(اغتراب في اقتصاد المعنى)
د. مظهر محمد صالح:
لم أجد يومها تفسيرًا لتلك الدهشة التي باغتتني وأنا أطأ أرض مطارٍ عملاق في أميركا الشمالية قبل أكثر من أربعة عقود. كانت أصوات الأطفال المودّعين لبلاد الرافدين تملأ الأجواء ببكاءٍ متقطّعٍ يشبه النداء الأخير، وقلوبٌ صغيرة تتشبّث بدفء الجدّات في بلادي قبل أن يسحبها الواقع البارد إلى مصيرٍ بعيد.
هناك ، و وسط ضجيج المطار ووجوه العابرين، شعرتُ بأن العالم قد تفكّك إلى رموزٍ ومعانٍ تنتظر من يلتقطها ليُعيد ترتيبها في ذاكرته.
في تلك اللحظة، لم أكن أعرف بعدُ اسم زيغمونت باومان Zygmunt Bauman، الفيلسوف البولندي البريطاني الذي سيقلب لاحقًا تصوّراتنا عن العالم في كتابه المسمى الحداثة السائلة Liquid Modernit لكنني أحسست بما سيقوله لاحقًا: أن الاقتصاد لم يعد صلبًا كما كان في زمن الصناعة، بل صار سائلًا، تتدفق فيه القيم وتتحول المادة إلى رمز، والعمل إلى تجربة، ورأس المال إلى معرفة وثقافة. لم تعد الأسواق أسواق سلعٍ وخدمات، بل فضاءاتٍ لتداول المعاني والإدراك . اذ يرى باومان أن العصر الحديث قد فقد صلابته، وأن الإنسان يعيش اليوم في زمن المعاني العائمة ، حيث يُقاس النجاح لا بما تملكه من مادة، بل بما تخلقه من رموز وتجارب وشبكات وهي نفس الفكرة الجوهرية التي تقف وراء ما نسميه اقتصاد المعنى.! كانت أيام اغترابي الأولى قاسيةً كصقيعٍ داخليٍّ طويل. فالأطفال يذرفون دموعهم على وداع الجدّات، ونحن نكتشف أن الجذور التي نحملها ليست سوى صدى بعيد في فضاء جديد.
ومع الأيام، حين بدأتُ أفكّ رموز الحياة الجديدة، أدركتُ جوهر فكر بيير بورديو. لقد حوّل بورديو المعنى نفسه إلى رأس مال، ورأى أن السوق الرمزي والثقافي لا يقل شأنًا عن السوق المادي. وهكذا وُلد ما نعرفه اليوم بـ “اقتصاد المعنى” بشكل اعمق حيث القيمة لا تُقاس بالمادة وحدها، بل بالتجربة، والانتماء، والرمز.
لمواصلة القراءة الرجاء الضغط على الرابط التالي:
د مظهر اقتصاد الدموع حين يصبح الحنين عملةً رمزية.


ربما يكون من المفيد باعتبار الكاتب مستشار للاقتصاد العراقي ان يثرينا برويته حول التحديات الاقتصاديه الخطيره التي تواجه الاقتصاد العراقي وتصوراته حول امكانية معالجة او مواجهة هذه التحديات .