكلة هي مشكلة الإنسان نفسه ، ويتضح ذلك في الآيات الكريمة التالية : (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأَنْهَارَ * وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ * وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ)([2])، فتوضح هذه الآيات الكريمة أن الله سبحانه وتعالى حشر للإنسان في هذا الكون كل مصالحه ومنافعه ، ووفر له الموارد الكافية لإمداده بحياته وحاجاته المادية ، ولكن الإنسان هو الذي ضيع على نفسه هذه الفرصة التي منحها الله له ، بظلمه وكفرانه ، فظلم الإنسان في حياته العملية وكفرانه بالنعمة الإلهية ، هما السببان للمشكلة الاقتصادية في حياة الإنسان، ويتجلى الظلم اقتصادياً في سوء التوزيع، وأما كفران النعمة فيتجلى في إهمال الإنسان لاستثمار الطبيعة وموقفه السلبي منها.

        وعلى ذلك فإن محو الظلم من العلاقات الاجتماعية للتوزيع ، وحشر الطاقات الإنسانية للاستفادة من الطبيعة واستثمارها ، أو بالأحرى تأدية المهمة الاستثمارية بالشكل الذي يرضاه الباري عز وجل تؤدي إلى زوال مظاهر الانحراف في الاقتصاد الإسلامي.

        لذا لا يقر مذهب الاقتصاد الإسلامي مفهوم المشكلة الاقتصادية بالشكل الذي طرحته المدرسة الليبرالية ، وما نكسات الإنتاج وحدوث مضاعفات بين الموارد المتاحة والحاجات الاقتصادية المتعددة التي تحدث في اقتصاد إسلامي بين فترة وأخرى إلاّ تقصير من الإنسان المستخلف فرداً كان أو جماعة أو دولة في إدارة الاقتصاد الإسلامي، وليس مردها الندرة النسبية للموارد المتاحة والحاجات الاقتصادية  المتنامية دائماً كماً وكيفاً ، ويستخدم الإسلام كإحدى وسائله في حل سوء التوزيع (السياسة المالية) الإيرادات العامة والنفقات العامة ، وذلك في استخدام يؤدي إلى إعادة التوزيع بما يكفل تحقيق العدالة الاجتماعية التي هي في النهاية شكل من صور الرحمة الإلهية التي كتبها الله على نفسه، وتتجلى في رد الفعل الاقتصادي في الوصول إلى حد الكفاية.

وتتمثل صور الإنفاق العام في الفكر الاقتصادي الإسلامي في :

  1. 1.      الإنفاق على المشاريع العامة .
  2. 2.      توزيع الصدقات على مستحقيها .
  3. 3.      توزيع الغنائم .
  4. 4.      النفقات العسكرية .
  5. 5.      توزيع الخمس .
  6. 6.      رواتب القضاة والولاة والعمال .
  7. 7.      العطــاء .

     اختلفت آراء فقهاء المسلمين اختلافاً شاسعاً في (الزكاة)، الركن الثالث للإسلام ، حتى أصبحت الزكاة من مظاهر تفرق المسلمين، فبعض العلماء يزكي مال الصبي والمجنون ، والآخر لا يزكيه ، وهذا يزكي على ما يستنبته الإنسان من الأرض، وذلك لا يزكي إلاّ نوعاً خاصاً من النبات أو الثمر، وهذا يزكي الديون، والآخر يعترض عليه، وذلك يزكي عروض التجارة ، وهذا لا يزكيها ، وبعضهم يزكي حلي النساء، وذلك لا يزكيه، وهذا يشترط النصاب، وذلك لا يشترط ، وهذا وذاك ، إلى آخر ما تناولته الآراء فيما يجب زكاته وما لا تجب ، وفيما تصرف فيه الزكاة وفيما لا تصرف، لذا باينت الزكاة من الناحية النظرية من الناحية العملية مباينة كبيرة في البلاد الإسلامية ، كما أدى استخدام النظام الضرائبي (المعتمد على نظريات اقتصادية وضعية) بالأفراد إلى التوقف عن دفع الزكاة – لاسيما زكاة الأموال الباطنة – التي لا تؤدي على الإطلاق ، أو لا تؤدي بالقدر الذي فرضه الشرع.

        أنشأت بعض دول الإسلام دوائر رسمية لجمع الزكاة ، واقترن جمعها بالقسر والإرهاب وغيره من الآفات ، كما أن هذه (الزكاة المجموعة) لا يتم إنفاقها في وجوهها الشرعية ، كما تحولت زكاة الزروع المعروفة باسم (العشر) إلى ضريبة مدنية بحتة ، ومع ذلك يحاول معظم المسلمين في بلاد الإسلام إخراج زكاتهم على أموالهم الظاهرة على الأقل ، ما لم يكونوا محملين بضرائب ثقيلة (وهو أمر وارد في معظم الأحيان) مما يؤدي إلى وقوع الكثير من المخالفات الشرعية بسبب ذلك.

        يصنف الفرد في (فرضية دولة إسلامية) إلى ثلاث فئات: المؤمن والمسلم والمنافق، فالمؤمن بالمقياس الاقتصادي من له الاستعداد للتنازل عن حد كفايته لبيت المال حتى إلى حد الكفاف في بعض الأحيان ، أما المسلم فهو الذي يؤدي الفرائض الجبرية بشكل منتظم ، أما المنافق فهو الذي يمتنع عن أداء الفرائض الجبرية في بعض الأحيان ناهيك عن الصدقات الطوعية ، والزكاة هي فريضة جبرية ركنية ، يرتد من جحدها كما قال أبو بكر الصديق ((رضي الله عنه)) “والله لأقاتلن من فرق بين الزكاة والصلاة “، لكنها متروكة للإنسان المؤمن كلياً كبقية الفرائض، وهي نظام ضرائبي كامل وضعه الإسلام على (دخول الأفراد) للحد من تفاوتها بصورة غير مباشرة ، ويعيد توزيعها تحت معيار (حد الكفاية) مما يحدد عملية تراكم رأس المال ويضيقها ، ولكن ليس على حساب إفقار أحد ، إذ أخضع الإسلام صندوق الادخار إلى  الضريبة وعامله كرأسمال عامل فعلاً في النشاط الاقتصادي مما أدى إلى زيادة الفاعلية الاقتصادية لرؤوس الأموال المتوفرة ، فالدخل القومي لأي اقتصادي يمكن كتابته بالمعادلة الآتية([3]):

     الادخـــار

(بنوعيه العام والخاص)

+

الدخل القومي =     الاســتهلاك

  (بنوعيه العام والخاص)

        ولما كان مصدر الاستثمار هو الادخار ، كما أن حجم الاستثمار يساوي حجم الادخار، إذن يمكن أن يصار إلى المعادلة التالية في صياغة الدخل القومي

     الاســـتثمار

(بنوعيه العام والخاص)

+

الدخل القومي =    الاســتهلاك

(بنوعيه العام والخاص)

        بعبارة أخرى ، فإن كل ما هو في نطاق الادخار يعد فائضاً عن الاستهلاك ، وبالتالي قابلاً للاستثمار ، إذن لابد من توظيفه طلباً لتحقيق الفاعلية الاقتصادية لمجمل نشاطات الاقتصاد القومي، وإن أي تعطيل في توظيف ما هو مدخل يعني التفريط بالإمكانات والموارد المتاحة ، لذا فالمشرع الإسلامي حريص على دفع الناس لتوظيف ما يفيض عن استهلاكهم خدمة للاقتصاد القومي من جهة ((كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم)([4])، وحريص –من جهة أخرى – على أن تكون جميع الأموال الموجودة (المستثمرة فعلاً والمدخرة) مصادر للفائدة العامة للمسلمين ، لذلك يعامل الحصة المدخرة كمعاملة الحصة المستثمرة فعلاً بعد نجاوز النصاب، وهو الحد الذي يفصل بين ما هو ضروري للاستهلاك الشخصي وبين ما يجب أن تبدأ عنده الممارسات الاقتصادية طلباً لزيادة الغلة والإنتاج ضمن القواعد المنصوص عليها في الشريعة الإسلامية.

مؤدو الزكـاة

        لا يؤدي الزكاة إلاّ المسلمون البالغون العاقلون عن أنواع الأموال الآتية :

  1. ما يخرج من زرع إذا زرع ليكون طعاماً.
  2. الثمار ، لاسيما التي ورد ذكرها صريحاً في الحديث الشريف (العنب والتمر).
  3. الأنعام ، أي الإبل والبقر والغنم والخيل.
  4. الذهب والفضة.
  5. عروض التجارة.

ويجب أداء الزكاة عن الصنفين الأولين عند حصادهما على الفور، ولا تؤدى زكاة الأصناف الثلاث الأخرى إلاّ إذا ظلت في حوزة صاحبها حولاً كاملاً من غير أن تنقطع ملكيته لها، ويشترط وجوب الزكاة بلوغ النصاب، والنصاب في الصنفين الأولين هو خمسة أوسق ، والوسق هو (حمل البعير)، ويكون ستون صاعاً، والصاع تسعة أرطال ، فيكون المجموع 2700 رطل ، وتكون الزكاة هي العشر (إذا كان الزرع مسقياً بماء السماء)، ونصف العشر (إذا كان مسقياً بماء النهر أو البئر)([5])، وأحكام الصنف الثالث من الزكاة (زكاة الأنعام) معقدة لمراعاتها نوع الحيوانات وأعمارها وعددها ، واتباعـاً لمنهج أبو بكر الصديق (رضي الله عنه) الذي عد نصاب الإبل خمسة ، ونصاب البقر عشـرون ، ونصاب الغنم أربعون ، فضلاً عن شـروط كثيرة وأحكام كثيرة اختلف فيها الفقهاء واتفقوا([6])، وبصورة عامة ، يقوم صاحب القطيع بتقسيم قطيعه إلى ثلاثة أقسام ، جيدة ومتوسـطة ورديئة ، ويتم أخذ زكاة الحيوان من القطيع المتوسط ، وأما زكاة الصنفين الرابـع والخامس ، فهي ربع العشر (2.25%) ، ونصاب المعادن النفيسة حسب وزنها ، وهو في الذهب عشرون مثقالاً (أو ديناراً = 84 غم على وجه التقريب = 1.320 قمحة)، ونصاب الفضة سبعة أمثال ذلك ، وهو 200 درهم (ويقدر النصاب على الذهب والفضة بحسب قيمتها التجارية)، وأما قيمة عروض التجارة فيجب أن تقدر في نهاية الحول بالذهب والفضة ، كما يصح أداء الزكاة عما يتحصل في المناجم من معادن نفيسة وما يوجد من كنوز ودفائن إلى بيت المال ، وجاء عن خالد بن أسلم ، مولى عمر بن الخطاب (رضي الله عنه)، قال ” خرجت مع عبد الله ابن عمر بن الخطاب ، فلحقه إعرابي ، فقال له : فو الله ( وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ)([7])، قال له ابن عمر : من كنزها فلم يؤد زكاتها ، فويل له ، إنما كان هذا قبل أن تنزل الزكاة ، فلما أنزلت جعلها الله طهوراً للأموال ، ثم التفت فقال: ما أبالي لو كان لي (جبل) أُحد ذهباً ، أعلم عدده وأزكيه ، وأعمل فيه بطاعة الله عز وجل”([8]).

        ولا تجب الزكاة على الأموال إلاّ بعد إخراج حصة الدولة من الضرائب وغيرها ، ثم ما يكفي الفرد وعائلته ، ثم بقائها حولاً كاملاً دون أن تستعمل ، فتجبى الزكاة مرة واحدة في السنة ، ويجوز أداء الزكاة للأفراد الذين يستحقونها مباشرة ، ومن الأفضل (لاسيما عند الأمامية) أداؤها للإمام أو (الحاكم الشرعي) لكي  يقسمها حسب الشرع ، ويجب على المسلمين – فرضاً – أداء الزكاة إلى الدولة لو طلبت الدولة منهم ذلك، (وإن كانت صفة الحكومة لا تحقق ضمان صرفها في وجوهها)، لذا يرى بعض الفقهاء (لاسيما الحنفية) أنه يجب على الفرد – إرضاء لضميره – أن يؤدي الزكاة مرة أخرى ويقسمها على مستحقيها ، علماً أن الدولة ستقتصر عند أخذ الزكاة على (الأموال الظاهرة) أي الأشياء الظاهرة من الأصناف الثلاث الأولى ، وأما (الأموال الباطنة) التي تتضمن الصنفين الأخيرين فهي خارج إشراف الدولة ولا يمكن التنبؤ بها ، لذا يترك أداء الزكاة عنها إلى ضمير الفرد كلياً .

        وعن علي عليه السلام قال : قال رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] ([9]) :

        “إني قد عفوت عنكم عن صدقة الخيل والرقيق، ولكن هاتوا ربع العشر من كل أربعين درهماً درهماً ” .

        وعن ابن عمر وعائشة ([10]):

         ” إن النبي [ صلى الله عليه وآله وسلم ] كان يأخذ عن كل عشرين ديناراً ” .

        وأما ما يقال عن إخراج الزكاة ، فعن عبد الله بن أبي أوفى قال : كان رسول الله [صلى الله عليه وآله وسلم ]، إذا أتاه الرجل بصدقة صلى عليه ، فأتيته بصدقة مالي فقال [صلى الله عليه وآله وسلم ]: “اللهم صل على آل أبي أوفى”.([11])

عن عائشة ، قالت : سمعت [ رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ] يقول : “لا زكاة في خال حتى يحول عليه الحول “ ([12])، وعن أبي سعيد الخدري أنه سمع النبي [ صلى الله عليه واله وسلم ] يقول: “لا صدقة فيما دون خمسة أوساق من التمر ، ولا فيما دون خمس أوراق ، ولا فيما دون خمس من الإبل([13])، وفي الإمكان تعجيل الزكاة قبل حلولها ، كما جاء عن علي بن أبي طالب (عليه السلام)، إن العباس سأل النبي [ صلى الله عليه واله  وسلم ] في تعجيل صدقته قبل أن تحل . فرخص له ذلك([14])، ويتضح من ذلك عظم أجر صدقة المال ، وهو حافز للمسلمين حتى يؤدوا حقها ويوفوه .

        أما زكاة الفطر ، فهي الصدقة الواجبة التي يؤديها المسلم في شهر رمضان(*) ، وتنتهي في الأول من شهر شوال (وإن كانت تعد من السنن وليس من الوجوب عند المالكية) ، ويؤديها كل مسلم عن نفسه وعن جميع من يعيلهم من أفراد عائلته ، ولا يعفى منها إلاّ من كان لا يملك شيئاً يزيد من قوته وقوت من يعيلهم ، واختلف العلماء في مقدارها ، إلاّ أنه اتفق في الوقت الحاضر على أن مقدارها (صاع واحد من الدقيق أو ما يعادله من طعام أهل البلد) عن كل فرد من أفراد العائلة ، ويراعى جميع المسلمين في أنحاء العالم أحكام زكاة الفطر مراعاة تامة دقيقة ، لعدهم إياها من واجبات شهر رمضان وآدابه.

– أوجـه الزكـاة

        حددت (آية كريمة) أوجه صرف الزكاة في ثمانية أصناف ، ومنعت صرف أي شيء من الزكاة خارجها ، وهي قوله تعالى:

        (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) ([15]) .

            إذ تقسم الآية الكريمة مستحقي الزكاة إلى فئتين :

الفئة الأولى : أفراد مستحقون للزكاة وينفقونها على الوجه الذي يرونه ، وهذه الفئة هي التي أضيفت الصدقات إليها في الآية بحرف (اللام) وهم (الفقراء والمساكين والعاملون على الزكاة والمؤلفة قلوبهم والغارمون وابن السبيل) .

الفئة الثانية : هي (المصالح العامة) التي تنتفع بها الأمة كلها ، وهذه الفئة هي التي أضيفت الصدقات إليها في الآية بكلمة (في) ( في الرقاب ، وفي سبيل الله) .  

1 ، 2 – الفقراء والمساكين

        اختلف في الفرق بين الفقير والمسكين على قولين ، أحدهما أنهما صنف واحد وإنما ذكر الصنفان تأكيداً للأمر وهو قول الجبائي(*) وإليه ذهب أبو يوسف(**)، فقالا فيمن قال ثلث مالي للفقراء والمساكين وثلثيه لفلان، لأنهما صنف واحد ، والقول الآخر وهو قول الأكثرية أنهما صنفان، وهو قول الشافعي(***) وأبي حنيفة(****)، واختلف هؤلاء في تعريف الفقير والمسكين ، فقيل عن ابن عباس إن الفقير هو المتعفف الذي لا يسأل والمسكين الذي يسأل ، بينما قال الحسن(*****) والزهري(******) بأن المسكين مشتق من المسكنة بالمسألة ، وأعتمد في ذلك على رواية علي بن الحسين (عليه السلام) اعتماداً على قول رسول الله [ صلى الله عليه وسلم]:

 ” ليس المسكين الذي يطوف على الناس ترده اللقمة واللقمتان والمرة والمرتان، ولكن المسكين الذي لا يجد غنياً يغنيه، ولا يفطن به فيتصدق عليه، ولا يقوم فيسأل الناس([16])

      أما إبراهيم(*) فقال (الفقير هو الزمن المحتاج والمسكين هو الصحيح المحتاج)، بينما قال الشافعي وابن الأنباري(**) (إلاّ أن “الفقير أسوأ حالاً من المسكين ، فإن الفقير هو الذي لا شيء له والمسكين الذي له بلغة من العيش لا تكفيه)، واحتجا بقوله تعالى : (أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ)([17])، بينما الفقير مشتق من (فقار الظهر) فكأن الحاجة كسرت فقار ظهره ، وقال أبو حنيفة(***) وابن دريد ويونس(****) “المسكين أفضل حالا من الفقير” ، وأجابوا عن السفينة بأنها كانت مشتركة بين جماعة، لكل واحد منهم الشيء اليسير ، وربما سماهم القرآن “مساكين” على وجه الرحمة، وقال آخرون (الفقراء هم المهاجرون والمساكين بقية الناس)، ولكن أجمع الفقهاء جميعاً على أن الفقراء والمساكين أجدر الناس بالصدقات وأحقهم بها، وجعل الإسلام كفارة الأخطاء التي يقع بها المسلمون إطعامهم مثل كفارة اليمين ، والقتل الخطأ ، والإفطار في رمضان ، والاعتداء وغيرها ، كما جعل لهم حقاً في الفيء والغنائم ، ثم جعل إهمالهم وعدم الحض على إطعامهم آية من آيات التكذيب بالدين ، كقوله تعالى (أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ  فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ) ([18]) .

        لقد عنى القرآن الكريم بالفقراء والمساكين هذه العناية الفائقة ، نظراً لأنه قلما يوجد مجتمع يخلو منهما، ويغلب أن تكون حاجته ليست آنية من قبل نفسه وسوء تصرفه ، كما أنه الصنف الذي يهدد بحاجته وثورة فاقته وضيق صدره أمن المجتمع واستقراره ، وبالزكاة تسد حاجته ، ويطهر قلبه من الحقد والحسد ، وبذلك سيتعاون مع الأفراد الآخرين في سبيل نمو المجتمع وازدهاره.

3 ـ العاملون على الزكـاة

        هم الأفراد الذين يكونون مسؤولين عن جباية الزكاة ممن تجب عليهم ، ويستحق هذا (الموظف) أجره من نفس مال الزكاة ، ولما أهمل جانب الزكاة في عصرنا الحالي ، سقط هذا الصنف من دائرة الاستحقاق إلى أن يعود للزكاة نظامها ويعين لها جباتها، وهذا من وقف النص لعدم محله ، وليس من نسخه لعدم صلاحيته.

4-  المؤلفة قلوبهم

        هم ضعفاء الإيمان الذين تخشى عليهم الردة عن الإسلام إذا لم يعطوا ، ويشملون من يرى أهل الرأي أنهم موضع إعانة لقضاء مصالح المسلمين الهامة، ورأى بعض الفقهاء سقوط هذا الصنف من دائرة الاستحقاق ، ويذكرون كلمة عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) التي وافق عليها الصحابة جميعاً :” كنا نؤلف حين كان الإسلام في ضعف ، أما الآن وقد عز وقويت شوكته فلا حاجة بنا إلى التأليف”، والواقع إن تصرف عمر (رضي الله عنه) لم يكن نسخاً للحكم حتى يستمر سقوطهم من دائرة الاستحقاق إلى الأبد ، وإنما هو “تطبيق لوصف الاستحقاق ” ( إن وجد الوصف وجد الاستحقاق ، وإن عدم عدم)، وقد عدم في زمن عمر (رضي الله عنه)، فلم يعد هؤلاء النفر من أشراف قريش بحاجة لأموال الزكاة بعد تدفق أموال الفتوحات عليهم ، لذا منعوا منها ، وليس من ريب أن حاجة المسلمين اليوم في دفع الشر عنهم ماسة من أجل تقوية ضعفائهم ، والاستعانة بكل ما  ينفع في رد العدوان والبغي ، كما لجأ “أعداء الإسلام” إلى اقتباس سياسة “المؤلفة قلوبهم” ، فأنشأوا آلاف المشاريع التي تمد كل ضعيف للإيمان ، وكل من لا يعرف دينه حق المعرفة ، بالمساعدات النقدية والعينية لاستمالة قلوبهم ونبذ الإسلام خطوة فخطوة ، وقال فضيلة الشيخ محمود شلتوت شيخ الجامع الأزهر (لذا فنحن لا حاجة لنا أن نغلق هذا الباب، وقد فتحه القرآن لنا على مصراعيه ، وأورده بكلمة واضحة تحمل معناها وتؤدي غايتها ، فالذي كان من عمر والصحابة (رضي الله عنهم) هو وقف للحكم في زمانهم ، وليس نسخاً له)([19]).

5-الغارمـون

هم الذين ركبتهم الديون في غير معصية ولا إسراف، كإصلاح ذات البين ، أو لحقتهم بسبب كساد في تجارتهم أو مصانعهم، وسيضر إفلاسـهم بالمسلمين ، لذا يقضي (بيت المال) ديونهم ، أو جزء منها بقدر ما يرد إليهم ثقتهم وثقة من حولهم(*)، وليس من هذا الصنف من لحقته الديون بفساد أخلاقه أو سوء تصرفه أو إمعانه في الحرام.

6- ابن السبيل

        هو المسافر المنقطع به ، والبعيد عن ماله وأهله، المحتاج إلى مال لإتمام مهمته والرجوع إلى وطنه ، لذا يعطى من الزكاة ، وإن كان ذا يسار في بلاده .

7- في الرقـاب

        يعني به تحرير العبيد من الرق وعتقهم ، سواء كان بإعطائهم المال كله أو مساعدتهم في المكاتبة ، ويقول الشيخ محمود شلتوت “هذه الناحية قد انقرض أثرها بانقراض الرق ، ولكن نشأ رق أخطر منه في عصرنا الحالي ، يستعبد الشعوب – لاسيما الإسلامية منها – في أفكارها ، وفي أموالها ، وفي حريتها ، فما أجدر به أن يكافح بأموال الزكاة أو غيرها وحتى بالأرواح”([20]).

8- في سـبيل الله

        هو الجهاد بلا خوف ، ويدخل فيه عند الفقهاء جميع مصالح المسلمين ، التي لا ملك فيها لأحد ، والتي لا يختص بالانتفاع بها أحد، فملكها لله ، ومنفعتها لجميع المسلمين ، وأولها حماية دين الله من أعدائه بكافة الوسائل المتاحة ، ليس فقط بإعداد الجيوش، وإنما بتثقيف الأمة المسلمة ببناء المدارس، وحفظ صحتها ببناء المستشفيات، وتسهيل أمورها بتشييد الطرق والجسور وغيرها من مصالح المسلمين .

–     الخمـس

        الخمس هو نسبة مفروضة (20%) من الأموال، واختلفت في الخمس المذاهب الإسلامية ، إلاّ أن إقراره مستند على النص القرآني ، وهو نص واضح وصريح : (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ )([21])، حيث ركزت الأمامية على إن الغنم يكون في الحرب عند الفتح (الاستيلاء على غنائم الكفار)، أو قد يكون سلماً حيث أن الكسب هو الغنم ، والأموال هي([22]):

  1. الغنائم  .
  2. الكنـوز .
  3. المعـادن .
  4. الصيد وما يخرج من البحر .
  5. أموال أخرى اختص الأمامية في القول بمشروعية الخمس فيها :

لابد من الإشارة بأن الاختلاف في تفسير الغنائم ليس في المعنى اللغوي ، بل ما تعنيه الغنائم وفي الطريق الذي تكتسب منه هذه الغنائم ، إذ جاء في القاموس عنها: “والغنيمة والغُنم والفيء هي الفوز بالشيء بلا مشقة أو هذا الغنم، والفيء الغنيمة”([23]) ، بينما ترى المذاهب الإسلامية الأخرى أن الغنيمة مقصودة ب‍(جمع الحرب) حيث:

  1. قال الشافعي : “والغنيمة هي الموجف عليها بالخيل والركاب والفيء هو ما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب”([24]).
  2. قال يحيى بن آدم : “والغنيمة ما غلب المسلمون بالقتال حتى يأخذوه عنوة ، والفيء ما صولحوا عليه : أي من الجزية والخراج”([25]) .
  3. قال الماوردي : “والغنيمة والفيء يفترقان في أن المال مأخوذ عفواً ومال الغنيمة مأخوذ قهراً”([26]) ، اعتماداً على حديث “ليس لي من فيئكم ولا هذه الوبرة إلاّ الخمس وهو مردود عليكم”، وكان ذلك بمناسبة قسمة الغنائم التي حصل عليها عقب غزوة حنين([27]).

بينما يضيف الأمامية إلى غنائم الحرب ، أرباح التجارات وفيما فضل منها عن مؤونة السنة له ولعياله([28])، ولهذا يعد أي مكسب أو مصدر يتأتى منه ربح حرباً أو سلماً خاضعاً للقاعدة عند الأمامية، في وقت تكون غنائم الحرب فقط هي المشمولة عند الجمهور، وفي وقت يعرف الجمهور الغنيمة([29]): هي المال الذي يحصل عليه المسلمون من الكفار المحاربين بقتال، وتقسم هذه الغنيمة إلى خمسة أقسام ، أربعة أقسام منها توزع على الغانمين ، للراجل سهم وللفارس سهمان عند أبي حنيفة، وقال الأئمة الثلاثة : للفارس ثلاثة أسهم ، ويؤيد صحيح السنة هذا، أما الخمس الباقي فيقسم حسب الآية الكريمة المذكورة آنفاً من سورة الأنفال ، وأما مصارف الخمس فقد اختلفت المذاهب فيها في خمس طوائف([30]):

أولاً :  قول مالك : لا يستحق الخمس لصنف دون صنف ، وإنما هو موكول إلى نظر الإمام يصرفه فيما يراه مصلحة المسلمين، أما ذوو القربى فإنه يعطيهم كفايتهم من بيت المال، فذكر الأصناف في الآية للتمثيل لا للحصر في رأي.

ثانياً :  قول أبي حنيفة : يقسم الخمس إلى ثلاثة أقسام: لليتامى ، وللمساكين ، وأبناء السبيل ، وأما سهم الرسول [صلى الله عليه وآله وسلم] فإنه قد سقط بوفاته، وكذلك سهم ذوي القربى،        أما ذكر الله تعالى في الآية فهذا ليس لإثبات سهم له، وإنما ذكر اسمه تعالى لافتتاح الكلام به على سبيل التعظيم.

ثالثاً:   قول الشافعي وأحمد والظاهرية: يقسم الخمس إلى خمسة أقسام، وقالوا في سهم الله تعالى كما قال أبو حنيفة، وتبقى خمسة أسهم: يصرف سهم الرسول [صلى الله عليه وآله وسلم] منها في مصالح المسلمين، وسهم ذوي القربى هو للموجود منهم من بني هاشم وبني عبد المطلب ، والأسهم الثلاثة الباقية هي لمن ذكر في الآية: ليتامى المسلمين ومساكينهم وأبناء السبيل منهم .

رابعاً : قول الأمامية في المشهور عندهم : تقسم إلى ستة أسهم:   ثلاثة منهم للإمام، لأن سهم الله تعالى للرسول [صلى الله عليه وآله وسلم]، وبعد وفاته  [صلى الله عليه وآله وسلم]، انتقل سهم الله تعالى وسهم الرسول للإمام بالوراثة ، كما أن المراد بذوي القربى عندهم هو الإمام خاصة فهذه ثلاثة أسهم له، وأما الثلاثة الباقية فهي لليتامى والمساكين وأبناء السبيل الذي يوجد من بني عبد المطلب فقط ، لا من عموم المسلمين، علماً بأن الأمامية توجب الخمس في الأموال التالية([31]) :-

        غنائم دار الحرب ، والكنائز ، والمعادن ، والغوص ، وأرباح التجارات ، وأرض الذمي إذا اشتراها من مسلم ، وفي الحرام إذا اختلط بالحلال ولم يتميز .

احكام الخمس

ياخذ الخمس من سبعة موارد حسب المذاهب الفقهية (الجعفرية والحنفية والمالكية والحنبلية والشافعية) وهي:

1- الغنائم الماخوذة من الحرب حيث ياخذ منها الخمس (20%) باتفاق الجميع.

2- الاموال التي تزود عن المؤنة الشخص وعائلته مهما كان مبلغها وتخرج كل سنة وقد انفردت الجعفرية بالقول بوجوب اخذ الخمس من هذه الاموال.

3- المعدن وهو كل مايخرج من الارض مثل الذهب والفضة والنفط والحديد والى ذلك. قال الجفرية بوجوب اخراج الخمس منها اذا زاد سعرها عن نصاب الذهب (عشرون مثقالا) اما اذا سعرها اقل من ذلك فلا خمس بها. اما الحنفية فقالوا بوجوب اخراج الخمس منها بقليله او كثيره اي حتى لو كان سعره اقل من النصاب (عشرون مثقال ذهب). اما المالكية والحنبلية والشافعية بوجوب اخراج الزكاة منها وهي 2.5% اذا تجاوز النصاب فقط.

4- الركاز وهو المال المدفون تحت الارض وقد باد اهله ولايعرف لهم اثر. فقال الحنفية والمالكية والحنابلة والشافعية بوجوب اخراج الخمس منه بقليله وكثيره بلا اعتبار للنصاب[2]. اما الجعفرية فقالوا باخراج الخمس منه اذا تجاوزت قيمته النصاب فقط.

5- مايخرج من البحر بالغوص مثل اللؤلؤ والمرجان وقد قال الجعفرية بوجوب اخراج الخمس منه اذا تجاوزت قيمته مثقال الذهب. ولاخمس عليه بالنسبة للمذاهب الاخرى .

6- المال الحرام المختلط بالذمة. قال الجعفرية انه اذا اصاب الشخص مالا حراما واختلط مع ماله الحلال. ولم يعلم قيمة هذا المال الحرام ولا صاحبه فعليه اخراج الخمس من كل امواله. فاذا فعل احل له باقي ماله سواء كان قيمة الحرام اكثر او اقل من الخمس .

7- شراء الذمي للارض. قال الجعفرية اذا اشترى الذمي ارضا من مسلم وجب على الذمي بالذات ان يدفع خمس سعر الارض.

إلى من يدفع الخمس؟

قال الشافعية والحنابلة: تقسم الغنيمة -وهي اموال الخمس- الي خمسة اجزاء متساوية واحد منها سهم الرسول ، ويُصرف على مصالح المسلمين ، وواحد يُعطى لذوي القربى ، وهم مَن انتسب إلى هاشم بالأبوّة مِن غير فرق بين الأغنياء والفقراء . والثلاثة الباقية تُنفق على اليتامى والمساكين وأبناء السبيل سواء أكانوا مِن بني هاشم أو مِن غيرهم .

اما الحنفية فهم يقسمون الاموال إلى ثلاثة فقط حيث قالوا ان سهم الرسول قد سقط بوفاته واما ذوي القربى فهم كغيرهم من الفقراء يعطون لفقرهم لا لقرابتهم من الرسول.

وقالت المالكية ان اموال الخمس ترجع إلى ولي الامر يتصرف بها كما يشاء.

وقال الجعفرية: إنّ سهم الله وسهم الرسول وسهم ذوي القربى يُفوّض أمرها إلى الإمام أو نائبه يضعها في مصالح المسلمين . والأسهم الثلاثة الباقية تُعطى لأيتام بني هاشم ومساكينهم وأبناء سبيلهم ، ولا يشاركهم فيها غيرهم[32] .

        وعلى هذا يتضح إن الخمس موجود ومقرر في المذاهب جميعا،  إلاّ أنها تختلف من ناحيتين :

الأولى :  في الأموال التي فيها الخمس، حيث اتفقت جميعها في الأصناف عدا أن الأمامية أضافوا إليها الأصناف المذكورة أعلاه ، وهو منطلق من تفسير الربح والغنيمة في وقت تُحصر الغنيمة في مذاهب أخرى بغنيمة الحرب فقط(*)، وبنظرة عامة يرى أن الأمامية في نظراتهم للغنيمة كانوا ينطلقون من الربح أو النماء، فحددوا ذلك بغنيمة الحرب وأضافوا إليها أرباح التجارات والمصادر الأخرى.

الثانية : في أوجه الإنفاق ، إذا اختلفوا في توجيهها ولكنهم عموماً اتفقوا على أن يجمع الخمس وينفق في مصالح المسلمين عامة ، ولمسـتحقيها (وإن تباين صنف المستحقين) ثانية ، وفي ذلك تطابق تام مع أهداف السياسة المالية الإسلامية.

(*) باحثة اقتصادية ومديرة دار النهرين للاستشارت الاقتصادية

لاراء الواردة في كل المواد المنشورة على موقع شبكة الإقتصاديين العراقيين لاتعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير وانما عن رأي كاتبها فقط وهو/وهي الذي يتحمل/تتحمل المسؤولية العمية والقانونية

الهوامش


[1] انظر نص الفتوى على الرابط التالي:

http://www.iraaqi.com/news.php?id=1827&news=3#.VXw1Kfl0i3c

([2])  سورة إبراهيم ، الآيات 33-35 .

([3])  فاضل الحسب ، محاضرات في الاقتصاد الإسلامي ، طلبة الماجستير ، معهد التاريخ العربي ، بغداد ، 1995-1996 . ثم لمزيد من التفاصيل أنظر : سلام عبد الكريم سميسم ، المديونية الخارجية واختلال موازين المدفوعات ، رسالة ماجستير مقدمة إلى معهد البحوث ، والدراسات العربية ، قسم الدراسات الاقتصادية ، بغداد .

([4])  سورة الحشر ، آية 7 .

([5])   الطبرسي ، مجمع البيان ، مصدر سابق ، ص 345 ، أنظر : محمود شلتوت ، الإسلام عقيدة ، مصدر سابق ، ص 86-88 .

([6])   الطبرسي ، مجمع البيان ، مصدر سابق ، ص 347 ، أنظر : محمود شلتوت ، الإسلام عقيدة ، مصدر سابق ، ص 90 .

([7]) سورة التوبة ، آية 34 .

([8])   ابن ماجة ، السنن ، مصدر سابق ، 1791 ، ج1 ، ص238 .

([9])   ابن ماجة ، السنن ، 1791 ، مصدر سابق ، ج1 ، ص 329 ، ينظر: شرح الخوزي ، مصدر سابق،  ج3 ، ص 101 .

([10])   ابن ماجة ، السنن ، 1795 ، مصدر سابق ، ج1 ، ص 329 ، ينظر : شرح الخوزي ، مصدر سابق، ج3 ، ص101 .

([11])   ابن ماجة ، السنن ، 180 ، مصدر سابق ، ج1 ، ص 330

([12])   ابن ماجة ، السنن ، مصدر سابق ، ج1 ، 1796 ، ص 329 .

([13])   المصدر السابق نفسه ، ج1 ، 1796 ، ص 329 .

([14])   المصدر السابق نفسه ، ج1 ، 1799 ، ص 330 .

(*)    إعطاء زكاة الفطر واجبة ، كالصلاة على رسول الله (عليه أفضل الصلاة والسلام) من تمام الصلاة ، فمن صام ولم يؤدها فلا صوم له إذا تركها عامداً ، حسب رأي الأمامية والحنفية والشافعية والحنبلية.

([15])   سورة التوبة ، آية 60 .

(*)   الجبائي : أبو علي محمد ، ت 303 ه‍/915م ، من أئمة المعتزلة ورئيس علماء الكلام في عصره ، إليه تنسب الطائفة الجبائية ، أستاذ الأشعري .

   (**)أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم ، ت 182 ه‍/798م قاضي القضاة في عهد الرشيد ، وتلميذ أبي حنيفة النعمان ، وإليه ينسب كتاب (الخراج) .

(***) الشافعي ، محمد سبن إدريس ، ت 204ه‍/819م ، مؤسس المذهب الشافعي ، توفي بمصر .

(****)  أبو حنيفة ، النعمان بن ثابت ، ت 150 ه‍/767م ، مؤسس المذهب الحنفي .

(*****) الحسن البصري ، ت110 ه‍/728م ، من كبار التابعين والزهاد ، إمام أهل البصرة في زمانه ، مذهبه يقوم على النسك .

(******) الزهري ، أبو شهاب محمد ، ت 124 ه‍/742 م ، تابعي مدني ، أول من دون الحديث ، استقر في بلاد الشام .

([16])  البخاري ، فتح الباري ، مصدر سابق ، ج3 ، ص 434 .

(*)  إبراهيم الحلبي ، ت 956 ه‍/1549م ، فقيه حلبي ، اعتمد عليه القضاة في السلطة العثمانية .

(**) ابن الأنباري ، نحوي لغوي ، ت577 ه‍/1181 م ، درس في بغداد ، له (الإنصاف في مسائل الخلاف بين البصريين والكوفيين) و(أسرار العربية) .

([17])  سورة الكهف آية 79 .

(***) ابن دريد ( ت . 321ه‍/933م) ، لغوي وشاعر ، اشتهر بمعجم (الجمهرة في اللغة) وقصيدة (المقصورة) .

(****) يونس بن حبيب ، ت 192 ه‍/798م ، نحوي بصري ، عنه أخذ سيبويه والكسائي والفراء .

([18])  سورة الماعون ، الآيات 1 -3 .

([19])  محمود شلتوت ، الإسلام عقيدة وشريعة ، مصدر سابق ، ص 95 – 96 .

(*) اقتبست الحكومات الغربية هذا النظام الإسلامي ، فلا زلنا نسمع عن قيام الحكومات بإنقاذ شركات صناعية كبرى من مشاكلها المالية ومنحها الأموال لكي لا تنهار وتؤثر على اقتصاديات البلد .

([20])  محمود شلتوت ، الإسلام عقيدة وشريعة ، مصدر سابق ، ص 100 .

([21])  سورة الأنفال ، آية 41 .

([22])  هاشم جميل عبد الله ، مسائل من الفقه المقارن ، القسم الأول ، جامعة بغداد ، ط1 ، 1409ه‍ – 1989م ، بغداد ، ص209 .

([23])  الفيروز أبادي، القاموس المحيط ، باب الميم ، فصل الغين ، مادة الغنم ، وباب الهمزة الفاء مادة الفيء.

([24])  محمد ضياء الدين الريس ، الخراج … ، مصدر سابق ، ص121 .

([25])  محمد ضياء الدين الريس ، الخراج … ، مصدر سابق ، ص121 .

([26])  المصدر السابق نفسه ، ص 121

([27])  المصدر السابق نفسه ، ص 122 .

([28])  أبو القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن الحلي ، المختصر النافع في فقه الأمامية ، وزارة الأوقاف ، دار الكتاب العربي ، مصر ، بدون سنة طبع ، ص63 .

([29])  هاشم جميل عبد الله ، مسائل من الفقه المقارن … ، ص209 .

([30])  المصدر السابق نفسه ، ص 209-210 .

([31])  أبو القاسم نجم الدين الحلي ، المختصر النافع … ، مصدر سابق ، ص 63 . ينظر كذلك : أبو جعفر الصدوق ، من لا يحضره الفقيه ، ج2 ، مصدر سابق ، ص23.

(*)  يرى الماوردي وهو على مذهب الشافعي : “الغنيمة تشتمل على أربعة أقسام : أسرى وسبي وأرضين وأموال” ، فالأرضون إذا فتحت عنوة وحينئذٍ لا تصبح أرضاً خراجية بل أرض عشر ، ومثال ذلك أرض السواد وأمثالها لأنها فتحت عنوة ، ولكنها لم تقسم، وهنا يبرز التفريق بين الغنيمة والفيء وهو القهر أو الصلح ، وليس طبيعة الأموال منقولة أو عينية ويحضر هنا قول الماوردي : “الأموال المنقولة هي الغنائم المألوفة ” ، الماوردي ، الأحكام … ، ص125 . وكأن لديه نوعين من الغنائم مألوفة وغير مألوفة . rأ

الاراء المطروحة في جميع الدراسات والابحاث والمقالات المنشورة على موقع الشبكة لاتعكس بالضرورة وجهة نظر هيئة تحرير الموقع ولا تتحمل شبكة الاقتصاديين العراقيين المسؤولية العلمية والقانونية عن محتواها وانما المؤلف حصريا. لاينشر اي تعليق يتضمن اساءة شخصية الى المؤلف او عبارات الكراهية الى مكون اجتماعي وطائفة دينية أو الى اي شخصية أو مؤسسة رسمية او دينية

تعليقات (6)

  1. Avatar
    محمد سعيد العضب:

    طرح الدكتور كاظم شبر في مداخله موجزه حول دراسة الدكتورة سلام سمسيم تناول فيها قضايا وتساؤلات حول دور الحقوق الشرعية في اعاده توزيع الدخل والحد من ظواهر الفقر والحرمان .. الخ انها مع الاسف لم تدون ضمن باب التعليقات لا جل التوثيق بل طرحت في البريد الدوار لا عضاء الشبكة .
    مع التوكيد علي هذه التساؤلات الهامه التي طرحت مسبقا في مداخله محكمه من قبل الدكتور كامل العضاض المدونه في اعلاه ضمن باب التعليقات , حاول فيها ضمن قضايا عديده ,ابراز مشكله كيفيه التصرف في ايرادات ” الخمس والزكاة ” واهميه تجاوز استخدامها اوعدم قصور اداءها علي اشباع البطون الجائعه , بل يستلزم استثمارها في توفير فرص عمل مستديمة ,كله لخلق الانسان الفاعل الفاضل و الكفوء. هذه النظره قد يختلف عليها البعض , الا ان دراستها والبحث فيها من القضايا الهامه ونشكر الدكتورة الموقرة لطرحها هذه القضية العصية للنقاش والجدل.

  2. Avatar
    فاروق يونس:

    الاخت الفاضلة الدكتورة سلام سميسم المحترمة
    ا- اكثر ما اثار اهتمامى فى مقالك تناولكى لاحكام الخمس على وفق المداهب الفقهية الواردة فى المقال وليس على مدهب واحد وهدا هو المدخل العلمى الصحيح دلك لان الشرعية الاسلامية هى المداهب الفقهية بكاملها ومنبعها واحد هو القران والسنة
    2- اما اهمية الفتوى فانها جاءت لتامين الحاجات الضرورية للافراد والاسر المتعففة التى تقع تحت ( خط الفقر ) وضمن هده الشريحة الاجتماعية تقديم الاحوج على غيره ويعود تقدير دلك للمكلف بدفع سهم الامام كلما كان دلك ممكنا بشرط ان تكون العلاقة مباشرة بين المكلف والمستحق دون وسيط وفى بلد المكلف نفسه و ( الاقربون اولى بالمعروف )
    مع التقدير

  3. Avatar
    كامل العضاض:

    الأخت الفاضلة دكتورة سلام المحترمة
    أقدم شكري وإمتناني لبحثك المركز عن تشريعات الضرائب والرسوم الإسلامية ضمن إطارها التأريخي، مع بيان أغراضها وإستخداماتها، وهذه بحد ذاتها مساهمة في مضمار التأريخ الإقتصادي الإسلامي، وتضيف للمعرفة التأريخية الإقتصادية. ولكن من وجهة نظرنا التي أرجو أن تقبليها أو لديك ملاحظات عليها، نرى:
    أولا، أن تلك الضرائب المنعوتة بالزكاة والخمس، بما تنطوي عليه من مواصفات من يستحقونها من الناس المؤمنين من المسلمين وغيرهم من الفقراء والمساكين وأبناء السبيل، وغيرهم، تُدفع، بموجب الشرع بالمعنى الواسع للكلمة، لمعالجة حاجة الفقراء والمساكين اساسا، ومن اجل صلاح شؤون الأمة، وربما لتحقيق الأمن والسلام، والى ما هناك، ولكنها لا تمكنهم من الحصول على دخول خاصة بهم، تتوفر عن طريق إيجاد مصادر لتلك الدخول. أي هي ليس كما قال السيد المسيح، لاتعطي الفقير سمكة، بل علمه كيف يصطاد السمك!. فسد البطون الخاوية مطلوب كأجراء تحويلي مؤقت، لإن المطلوب، حقيقة، تأهيل الفقير بتوفيرعمل منتج له، ليدر عليه دخلا دائما وليحفظ له كرامته. الفقر والعوز علاجه العمل المنتج وليس الهبات والعطايا حسب ظروف الواهبين.
    ثانيا، لحساب الدخل القومي هناك ثلاثة مداخل؛ هي مدخل القيمة المضافة، والثاني مدخل عوائد الإنتاج، والثالث هو مدخل الإنفاق. والمعادلة التي أُستخدمت في مقالك الكريم هي معادلة ناقصة عن مدخل الإنفاق؛ حيث أن الدخل القومي بطريقة الإنفاق يُقدر على وفق العلاقة التطابقية التالية:
    الدخل القومي بطريقة الإنفاق= الأستهلاك النهائي، (الخاص والعام) + تكوين رأس المال الثابت الكلي + إندثار رأس المال + الضرائب – الإعانات.
    أما الإدخار فيدخل في تمويل رأس المال وليس في تكوينه.
    ثالثا، لاريب أن الزكاة والخمس وغيرها من الهبات تسد حاجة، أي توزع الخبز ولكن لا تعلم الفقير كيف يصنعه بنفسه.
    رابعا، ثم الى جانب الضرائب هناك أغراض لإستخدامها من غير مجرد سد البطون وإيجاد فرص العمل، بل هي في الإقتصاد المعاصر، وليس القديم طبعا، تُستخدم لتحقيق موازنات هيكلية في الإقتصاد العام، كما في مواجهة تضخم أو إنكماش أو عجز في القدرة الشرائية وغير ذلك. يعني أن الضرائب اليوم لا تُجبى أو تُخفض إلا لوجود أهداف للسياسة المالية التي يُراد تحقيقها في الإقتصادات الحرة أو حتى السائرة على طريق التنمية، بغض النظر عن طبيعة النظام الإقتصادي القائم.
    هذه مجرد ملاحظات سريعة، فلم نناقش مقدار العدالة لفرضها، ولا مقدار الإستجابة لها، إعتمادا على مرونات الطلب والعمل، وليس بالإستناد الى تقوى فردية للمؤمن الخاضع لدفعها. كما لاننسى أن النسب والأعشار وغير ذلك المطروحة كموجبات للدفع على أساسها لا تستند في الواقع على بينات رقمية وقياسات دقيقة. وطبعا، الحياة اليوم تختلف في تعقيداتها عن حياة المسلمين الأوائل الذين لم يمتهنوا سوى الزراعة والصيد والحرب، فالصناعة والنشاطات التقنية لم تكن موجودة، أو بدائية إن وجدت.
    شكرا لك ست سلام، وأرجو تقبل وجهة نظري، وقد تشجعت أن أكتب لك وللزملاء لإشاعة حوار أخوي.
    مع كل التقدير.
    كامل العضاض

  4. مصباح كمال
    مصباح كمال:

    ما شجعني على كتابة هذا التعليق القصير هو دعوة الأستاذ محمد سعيد العضب لتوثيق الآراء ليتسنى البحث فيها وبيان ما لها وعليها. قد أكون متطفلاً في مجالات معرفية تستدعي الاختصاص كالاقتصاد والعقائد والأديان بما فيها الشريعة الإسلامية. ولذا أطمح أن يُقرأ تعليقي باللطف الذي يتميز به أصحاب العلم.
    من المؤسف أن فتوى السيد علي السيستاني لا تحمل تاريخاً ربما وجوده كان سيساعد القارئ لوضع الفتوى في السياق العراقي ومنه ما له علاقة باختلاف الاجتهادات الدينية، والتمترس الطائفي، وتعقيدات الأوضاع السياسية، وتدهور حال الاقتصاد.
    كما أن الفتوى منقولة عن طريق السماع، سماع أحد المؤمنين (“لقد طرق سمعي أن سماحتكم قد آذنتم …”). ونحن كقراء لا نعرف الصيغة الأصلية للسؤال ولا نص الفتوى التي كتب نصها أو أدلى بها السيد السيستاني أو نسب إليه.
    يلاحظ أن نطاق هذه الفتوى محصور على فئة “المؤمنين” وحصراً “المؤمنين في العراق” وليس العراقيين كافة. يلاحظ أيضاً أن ما أذنَ به السيد السيستاني أمرٌ مؤقت – امتداد أثر الفتوى لحين صدور فتوى أخرى، وهو ما يُستشف من عبارة “وإلى إشعار آخر.”
    أما جانب التوزيع فإنه محصور بدائرة محددة: “تأمين الحوائج الضرورية للمؤمنين المتدينين.” أي أن غير المتدينين لا يستفيدون من التوزيع. وعدا ذلك (أي الصرف على تأمين الحوائج الضرورية) فإن وجوه الصرف الأخرى لسهم الإمام يخضع لاستئذان آخر مستقل.
    هل يفهم من هذا أن الفكرة الأساسية التي تنتظم هذه الفتوى هي التخفيف من الأشكال المختلفة للظلم الاقتصادي الواقع على “المؤمنين في العراق” في ظل انفلات سرقة المال العام وتبذير ثروة الوطن؟
    هل يا ترى أن الفتوى تؤشر، من باب خفي، على سوء التصرف بالمال العام من خلال تأكيدها على “صرفه [صرف سهم الإمام] في نفس بلد المُكَلَّف فلا يخرجه إلى بلد آخر” (تهريب المال العراقي إلى الخارج دون الالتزام بالضوابط القانونية).
    اعتماداً على الملاحظات أعلاه فإن استنتاج الدكتورة سلام سميسم بأن الفتوى “تمثل انتقالة مهمة في الفكر الاقتصادي الإسلامي” فيه مبالغة في التقييم. فهي تقول:
    ان الفتوى اعلاه تمثل انتقالة مهمة في الفكر الاقتصادي الاسلامي “المدرسة الامامية” وذلك من حيث تغيير الية التوزيع لهذا المصدر المالي من جهة، والثاني حول توسيع مساحة القاعدة المشمولة مع اختصار الطرق المتبعة “التقليدية” وهذا الامر يؤدي الى الوصول الى اهداف السياسة التكافلية وأبعاد العدالة الاجتماعية المنشودة.
    حقاً هناك تغيير في آلية التوزيع لكن هذا التوزيع يقتصر على سهم الإمام وليس الدخل أو الثروة الوطنية. أما توسيع مساحة القاعدة المشمولة (المستفيدين من السهم) فهو الآخر يقتصر على “المؤمنين في العراق” وليس معروفاً من هم المؤمنون في العراق.
    أما مسألة (اختصار الطرق المتبعة “التقليدية”) التي تتضمن طريقة تسديد المؤمن المُكلَّف لسهم الإمام (الخُمس)، وطريقة صرفه من خلال إلغاء دور الوسيط (المرجع أو وكلائه) أو كما جاء في الفتوى (عدم إيكال صرفه إلى الغير أياً كان) ففيه اقتصاد (توفير) في الوقت وربما في الكلفة وحتى في التخلص من احتمال التلاعب بصندوق الخمس. ولكن تنهض المشكلة في التوزيع، حتى مع اعتماد وجوه الصرف التقليدية، وبعضها لا يلائم العصر، عندما يترك للشخص المكلف موضوع تحديد وجه الصرف، إذ كيف يمكن التثبت من قيام الشخص بتسديد السهم أولاً وحسن اختياره (عدالته) في الصرف (التوزيع). هذه قضية إشكالية ولا تجد حلاً سهلاً لها من خلال (تقديم الأحوج على غيره مع الإمكان) كما جاء في الفتوى.
    نخلص منه هذا إلى القول إن إدارة الاقتصاد الحديث لا تتم من خلال الفتاوى الدينية وما كان يقابلها من الأوامر الثوروية في زمن مضى. لا شك أن إعادة إدخال الجانب الأخلاقي في الاقتصاد السياسي قضية مهمة دون أن يعني ذلك قصر الجانب الأخلاقي على تحريم الربا (وتجنبه من خلال الحيل الشرعية)، واستخدام الزكاة كبديل لنظام الضرائب والضمان الاجتماعي وآلية التأمين الحديثة، وإمرار القرار الاقتصادي من خلال مصفاة “الشريعة الإسلامية” كما هو الحال في الهيئات الشرعية في شركات التأمين التكافلي أو الإسلامي أو اعتماد اقتصاد الكفاف كما في الإنجيل: “أعطنا خبزنا كفاف يومنا” أو خرافة اليد الخفية. الفتاوى، الدينية والدنيوية، تفتقر إلى الشمولية، بمعنى أنها موجهة إلى فئة أو فئات معينة في المجتمع وتخدم مصالح معينة وليس مجموع المواطنين. كما أنها تفتقر إلى الواقعية والاتساق. ورغم القيمة الإيجابية التي تتضمنها بعض الفتاوى الدينية “الاقتصادية” فإنها تجنح، شاءت أن أبت، نحو تكريس التمييز بين الناس (تقسمهم إلى مؤمنين وغير مؤمنين) والتمايز في المجتمع (الانعزال) وهو ما روّجه أبو الأعلى المودودي ومن تبعه من أصحاب “جاهلية القرن العشرين.”
    لنعترف بأن تعدد النظريات الاقتصادية (فليس هناك نظرية اقتصادية واحدة) مفيد بحد ذاته ولا بأس من استحضار أفكارٍ من الماضي لإثراء النقاش.
    مصباح كمال
    24 تموز 2015

  5. Avatar
    أ.عبداللطيف طلوبة:

    السلام عليكم :
    اشكر لكم ما نشرتم واشكر للدكتورة سلام سميسم ماكتبت واتمنى لو تنشرون مايتوفر لديكم من كتابات حول توزيع الدخل او ارشادي لما يمكن ان يفيدني في هذا الحجانب لاني مهتم بتوزيع الدخل وخاصة في الشرع الاسلامي.

  6. Avatar
    محمد سعيد العضب:

    بحث متميز وجاد ,تناول عده من الاخوان في الشبكه التعليق عليه او اطناب المديح حوله ,لكن لم يظهر منها في باباب التعليقات . لابد ان ان هناك خلل فني يجدر تجاوزه من خلال الطلب من الاخوه الاهتمام في باب التعليقات , حيث هذا الباب وحده ضمان التوثيق لكافه الاراء وهوه وحده يوثق البحث وما له وما عليه , غيره تظل الاراء والتعلقات فرديه في بريد عضو الشبكه لاغير . وشكرا مسبقا علي هذه الملاحظه

التعليق هنا

%d مدونون معجبون بهذه: