التأمين في العراقي إلى أين؟
منعم الخفاجي*
نبذة مختصرة عن نشوء وتطور التأمين في العراق
عُرف التأمين بشكله الحديث في العراق في نهايات القرن التاسع عشر أيام الحكم العثماني مقتصرًا على التأمين البحري/بضائع، ولهذا الغرض تم اصدار قانوني السيكورتا العثماني والتجارة البحرية العثماني الخاصين بتنظيم هذا النوع من التأمين .
بعد الحرب العالمية الأولى مرَّ التأمين في العراق بمرحلة جديدة حيث دخلت العراق فروع ووكالات لشركات تأمين أجنبية مارست بالإضافة إلى التأمين البحري/بضائع أنواع أخرى كالتأمين من الحريق، السرقة، والسيارات …الخ بمستندات ونماذج إنكليزية وبإشراف هيئات تأمين بريطانية. استمر هذا الحال حتى بعد تأسيس أول شركة تأمين عراقية سنة 1946 برأس مال أجنبي 60% وعراقي 40%.
بدء التطور الحقيقي
بعد سنة 1950 ومع تأسيس شركة التأمين الوطنية، أول شركة تأمين برأس مال حكومي عراقي، بدأت حقبة جديدة من التطور الحقيقي لقطاع التأمين في العراق. وبسبب نجاح هذه الشركة بادر القطاع الخاص العراقي بمزاولة العمل التأميني حيث تم في سنة 1958 تأسيس أول شركة تأمين أهلية هي شركة بغداد للتأمين (التحقتُ بهذه الشركة في آب/1963) ثم توالى تأسيس شركات تأمين أهلية حتى بلغ عددها عشية صدور قرارات التأميم في تموز/1964 ست شركات عاملة في السوق إضافة إلى شركة التأمين الوطنية وشركة إعادة التأمين العراقية وخمسة عشر فرعًا ووكالة تأمين أجنبية، جميعها تزاول عملها بشكل مهني متطور وفقًا لمبادئ وشروط ومستندات تأمين مصدرها شركات التأمين الغربية المتطورة وفي المقدمة منها الشركات العاملة في سوق التأمين البريطانية وبإشراف مباشر من قبل هيئات بريطانية متخصصة من بينها هيئة مكاتب الحريق (Fire offices’ Committee).
بعد قرارات التأميم وما لحقها من دمج شركات التأمين المؤممة وتصفية وكالات وفروع شركات التأمين الأجنبية العاملة في العراق، أقتصر سوق التأمين العراقي على ثلاث شركات فقط هي شركة التأمين الوطنية تخصصت بأعمال التأمينات العامة (عدا التأمين على الحياة)، والشركة العراقية للتأمين على الحياة تزاول التأمين على الحياة حصرًا، وشركة إعادة التأمين العراقية تمارس أعمال إعادة التأمين.
وفي حقبة ما بعد التأميم، وبفضل الإدارة الحكيمة لهذه الشركات بإشراف المؤسسة العامة للتأمين، استمر تطور قطاع التأمين في العراق نحو الأفضل وبوتيرة متسارعة حتى أصبح في سبعينات القرن الماضي من أهم قطاعات التأمين في المنطقة فنيًا حيث أصبح مركزًا لتدريب وتأهيل كوادر التأمين العراقية، التي بفضلها تقدّمَ العمل التأميني، وكانت العديد من الكوادر العربية تقصد العراق لغرض التدريب. ليس هذا وحسب بل بادر قطاع التأمين العراقي إلى تأسيس شركات تأمين في عدد من الدول العربية ورفدها بالكوادر العراقية للمساندة وإدارة العديد من شركات التأمين العربية، وكان رائدًا في هذا المجال.
ومن حيث حجم الأعمال كان قطاع التأمين العراقي أيضًا في مقدمة القطاعات في المنطقة حيث بلغت أقساط التأمين المكتتبة في التأمينات العامة (عدا أقساط التأمين على الحياة) خلال سنة 1981 600000000$ (ستمائة مليون دولار)، في حين كانت أقساط التأمين في الدول الأخرى في المنطقة أقل كثيرًا من هذا الرقم.
كل هذا التطور والمكانة المرموقة التي تمتع بها قطاع التأمين في هذه المرحلة، جاء نتيجة التدريب المستمر للكوادر التنفيذية التي كانت تشرف عليها الإدارات الحكيمة للقطاع، عن طريق تنظيم الدورات التدريبية الممنهجة داخل العراق واستقدام خبراء أجانب حقيقيين من دول أوربية متعددة لعقد الندوات والدورات التدريبية وكذلك ابتعاث عدد غير قليل من الموظفين خارج العراق للدراسة والتدريب، مما أدى إلى تنمية كوادر تنفيذية متخصصة لقيادة القطاع وإلى تطور القطاع بمنهجية سليمة.
لمواصلة القراءة الرجاء الضغط على الرابط التالي:

عد مراجعتي لما قدمه االاستاذ منعم الخفاجي في ورقته «التامين في العراق(إلى أين)»، وجدت أن ما طُرح كان بحاجة إلى انطلاق اُوسع يتناول الأسس والمعايير الجوهرية المعروفة عند تشخيص أوضاع الأسواق التأمينية. فالمؤشرات المعتمدة عالمياً – مثل العمق التأميني (Insurance Penetration & Density)، مردودية رأس المال المستثمر ROE، معايير الحوكمة المؤسسية، الملاءة المالية لشركات التأمين، إضافة إلى مؤشرات الكفاءة التشغيلية والإدارية – تمثل أدوات علمية لقياس الأداء، وتسمح بتكوين صورة كمية ونوعية دقيقة عن مدى قدرة السوق على النمو، وتعزز إمكانية الحكم على تنافسيته واستدامته.
نعم ان المعالجات التي تناولها الأستاذ منعم قد شخصت إلى حد بعيد، على موضوعات مهمة وأثر ما مر به العراق على تردي اوضاع التامين لكن الازمةً بعد كل هذه الفترة الطويلة بعد احتلال العراق هي في حقيقتها أعمق من مجرد ضعف تشريعي أو قصور تدريبي أو من آثار زمن المحتل ، بل تتصل بغياب إطار قياسي متكامل لقياس الأداء، وضعف الإفصاح والشفافية، وانعدام آليات فعّالة للمساءلة سواء على مستوى إدارات الشركات والإمعان في المحاصصة عند التعينات ( كما لخّصتها في ورقة الأستاذ مصباح كمال الأخيرة عن تعين مدير عام شركة التامين العراقية ) أو على عدم كفاءة مستوى الجهات الرقابية.
إن سوق التأمين العراقي اليوم يمر بمرحلة يمكن وصفها – دون مبالغة – بأنها أدنى مستويات التراجع والركود. فالمؤشرات لا تبعث على الاطمئنان: ثقة الجمهور بالمنتجات التأمينية شبه معدومة، رؤوس أموال الشركات تتآكل عاماً بعد عام، فيما يتزاحم عدد كبير من الشركات المحلية على أقساط لا تتجاوز في حجمها ما نراه في أسواق متواضعة توصف عادةً بـ”أسواق الموز”. وإلى جانب ذلك، تغيب استراتيجيات ابتكار منتجات جديدة تلبي الاحتياجات الفعلية للاقتصاد والمجتمع، كما نفتقد إلى بنية تحتية تقنية وتشريعية قادرة على مواكبة التطورات العالمية في الصناعة التأمينية.
صحيح ان ما نراه في سوق التامين العراقي ما هو إلا نتيجة لإفرازات الكوارث التى مر بها العراق ، إلا إن المطلوب اليوم ليس مقاربة حذرة أو عامة، بل تشخيص أكثر صراحة وجرأة، قائم على أسس علمية وموضوعية، يضع النقاط على الحروف ويكشف مكامن الخلل البنيوية والتنظيمية بلا مجاملة. نحتاج إلى خطاب إصلاحي يقرّ بأن السوق في وضع مأزوم، وأن الإنقاذ لا يأتي الا من خلال خارطة إصلاح متكاملة تعيد النظر في السياسات الرقابية، وتدفع باتجاه دمج وتوطيد الشركات الضعيفة، وتبني معايير صارمة للحوكمة والملاءة، وتشجع الاستثمار في التقنيات الحديثة ومنتجات التأمين المبتكرة. فقط عندها يمكن القول إننا بدأنا مساراً جاداً لإحياء سوق التأمين العراقي وانتشاله من واقعه الحالي.
ارجوا ان تكون مداخلتي وافية بالغرض