مصباح كمال
مقدمة:
نشرت مقالاً في مجلة التأمين العراقي قبل ست عشرة سنة بعنوان “قطاع التأمين العراقي والانتخابات العامة القادمة” ورغم أن المقال، في تقديري، نص نادر يربط بشكل مباشر بين الانتخابات البرلمانية وواقع قطاع التأمين العراقي آنذاك إلا أنه، مع الأسف، لم يلق ما يستحقه من انتباه من ممارسي التأمين أو السياسيين في العراق. لم يحفز المقال أحدًا للرد أو الكتابة عن مكانة التأمين في الخطاب الانتخابي، وهو ما يعكس الحضور البائس لمؤسسة التأمين في العراق. لم يتغير الوضع كثيرًا منذ ذلك الوقت، ولذلك فإنه من المناسب إعادة نشر المقال دون أي تعديل.
نشر المقال في مجلة التأمين العراقي http://misbahkamal.blogspot.co.uk/2009/11/blog-post_23.html
ليس لدي ما أضيفه للمقال سوى الإشارة إلى بعض الظواهر من باب التأكيد عليها أجملها بما يلي:
إن تجاهل التأمين في الخطاب الانتخابي يكشف قصورًا في الرؤية الاقتصادية والاجتماعية لدى القوى السياسية المشاركة في الانتخابات، ويؤشر على ضعف الوعي المؤسسي لدى هذه القوى والمرشحين، مثلما يؤشر على غياب رؤية متكاملة للتنمية الاقتصادية الاجتماعية (وهو ما كان يشار له في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، وفق رأي أحد الاقتصاديين، بمهام الثورة الوطنية الديمقراطية). من آثار هذا التجاهل وغياب الرؤية، بالنسبة لقطاع التأمين، ضياع فرصة إصلاحه بعد تدهوره في العقدين الأخيرين للنظام الدكتاتوري واكتمل بعد الاحتلال الأمريكي للعراق. ويشهد على ذلك ضعف الإرادة التشريعية في مراجعة قانون تنظيم أعمال التأمين رقم 10 لسنة 2005، الذي صاغته سلطة الاحتلال، رغم مرور عقدين على صدوره، وكذلك التشريعات السابقة لها.
إن التأمين كقطاع مؤسسي حساس يتطلب حوكمة متميزة بقوة التشريع لأنه يمسّ مصالح جمهور المؤمن لهم، مثلما يتطلب استقلالية تنظيمية (كما بينا في بعض مقالاتنا حول استقلالية ديوان التأمين وفك ارتباطها بوزارة المالية).
لمواصلة القراءة الرجاء الضغط على الرابط التالي:
Elections & Insurance 2025-IEN

باحث وكاتب عراقي متخصص في قطاع التامين مقيم في المهجر

مصباح كمال
أهمية طرح الأفكار ومناقشتها
أشكر كل من علق على مقالي، وكلها تضم أفكارًا تستحق الاهتمام لتوسيع دائرة النقاش ذلك لأن التأمين لا يشكل إلا جزءًا صغيرًا من الخطاب الانتخابي حتى في حال تبني التأمين من قبل المرشحين والجماعات والأحزاب السياسية. يبدو لي أن التعليقات متفقة على غياب رؤية اقتصادية واضحة ومتكاملة في الخطاب الانتخابي تشكل برنامجًا يمكن للناخبين التفكير فيه وتأثيراته على حياتهم المعيشية.
أسعدني أن أقرأ تعليق رئيسة ديوان التأمين وكالة، الزميلة إسراء صالح داؤد، فهي لا تلجأ إلى الدفاع أو تبرير ما هو قائم في مناقشتها لأطروحات الزميل سمير الأحد. وكما كتبتُ غير مرة فأن الخروج من دائرة الرضا عن النفس وسرد الإنجازات يمهد السبيل للاشتباك مع القضايا العقدية لقطاع التأمين العراقي وتعامل الدوائر الحكومية معها أو غياب التعامل معها.
أتمنى على جمعية المؤمنين ومعيدي التأمين وشركات التأمين اقتفاء خطى الزميلة إسراء صالح داؤد في مناقشة القضايا المثارة في المقال وفي التعليقات.
مع التقدير.
4 تشرين الأول 2025
إلى الأستاذة الفاضلة إسراء صالح داود،
حين نتحدث عن إصلاح سوق التأمين في العراق، فإن أول ما يتبادر إلى الذهن هو القانون أو اللوائح، لكن الحقيقة أن هذه الأدوات كما تفضلتي بذكره ،تبقى نصوصًا صامتة ما لم تقترن بعنصر بشري قادر على فهمها وتطبيقها. نامل لكم التوفيق في تبني مقترحاتكم الاستراتيجية، لبناء القدرات والتي أتوقع ان تتركز على تاسيس معهد متخصص للتأمين يكون بمثابة “مدرسة وطنية” لتخريج الكوادر. الجامعات العراقية ما تزال تقدم محاولات متواضعة عبر بعض الأقسام الاقتصادي.
ولعل تأسيس معهد وطني للتأمين – تحت إشراف ديوان التأمين ووزارة المالية – هو الخطوة الأولى والأكثر إلحاحًا. هذا المعهد لا ينبغي أن يقتصر على الدورات التقليدية، بل يجب أن يصبح منصة لتأهيل العاملين في التامين . تجربة معهد التامين المصري يمكن أن يكون مرجعًا يُكيف مع خصوصية العراق.
لكن بناء القدرات لا يتحقق بالمحلي فقط. فالعالمية هنا ليست ترفًا، بل ضرورة. ان إلزام العاملين بالانتماء إلى امكانات المعهد القانوني للتامين في إنكلترا اوإرسال الموظفين في بعثات تدريبية إلى الخارج – إلى لندن، ميونيخ، دبي – ليس إنفاقًا زائدًا، بل هو “رأسمال معرفي” يعود بأضعاف قيمته. غير أن الشركات الحكومية و الخاصة قد تتردد في تحمل هذه الكلفة ما لم يُفرض عليها الأمر بآلية تنظيمية. وهنا يبرز الدور الحاسم لديوان التأمين: أن يجعل من المساهمة في التدريب رسمًا إلزاميًا، أو شرطًا لحسن الأداء، بحيث تُلزم كل شركة بتخصيص نسبة من أقساطها أو أرباحها لصالح تدريب موظفيها أو إرسالهم إلى الخارج.
بهذه الطريقة، لا يبقى التدريب خيارًا طوعيًا بيد الشركات التي قد تفضل الادخار على الاستثمار البشري ، بل يصبح التزامًا مؤسسياً يوازي في أهميته دفع الرسوم أو الالتزام برأس المال. ومع مرور الوقت، سيؤدي ذلك إلى تكوين كتلة حرجة من الكفاءات الوطنية القادرة على إعادة تعريف الصناعة نفسها، والتقليل من الارتهان للخبرات الأجنبية أو للاستشارات المعلبة التي نشترى بثمن مرتفع ولا تترسخ محليًا.
تحيات كبيرة دكتور
مقال مهم في فهم العقلية الحزبية التي تسير بها دولة المحاصصة، للأسف لا نجد اليوم في البرامج الانتخابية ما يمكن ان يوضع في حقل المشروع النخبوي في المجالات الاقتصادية والاجتماعية وحتى السياسية فما بالك بالتأمين، ما يُعول عليه في الدعايات الانتخابية هي مفاهيم شعبوية تناغم تطلع العوام من الجمهور الذي لا يفهم في الخطط الاقتصادية الحقيقة، ولا نغفل طبعا سطحية العقول الريعية المرشحة للمناصب، لم اجد حتى اليوم حزب قدم مشاريع بنيوية وتنموية فكلها تناغم عقل الجمهور بالرواتب والعقود والوظائف التي اثقلت كاهل الدولة بالرواتب العالية والضخمة التي تستحوذ على ما يقارب ال٩٥% من الايرادات النفطية في آخر ثلاث سنوات.
مصباح كمال
السياسي العراقي وغياب الموقف من التأمين
عزيزي سمير
أشكرك على مبادرتك بالتعليق لتوسيع دائرة المناقشة حول التأمين والانتخابات البرلمانية في العراق، وإبرازك لغياب اهتمام السياسي العراقي بمؤسسة التأمين، وهشاشة الوعي المجتمعي بهذه المؤسسة، وقصور الخبرة الاقتصادية لدى الكثير من الأحزاب، وغياب الإصلاح التشريعي والتنظيمي (الثغرات والالتباس في صياغة قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005، وتهميش ديوان التأمين واستقلاليته).
لقد عقدت مؤتمرات عديدة في بغداد لإصلاح قطاع التأمين (نافشتها في عدد من الأوراق جمعتها بين دفتي كتاب منشور في موقع الشبكةInsurance-Conferences-in-Iraq.pdf) ، كما طرحت الحكومة رؤيتها للإصلاح في الورقة البيضاء (قمت والزميل منعم الخفاجي بنقد ما جاء في الورقة البيضاء حول التأمين في مقالات منشورة في موقع الشبكة ومنها ما جمعته في كتاب: White-Paper-and-the-Insurance-Sector.pdf)، لكن كل ذلك ظل حبرًا على ورق.
القول بأن السياسيين لم يجدوا “ما يشجعهم على طرح التأمين كورقة إصلاحية” يحتاج إلى إعادة نظر على ضوء الأطروحات التي قدمته في تعليقك. هنا جهل فاضح بالتأمين وبمكانته في الاقتصاد الوطني لدى معظم السياسيين العراقيين، ومن بينهم وزراء في حكومات ما بعد 2003، وهو ما ناقشته مع زملاء آخرين في العراق في أوراق منشورة في موقع الشبكة.
مع سكوت أصحاب الشأن في العراق، ما علينا إلا الاستمرار في ممارسة النقد لما هو قائم لعلنا نساهم في إثارة نقاش يفضي إلى تحقيق بعض التقدم في التفكير وفي الإجراءات. ويأتي اقتراحك لتحويل “التساؤلات الجوهرية المطروحة … إلى مبادرة وطنية او عنوان لمؤتمر وطني وإقليمي” مستكملاً لهذا التعليق. الكرة الآن هي في ملعب أصحاب الشأن والقرار.
29 أيلول 2025
إلى الزميل العزيز مصباح كمال
إن تساؤلك عن غياب الاهتمام بقطاع التأمين من قبل السياسيين العراقيين والعاملين في التامين العراقي تساؤل مشروع للغاية، خصوصاً إذا ما نظرنا إلى ان التأمين بوصفه قطاعاً اقتصادياً حيوياً في كل دولة تسعى إلى حماية مجتمعها وتنمية اقتصادها. لكن حين نعود إلى المشهد العراقي بعد عام 2003 وحتى اليوم، نجد أن الإجابة ليست واحدة بل متشابكة الأبعاد.
أول ما يلفت النظر أن السياسي العراقي لم يجد في التأمين مادة تجذب الناخب. فالخطابات الانتخابية انشغلت بالشعارات الكبيرة: الأمن، الخدمات، المصالحة، المحاصصة،الوظائف. أما التأمين فهو ملف “صامت”، لا يُدرّ أصواتاً ولا يُثير عاطفة الشارع. لذلك كان طبيعياً أن يظل خارج دائرة الأولويات السياسية.
ثم هناك وعي المجتمع نفسه. المواطن العراقي الخارج من الحروب والعقوبات لم يختبر التأمين كشبكة أمان حقيقية، بل غالباً رآه إجراءً شكلياً أو تكلفة إضافية. هذا الإدراك المحدود انعكس على السياسيين الذين اعتادوا مجاراة الجمهور بدلاً من قيادته نحو إصلاحات بعيدة المدى.
يضاف إلى ذلك قصور الخبرة الاقتصادية لدى كثير من الأحزاب. فالنخبة السياسية لم تُبنَ على قاعدة اختصاص اقتصادي أو مالي متين، بل على معايير الولاء الحزبي والموقع السياسي. ولهذا لم يُنظر إلى التأمين بوصفه رافعة للاستثمار وحماية لرأس المال، بل تُرك مهمشاً في ظل انشغال الدولة بامور سياسية وحزبية ضيقة. .
الجانب الآخر يتعلق بالقوانين والمؤسسات. فان قانون تنظيم اعمل التامين رقم ١٠ لعام ٢٠٠٥ الذي شرعه الاحتلال لم يواكب التطورات العالمية التي تهدف إلى تنظيم العملية التأمينية خدمة للاقتصاد الوطني و بنفس الوقت قام بتهميش دور هذا القطاع المهم خدمة لمصالحه ،ومما ضاعف من المشكلة هو ان ديوان التأمين بقي جهازاً بيروقراطياً ضعيف الصلاحيات والامكانيات .ومع غياب الإصلاح التشريعي والتنظيمي، لم يجد السياسيون ما يشجعهم على طرح التأمين كورقة إصلاحية.
لكن رغم كل ذلك، يظل التأمين قطاعاً استراتيجياً منسياً. فدوره في تعويض الأفراد، حماية الاستثمارات، وتمويل المشاريع طويل الأجل لا يقل أهمية عن أي قطاع اقتصادي آخر. الدول لا تنهض من دون قطاع تأميني متين يخلق الثقة ويضمن الاستقرار.
انطلاقاً من الحاجة الملحة لإصلاح قطاع التامين في العراق وتعزيز دوره كاداة استراتيجية لحماية الاقتصاد والمجتمع ،نقترح ان يتم تحويل التساولات الجوهرية المطروحة من قبلكم إلى مبادرة وطنية او عنوان لمؤتمر وطني وإقليمي . يعقد هذا المؤتمر في بغداد و بمشاركة خبراء التامين، الجهات الرقابية ، وصناع القرار السياسي والاقتصادي ،إضافة إلى ممثلين عن الأسواق التأمينية الإقليمية والعربية بما يتيح تبادل الخبرات وتوعية صناع القرار، بأهمية التامين والاستفادة من التجارب الناجحة ، تمهيداً لوضع برنامج اصلاحي متدرج ومتكامل. ونامل ان يكون هذا المقترح خطوة عملية تسهم في بناء قطاع تأميني رصين قادر على دعم الاقتصاد الوطني .
أتقدم بخالص الشكر والتقدير على الجهد المبذول في إعداد هذه المقالة الثرية بالمعلومات والتحليل. يسرني أن أضيف مداخلة موجزة حول جانب مهم في المشهد السياسي والاقتصادي العراقي.
إن الأحزاب السياسية في العراق، على اختلاف توجهاتها، تفتقر إلى رؤية اقتصادية واضحة، إذ تميل إلى إطلاق وعود آنية ذات أثر مالي أو خدمي سريع، بدلاً من تبني سياسات مستدامة كالتأمين، الذي يُعدّ أداة إصلاحية بعيدة المدى، غير قادرة على استقطاب أصوات انتخابية مباشرة.
ويضاف إلى ذلك ضعف الدور الإعلامي لكل من شركات التأمين، وديوان التأمين، وجمعية التأمين العراقية، ومعيدي التأمين المحليين. فرغم المكانة التنظيمية المهمة التي يتمتع بها ديوان التأمين، إلا أنه لا يزال بعيداً عن المواطن العادي، ولم يتحول بعد إلى منصة فاعلة للتوعية تكشف حجم الفجوة التأمينية. ويعود ذلك إلى قلة الاهتمام المؤسسي بقطاع التأمين، مما جعله يبدو كحلقة ثانوية في الاقتصاد الوطني، بل ومغيباً عن البرامج الحكومية وأولويات المواطن اليومية.
إن الناخب العراقي ضيق الأفق ايضا يوجه ضغطه نحو القضايا المعيشية العاجلة كالوظائف والخدمات الأساسية، ولا يتعامل مع التأمين باعتباره حقاً اجتماعياً، الأمر الذي يجعل هذا الملف خارج دائرة التنافس الانتخابي.
وعليه، فإن غياب التأمين عن البرامج الانتخابية لا يعني انتفاء أهميته، بل يعكس حالة من الفوضى وضعف الوعي المؤسسي. لتحويل التأمين إلى “قضية انتخابية” حقيقية، لا بد من دمجه في البرامج الحكومية و شبكة الحماية الاجتماعية، وتفعيل ودعم دور ديوان التأمين ليخرج من نطاقه الفني الضيق، ويتحول إلى ملف يمس حياة المواطن بشكل مباشر.
الاستاذ الفاضل سمير عبد الاحد
اتفق معكم أن إصلاح قطاع التأمين يحتاج إلى مبادرات وطنية كالمؤتمر الذي اقترحته، لكن الإشكالية الجوهرية أن تعديل القوانين أو إصدار تشريعات جديدة تخص التأمين في العراق – كما تعلمون – يستغرق سنوات طويلة في مجلس الدولة والبرلمان، مما قد يضعف الأثر المباشر لأي مبادرة إصلاحية إذا رُبطت حصراً بالتشريع.وهذا ما تعانيه في ديوان التأمين.
من هنا أرى أن يكون التحرك على مسارين متوازيين:
1.المسار المؤسسي و الإجرائي ( وهو ما نعمل به في الديوان عبر تفعيل ما هو قائم من صلاحيات لدى ديوان التأمين ووزارة المالية، وتحسين التعليمات واللوائح التنفيذية، وهي خطوات ممكنة وسريعة نسبياً ولا تحتاج إلى انتظار تعديل القانون.)
2. المسار التشريعي طويل الأمد وهو العمل على إعداد مشروع متكامل لتعديل قانون التأمين رقم (10) لسنة 2005، بالتعاون مع الخبراء والبرلمان، حتى وإن استغرق وقتاً.،ويعد الديوان الآن مسودة قانون التأمين الموحد.
كما سيتولى الديوان خلال الأيام القليلة اعلان الخطوط الاستراتيجية لبناء القدرات في قطاع التأمين التي ستكون على مدة ٣ -٥ سنوات ،ونأمل أن نلاقي الدعم المطلوب
بهذا الشكل نضمن أن المؤتمر الوطني/الإقليمي المقترح لا يتوقف عند حدود التوصيات النظرية، بل يضع أيضًا برنامجًا مرحليًا قصير المدى قابلًا للتنفيذ فورًا، وبرنامجًا بعيد المدى يتكامل مع الإصلاح التشريعيعلى ضوء المسار بين اعلاه
مع خالص التقدير