الرئيسيةالصفحة الأولىقطاع التأمين الوطني والاجنبي

البعد الطبقي في صناعة التأمين

مصباح كمال‏

مقدمة

أزعم أن موضوع البعد الطبقي في صناعة التأمين لم يشغل فكر ممارسي ‏التأمين في العراق، فمعظمهم مستغرقون في الجوانب الفنية والقانونية للتأمين ‏وقلما ينظر إلى التأمين كمؤسسة تعمل في إطار اقتصادي-اجتماعي وبموجب ‏ضوابط قانونية يراد منها حماية المؤمن لهم والمنتفعين من حماية التأمين كما ‏تجسدها وثائق التأمين المختلفة. وحتى علماء الاجتماع والاقتصاديين لم ‏يهتموا بالمقاربة الطبقية لمؤسسة التأمين.‏

الفقرات التالية لا ترقى إلى ورقة بحثية بل هي مجرد خطوط عامة يمكن ‏الاستفادة منها في دراسة موسعة وموثقة. وهي لذلك محاولة للاقتراب من ‏الموضوع بأمل أن ينهض الغير لإشباعه بالدرس والتحليل.‏

كيف يتجلى البعد الطبقي في صناعة التأمين؟

يمكن اختزال الجواب في تفاوت الوصول إلى الخدمات التأمينية، وتفاوت ‏الحماية الاجتماعية بين الفئات الاجتماعية والاقتصادية المختلفة. وقد جاءت ‏التطورات الحديثة المرتبطة بالتحول الرقمي والتسعير الفردي لتزيد كم هذا ‏التفاوت وتشكل تهديدًا مبطنًا لمبدأ التضامن الذي ينتظم مؤسسة التأمين. ‏سنحاول فيما يلي إلقاء بعض الضوء على هذه الظواهر.‏

إن مبدأ التضامن التأميني، المتوارث من ممارسات وأعراف مغرقة في القدم، ‏يقوم على أساس فكرة بسيطة تقضي بأن يقوم جميع المؤمن لهم بدفع أقساط ‏متقاربة وعند تحقق الضرر المؤمن منه يستفيد المتضررين من المؤمن لهم ‏من هذه الأقساط لتعويضهم.‏

لمواصلة القراءة الرجاء الضغط على الرابط التالي:

Class Analysis of Insurance-IEN

الاراء المطروحة في جميع الدراسات والابحاث والمقالات المنشورة على موقع الشبكة لاتعكس بالضرورة وجهة نظر هيئة تحرير الموقع ولا تتحمل شبكة الاقتصاديين العراقيين المسؤولية العلمية والقانونية عن محتواها وانما المؤلف حصريا. لاينشر اي تعليق يتضمن اساءة شخصية الى المؤلف او عبارات الكراهية الى مكون اجتماعي وطائفة دينية أو الى اي شخصية أو مؤسسة رسمية او دينية

تعليقات (2)

  1. Misbah Kamal
    Misbah Kamal:

    نقد الكتابات التأمينية – سد الفجوة التأمينية

    وأنا أقرأ تعليق زميلي العزيز سمير عبد الأحد تأكد عندي أهمية الكتابة النقدية عما ينشر التي نفتقر إليها في قطاع التأمين العراقي. صحيح أن هناك كتابات متناثرة عن بعض ما ينشر لكن هذه الكتابات القليلة لا تؤشر على وجود تقليد نقدي للتعامل مع الكتابات التأمينية. أقول هذا في ضوء عشرات المقالات والدراسات التي نشرتها في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين التي لم تلق قراءة نقدية من قبل ممارسي التأمين في العراق (الاقتصاديون العراقيون بالكاد يقتربون من مؤسسة التأمين). وهذا يقودني إلى القول إن قطاع التأمين العراقي يعاني من فقر فكري. ويأتي تعليق الزميل سمير ليشق نهجًا متميزًا في الكتابة عن الشأن التأميني. فله كل الشكر على اهتمامه وعلى إثارته لقضايا تستحق، كما كتب، “مداخلات أخرى من الزملاء المعنيين لإثراء النقاش وإغناء المحتوى.” هؤلاء هم الأقرب إلى الواقع الراهن لقطاع التأمين ومشكلاته، ولذلك آمل أن يقوم البعض بتقديم كتاباتهم عن قضايا التأمين العراقي.

    لقد أفاض الزميل سمير في تعليقه لينقلنا إلى فضاء أوسع يمكن وضعه تحت عنوان الفجوة التأمينية. والمقصود بها نقص التغطية التأمينية مقارنة بالقيمة الحقيقية للأصول أو الخسائر المحتملة. وتتخذ هذه الفجوة أشكالاً مختلفة. (1) الفجوة الاقتصادية (تنشأ هذه الفجوة عندما تكون الأصول الاقتصادية (شركات تجارية وخدمية، مصانع، بنية تحتية) غير مؤمنة أو مؤمنة جزئيًا)؛ (2) الفجوة الاجتماعية (وتتجسد في ضعف إقبال فئات معينة (مثل النساء أو محدودي الدخل) على التأمين، أو عدم إقبال على شراء الحماية التأمينية لعدم توفر القدرة المالية، وهو ما يعكس التفاوت الطبقي)؛ (3) الفجوة القطاعية (بعض القطاعات كالزراعة أو المشروعات الصغيرة لا تلجأ إلى التأمين في العراق لهشاشة الفائض المالي لديها).

    في العقدين الماضين صار موضوع سد الفجوة التأمينية أحد مشاغل شركات التأمين وإعادة التأمين العالمية وكذلك المؤسسات المالية الدولية (البنك الدولي على سبيل المثل). الدافع وراء هذا الاهتمام ليس المساهمة في خلق مجتمع أقل تفاوتًا في الوصول إلى حصة أفضل من الثروة الوطنية؛ الهم الأساس هو توسيع مصادر الاكتتاب بالأخطار وتعظيم الأرباح. لكن ما نقرأ عنه هو أن سد الفجوة التأمينية يعزز من الاستقرار الاقتصادي، أي يقلل من الأعباء المالية على الحكومات عند وقوع الكوارث. ويرتبط بهذا الاستقرار هدف آخر لسد الفجوة هو ما يسمى دعم الشمول المالي لإتاحة حماية أكبر للفئات المهمشة أو الأقل استفادة من التأمين. وكذلك، زيادة القدرة على الصمود ذلك لأن التجربة التاريخية لرصد وتحليل الكوارث تبين أن المجتمعات التي لديها تغطية تأمينية واسعة تكون أسرع في التعافي بعد الأزمات (إذ تقوم شركات التأمين بتمويل خسائر المتضررين والمساهمة في إعادة بناء الأصول الاقتصادية المتضررة.

    أنا مع دعوة الزميل سمير “إن معالجة هذه الفجوة تتطلب إعادة تعريف دور التأمين: ليس كسلعة، بل كأداة لبناء صمود المجتمع. ومن هنا يمكن أن تتبلور مقاربة جديدة، مثل إنشاء صناديق وطنية مشتركة، أو حلول تأمين كلي (Macro Insurance)، أو منظومات تأمين مجتمعية منخفضة الكلفة، أو شراكات بين الدولة والقطاع الخاص لإنتاج منتجات شاملة تغطي الشرائح الضعيفة. هذه المقاربة تعيد التأمين إلى دوره الأصلي: صناعة اجتماعية بقدر ما هي مالية، هدفها إدارة المخاطر قبل السعي إلى الربحية.”

    أجزل شكري لزميلنا العزيز على ما كتبه.

    7 كانون الأول 2025

  2. Avatar
    سمير عبد الأحد:

    تثير ورقة الزميل مصباح كمال حول البعد الطبقي في صناعة التأمين نقاشًا مهمًا يتجاوز حدود التحليل الاقتصادي التقليدي لينفتح على أسئلة أكثر تعقيدًا تتعلق بطبيعة الصناعة نفسها، وديناميات علاقتها بالمجتمع، والفوارق الاجتماعية التي تتولّد – أو تتعمّق – عبر نماذج التأمين الحديثة.
    فقطاع التأمين كما نعرفه اليوم ليس صناعة بسيطة أو منخفضة التكلفة؛ بل هو نظام مالي عالي التنظيم، شديد الاعتماد على التكنولوجيا، ومبني على شبكة واسعة من المتطلبات الرقابية والحوكمية والموارد البشرية المتخصصة. هذا التعقيد البنيوي ينعكس مباشرة على كلفة المنتج التأميني، وهو ما يطرح الإشكال الرئيسي: هل أصبحت منتجات التأمين تفوق قدرة شريحة واسعة من المجتمع؟ وهل تحوّل التأمين، وهو في جوهره أداة اجتماعية لإدارة الأخطار، إلى سلعة تجارية تكرّس الفوارق الطبقية بدل أن تخفّفها؟

    في التجربة العالمية، يمكن رصد مسار واضح: كلما زادت المتطلبات الرقابية ومعايير الامتثال والحوكمة، وكلما تعمّق الاعتماد على الأنظمة الرقمية والتحليلات المتقدمة والذكاء الاصطناعي، ازدادت كلفة الإنتاج. وهذه الكلفة لا تبقى داخل الشركات؛ بل تُحمّل على المستهلك النهائي عبر الأقساط. ومع قيام شركات التأمين العالمية بالتركيز على مؤشرات الأداء والعائد على رأس المال، أصبح هدفها الرئيسي هو الربحية، وهو ما يخلق فجوة حقيقية بين من يملك القدرة على شراء الحماية التأمينية ومن لا يملك
    .
    أما في العراق، فإن الأمر يتخذ بعدًا أكثر تعقيدًا. فالعقود السياسية المتراكمة، وانعدام الاستقرار، وضعف الاستثمار، وغياب بنية رقابية قوية، كلها عوامل جعلت التأمين في أسفل سلّم أولويات الدولة والمواطن معًا. ففكرة البعد الطبقي لا تظهر هنا بوصفها قضية فكرية بقدر ما هي انعكاس لغياب السوق نفسه، أو محدوديته. فالمؤسسات الحكومية مثقلة، والسوق الخاص ضعيف وغير منظم بما يكفي، والوعي التأميني محدود. ولذلك فإن الفجوة الطبقية في الوصول إلى التأمين تتخذ شكلًا مختلفًا: ليست فجوة بين طبقات اجتماعية بقدر ما هي فجوة بين المجتمع ككل ومنظومة الحماية التي يُفترض أن تحميه.

    ومع ذلك، فإن هذه الظاهرة لا تقتصر على العراق وحده؛ فالعديد من الدول العربية – وإن بدرجات متفاوتة – تعاني من فجوة مشابهة. ففي البلدان ذات الدخل المتوسط كالجزائر والأردن وتونس، يظهر التأمين كخدمة مكلفة مقارنة بالمستوى المعيشي، وفي دول الخليج يظهر التأمين كشهادة على الامتياز الاقتصادي حيث تتسع دائرة التفاوت بين الوافدين والمواطنين، وبين الفئات السكانية في قدرتها على شراء التأمين الصحي والممتلكات.

    هنا يأتي السؤال الجوهري: أين موقع الإطار الدولي المعتمد لتقيم استدامة شركات التامين ومسؤوليتها في ادارة المخاطر ESG ( البيئية ،والاجتماعية والحوكمة ) من كل هذا؟
    من المهم الاعتراف أن معايير ESG، رغم أهميتها العالمية، لم تُطبّق بعمق في العالم العربي، وخصوصًا ضمن قطاع التأمين. لكن الجانب الاجتماعي (S) من ESG يحمل دلالات مباشرة لهذا الموضوع : فهو يدعو الشركات إلى تقييم أثر منتجاتها على العدالة الاجتماعية، والوصول المتكافئ إلى الخدمات، ومعالجة الفجوات التي تترك شرائح واسعة بلا حماية.
    في مواقع كثيرة من العالم، أصبحت شركات التأمين تُقيّم ليس فقط ربحيتها، بل أثرها الاجتماعي، ودرجة شمول منتجاتها لشرائح ضعيفة، ودورها في دعم الفئات التي تواجه الفجوات الأكبر في إدارة الأخطار. لكن في الدول العربية، ما يزال التركيز على الربحية «الصرفة» هو السائد، بينما يبقى مفهوم التأمين الشامل Inclusive Insurance ضعيفًا، رغم أهميته المتزايدة.

    وبالعودة إلى البعد الطبقي، فإن غياب ESG الاجتماعي في مجالات مثل التأمين الزراعي والتأمين الصحي والتأمين ضد الكوارث يفاقم المشكلة. فالفئات الأكثر تعرضًا للمخاطر الطبيعية – كالمزارعين أو الأسر ذات الدخل المحدود – هي الأقل قدرة على شراء التأمين. وفي البلدان العربية التي تتعرض للسيول والفيضانات والزلازل، مثل المغرب وليبيا واليمن وسوريا،الإمارات العربية ،السعودية وعمان ، تظهر فجوة مأساوية بين الخطر الحقيقي وبين قدرة المجتمعات على تمويل الحماية.

    إن معالجة هذه الفجوة تتطلب إعادة تعريف دور التأمين: ليس كسلعة، بل كأداة لبناء صمود المجتمع. ومن هنا يمكن أن تتبلور مقاربة جديدة، مثل إنشاء صناديق وطنية مشتركة، أو حلول تأمين كلي (Macro Insurance)، أو منظومات تأمين مجتمعية منخفضة الكلفة، أو شراكات بين الدولة والقطاع الخاص لإنتاج منتجات شاملة تغطي الشرائح الضعيفة.
    هذه المقاربة تعيد التأمين إلى دوره الأصلي: صناعة اجتماعية بقدر ما هي مالية، هدفها إدارة المخاطر قبل السعي إلى الربحية.

    وأخيراً نتوجه بالشكر إلى زميلنا العزيز مصباح على إثارة هذا الموضوع المهم، ونتطلع إلى قراءة مداخلات أخرى من الزملاء المعنيين لإثراء النقاش وإغناء المحتوى .

اترك رداً على Misbah Kamal إلغاء الرد

%d مدونون معجبون بهذه: