خواطر إقتصادية

د. سلام سميسم: نظرة اقتصادية لقرار البرلمان العراقي بمنع المشروبات الكحولية

صادق مجلس النواب قبل ايام على قانون واردات البلديات والذي تضمن فقرة تقضي بمنع تناول وبيع واستيراد وانتاج وتصدير المشروبات الكحولية.**

ولست هنا بصدد مناقشة حلية الامر او حرمته، الا انني بصدد التطرق الى مسألة هامة وهي الابعاد الاقتصادية للقرار في وقت لدينا معطيات سلبية لأداء ووضع الاقتصاد العراقي:

الشحة الكبيرة في الموارد المالية نتيجة انخفاض اسعار النفط الى ما هو دون 30$ للبرميل الواحد، مقابل اقتصاد مشوه هيكليا يعتمد على النفط في تمويل 97% من موارد الموازنة العامة!

الحرب التي يقودها العراق ضد تنظيم داعش الارهابي تضيف اعباء كبيرة على الاقتصاد العراقي، فبعد ان كانت نفقات الأمن والدفاع تتراوح بين 17-20% من الموازنة العامة باتت الان تشكل ما يقارب النصف، وهو امر طبيعي لدولة تحارب هذه الحرب الضروس.  ولابد من ذكر ان اهم المخرجات التي تترتب على ذلك اعمار المدن والمناطق المحررة بعد ان تضررت جراء الاحتلال من قبل الارهاب، وكذلك الملف الاخطر انسانيا وهو ملف النازحين الذي هو أخطر ملف انساني يقف بوجه الحكومة العراقية.

اجمالي العجز المخطط يبلغ اكثر من  21 ترليون دينار عراقي لموازنة 2017 على ضوء اخر نسخة مقرة من البرلمان العراقي.

والآن ننتقل لنناقش الموضوع بتجرد تام وموضوعية انطلاقا من كون المشروبات الكحولية سلعة استهلاكية تحتل جزءا من السوق حجما واستهلاكا وانتاجا وتصديرا واستيرادا ومن ثم فإن ذلك يعني ارتباطها بحجم من القوى العاملة الامر الذي يثير تساؤلا اين سيذهب هؤلاء؟

البطالة:

وهل ان العراق في مرحلة ما بعد التخلص من داعش مستعد لمواجهة هذا الارتفاع “القسري” للبطالة في كل مرافق عمليات استهلاك المشروبات الكحولية؟!

التأهيل البشري:

هذا اضافة الى ان هنالك جزء من مستهلكي المشروبات الكحولية يكونون في مرحلة الادمان فهل اعدت الحكومة العدة الكافية لتأهيل ومعالجة هؤلاء الاشخاص واعادة تكييفهم للمجتمع؟  وكما هو معلوم فإن ذلك يستلزم تخصيصات كبيرة اعتقد ان الحكومة العراقية الان ليست قادرة على الوفاء بها.

السوق السوداء:

كما ان الاخطر من وجهة نظر اقتصادية بحتة ” ان قرار المنع هذا سيؤدي الى نشوء سوق غير نظامية* السوق السوداء* التي ستؤدي الى توفير هذه المشروبات بأسعار اعلى، ومعنى ذلك خلق موجات تضخمية ضاربة للاقتصاد العراقي مضافا الى البطالة وهذا عامل خطر جدا يؤدي الى ايجاد قوى تباطؤية معطلة للنمو الاقتصادي.

من الجدير بالذكر ان مثل هذه السوق السوداء والنشاطات الخارجة عن القانون لابد لها ان تكون مغطاة بحماية من قبل شخصيات او قوى نافذة وهذا بطبيعة الحال سيؤدي الى مزيد من تغلغل وتثبيت لمافيات الفساد.

ايرادات الموازنة العامة:

المفارقة ان مجلس النواب يدرس اقترب من المصادقة على مشروع قانون الموازنة العامة لسنة 2017 ومن احد فقراتها المهمة فرض الرسوم الجمركية على استيرادات الخمور بنسبة 100 % مما يساهم في تخفيض العجز المتوقع في الموازنة، ومن ناحية اخرى يمنع استيراد وتسويق الخمور. اليس هذا تناقض صارخ يدل على غياب المهنية في عمل مجلس النواب؟

ولن اتحدث عن التوقيتات التي اقل ما يقال عنها انها غير ملائمة من كل الاوجه سياسيا واقتصاديا واعلاميا.  ففي الوقت الذي يشهد المجتمع العراقي تلاحما واصطفافا حقيقيا لإنجاز النصر واسترجاع الاراضي المحتلة، يأتي القرار ليشتت الرأي العام ويسحب الاهتمام نحو مسألة كان يمكن لها ان تؤجل لفترة اخرى وان يشبع القرار دراسة وبحثا.

هذه نقاط واشارات اقتصادية على عجالة ويمكن الاضافة لها من قبل الزملاء بما يغنيها.

سؤال بريء: نسمع عن وجود الكثير من المستشارين في البرلمان العراقي، اين كان هؤلاء عند كتابة واستصدار القرار؟

لك الله يا عراق.

(*) خبيرة اقتصادية

(**) صوت البرلمان العراقي يوم السبت المصادف 22 تشرين الأول/أكتوبر 2016 على قانون واردات البلديات خلال جلسة ترأسها رئيس المجلس سليم الجبوري.  تضمن القانون إضافة مادة تنص على حظر استيراد وتصنيع وبيع المشروبات الكحولية، إذ جاء في المادة 14–أ من القانون، انه “يمنع استيراد وصناعة وبيع المشروبات الكحولية”.  ويعاقب من يخالف هذا القانون بغرامة تتراوح بين 10 إلى 25 مليون دينار، وفقا للقانون. (المحرر)

حقوق النشر محفوظة لشبكة الاقتصاديين العراقيين. يسمح بأعادة النشر بشرط الاشارة الى المصدر. 27/10/2016

http://iraqieconomists.net/

 

الاراء المطروحة في جميع الدراسات والابحاث والمقالات المنشورة على موقع الشبكة لاتعكس بالضرورة وجهة نظر هيئة تحرير الموقع ولا تتحمل شبكة الاقتصاديين العراقيين المسؤولية العلمية والقانونية عن محتواها وانما المؤلف حصريا. لاينشر اي تعليق يتضمن اساءة شخصية الى المؤلف او عبارات الكراهية الى مكون اجتماعي وطائفة دينية أو الى اي شخصية أو مؤسسة رسمية او دينية

تعليقات (3)

  1. Avatar
    علاء فريد ابراهيم:

    كل الدول الاوربية تمنع بيع الكحول دون سن 21 عام وليس هناك اي منع في معظم دول العالم لان المجتمع يحتاجها في المناسبات والافراح وهي لا تسبب الادمان الا ما ندر في حالة سوء استخدامها وهي تختلف عن المخدرات لان اصلها مادة غذائية مصنعة من القمح والشعير والعنب وباقي الفواكه والمخدرات تسبب الادمان وتدمر المجتمع والقطاع السياحي في كردستان العراق و دول الجوار يعتمد بشكل شبه تام على السياح العراقيين من اسطنبول وبيروت وعمان وهذه تشكل خسارة لقتصاد العراق حيث تنتعش المطاعم والنوادي الليلية والاجتماعية والفنادق من خلال العراقيين الذين يسافرون للترفيه . في حين كان ممكن ان يبنى اقتصاد كامل من السياحة يجلب عشرات ملايين الدولارات ويقلص البطالة ومنع المشروبات الكحولية قد لايساعد على تطوير الجانب السياحي وقد يكون تحديد بيعه في المطاعم والنوادي الاجتماعية ومنعه دون سن ال 21 سنة افضل بكثير من منعه نهائيا وقد يقود هذا التعديل الى تنشيط الاقتصاد السياحي وكسب السياح العراقيين وتقليل سفرهم الى الخارج وبقاء العملة الصعبة داخل الاقتصاد العراقي

  2. Avatar
    منتظر سلمان:

    نشاهد في الاونة الاخيرة أنتشار ظاهرة بيع المشروبات الكحولية بكثرة وتمثل أكبر تجارة مربحة في كل الاوقات وبالمقابل نجد متعاطيها من صغار السن أكثر من البالغين , وبما أن البلد قد قسم الى طبقتين أما طبقة غنية أو طبقة فقير والثانية تمثل الاغلبية من النسبة السكانية سيعمل أرتفاع أسعارها في الحد من تداولها وحصر تناولها بيد فئة قليلة .
    التحليل من وجهة نظر تربوية واخلاقية ومنها تمتد أذرعتها لتكون أقتصادية ( توفير المال بدل أنفاقه على تناول المشروبات ) .

  3. Avatar
    مجيب حسن محمد:

    فيما يتعلق بتحريم انتاج وتناول وبيع الخمور، فان الجانب الشرعي هنا لابد ان يطغي وتكون له الاولوية على الجانب الاقتصادي الصرف ، لكن السؤال ، لماذا نذهب الى الصغائر ونترك كبائر المحرمات، لماذا لا نفتح سجل عقارات الدولة التي بيعت بثمن التراب لسياسين فاسدين ومن ادعياء الدين ، لماذا لا نفتح ملف الهدر في الموازنات خصوصا في الفترة 2012- 2014 ، لماذا لا نفتح ملف الموصل حيث سلمت مدن كاملة الى داعش ، وتشرد الملايين من اهلها وقتلوا وعذبوا ،وخسروا بيوتهم ومصادر ارزاقهم ، اليست هذه المسائل اكبركفرا عند الله ، من صغائرالمحرمات.سؤال يوجه الى احزاب الاسلام السياسي في العراق.

التعليق هنا

%d مدونون معجبون بهذه: