المكتبة الاقتصادية

كتاب: العراق: تاريخ اقتصادي

كتاب: العراق: تاريخ اقتصادي

الجزء السادس

الجمهورية الثانية 1963-1968

(على طريق الاشتراكية)

تأليف

أ.د. كامل علاوي الفتلاوي (جامعة الكوفة)

أ. د. حسن لطيف الزبيدي (جامعة الكوفة)

مراجعة
د. عماد عبد اللطيف سالم

2018

 
المحتويات

الموضوع الصفحة
مقدمة المشروع
مقدمة الجزء السادس
الفصل الأول: التغير السياسي: عهد الانقلابات
انقلاب البعث- عارف
فض الشراكة
الاقتصاد السياسي للأزمة
الفصل الثاني: التحول الاشتراكي وانهيار الاقتصاد
قرارات التأميم
النتائج الاقتصادية للتأميم
صيغة التأميم وتعويض المالكين
التأميم والريع النفطي
فرض هيمنة الدولة على الاقتصاد
الالتزام بالتخطيط
الصناعة التحويلية
مجلس التخطيط الاقتصادي 1964-1966
تطور القطاع الاشتراكي
التدهور الصناعي
تطوير القطاع المختلط
الفصل الثالث: الصعوبات الاقتصادية في ظل البحث عن هوية
توكيد ريعية الاقتصاد
النفط
تراجع القطاع الخاص
عدم استقرار الاقتصاد
 المصارف والتأمين
الائتمان التجاري
الودائع
الموازنة الموحدة للمصارف التجارية
قطاع التأمين
دور المصرف الصناعي
التضخم ومشاكل الاقتصاد الكلي
 التضخم
الفصل الرابع:  شركة النفط الوطنية
مفاوضات النفط
تأسيس شركة النفط الوطنية
القانون رقم 97 لعام 1967
تدهور العلاقة مع شركات النفط الأجنبية
تطور إنتاج وتصدير النفط الخام
الفصل الخامس: الأحوال المعيشية ونتائج التنمية الاشتراكية
السكان
أوضاع الطبقة العاملة
التربية والتعليم
الأوضاع الصحية
الدخل ومستويات الفقر
الانفاق الخاص
الضمان الاجتماعي
الفساد
الفصل السادس: الريف بين الأزمة الاقتصادية وتباطؤ الإصلاح الزراعي
الإصلاح الزراعي
استمرار تدهور أوضاع الريف
الفصل السابع: علاقات العراق الاقتصادية الدولية
الدولة واحتكار التجارة الخارجية
إعادة ترتيب العلاقات الدولية
التعاون الصناعي الدولي
الاقتصاد العراقي والتكامل العربي
اتجاهات التجارة الخارجية 1963-1968
الملاحق
مراجع الكتاب

 


 
قائمة الجداول

الجدول الصفحة
(1): قوانين التحول الاشتراكي في العراق 1964-1965
(2): الشركات المؤممة بموجب القانون 99 لعام 1964
(3): نسب اسهام القطاع الصناعي الخاص في بعض المؤشرات للعامين 1963-1964 ( نسب مئوية)
(4): المشاريع الصناعية المؤممة عام 1964
(5): التخصيصات الاستثمارية في الخطة الاقتصادية التفصيلية (1961/1962-1965/1966)
(6): إيرادات الخطة الاقتصادية التفصيلية (1961/1962-1965/1966)
(7): تخصيصات الاستثمار في الخطة الاقتصادية 1965-1969 ( م. د)
(8): القيمة المضافة ومعدلات نموها بحسب القطاعات 1964 و1969
(9): تخصيصات ومصروفات الخطة الاقتصادية التفصيلية 1965-1969 (مليون دينار)
(10): التخصيصات والمصروفات ونسب التنفيذ للموازنة العامة للمدة 1963-1968
(11): كفاءة التنفيذ حسب الخطط والبرامج الاستثمارية للمدة 1961-1969 قبل وبعد استبعاد السلف والمنح للميزانية الاعتيادية
(12): التخصيصات والمصروفات الفعلية لخطط البرامج الاقتصادية بحسب القطاعات الاقتصادية للمدة 1961-1969
(13): كفاءة التنفيذ للخطط – البرامج الاقتصادية حسب القطاعات الاقتصادية للمدة 1961-1969
(14): حال خزينة الحكومة العراقية ( بآلاف الدنانير )
(15): الدين العام العراقي للمدة 1963-1968( بآلاف الدنانير)
(16): الناتج المحلي في الصناعة التحويلية المتحقق في القطاعين العام والخاص واهميتهما النسبية للمدة 1964-1968 بالأسعار الثابتة لعام 1969
(17): توزيع التخصيصات الاستثمارية على فروع الصناعة الرئيسة في الخطة الاقتصادية التفصيلية 1961/1965
(18): توزيع التخصيصات على القطاعات الاقتصادية في الخطة الاقتصادية 1965/1969
(19): التخصيصات الاستثمارية في الفروع الصناعية الرئيسة في الخطة الاقتصادية 1965/1969
(20): تطور بعض مؤشرا القطاع الصناعي العراقي للمدة 1963-1968
(21): نسبة اسهام المنشآت الصغيرة في بعض مؤشرات الصناعة التحويلية في العراق للمدة 1963-1968 (نسب مئوية)
(22): اسهام القطاعين الاشتراكي والخاص في الناتج المحلي الاجمالي بسعر كلفة عناصر الإنتاج (بالأسعار الجارية) للمدة 1964-1968 (الف دينار)
(23): اسهام القطاع الاشتراكي والخاص في تكوين القيمة المضافة في أهم القطاعات الاقتصادية لعام 1964 بالأسعار الجارية بالنسبة المئوية
(24): اسهام القطاع الاشتراكي والخاص في تكوين رأس المال الثابت للمدة 1964 – 1968 مع نسبها المئوية
(25): عوائد النفط وحصة الخطة الاقتصادية منها 1962-1968 (مليون دينار)
(26): انتاج النفط الخام في العراق للمدة 1963-1968 ( مليون برميل/يوم)
(27): المشاريع الصناعية التي منحت إجازات تأسيس 1964-1966
(28): الانفاق على الامن والدفاع مقابل الانفاق الاجتماعي للمدة 1962-1968
(29): عمليات الائتمان التجاري الممنوحة للمدة 1963-1968 (مليون دينار)
(30): ودائع البنوك التجارية للمدة 1963-1968
(31): الموازنة الموحدة للمصارف التجارية للمدة 1963-1968 (مليون دينار)
(32): عرض النقد الضيق للمدة 1963-1968
(33): موازنة البنك المركزي للأعوام 1963-1968
(34): الارقام القياسية للمدة 1963-1968 (1963=100)
(35): معدل التضخم للمدة 1963-1968 (1963=100)
(36): القضايا التي تركزت حولها مفاوضات النفط بين الحكومة وشركة نفط العراق
(37): تطور انتاج النفط في بعض دول أوبك والعالم للمدة 1960-1968 (مليون برميل يوميا)
(38): إنتاج الشركات من النفط الخام في العراق خلال المدة 1963-1968 (ألف طن نفط)
(39): تطور إنتاج النفط الخام وصادراته للمدة 1963-1968
(40): تقديرات القوى العاملة والبطالة في العراق 1963-1968
(41): تقديرات معدلات الدخول ومتوسط الدخل الفردي 1962-1968
(42): تطور أعداد الطلبة في مؤسسات التعليم العالي 1963-1968
(43): عدد طلبة التعليم العالي وعدد التدريسين ونسبة تدريسي طالب للمدة 1962/1963-1967/1968 (طالب)
(44): تطور مراحل التربية في العراق خلال المدة 1962/1963-1967/1968
(45): تطور أعداد المستشفيات والأطباء والأسرة 1963-1968
(46): ذوو المهن الطبية والصحية المساعدة للمدة 1963-1968
(47): معدل الولادات والوفيات والزيادة الطبيعية للمدة 1963-1968
(48): متوسط دخل الفرد بالأسعار الجارية والثابتة لعام 1966 للمدة 1965-1968
(49): الانفاق الخاص للمدة 1963-1968 مليون دينار
(50): قوانين التقاعد والضمان الاجتماعي 1964-1968
(51): مسارات الصعود الطبقي لأبرز المقاولين بحسب علاقتهم بسلطة الدولة
(52): تطور مساحات الأراضي المستولى عليها والموزعة وعدد المستفيدين خلال المدة 1963-1968 (دونم)
(53): أهم التشريعات الزراعية خلال المدة 1963-1968
(54): الأهمية النسبية للقطاعات الاقتصادية لعام 1964 في المائة
(55): توزيع القوى العاملة بحسب القطاعات الاقتصادية (نسب مئوية)
(56): الاستيرادات والصادرات والترانزيت والناتج القومي الاجمالي للمدة 1963-1968 بالأسعار الجارية ( ألف دينار)
(57): التوزيع الجغرافي لاستيرادات العراق 1963-1968 ( ألف دينار)
(58): التوزيع الجغرافي لصادرات العراق 1963-1968 ( ألف دينار)
(59): هيكل الاستيرادات العراقية حسب الفئات الاقتصادية الموسعة للمدة 1963-1968 (ألف دينار)
(60): اسهام الاستيرادات من السلع الرأسمالية في تكوين رأس المال الثابت في العراق للمدة 1964-1964 (مليون دينار)
(61): العلاقة بين الصادرات النفطية والصادرات غير النفطية الى الدخل القومي للمدة 1963-1968 (مليون دينار)
(62): العلاقة بين الاستيرادات والدخل القومي للمدة 1963-1968 (مليون دينار)
(63): التوزيع الجغرافي لاستيرادات العراق للمدة 1963-1968 (ألف دينار)
(64): الميزان التجاري العراقي للمدة 1963-1968 (مليون دينار)

 

مقدمة المشروع

يُشير أهل اللغة إلى أنَّ كلمة «عراق» قديمة جداً، إلا أنَّ معناها ظل مختلفاً من عصر إلى آخر، ولم تتم الإشارة عبر هذا التاريخ الطويل إلى كيان جغرافي أو سياسي موحد، لكن الإشارة -وعلى نحو الإجمال- هنا إلى تلك الأرض التي لم تُعرَّف حدودها الجغرافية على نحو دقيق والتي تمتد من الخليج حتى تخوم بغداد.
وتنافست مع هذه الكلمة تسميات أخرى مثل «ميسوبوتوميا» التي كان الإغريق والرومان يطلقونها على هذا الجزء من العالم الذي عرفوه، فيما تشير تسمية «بلاد ما بين النهرين» أو «بلاد الرافدين» إلى الأراضي الواقعة بين منابع نهري دجلة والفرات وتلك المحيطة بمجراهما حتى الخليج.
أما العراق المعاصر فهو كيان حديث، بتسمية قديمة، تشكل بفعل إرادة الاستعمار البريطاني بعدما وجدت نفسها بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى تسيطر على أراضٍ شاسعة كانت تابعة للإمبراطورية العثمانية المنهزمة في تلك الحرب، والتي ستجري قسمة أراضيها بين المنتصرين بوصفها غنيمة من غنائم الحرب.
ورغم أنَّها ليست المرة الأولى أو الأخيرة التي تحتل فيها هذه الأرض، إلا أنَّ الاحتلال، وتشكيل كيان سياسي تابع أو مستقل عن تلك القوى التي زرعت راياتها بأرض العراق كان جزءاً من البلاءات التي أصابت أهل هذه الأرض، منذ الإمبراطوريات القديمة مروراً بفتح الاسكندر المقدوني ثم انتشار الإسلام وتحول العراق إلى عاصمة للخلافة الإسلامية ورمزاً لدولة عظيمة مترامية الأطراف يعجز السحاب عن أن لا يصيب جزءاً منها وحتى غزو هولاكو وتيمورلنك، ثم الصراع الفارسي العثماني على هذه الأرض، ثم الاحتلال البريطاني وتأسيس الدولة الحديثة وانتهاءً بالغزو الأمريكي عام 2003. وفي كل مرة يبدو وكأنَّ التاريخ يعيد نفسه، فتتكرر لحظة انهيار الدولة «الوطنية» ليعاد بنائها على أسس جديدة تلائم الغزاة أكثر من ملائمتها أهل الأرض أنفسهم، الذين كانوا في كثير من الأحيان على غير وفاق مع تلك الدولة ويشعرون أنَّها غريبة عنهم. فضلاً عن أنَّ التحولات الاقتصادية كانت تجري هي الأخرى بإرادة تلك القوى، وكانت الدولة تسهم بنصيبها في تلك التحولات بشكل أو بآخر.
تشكل العودة إلى التاريخ مناسبة لفهم المشكلات الاقتصادية الحاضرة وفهم الأبعاد الحقيقية لنشوئها وتجذرها، ولكن قد يبتعد البحث في التاريخ الاقتصادي عن منهج البحث التاريخي القائم على استرداد الماضي لما يتركه من آثار تستخدم في تحليل الواقع ومعالجة مشكلاته، كون التاريخ الاقتصادي قد يتسم بالاستمرارية والانفصال، الاستمرارية مع عوامل التطور والانطلاق، والانفصال مع العوامل البالية، لذا كان لزاماً علينا أن نبحث عن الحقائق التاريخية الاقتصادية الثابتة في زمانها ومكانها، لأنَّ الفعاليات التي تمت دراستها قد انتهت ولكن بعضها ما يزال فاعلاً في حركته.
ولم يقتصر البحث في هذا الموضوع على السرد التاريخي بل كان هناك التعليل والتقصي والتفسير للظواهر والحوادث الاقتصادية واستخدام التركيب الحقيقي القائم على ربط الأحداث سببياً، كالتي حدثت في ملكية الأرض التي كان لها آثار على النسيج الاجتماعي وقتذاك ولوجود ما يشابهها في ظل الانتداب والحكم الملكي والجمهوري.
إنَّ بحثنا في التاريخ الاقتصادي للعراق تم وفق إطار زمني ابتدأ مع ترسخ حكم الدولة العثمانية، وما كان لنا أن نبدأ من هذه الحقبة التاريخية لولا إدراكنا أنَّ الكثيرين مقتنعون أنَّ تاريخ العراق الاقتصادي سلسلة لا انفصام فيها، فحاضرنا يشير بقوة إلى ماضينا بكل سلبياته وإيجابياته وآثاره على النسيج الاجتماعي فبدأت نزاعات الملكية التي ورثنا مشاكلها من هذا الماضي، لذا فإنَّ دراسة الواقع تتطلب دراسة الماضي، فلا يمكن دراسة حقبة زمنية دون معرفة سابقتها وهذا ما جعلنا نعود إلى لحظة انفصام تاريخي بدأت مع نهاية عصر المماليك وإعادة عثمنة العراق من جديد.
إنَّ دراستنا للوقائع الاقتصادية اهتمت بدراسة العلاقة المباشرة بين الإنسان والطبيعة لتتحول إلى العائلة والعشيرة والدين وما رافق ذلك من تطور اقتصادي تحول من اقتصاد الكفاف إلى المقايضة والى الاقتصاد النقدي ليتشكل النشاط الاقتصادي من العلاقات الاجتماعية القائمة كل بحسب تاريخه وأثره في تشكل الاقتصاد الوطني وتطور النظام الاقتصادي والاجتماعي من نظام الأبوة (ومركزها العائلة) إلى النظام الإقطاعي وفق شروط ومواصفات تختلف عن تطور المجتمعات الأخرى.
إنَّ تاريخ العراق الاقتصادي هو مزيج من الأزمات والمشكلات المتوارثة التي تتفاعل مع مشكلات جديدة لتنتج أزمة جديدة، فعلى سبيل المثال ورث العراق عن الدولة العثمانية مشكلة الأراضي الزراعية؛ إذ لم تؤدِ سياسات الدولة آنذاك إلى تسوية حقوق الملكية والتصرف في معظم أجزاء البلد، ولم تثبت عائدية الحيازات الزراعية على نحو واضح ومؤكد، كما أنَّ التخلف الذي بلغته نظم الري والزراعة قد عوقت إمكانيات النهوض بالزراعة التي تراجعت إلى مرتبة ثانوية ضمن أولويات الحكومات العراقية وبخاصة مع اطراد عملية ترييع الدولة والاقتصاد. ولحين نشوء الدولة الوطنية الحديثة كانت الأرض تمثل محور الحراك الاجتماعي في العراق، لكن ما أن تشكلت الدولة وعرف على نحو موثوق ما تختزنه أراضيها من ثروة نفطية حتى أصبحت هذه الثروة محور الصراع بين القوى الأجنبية والمحلية، ثم بين القوى المحلية نفسها التي تطلعت إلى الاستيلاء على الدولة لتستولي في مرحلة لاحقة على النفط وتستخدمه لترسيخ هيمنتها على المجتمع.
تتناول هذه الدراسة الحوادث التاريخية الاقتصادية على ضوء ما توفر للباحثين من مصادر ومراجع ومقالات ودراسات مبتعدين عن السرد التاريخي، إلا ما كان له تأثير واضح في الوضع الاقتصادي كإعادة توزيع الملكيات وما لها من دور في تشكل الإقطاع. كما حاولنا المزج بين التحليل الاقتصادي والتحليل السياسي في إطار ما يسمى بالأحكام القيمية مع الابتعاد عن النزعة الأيديولوجية وفق ما يتوفر من أدوات للتحليل.
لقد تم تقسيم المشروع على عدة أجزاء فاختص الجزء الأول بالمقدمات النظرية الخاصة بالمشروع، وتناول الجزء الثاني التاريخ الاقتصادي منذ عهد المماليك وحتى الاحتلال البريطاني للعراق الذي بدأت معه مرحلة جديدة من تطور الاقتصاد أنتجتها صعوبات حقبة الحرب العالمية والتدخل المكثف للبريطانيين في الشؤون الاقتصادية في الريف بالذات وما أنتجه هذا التدخل من تعقيدات إضافية لمشكلات الأرض والسكان والاقتصاد في البلد وهذا ما اختص به الجزء الثالث. أما الجزء الرابع فقد اختص بتحليل الحقبة الملكية (1921-1958) والتطورات الاقتصادية القطاعية التي شهدتها فضلاً عن تطور دور الدولة في ظل تزايد ريعية الاقتصاد وبخاصة بعد انتصاف القرن العشرين. وتناول الجزء الخامس التطورات الاقتصادية في العهد الجمهوري الاول ما بين عامي (1958 -1963) والكيفية التي تبدلت فيها الأوضاع الاقتصادية مع تغير مركز القوة من الريف إلى المدينة، وانعكاس الصراعات السياسية على الاقتصاد والتعقيدات التي أضافها حكم العسكر على الواقع الاقتصادي والاجتماعي في البلد. وعلى الرغم من أنَّ كثيراً من عناصر الحقبة الجمهورية ستستمر بالاشتغال والتأثير في الحقبة اللاحقة (1963 -1968) والتي خصصنا لها الجزء السادس من هذا المشروع، وفي مدة حكم البعث الثانية (1968-2003) التي أفردنا لها الجزء السابع الذي تناول التطورات التي شهدتها هذه الحقبة التي تعد الأعنف والأكثر راديكالية في تاريخ العراق بما حملته من أحداث جسام أثرت في صياغة الواقع الاقتصادي للبلد وتعميق مشكلاته. أما الجزء الثامن والأخير فقد اختص بمعالجة التطورات الاقتصادية التي حملها الاحتلال الأمريكي للعراق والتغيرات الاقتصادية التي شهدها العراق منذ عام 2003 وحتى عام 2011 ليشكل خاتمة المشروع بإذن الله.
واعترافاً بالفضل فإنَّنا نتوجه بالشكر الجزيل للأستاذة الفاضلة الدكتورة آمال شلاش رئيس قسم الدراسات الاقتصادية السابقة والى الاخ الأستاذ الدكتور فلاح ثويني رئيس قسم الدراسات الاقتصادية في بيت الحكمة على رعايتهما هذا المشروع، كما نتوجه بالشكر الجزيل للدكتور عماد عبد اللطيف سالم على مراجعته هذا الكتاب وتصويباته وملاحظاته القيمة التي أغنت النص.

مقدمة الجزء السادس

شهد العراق خلال المدة 1963-1968 تحولات اقتصادية كبيرة أفرزت عدم استقرار اقتصادي وسياسي امتدت آثارها في الحياة الاقتصادية الى المراحل اللاحقة، ويذهب كثير من الباحثين الى القول أن انقلاب 8 شباط (فبراير) 1963 هو بداية للكوارث التي حلَّت بالعراق، وعلى مختلف الاصعدة. لكونهم يعتقدون أن العامل الخارجي كان له دور اساس في تثبيت الحكم في البلد، ففي تلك الحقبة كانت الناصرية في اوجها، وطرحت بقوة إمكانية التحاق العراق بالجمهورية العربية المتحدة التي ضمت وحدة بين مصر وسوريا.
كان عبد السلام عارف يرى أن الظروف الموضوعية لم تكن مؤاتية لإقامة الوحدة مع مصر، لذا طرح بدائل عدة لخلق أوضاع مشابهة لتلك القائمة في مصر منها ما أعلن عنه في 26 أيار (مايو) 1964 بإقامة المجلس الرئاسي المشترك للتخطيط والتنسيق في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والعسكرية، مع ذلك لم تتخذ خطوات حاسمة باتجاه الوحدة المنشودة.
إن هذه المدة القصيرة من التاريخ الاقتصادي في العراق تخللها العديد من التغيرات على الصعيد الاقتصادي وقد كان من أهم مظاهرها تطبيق قوانين تأميم المشروعات الخاصة والمصارف وشركات التأمين التي وجهت ضربة قاصمة لنشاط القطاع الخاص، وافقدته الثقة بالدولة. فكان لإصدار قرارات التأميم آثاره السلبية على مسيرة الاقتصاد العراقي، وأدت الى تدمير القطاع الخاص وتأكيد هيمنة الدولة على النشاط الاقتصادي.
مع ذلك فقد اتخذت في هذه المرحلة اجراءات كان لها أهميتها بالنسبة لقطاع النفط، والتمهيد لإعادة السيطرة الوطنية عليه، فقد كان لإصدار قانون شركة النفط الوطنية دور ايجابي في مسيرة هذا القطاع، وكان خطوة مهمة سيتم جني ثمارها في المرحلة اللاحقة.
يسعى هذا الكتاب والذي هو الجزء السادس في مشروع «العراق: تاريخ اقتصادي» إلى تحليل تلك العوامل في حقبة الرئيسين عبد السلام وعبد الرحمن عارف عبر فصوله التسعة، إذ يركز الفصل الأول على التغير السياسي في عهد الانقلابات التي افتتحها انقلاب الثامن من شباط (فبراير) 1963، أما الفصل الثاني فقد اختص بمناقشة اثار التحول الاشتراكي وانهيار الاقتصاد التي اتخذها النظام عام 1964؛ والتي أحدثت هي الاخرى نتائج كارثية من خلال توجيه ضربة قاصمة للقطاع الخاص الناشئ حديثاً وقوضت جهود تطويره والنهوض به، ووكدت هيمنة الدولة على الاقتصاد وازاحة النشاط الخاص. وقد اختص الفصل الثالث بتحليل الصعوبات الاقتصادية في ظل البحث عن هوية للاقتصاد العراقي في ظل قرارات التأميم والرغبة السياسية للوحدة مع مصر.
وتناول الفصل الرابع النفط وتأسيس شركة النفط الوطنية والتي ربما كانت الجانب الايجابي للنظام، والخطوة الاكثر جرأة في مجال اعادة السيطرة على قطاع النفط ومحاولة تعريق بعض أنشطته.
وتعرض الفصل الخامس للأحوال المعيشية ونتائج التنمية الاشتراكية على المجتمع العراقي، فيما تناول الفصل السادس اوضاع الريف بين الأزمة الاقتصادية وتباطؤ الإصلاح الزراعي على الرغم من توالي صدور القرارات التي استهدفت تعديل اوضاع القطاع الزراعي.
ويختتم الكتاب بالفصل السابع الذي يتناول علاقات العراق الاقتصادية الدولية ويحلل نتائج التراجع في مكانة العراق الاقتصادية على الصعيد الدولي.
من الله التوفيق

الاراء المطروحة في جميع الدراسات والابحاث والمقالات المنشورة على موقع الشبكة لاتعكس بالضرورة وجهة نظر هيئة تحرير الموقع ولا تتحمل شبكة الاقتصاديين العراقيين المسؤولية العلمية والقانونية عن محتواها وانما المؤلف حصريا. لاينشر اي تعليق يتضمن اساءة شخصية الى المؤلف او عبارات الكراهية الى مكون اجتماعي وطائفة دينية أو الى اي شخصية أو مؤسسة رسمية او دينية

تعليقات (2)

  1. د.عمر الجميلي
    د.عمر الجميلي:

    ان الخوض في تاريخ العراق الاقتصادي لهو موضوع يكتسب اهمية كبيرة . ففي الوقت الذي تفتقر المكتبة العراقية لهكذا نوع من المؤلفات فان هنالك حاجة ماسة لفهم واعادة قراءة تلك الاحداث من منظور علمي ومنهجي بعيدا عن المواقف السياسية المسبقة والتي طغت على ماكتب سابقا بشان تاريخ العراق الاقتصادي. واجد من الضرورة ان يقوم المؤلفان باستكمال عملهم وذلك ولو بتزويدنا بعرض حول الاجزاء الخمسة السابقة وبيان الالية التي تمكن من خلالها الحصول على نسخة من الاجزاء المشار اليها في اعلاة …. مع التمنيات بالتوفيق الدائم.

  2. مصباح كمال
    مصباح كمال:

    تأميم شركات التأمين 1964
    لا يسع المرء إلا أن يرحب بكتاب (العراق: تاريخ اقتصادي) لأن ما ينشر عن التاريخ الاقتصادي للعراق قليل نسبياً. مقدمة الكتاب ومقدمة الجزء السادس يفتحان شهية القارئ للتعرف على حجج مؤلفا الكتاب. نأمل أن نحصل على نسخة من الجزء السادس الذي يغطي فترة (الجمهورية الثانية: 1963-1968).
    أسأل إن كان بالإمكان نشر الصفحات الخاصة بالتأمين (الفصل الثالث: “المصارف والتأمين” و “قطاع التأمين”) في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين. لقد كانت لي مساهمة متواضعة في تقييم تأميم شركات التأمين سنة 1964: (“تأميم قطاع التأمين في العراق 1964: مقدمة نقدية”، نشرت في مجلة التأمين العربي، مجلة الاتحاد العام العربي للتأمين، العدد 109، حزيران/ يونيو 2011)، وتم ضمها فيما بعد إلى كتابي (أوراق في تاريخ التأمين في العراق: نظرات انتقائية، بغداد: منشورات شركة التأمين الوطنية، 2011).
    عندما نحصل على نسخة من الجزء السادس ستكون لنا وقفة مع جاء في الكتاب عن تأميم قطاع التأمين.
    14 نيسان 2019

التعليق هنا

%d مدونون معجبون بهذه: