تشير التقارير الدولية والمؤشرات الاخيرة عن استمرار الهبوط في اسعار النفط العالمية بحيث يتراوح معدل السعر حالياً بين ( 37 – 39 ) دولار للبرميل وهذا يعني ان العراق ضمن حالة اسعار السوق الحالية والتخمة في المعروض سوف لا يستطيع بيع نقطة باكثر من 30 دولار يبنما اقر مجلس النواب العراقي موازنة 2016 استناداً الى تقديرات سعر النفط 45 دولار وبمعدل تسويق ( 3.6 ) مليون برميل يومياً وهذا مؤشر على مدى الضرر الكبير الذي سيتعرض له الاقتصاد العراقي وتفاقم الازمة المالية التي يعاني منها خلال 2015 وستستمر في ضوء القراءة التحليلية السابقة لنا حتى عام 2017 او حتى عام 2018 .
وازاء هذا الواقع الذي لا يمكن تجاوزه بسرعة وبسهولة مع ارتفاع تكاليف الحرب على الارهاب وعدم تمكن القطاعات الاقتصادية الاخرى كالزراعة والصناعة والسياحة من المساهمة بالقدر المطلوب لتعزيز الايرادات غير النفطية فان المادة 25 من قانون الموازنة التي تمت المصادقة عليها من قبل مجلس النواب والخاصة بفرض ضرائب جديدة على الهاتف النقال وعلى استيراد بعض السلع والبضائع سوف لم تغير في الموضوع شئ ذي اثر واضح في تحقيق ايرادات جيدة لذلك فاننا نعتقد ان التداعيات والتحديات التي سيواجهها الاقتصاد العراقي خلال السنة القادمة ستكون كبيرة ويتطلب ايجاد المعالجات والحلول للتخفيف من تاثيراتها المقبلة .
التحديات والتداعيات
ان التداعيات المتوقعة للازمة المالية الحالية على الاقتصاد العراقي يمكن تحديدها بما ياتي :
1- استمرار وتفاقم هبوط الحاد باسعار النفط العالمية والذي انخفض بنسبة تزيد عن 60% بالمقارنة باسعاره قبل سنة وبالرغم من ان منظمة اوبك ستحاول تخفيض معدلات الانتاج اليومي بهدف المحافظة على معدلات اسعار تتراوح بين ( 40 – 50 ) دولار برميل الواحد ولكن ذلك غير مؤكد وستبقى التخمة في المعروض يدخل ضمن حيز التوقعات فقط الامر الذي سيضطر الحكومة بالضغط على الانفاق بشكل كبير الى معدلات ونسب كبيرة كما ان معدلات العجز في الموازنة سيرتفع كما نتوقع الى اكثر من 35 ترليون دينار لعام 2016 .
2- ان الانخفاض باسعار النفط ادى الى تقليص خطط الدولة في سياسة اعادة الاعمار وبما يؤثر على الاستمرارية للمشاريع الاستثمارية وبشكل خاص في مجال تطوير الصناعة النفطية بهدف تطوير الايرادات المتأتية من بيع النفط الخام والصناعات االانتاجية المختلفة بالرغم من اعلان الحكومة حزمة اصلاحات اقتصادية في هذا المجال .
3- وبما ان العراق من الدول التي تستورد اغلب المواد الغذائية والوسيطة والاستهلاكية فان حالة الركود والكساد الاقتصادي سينعكس بوجود صعوبات في توريدها بشكل سهل للسوق العراقية وبشكل خاص مواد البطاقة التموينية مما يخلق مشاكل نفسية واقتصادية ومعاشية للمواطنين مما ستفاقم من ازمة النازحين الذين يزيد عددهم عن ( 3.2 ) مليون نازح داخل العراق وزيادة نسبة الفقر الى اكثر من 25% .
4- سوف ترتفع نسب البطالة للقوى البشرية القادرة على العمل اكثر من النسبة الحالية البالغة 31% وسترتفع معدلات التضخم والبطالة اذا لم يتم ايجاد السياسات الاقتصادية والسبل الكفيلة لمعالجتها من التوقعات اعلاه يلاحظ ان العراق يواجه مشاكل اقتصادية عديدة وخانقة اذا لم تكن المعالجات الحالية والاصلاحات الاقتصادية جذرية وفعالة لذلك يتطلب من لجنة الازمة في مجلس الوزراء والبنك المركزي العراقي ووزارة المالية والتخطيط والتعاون الانمائي اتخاذ الاجراءات الاستباقية والاحترازية اللازمة لذلك .
5- الحملات الاعلامية الاقتصادية لوسائل الاعلام غير المختصة والخاص بالتشهير وتوجيه التهم للقطاع المصرفي العراقي بشقيه الحكومي والاهلي وتعميم التهم على جميع المصارف مع العلم ان عدد المصارف المؤشر مخالفتها للتعليمات واتخذت اجراءات عقابية بحقها من قبل لبنك المركزي العراقي لا تزيد عن ( 5 – 10 ) مصارف من مجموع 57 مصرف حكومي واهلي وهذا ينعكس بشكل واضح على الاساءة للاقتصاد العراقي واضافة مشكله اخرى الى مشاكله التي يعاني منها اصلاً .
السياسات والمعالجات المالية والنقدية المقترحة :
1- اعادة النظر بسياسات البنك المركزي العراقي الخاصة بالسيطرة على السياسة النقدية في دعم النظام المصرفي الحكومي والاهلي واعادة النظر بسياسات الاقراض واليات ادارة المخاطر الائتمانية وان تعتمد التنوع في منح الائتمان والاستثمار في القطاعات الانتاجية والاستثمارية التي تحقق تدفق نقدي واضح ومحسوب وفقا لادق المعايير القياسية في تقييم السياسة النقدية المعتمدة حالياً .
2- دعم المصارف الاهلية بالسماح لها في القيام بالعمليات والادوات المصرفية كافة للمشاريع والنشاطات التي تقوم بها الوزارات والدوائر التابعة لها وعدم تحديدها ومساواتها مع المصارف الحكومية فعليا وعمليا والسماح للمصارف الاهلية بفتح حسابات جارية وودائع ثابتة للوزارات والشركات العامة والمختلطة العائدة للدولة حسب الكفاءة المالية للمصارف الاهلية وقدرتها على استثمار هذه الودائع في ادوات مصرفية تساهم في دعم الاقتصاد الوطني .
3- اعادة النظر بتخصيص احتياطي الديون المتعثرة وفقا للائحة الارشادية الصادرة عن البنك المركزي العراقي واعطاء مرونات ومددد زمنية اضافية للمصارف لكي تتمكن من تصفية هذه الديون والتي اغلبها تعود لفترات سابقة وان اغلب اصحابها هاجروا خارج العراق ونزحوا في الداخل لاسباب امنية خارجة عن ارادتهم لان نسب مخصص الاحتياطي الحالية للديون المتعثرة تؤدي الى خفض في ارباحها المتحققة فعلا وتعرقل قيامها بنشاطات تمويلية استثمارية جديدة .
4- الاسراع بتاسيس شركة لضمان الودائع بما يجعل الدولة تساهم في الرقابة والمشاركة في ادارة المخاطر .
5- بهدف تشجيع المشاريع الصغيرة والمتوسطة ذات الجدوى الاقتصادية والتنموية والتي تنتج سلع وخدمات منافسة والتي تنعكس على تخفيض التضخم وبناء الاقتصاد الوطني بشكل جديد ينسجم مع الوضع المالي يتطلب البدء فورا بتفعيل وتنفيذ مبادرة البنك المركزي العراقي الخاصة بتخصيص 6 ترليون دينار للمصارف التخصصية والاهلية والتي لم تنفذ لحد تاريخه بشكل فعلي .
6- دراسة تطوير ودعم وتحفيز سوق العراق للاوراق المالية واجاد الوسائل والادوات التي تدفع باتجاه رفع اسعار مؤشر السوق والشركات بما يتلائم وموجوداتها ومعايير انتاجها وارباحها بما لا يقل حتما عن قيمة الاسهم الاسمية ومنع المضاربات التي تضر بالاصول العراقية بما لا يتناسب وقيمتها الحقيقية والفعلية .
7- اعادة النظر بما ورد باللائحة الارشادية الصادرة عن البنك المركزي العراقي فيما يخص السياسات والاجراءات وتصنيف الائتمان باعتبار ان تطبيق هذه اللائحة يرتبط بوضع اقتصادي مستقر وبدون ازمات حادة كما يعيشه العراق في الوقت الحاضر مع التركيز على اللوائح التنفيذية والتنظيمية التي تعزز من الدور الرقابي لللحكومة والبنك المركزي العراقي في قيادة السياسة النقدية وتحديد ملامحها .
8- هيكلة وتحويل بعض الشركات العامة ( انتاجية ، عقارية ، صناعية ، زراعية ، تجارية ، خدمة ( الكهرباء والماء والوقود والدواء )) والمصارف الحكومية الى شركات ومصارف مختلطة وخاصة يساهم بها القطاع المصرفي الخاص والنشاط الخاص كلا واختصاصه بنسب متوازنة مع حصص الدولة مع الاشتراط ان لا تكون حصص الدولة هي اعلى من نسب القطاع الخاص لغرض اعطاء القطاع الخاص المرونة الكافية في الادارة والتصرف واتخاذ القرارات دون تحديد او تقييد مع هامش اطمئنان وضمانات توفرها الدولة تجعلها تتحمل نسبة لا تقل عن 50% من المخاطر المتوقعة على ان يبقى استيراد وتامين الغذاء ( فقرات البطاقة التموينية ) والدواء ( الادوية المنقذة للحياة والامراض المزمنة ) محصورة بالدولة فقط ودعم اسعارها للمستهلك النهائي مع السماح للنشاط الخاص باستيراد وتوزيع الغذاء والدواء عدا ما ورد اعلاه على ان تبقى الادارة تحت قيادة القطاع الخاص كخطوة من خطوات الانتقال الى اقتضصاد السوق . .
9- اعتماد البنك المركزي العراقي تطبيقات وادوات جديدة للسياسة النقدية ثابتة ومخطط لها وبشكل ينسجم مع واقع الاقتصاد العراقي مع مغادرة مزاد بيع العملة وقيام وزارة المالية بالقيام بدورها الاساس في توفير العملة المحلية من خلال السيطرة على التعاملات بالنقد الاجنبي .
10- تخفيض نسب البطالة البالغة حاليا اكثر من 31% من خلال التوسع في دعم الدولة للمشاريع الانتاجية الصغيرة والمتوسطة واعطاء دور للقطاع الخاص وتمكنه من المساهمة في البناء الاقتصادي والحد من ارتفاع نسبة البطالة من خلال تشغيل الخريجين من الاختصاصات المختلفة .
11- قيام البنك المركزي العراقي باعادة تقييم جميع المصارف الحكومية والاهلية استناداً الى تقرير البنك الدولي وملاحظاته وتحليل مسيرتها للسنوات السابقة والعمل على هيكلتها واعادة تصنيفها وتحديد المصارف التي تستمر عاملة وفاعلة في القطاع المصرفي من عدمه .
(*) باحث وخبير اقتصادي
حقوق النشر محفوظة لشبكة الاقتصاديين العراقيين. يسمح بالاقتباس وأعادة النشر بشرط الاشارة الى المصدر. شبكة الاقتصاديين العراقيين 17/12 /2015
سمير عباس النصيري: الازمة المالية في العراق – التداعيات وسياسات الاصلاح المقترحة
الاراء المطروحة في جميع الدراسات والابحاث والمقالات المنشورة على موقع الشبكة لاتعكس بالضرورة وجهة نظر هيئة تحرير الموقع ولا تتحمل شبكة الاقتصاديين العراقيين المسؤولية العلمية والقانونية عن محتواها وانما المؤلف حصريا. لاينشر اي تعليق يتضمن اساءة شخصية الى المؤلف او عبارات الكراهية الى مكون اجتماعي وطائفة دينية أو الى اي شخصية أو مؤسسة رسمية او دينية
احسنتم استاذ سمير برؤيتكم العلمية في تشخيص بعض مواطن الخلل والمعالجات الممكنة
مع فائق ودي وتقديري
مظهر محمد صالح