ا-تمهيد
اربعة عقود ونيف مضت على ذلك الكم المتراكم من حصاد سنوات من التنمية الضائعة راكم اقتصاد الحرب فيها مخاضات وحلة ضمتها رفوف ذاكرتي، وهي اهوالٌ من اقتصاديات الحرب وضياع الموارد قبل ان اتلمس فجراً جديداً في اقتصاديات السلام ليبزغ قليلاً في سماء البلاد اليوم وانا ما زلت ذلك الرجل الذي امضى جل حياته في حقل اقتصاد الصراعات مذ يوم تفجرها وحتى انتهت تطرق بوابات اقتصاد السلام، من دون نسيان ما اخذت منا ازمنة الصراع ومرئياته الكثير في اقتصادات الحرب، يوم هدرت اول قطرتين ابكت بلادي سنوات داكنة طويلة، كانت اولها قطرة دم على خريطة الحرب والاخرى قطرة نفط على خريطة الاقتصاد لتأذن باندلاع حرب الخليج الاولى في ايلول/سبتمبر 1980.
لمواصلة القراءة انقر على الرابط التالي
مظهر محمد صالح-تأملات في الاقتصاد السياسي للسلام-IEN محررة
قراءة في مقال “تأملات في الأقتصاد السياسي للسلام” العراق أنموذجا
كتب الدكتور مظهر محمد صالح المقال اعلاه ونشر في يوم 21/6/2023 على موقع شبكة الأقتصاديين العراقيين الألكتروني متضمنا في محتواه شرحا مقتضبا لتأملات في “اقتصاد السلام” توجه الى القارىء من خلال اربعة اجزاء تكوّن منها مقاله حيث طرح في الجزء الأول تمهيدا للمحتوى الزاخر بالفكر السياسي المحتضن للفكر والرؤية الأقتصادية ذكر فيها ايجازا تاريخيا لما مر به العراق خلال العقود الأربعة الماضية كان فيه شاهدا (كما كان الكثير منّا) على اقتصاديات الصراع (الحرب) التي اعتاشت و عملت على نزيف الدم الذي تضرّج به اقتصاد البلاد حينها، معتبرا اننا اليوم نشهد ولادة امل جديد في بزوغ فجر يمتّ الى اقتصاد السلام بصلة يراها الكاتب وثيقة.
ويتطرق في النقطة الثانية الى مقولة “فيليب البيلّوني” الباحث في معهد الدراسات المتقدمة في جامعة برنستون الأمريكية عن اقتصاد الحرب باعتباره نظاما يقوم على استغلال الموارد لغرض توظيفها في ادامة الحرب او النزاع والعنف، لذا فأن الحكم على اية حرب ينبغي ان يكون من خلال تحليل شامل للأسباب المؤدية الى الحرب ولايجوز بأي وجه من الوجوه ان يتم تبعيض الأٍسباب او عزل بعضها عن البعض، لأن هذه الأسباب لابد ان تكون مترابطة بطريقة او اخرى حيث تؤدي الى نشوب الصراع في نهاية المطاف. ويعرج كاتب المقال على مقولة “هيرمان شيلر” في كتابه “الماركسية والحرب الأمبريالية” القاضية بضرورة دراسة سياسة الدول القائمة بالحرب في المرحلة السابقة للحرب واثنائها ولا يجب ابدا الأكتفاء “بالتبعيض” كما ذكرنا نظرا لوجود الأرتباطات المعقدة التي قد تنمو خلال مدة او مدد زمنية متفاوتة لتتراكم مكتسبة قوة معينة تعمل على تغيير التوجهات السياسية او انها ستكون مطية للتوجهات السياسية في الزمكانات المختلفة.
ويعتبر د. مظهر ان الدبلوماسية الأقتصادية العراقية اليوم استطاعت ان تأخذ منحىً جديدا استند الى تتبع حثيث لمتطلبات مسار “اقتصاد السلام” وتحري آليات و ادوات الطرق التي يمكن فيها التغلب على الصراع او تحجيمه او تجنبه من خلال معايرة نسبية لخسارة الأزدهار وفرص التنمية الأقتصادية التي تتطلب الأستقرار، ومن خلال توجيه الصراع نفسه نحو صناعة السلام بدلا من الحرب. ومع تفضل كاتب المقال بذكر معنى “اقتصاديات السلام” بموجب رؤية “والتر إيزارد” المتمثلة بنقاط ثلاث كما ذكرها، اقول بأن ماذكره “والتر” هو تصور واقعي في اطار دولة لها مؤسسات قوية يمكنها ان تلعب دورا حيويا في ادارة الصراع او التأثير على مساراته و توجهاته. ومثل هذه المؤسسات لايمكن ان نراها الا في الدول الرأٍسمالية تقريبا حيث ان الدول التي تعيش تحت كنف الخيام الأشتراكية او الشيوعية، لايمكن لها ان تدخل في هذا الطريق لأنها تدار من قبل تصور اساسي واحد يمثله الحزب القائد وبتوجيه من الزعيم الأوحد. كوريا الشمالية اليوم مثالاً.
ان التحول الذي يشير اليه د. مظهر ويطلبه هو تحول مرتبط بظروف دولية و اقليمية في منطقة متعددة ومتنوعة الأطياف في صراعاتها ان كان على الصعيد الداخلي او الخارجي. ولو كان الأمر من خلال رؤية يراها كاتب المقال ومن هم بخبرته الغنية المتخصصة لما كلفنا الأمر عشرون عاما اليوم لنصل الى هذا المنعطف الذي اراه انا شخصيا من زاوية اخرى قد اختلف فيها بعض الشيء مع كاتب المقال من خلال مفهوم استقلالية القرار او تبعيته بما يتماشى مع الستراتيجيات الأخرى على المستوى المناطقي او الدولي. لكن في النهاية نتفق مع رؤية “يان تنبرغن” عام 1994 المتمثلة بأن “اقتصاد السلام” هو العلم الذي يوجد كوسيلة لمنع الحرب.
واذ اعتبر نفسي شاهدا على حقبة العقود الأربعة الماضية و احد ضحايا السياسات التي اشار اليها كاتب المقال في الجزء الثالث حيث ذكر “القمم الآمرة” وكيف انها لاتبالي بنصائح الأقتصاديين او نتائج استشاراتهم متميزة بمفاهيم البعد الواحد المرتكز الى عدم الأهتمام بنسب الخسائر التي ستسببها قراراتهم على صعيد الموارد، او المجتمع وما يلحقهما من متأثرات اخرى غير آبهين بالكوارث التي قد تسببها قراراتهم بعيدا عن الفهم الأوسع لأفق المستقبل.
ولكي لا اطيل هذه القراءة في المقال اعلاه سأذكر ما أشار اليه دز مظهر عن المفكر “ابراهيم العبادي” عندما ربط تواجد التقدم الأقتصادي من خلال ايجاد بعد تفكيكي يستقر عليه بناء العقل السياسي الوطني في تأسيس طريق بديل حتمي للتنمية. واقول اننا نعاني الى اليوم من ازمة الهوية و ازمة الألتفاف الوطني حول مفهوم الوحدة الوطنية التي يجب ان تحتوي كافة المفاهيم الفرعية الداعية لتشكيل الهوية العليا بعيدا عن كافة الهويات الأخرى من اجل الأرتكاز اليها و اعتبارها الأداة الرئيسية لتطبيق “البعد التفكيكي” للتصلب المصالحي الجزئي المرتبط بعقلية التربع على جزء من ايرادات الريع المعتمد على النفط الذي تم استنزاف جزء كبير من حصة اجيال العراق المستقبلية التي وكما يبدو ان لا احدا يفكر بها في الوقت الحاضر.
وفي نهاية المقال يعرج الكاتب على ذكر رؤية “ابراهيم العبادي” المتمثلة في التحاور الفكري بين اطراف الداخل لتشكيل صورة موحدة من شأنها الشروع في حوارات فكرية مع دول الجوار لأيجاد ارضية مشتركة تضع نصب عينيها مستقبل شعوبها واستغلال الموارد المتاحة بما تفرضه آليات التخطيط العلمي الصحيح البعيد عن الأٍستنزاف المؤدي الى التلوث البيئي و انتشار الأمراض، وليلتحق بهذا التوجه تخطيطا آخر ينظم عملية التكاثر البشري والتوجهات الأقتصادية الأخرى النابعة من تططوير قطاع الزراعة بشكل اساسي ومن ثم تنظيم قطاع التعليم ليكون بعيدا عن العشوائية التي اصابت كل شيء منذ وقت ليس بالقصير.
اود التوجه بالشكر لـ د. مظهر محمد صالح على هذا المقال الذي اكتنز برؤى ارتكزت الى صناعة السلام اولا كطريق لأزدهار اقتصادي و لكي تسير السفينة بأمان بعيدا عن تلاطم الأمواج وبهدوء يشترك فيه الجميع كل حسب دوره وبموجب رؤية موحدة على طريق النجاح. والمقال يحتمل الأطالة في تسجيل الردود عن قرائته، الا ان خشية الأسهاب و ملل مطالعة القارىء تدفعنا للأختصار.